أستغفر الله العظيم واتوب اليه
⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
بعينين متحيّرتين، نظرت إلى كارسون.
تلاقت عيناه بعيني، وارتسمت ابتسامة خفيفة عند أطراف شفتيه.
قال بهدوء:
“لا تقلقي، أنا معك.”
لم أكن متوترة حقًا، لكن كلماته منحتني بعض الطمأنينة.
جعلتني أشعر أن بإمكاني الضغط على زر قلم التسجيل في جيبي دون أن ترتجف يدي.
همست مازحة في أذن كارسون بينما كنت أتبع الخادم إلى الغرفة:
“لو غضبتُ ورششتُ الماء على شقيق فيورد فقط للاحتياط، هل يمكنك إصلاح الأمر؟”
أجاب فورًا:
“سأتكفّل بالماء الساخن.”
“هه؟ ماذا، ستطلب مني أن أذهب إلى المطبخ وأغليه؟”
“أستطيع رفع درجة حرارته بالسحر فورًا، لين، فقط رشيه متى شئتِ.”
نظرت إليه في حيرة من نبرته الهادئة الجادة أكثر مما يلزم.
ملامحه كانت جديّة قاتلة. لم يكن في مزاج المزاح مثلي.
هل كان يتحدث بجدّ…؟
قلت بسرعة:
“لم أقصد إيذاءه، فقط كنت أمزح.”
ردّ دون أن يغيّر ملامحه:
“حقًا؟ ظننتك ترغبين في تلطيخ يديك من جديد.”
“وماذا لو فعلتُ فعلاً؟”
ابتسم كارسون بخفة بلا تردّد:
“افعلي ما يحلو لكِ، لين.”
“وتتوقّع أنني قد أفعل ماذا بالضبط؟”
“أي شيء تقريبًا، طالما ليس قتلاً فوريًا.”
(يعني أستطيع ضربه حتى الموت؟)
سألت بنبرة غير مصدّقة، وكنت أختبر حدود احتماله:
“وماذا عن ذكرياته؟”
قال ببرود:
“آثارها الجانبية مزعجة، لكن هناك سحر يمحوها، وما الضير في العبث بها قليلاً، سأقول فقط إنني لكمته.”
لامبالاته جعلتني أتساءل إن لم تكن إشاعات كارسون مبالغًا فيها بعد كل شيء.
تذكّرت أن بعض الشائعات عنه كانت عن قاطع شرايين متسلسل وما شابه.
ابتسمت وقلت:
“افعل ما تشاء، فقط ابقَ هادئًا.”
…ورجاءً لا تحاول غلي الماء في الفنجان.
🍃
أُدخلنا إلى غرفة الاستقبال وجلسنا متقابلين مع ذلك الرجل.
حين حاول فيورد أن يجلس على المقعد المتبقي، قطّب الرجل جبينه:
“اخرج. أحتاج أن أتحدث مع ضيوفي.”
قال فيورد بعناد:
“إنهم أصدقائي.”
“إنهم ضيوفي الآن.”
“ماذا تريد أن تقول لأصدقائي؟”
“لا أظن أن عليك أن تعرف.”
“ولمَ؟ هل ستقول شيئًا لا يمكن قوله أمامي؟”
ازداد توتر فيورد منذ اللحظة التي وقعت عيناه على شقيقه، بينما ظلّ الرجل متراخيًا كما هو.
ارتشفتُ شايي بهدوء.
حتى الآن، لا بأس.
وجه الرجل ازداد قتامة وهو يخاطب فيورد بصرامة:
“اخرج. يجب أن تعرف متى تبقى ومتى ترحل.”
حدّق به فيورد، ثم أغلق الباب بعنف خلفه.
يا أحمق، خروجك هكذا يوحي أنك خسرت الجدال.
…مع أنك فعلاً خسرت.
ثم سمعنا صوته من وراء الباب يقول بتبرير بائس:
“لابد أنها الريح.”
آه. عذر كهذا جعله يبدو أسوأ.
آسفة يا فيورد.
