أستغفر الله العظيم واتوب اليه
⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
صوت إرهان تبع كلماته.
«آه، صحيح. أمس قال معلّم الإتيكيت إنه لم يرَ عائلة منسجمة مثل عائلتنا قط، أليس كذلك يا لوكا؟»
«وأنا أحب عائلتي أيضاً. أمي، أبي، وأنت يا أخي!» هتف لوكا.
أجل، هكذا هو الأمر.
الكونت وعمّتي كانا من حالات الزواج بدافع الحب النادرة، وهو أمر غير مألوف في زيجات النبلاء.
إرهان ولوكا كانا ثمرة ذلك الحب، لا مجرد وسيلة لإنجاب وريث. لذلك كانا يعتنيان ببعضهما بصدق، ربما لأنهما كبرا في كنف هذه المحبة.
أحياناً كنت أشعر بذلك عندما كنت أرافق أمي في زياراتها للكونتيسة. كانت عائلة الكونت متماسكة مثل عائلتنا. عائلة سعيدة.
لكن الآن لم يعد لدي والدان يحتضناني برفق. ولا أخ أعتمد عليه. الغيرة وخزت قلبي بالحسد.
«وأنتِ أيضاً يا أخت لين! أنتِ جزء من عائلتنا الآن، أليس كذلك يا أختي؟»
«…طبعاً. لين أيضاً عائلتي.»
في تلك اللحظة، اخترق رأسي صاعقة وكأن البرق ضربني.
أنا أيضاً عائلتهم؟
تمسّكت فقط بكوني اعترفت كفرد من عائلتهم. الشيء الوحيد الذي سيطر على ذهني هو أنني يمكن أن أكون جزءاً من علاقتهم.
لم ألاحظ حينها أن إجابة إرهان جاءت متأخرة.
ꕥ
كان يوماً بارداً على غير العادة. أشعلت الموقد وتدثّرت ببطانية سميكة، لكن جسدي كله ظلّ يرتجف.
«ألا تريدين الخروج اليوم؟»
…ما الذي كنت أفكر فيه؟
لم يكونوا سوى أشخاص مزعجين. لن يساعدوني على نومٍ مريح، ولن يزيلوا قلقي بكلمات غريبة.
وبينما كنت أحاول أن أتماسك، سمعت صوتاً مألوفاً عند الباب.
«أختي، الجو بارد اليوم، أليس كذلك؟»
«يبدو أن لين لا تفعل شيئاً سوى النوم في غرفتها. ربما لا تدري حتى أنه يتساقط الثلج؟»
«كان الثلج جميلاً جداً.»
فكرت فقط أنه من الأفضل ألّا أخرج. لكن سماع صوت الأخوين جعلني أشعر بحماس غريب.
كالعادة، تبادلا أحاديث عن أحداثهم الأخيرة، وأنا كنت أستمع. وفجأة سمعت سعلة عالية.
«هل أصبت بالبرد؟»
«لا، مجرد عطسة.»
أنكر إرهان، لكنه بعدها سعل متتابعاً كما لو كان يثبت العكس.
«أريد أن أبقى وحدي، فادخل واسترح.»
«حتى لو لم تكوني مريضة.»
«أتظن أنني سأُخدع بسعالك ذاك؟»
«إنه فقط لأني قلق من تركك وحدك في مكان بارد كهذا.»
«يمكنني أن أطلب من الخدم أو الوصيفات.»
«هُم لا يملكون خياراً سوى طاعتك عندما تطلبين منهم الانصراف.»
استمر الجدال بين الأخوين عدة دقائق دون أي نتيجة. شيئاً فشيئاً ضقت ذرعاً بمشاحنتهما المتكررة.
ربما لهذا السبب فتحت الباب بغضب شديد.
«توقفا عن الارتجاف في الخارج وادخلا.»
ملامح الدهشة على وجهيهما، وعيناهما متسعتان كما لو رأيا شبحاً، كانت مضحكة للغاية.
لكنني تماسكت ومنعت نفسي من الضحك. فتحت الباب الذي ظل مغلقاً طوال الوقت. كان فتحاً يائساً.
ꕥ
ما دام الباب قد فُتح مرة، فالثانية أصبحت أسهل. صرت أدعو أخويّ إلى غرفتي كل يوم.
لم يكن من الصعب أن أقترب منهما مجدداً، فقد كنا نلعب معاً حتى قبل أن أعتمد على الكونت.
