أستغفر الله العظيم واتوب اليه
⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
مرّت بضعة أسابيع منذ الموعد مع كارسون. كان يومًا هادئًا بلا أحداث خاصة. هذه كانت الأيام العادية التي لطالما رغبت بها.
بعد أن قضت يومها ببساطة، فتحت لين ورقة الرسالة المألوفة أمامها وابتسمت ابتسامة مشرقة.
لقد كان ذلك “انتصار العم”. فبعد عملية المئزر، يبدو أن استراتيجية البكاء قد نجحت أيضًا.
طوت لين الرسالة وهي تشعر بالفخر بانتصاره. كان الأمر يشبه مشاهدة تلميذ يتباهى بنتيجته الدراسية بعدما حقق درجات جيدة.
“يا لك من عاشق!”
في تلك الأثناء، كان دوق ليسيانثوس يعيش هذه الأيام وكأنه يطير في السماء.
فقد بدأت علاقته مع زوجته العزيزة، التي توترت بسبب ابنهما، تستعيد دفئها من جديد.
بل لم يكن الأمر مجرد عودة، بل بدا أفضل من ذي قبل. وكل ذلك بفضل النصيحة العظيمة التي قدمتها الطفلة المسماة لين.
كانت ذكية وفطنة إلى حد أن الدوق تمنى لو يتخذها ابنة له.
«كان من الأسهل أن أجعلها كنةً بدلًا من ابنة بالتبني… لكن ككنة؟ إنني أشفق على الطفلة إن كان عليها تحمّل شخصية كارسون.»
وبسبب طبع كارسون، لم يستطع أن يفكر أبدًا في تزويجها له. فلم يكن ذلك عدلًا في نظر والد يقرر مستقبلها.
وفوق ذلك، لطالما رغبت زوجته منذ زمن طويل في أن يكون لها ابنة.
لم يكن مهمًا إن كان والدا الطفلة على قيد الحياة؛ فالعائلات النبيلة أحيانًا تتبنى أطفالًا أذكياء من عامة الشعب.
بعد ولادة كارسون، انقسم الحب الذي كان ملكًا له وحده.
ومع رؤيته ينقسم إلى اثنين، كان يعارض فكرة إنجاب طفل آخر، لكنه ظن أن الأمر سيكون حسنًا لو كانت الطفلة مثل لين.
مع ذلك، لم يكره الدوق ابنه كارسون منذ البداية.
يا لروعة ذلك الطفل الذي ورث خصلات الشعر الوردية المجعّدة لزوجته سيلفيا.
وبالنظر إلى أن نصف دم سيلفيا يجري في جسده الصغير، كان ثمينًا عنده أكثر من أي شيء آخر.
…لكن، في الحقيقة، كان ذلك “الثاني”.
إذ كان الأول دائمًا هو سيلفيا. ومع ذلك، لم يبدأ الدوق بالابتعاد عن كارسون الذي كان يحبه إلا حين بلغ الخامسة.
عندها أظهر كارسون موهبة سحرية ورثها عن والديه، وبدأ الناس يلقبونه بـ “العبقري”.
حينها انهارت الدوقة سيلفيا، تضرب صدر زوجها بقبضتها ووجهها مشوه من الحزن:
“ماذا أفعل؟ ابننا كاون، كاون…!”
“سيلفيا، اهدئي.”
“أتظن أنني أبدو هادئة؟ كاون يبدو أنه يملك نفس شخصيتك! ماذا أفعل به؟ ماذا أفعل يا عزيزي!”
تفجرت سيلفيا من حزنها وبدأت تبكي. ارتبك الدوق وربت على ظهرها. لكنه في أعماقه كان هو من يريد البكاء.
أي ذنب له حتى ينال نقمة سيلفيا؟ ألم يكن الخادم هو من سرق حُليها، وكارسون من ألقى عليه التعويذة؟
“سيلفيا. لا تبكي. سأعتني بكارسون. ما زال صغيرًا ولا يجيد التحكم بمشاعره.”
“هيك~ لكن يا عزيزي… سمعت أنك كنت تطلق السحر على الناس وأنت في عمر كارسون.”
كلماتها التي أصابت كبد الحقيقة جعلت الدوق يصمت لبرهة.