لكن ابتسامة خفيفة ارتسمت عند طرفي شفتي الرجل.
قال:
“لا بأس. أنا الأدرى بمتى يفسد فيورد.”
كلماته أزعجتني. هل كان يراقبه بحجة أنه يدلّله؟
ثم طريقة قوله “يفسد” وكأنها حقيقة مسلّم بها… ضايقتني أكثر.
لأن فيورد طيب، ليس مجرد وجه وسيم.
…باستثناء حين يغازل.
قال الرجل بلباقة:
“قبل أن ندخل في صلب الموضوع، سيد كارسون، هل تمانع أن تلقي تعويذة تمنع تسرب الحديث؟”
أومأ كارسون وألقى التعويذة.
وحين تأكد الرجل من فعاليتها، التقط فنجانه بارتياح وقال:
“أظن أن أخي الصغير اللطيف يضع أذنه على الباب.”
ثم طرق الفنجان بالمكتب برفق ومدّ يده نحونا بابتسامة هادئة:
“لقد تعرّفتُ على اللورد كارسون سابقًا، فلنختصر… تأخرت، لكن دعوني أقدّم نفسي بالاسم الكامل: أنا لو، الابن الأكبر لمركيز أناناس.”
لو؟ هل قصد اسمه الكامل لا لقبه؟
تذكرت حينها أنه ابن غير شرعي للمركيز.
كان من الشائع أن يختصر العامّة أسماءهم ليسهل مناداتهم.
صافحت يده برفق وقلت:
“أنا لين.”
لم يتغير وجهه لعدم ذكري لقبًا.
ربما لم يكن من أولئك الذين يحتقرون العامّة.
أو لعلّه ارتاح لأن صديقة فيورد عاميّة وليست ذات مكانة عالية.
ابتسم وقال:
“اسم يليق بك.”
ضيّق كارسون عينيه بغيظ عند التعليق. مع أنه كان تحية عادية.
ظلّ يرمق لو بحدة منذ المصافحة.
أما لو فثبّت نظره عليّ وتابع:
“كيف حال فيورد في الأكاديمية؟”
سؤال طبيعي من أخ، لكن اهتمامه لم يبدو من النوع الإيجابي.
قلت بتأنٍ:
“تحدث إليّ براحتك. أنا مجرد عامية، وأنت أخ فيورد.”
أجاب بهدوء:
“أنا أيضًا من جهة أمي عاميّ. ثم إن صغر سنك لا يعني أن تُنتقصي، وكونك صديقة أخي لا يجعلك مرتبطة بي مباشرة.”
كان مؤدبًا جدًا. أو جامدًا.
لكنه أفضل مئة مرة من التوبيخ من أول لقاء.
“إذن، أعود للسؤال: كيف حال فيورد؟”
“أم…”
ترددت. هل أكون صريحة أم لا؟
لم أرغب أن أقول إنه ليس بخير، فهذا إقرار باضطرابه.
لكن لا تفسير لعودته مسرعًا للمركيزية مع بدء عطلة الربيع.
وبينما كنت أتلكأ، قال لو وكأنه يعرف ما يجري:
“كان بخير، لكن هذا الفصل بدأ يتصرّف باندفاع.”
أصاب كبد الحقيقة.
قال:
“ألهذا جئتِ لرؤية فيورد؟”
أومأت:
“نعم. قلقت عليه كصديقة.”
ابتسم قليلًا وقال:
“سعيد أن لفيورد صديقة تبذل أيامًا لزيارته.”
رده لم يكن متوقعًا.
هل يمثل دور الأخ المحب؟
لكن تعامله مع فيورد كان بارداً وبعيدًا أكثر من اللازم. ما الذي يدبّره؟
ثم قال بجدية:
“أنا هنا لأطلب منكما خدمة.”
“تفضل.”
“لكن قبل ذلك، هل يمكن أن أطرح سؤالاً آخر؟”
“بالطبع.”
“شكرًا. أحتاج أن تجيبي بصدق ومن دون إساءة فهم.”
مقدمة طويلة لسؤال ما.