أصبحت أيامي تبدأ بزيارتهما وتنتهي بوداعهما.
لم أخرج من الغرفة، لكن عالمي الصغير أصبح أكبر. ومع استمرار زياراتهما، بدأت عمّتي والكونت بزيارتي بحذر.
وطبعاً لم أرفض زيارتهما هذه المرة. شيئاً فشيئاً التقيت بأفراد بيت الكونت واحداً تلو الآخر، وشعرت بدفء لم أعرفه من قبل.
لقد اهتموا بي بصدق واحترموني، ولم يميزوا ضدي. كلماتهم وتصرفاتهم جعلتني أؤمن أنني لست وحيدة.
وفي يوم ما، تساءلت فجأة: حتى وأنا مستيقظة، لم أعد أعاني…
قلبي ما زال يتألم عندما أفكر في والديّ، لكن لم أعد أفكر فيهما في كل لحظة كما كان من قبل.
عندما يزورني أهل الكونت ونتحدث، كنا غالباً نضحك. فهل لازلت بحاجة لأن أحبِس نفسي في غرفة هكذا؟
بمجرد أن خطرت لي الفكرة، فتحت الباب وخرجت.
المكان الذي توقفت عنده كان حيث رائحة الطعام اللذيذ وأصوات مألوفة. بدا أنني نزلت تماماً في وقت الوجبة.
«بفضلكم استطاعت لين أن تفتح الباب. أنتما أفضل من أمكما وأبيكما. تستحقان الثناء.»
عندما ذُكر اسمي، اختبأت غريزياً. ثم راقبتهم من خلال شق صغير في الباب.
«لكن يا أمي. أنا فقط أردت اللعب مع أختي.»
ربّتت عمّتي على شعر لوكا بلطف. «هذا جواب يليق بلوكا. فهل استمتعت باللعب مع لين؟»
«نعم. لكن يؤسفني أن لقاءنا كان قصيراً. أتمنى لو نستطيع الأكل معاً…»
«إذا انتظرت، سيأتي يوم نأكل فيه جميعاً مع لين.»
الكونت، الذي كان يراقب الصبيين بسعادة، تكلّم بوجه جاد.
«وبالمناسبة، إرهان، لوكا. لدي أمر أريد أن أخبركما به.»
عندما اتجهت الأنظار كلها إليه، نظر إلى عمّتي وكأنه يستأذنها. فأومأت بخفة.
«لم أسأل لين عن رأيها بعد، لكني قررت أن أخبركما أولاً.»
رأيي؟
انتظرت كلماته بفارغ الصبر.
«لين بالفعل جزء من عائلتنا. لكنني أريد أن نصبح عائلة على الورق أيضاً، لذا سأمضي بإجراءات التبني الرسمية وأدرجها في سجل العائلة.»
خفق قلبي بشدة. كانت الدموع على وشك الانهمار. كنت أعلم أنهم يعتبرونني عائلة، لكن سماعها مباشرة جعل الأمر مختلفاً.
كنت ربما سأركض إلى أحضان عمّتي والكونت… لولا الكلمات التي جاءت بعد ذلك.
«أنا أعارض!»
«إرهان؟»
التفت الجميع إليه بدهشة. عضّ شفته بتوتر وتابع.
«صحيح أن لين جزء من عائلتنا بمعنى واسع. لكنها لم تُولد بين أمي وأبي مثلنا.»
«ماذا…!»
«أعتقد أننا قدّمنا لها ما يكفي من مأكل وملبس ومسكن.»
ارتجّ صوت الكونت بالغضب وهو يصرخ: «إرهان!»
«لم أقل شيئاً خاطئاً! لين هي ابنة عمّتي، لا ابنة أبي وأمي!»
قفز الكونت من مقعده ورفع يده في وجه إرهان. عندها صرخت عمّتي فوراً:
«عزيزي! لا تكن عنيفاً!»
وكأنه أدرك ما كان يوشك على فعله، أنزل الكونت يده، لكن الغضب ظلّ في عينيه.
«لقد خيّبت أملي كثيراً، يا بني. هل تعارض التبني لهذا السبب فقط؟ إن كنت حقاً ترفض، فعليك أن تقدّم سبباً أكثر وجاهة.»
كنت محرجة بشدة، وكأنني السبب وراء شجارهم. شعرت بالذنب العميق لأني تسببت في فوضى داخل عائلة الكونت.
في النهاية، هربت من مكاني. ومع ذلك لم أشعر بأي ضغينة تجاه إرهان. كان مؤلماً، لكنه قال الحقيقة فقط.