“…لكنني كنت أختار فقط مَن أستطيع إصابتهم.”
“وهل هذا أمر تفخر به؟!”
صرخت سيلفيا ودفعته بعيدًا: “لا أعلم! لهذا كنت مترددة في مواعدتك أصلًا! فلنستعيد ابننا الآن!”
صفقت الباب خلفها، وبقي الدوق ينظر باكيًا.
«كنت أظن أنني بحاجة إلى حوار صريح مع ابني.»
ꕥ
“ابني.”
أدار كارسون رأسه بعيدًا. كان ذلك تصرفًا يوضح بجلاء أنه لا يريد النظر إلى الدوق.
“سأحدّث والدي.”
رغم نداء الدوق الثاني، تظاهر كارسون بأنه لا يسمع. كان الحوار بينهما مستمرًا منذ أكثر من نصف ساعة.
فقد وبّخ الدوق ابنه مدفوعًا بالمرارة والحزن. في البداية، تمرد كارسون مدافعًا عن نفسه، مدعيًا أنه لم يرتكب خطأ وهو يطلق السحر.
لكن الدوق أوقفه بصمت وأصر على مواصلة تعليمه.
ومهما كان عبقريًا، لم يكن سحر طفل في الخامسة ليعجز الدوق، الذي قيل إن قوته تضاهي قوة الساحر الأعظم الحالي.
وبعد أن ظن أنه وبّخه بما يكفي، تنهد الدوق بعمق وتحدث بصوت أكثر صرامة:
“كارسون. عليك أن تتحكم في مشاعرك كي تصبح دوقًا يُحترم لاحقًا.”
حينها، فتح كارسون عينيه على اتساعهما ونظر إلى والده. بدا أيضًا متأثرًا قليلًا.
“أبي لم يستطع التحكم بغضبه…”
ساد صمت بين الاثنين.
“…أبوك كان يتحكم بغضبه جيدًا. لم يكن عاجزًا عن ذلك.”
«صحيح… أمام أمك فقط.»
كبت الدوق الفكرة وابتلعها.
كان كارسون يراقب ملامح وجهه، ثم رفع جانب فمه بابتسامة غامضة.
“هممم.”
شعر الدوق بالارتباك من التعبير الغامض الذي ارتسم على محيّا ابنه.
ꕥ
حلّ الليل وحان وقت النوم. وكان الدوق قد عقد العزم على إصلاح الأجواء مع زوجته الليلة بعد ما حدث في الصباح.
دخل غرفة النوم مرتديًا رداءً خفيفًا بعد أن اغتسل وتعطر بعطر لم يستعمله من قبل.
لكن… ما هذا؟ لم تكن سيلفيا وحدها في الغرفة. كان بجوارها مخلوق بني غريب. وإلى جانب ذلك، كانت سيلفيا تتأوه ممسكة قلبها.
“آه…”
أسرع الدوق نحوها بفزع.
“سيلفيا!”
لكن سرعان ما توقف. فذلك “المخلوق البني” لم يكن سوى ابنه كارسون مرتديًا منامة أرنبية بأذنين، وهي منامة رفض ارتداءها من قبل رغم توسلات سيلفيا.
حتى هنا كان الأمر لطيفًا للغاية، لكن المشكلة أن أحد وجنتيه كان منتفخًا وهو يمضغ مصاصة، الأمر الذي أصاب قلب الدوق بصدمة قاضية.
نعم… كانت سيلفيا تمسك قلبها متأثرة بلطافة كارسون القاتلة.
مال كارسون برأسه مستغربًا من حالها، ثم شدّ كمها الصغير قائلًا:
“سأنام مع أمي الليلة.”
غطت سيلفيا فمها بكلتا يديها وعيناها تلمعان، ثم ضمته بحنان وقالت:
“لا بأس… لكن لا يجب أن تأكل الحلوى قبل النوم يا بني.”
“حسنًا.”
أومأ كارسون ببراءة، فعادت سيلفيا لتبدي وجهًا مفعمًا بالحب.
«لا أصدق أن مثل هذا الكائن اللطيف هو ابني!» فكرت سيلفيا في نفسها.
“إذن يا كاون، هل ستنام الليلة مع أبي وأمك معًا؟”
حين سمِع الدوق كلامها، شعر بمزيج غريب من الفرح والضيق معًا.