قلت بحذر:
“سأحاول.”
فقال بملامح جادة، يضم يديه:
“هل سبق لكِ أن قتلتِ أحدًا؟”
“…ماذا؟”
“هل قطعتِ أحد أطرافهم، أو سممتِ طعامهم، أو… أوصلتهم إلى حافة الموت؟”
يا له من سؤال مجنون.
تجمّدت وأنا أحدّق فيه، بينما هو يومئ راضيًا:
“من رد فعلك أظن لا. يسعدني أن فيورد أحسن اختيار أصدقائه هذه المرة.”
“ماذا تعني بهذه المرة؟ وما نوع الأصدقاء الذين كان معهم سابقًا…؟”
لكن نظراته انزلقت إلى جانبي. تابعت باندهاش إلى حيث كان ينظر.
إلى كارسون.
أدركت أنه طيلة الوقت كان يركز عليّ، باستثناء طلبه لتعويذة العزل.
وكأن كارسون غير موجود.
هل استُبعد تلقائيًا من قبل فيورد…؟
ثم عاد لو ليقول:
“الآن سأخبرك بما أردتُ حقًا أن أطلبه.”
ثبتّ عينيّ عليه من جديد.
قال بجدية:
“أحتاجكما أن تمنعا فيورد من التهوّر.”
…خوفًا من أن يعرّض وراثته للخطر.
اعترضت:
“لا، هذا ليس خيارنا، وليس من حقنا أن نوقفه.”
قال بهدوء:
“أفهم قلقكِ يا آنسة لين.”
ابتسم ابتسامة خفيفة ثم محاها.
وأضاف:
“كنتُ سأحترم قرار فيورد أيضًا، لولا خياره بعد إعلان والدي أنه اختار وريثه.”
رمش ببطء:
“تعرفين أن الخيارات التي تُتخذ عند الحصار ليست الأفضل.”
قلت بإصرار:
“ومع ذلك، يبقى الاختيار اختياره.”
قال:
“آنسة لين. أظن أن فيورد لم يكن بهذا الحماس طوال سنواته في الأكاديمية.”
“أول مرة؟”
صعب أن أصدق. فيورد رغم تذمّره، كان يضحك حتى لأبسط الأشياء.
قال لو بنبرة متذكّرة:
“نعم. كان دائم الانشغال بتحقيق أعلى الدرجات، لكن مع السنة الأخيرة بدا سعيدًا جدًا. صار يمزح كما في السابق، ويضحك كثيرًا. وطبعًا، حافظ على تفوقه.”
هل كنتُ أتخيل أم أن في كلماته نفحة حنين؟
ثم حدّق بي بعينين أكثر صفاءً:
“أتساءل إن كان ذلك بسبب أصدقائه…”
اعترضت:
“أنت مخطئ، كاون صديق فيورد منذ أقدم الأزمان.”
قال بثقة:
“إذن ليس بسبب كارسون. بل بسبب الآنسة لين.”
تنهّدت بامتعاض:
“لا أعلم إن كان حدسك صحيحًا يا لو.”
ثم تابعت بصرامة:
“أكثر من ذلك، إذا كنت تعرف أننا مقربان من فيورد، ألا تعتقد أن طلب خدمة كهذه غير مناسب؟”
“لماذا؟”
قلت ساخطًة:
“لأن لو الآن في نزاع وراثة مع فيورد، وتعلم أن فيورد إن لم يتخرج من الأكاديمية فستتراجع حظوظه.”
أجاب بثبات:
“آه، قصّرت بذكر ذلك أولاً.”
“…؟”
قال بصرامة كمن يدق مسمارًا:
“الوارث الذي اختاره والدي هو فيورد، لا أنا. وقد ناقشني في الأمر بالفعل.”
…ماذا؟
إن كان هذا صحيحًا، فلماذا كان فيورد يقاوم بكل ذلك الجهد لإبقاء لو تحت السيطرة؟
بل لمَ يحاول استعادة موقعه أصلاً؟
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
التعليقات لهذا الفصل " 67"