لا بد أن لدى إرهان أسبابه لمعارضة تبنيّ.
على الأرجح شعر بأنني تهديد. فالكونت وعمّتي لم يكونا من النوع الذي يفرّق أو يميّز لمجرد أنني متبناة.
ولو أصبحت ابنة الكونت رسمياً، سأحصل على نفس المؤهلات التي يملكها إرهان.
مثل منصب الوريث.
لوكا لم يكن مهتماً باللقب، وكان يرفض دراسة ما يتعلّق به. ومن دوني، كان إرهان سيرثه بلا نزاع.
لذلك لا بد أنه شعر بالقلق والنفور من تبنّيي.
بعد أن هدأت أفكاري قليلاً، جاء الكونت لرؤيتي. لم يكن صعباً توقّع ما سيقوله.
«لين. كنت أنوي أن أدرجك رسمياً في عائلتنا. هل تقبلين أن تكوني ابنتنا؟»
جاءني الكونت دون أن يلتفت إلى معارضة إرهان.
ولذلك رفضت عرضه.
كنت أريد أن أُطمئن إرهان أنني لا أشكّل خطراً. لن آخذ مكانه. أعرف موقعي جيداً.
وبغباء… لم يحاول الكونت إقناعي أو إجباري على أن أكون ابنته. بل احترم خياري، وطلب مني أن أخبره متى غيّرت رأيي.
ارتميت في حضنه وأجبت: «حسناً». كان حضنه دافئاً كحضن والدي الراحل.
في اليوم التالي، ابتسم لي إرهان بود كما يفعل دائماً. شعرت بالارتياح لأن ابتسامته لم تتغير.
لكن في الوقت نفسه شعرت بشيء غريب غير منسجم. ابتسمت متجاهلةً ذلك الانزعاج. لم أرد أن يكرهني.
فابتسمت كالبلهاء.
ꕥ
منذ أن خرجت من غرفتي، تغيّر مجرى حياتي كثيراً.
لم أكن على الورق ابنتهم، لكن الكونت وعمّتي عاملاني كابنتهم تماماً. عدت أدرس علم الأعشاب في مختبر وفّره لي الكونت.
وفي الأيام المشمسة، كنت أخرج في نزهات مع عائلة الكونت، وأحياناً أذهب للخيول مع إرهان.
أما لوكا فكان في الأكاديمية، فلم نكن نلتقي إلا في العطل.
ومع مرور الوقت واستقرار الأمور، بدأت أتلقى دروساً على يد أساتذة دعتهم عمّتي.
استعدت حياتي شيئاً فشيئاً وسط حب الجميع.
لكن عند نهاية صيف طويل بشكل خاص، انقلبت الحياة السعيدة التي ظننتها دائمة.
خرجت لشراء أعشاب وعدت بباقة من زهور اللافندر. كانت هدية لأهل الكونت.
كانت هذه أول مرة أهدي فيها شيئاً، فدخلت القصر بفرح وتوقع.
وعندما علمت أن إرهان في غرفة الضيوف، توجهت مباشرة إليها. لو فكرت قليلاً، لأدركت بسهولة أنه مع أحد الضيوف.
لكنني كنت متحمسة فلم أفكّر كثيراً.
وعندما دخلت، رأيت فتىً ذا شعر فضي لامع وعينين رماديتين.
التفتت عيناه نحوي وكأنهما شعرتا بنظرتي. كان في الجو برودة مخيفة، لكنني شعرت أنها تناسبه.
نعم، حتى تلك اللحظة.
«لـ… لين؟»
رنّ صوت إرهان المربك في أذني. حينها فقط أدركت خطئي، فانحنيت مسرعة للفتى واعتذرت.
«أنا آسفة. كنت على عجلة ودخلت دون أن أعلم أن أخي إرهان مع ضيفه.»
عادة أناديه باسمه دون اعتبار لفارق العمر، لكن بما أننا أمام شخص آخر، فضّلت أن أظهر الاحترام.
«…أخي؟»
كما لو أن شيئاً ما حدث، قطّب الفتى ذو الشعر الفضي حاجبيه ونظر إلى إرهان.
«أ- آه. هي ليست أختي الحقيقية، بل ابنة عمّتي التي تعيش معنا هنا في بيت الكونت.» قالها إرهان باعتذار وهو يتصبّب عرقاً.
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
التعليقات لهذا الفصل " 56"