لكن تلك المشاعر سرعان ما أصبحت بلا معنى.
فما إن سمع كارسون أنه سينام بين والديه حتى أجهش بالبكاء وارتمى في أحضان أمه.
هز رأسه وقال بصوت مرتجف:
“أبي مخيف…”
فتذكرت سيلفيا أن الدوق كان قد وبّخه صباحًا، فألقت على زوجها نظرة احتقار.
«كيف تجرؤ أن تؤذي مشاعر الطفل؟»
ثم نهضت حاملة كارسون وقالت ببرود:
“لا مفر… ستنام في غرفة أخرى الليلة.”
كان الأمر كالصاعقة. فمنذ زواجهما، لم يبتعد الدوق عن سيلفيا ليلة واحدة إلا لضرورة.
رأت سيلفيا ملامح الصدمة على وجهه فرفعت حاجبها قائلة:
“أو هل تريدني أن أنام أنا في غرفة أخرى؟”
هز رأسه بسرعة. حتى لو اضطرت للنوم على الأرض، لم يكن ليجرؤ على طردها.
“إذن، أتمنى أنك فهمت قصدي. أريدك أن تنتقل قبل أن أعود. هيا يا كاون، لنغتسل معًا.”
“نعم!”
وفي تلك اللحظة، التقى الدوق بعيني ابنه.
كان كارسون يبتسم له ابتسامة المنتصر وهو بين أحضان أمه.
ومنذ ذلك الحين، صار كارسون يظهر دائمًا كالشبح كلما حاول الدوق وسيلفيا أن يقتربا من بعضهما، ليفسد الأجواء بينهما عمدًا.
ومع مرور الوقت، ومع نموه، أخذت ملامحه تفقد أثر سيلفيا شيئًا فشيئًا، وصارت تشبه الدوق أكثر.
«لو كانت ملامحه تشبه سيلفيا، لما كان غضبي شديدًا.»
لكن العلاقة بين الأب والابن لم تزد إلا سوءًا.
أنهى الدوق ذكرياته، ثم مسح ذقنه الناعمة الخالية من أثر اللحية قائلاً:
“…كما توقعت، أحتاج إلى ابنة. عليَّ أن أطرح رسميًا موضوع التبني في المرة القادمة.”
ꕥ
منذ وقت ما، صار هانس يجلس بجانبي في صف الأعشاب الطبية كما لو كان الأمر طبيعيًا.
لا بأس عندي أن يجلس بجواري. المشكلة أن ملامحه حزينة كئيبة على الدوام! حتى عندما اعترف لجاين عن غير قصد، بدا بخير في اليوم التالي.
“لين، كنت أفكر فيما قلته البارحة… حين قلتِ إنك لا تريدين مواعدة شخص لا تعرفينه… هل يعني ذلك أن هناك احتمالًا إذا تعرّفنا تدريجيًا على بعضنا؟”
كان يفكر بإيجابية مفرطة… فاكتفيت بهز كتفيّ رغم أن الأمر بدا سخيفًا.
حسنًا، حتى لو لم أكن أعرفه جيدًا في البداية، فقد تبين لاحقًا أنه بخير من عدة نواحٍ، ولم يكن لي أن أتدخل في حبه من طرف واحد.
فلو قبلته جاين فليكن، وإن لم تعجبه، فهي ستعرف كيف ترفضه. لكن المشكلة أنه حزين بهذا الشكل منذ أيام… كيف لي ألا أهتم؟
“هانس، ما خطبك؟”
ابتسم هانس ابتسامة مُرة وقال:
“أوه، هل ظهر ذلك على وجهي؟ هاها، الأمر لا يستحق.”
ثم تنهد بعمق وكأن العالم قد تركه.
كان يملك هالة شخص يحمل همًّا كبيرًا. هل يحاول أن يلمّح لي لأسأله عما جرى؟
“تقول إنه لا يستحق، لكنك تتنهد هكذا؟”
“في الحقيقة…”
كما توقعت… إنه تلميح.
راقبت هانس بعينين قلقتين في انتظار أن يتحدث، فقد كنت فضولية لأعرف ما الأمر.
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
التعليقات لهذا الفصل " 36"