أستغفر الله العظيم واتوب اليه
⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
خطى الدوق الأكبر خارج العربة، متماسكًا بيدي، مذهولًا، كأن عقله تركه في مكانٍ ما.
أخذت بيده وقُدته إلى قبور والديْ.
كانت يده خشنةً متعرجة، وكأنها صمدت أمام أسوأ العواصف.
لكنها أيضًا قوية، كأن لا شيء يمكن أن يحطمها.
حين وصلت، وجدت القبر مُعتنى به جيدًا وخاليًا من الأعشاب، رغم أنه لم يُزر منذ زمن طويل.
عندما بدأت أجني مالي الخاص، كان من أوائل ما فعلته أن أوظف شخصًا للاعتناء بهذا المكان. فتحت فمي بدهشة، وقد غمرني شعور نادر من الحرج.
“أمي، أبي. مضى وقت طويل. على ما أظن، لم أركما منذ تخرجي.”
وإدراكًا لتقصيري، حاولت أن أجد أعذارًا.
“حسنًا… حدث الكثير منذ ابتعادي، وأظن أنكما ستتفاجآن مما سأقصه.”
انهمرت الدموع من عيني دون إنذار.
أمي… أبي…
“يقولون إن أركاندوس هو من قتل أمي وأبي.”
تفاجأتما، أليس كذلك؟
“لم نكن نعلم، لقد أطعمناه، وآويناه، بل وحتى أدخلناه إلى عائلتنا. وكان هو من جاء ليقتل أمي.”
كصنبور مكسور، لم تتوقف دموعي.
“الخيانة كانت أثقل مما أحتمل، فأنكرت الحقيقة لبعض الوقت… لكن ذلك لم يُغيّر شيئًا.”
ومن خلال نظري المشوش، استطعت أن أواصل الكلام.
“ومع ذلك، أليس غريبًا أن أركاندوس لم يستطع أن يتركني حتى في لحظة موته؟”
كيف استطاع أن يقتل أمي وأبي بتلك الوحشية وما زال يعتبرني عائلته؟
مسحت دموعي بكُمّي، وأدرت بصري بعيدًا، متذكرة فجأة وجود الدوق الأكبر.
كانت قبضتاه مشدودتين لدرجة الارتجاف، وكأنه يحاول كبح عواطفه المتفجرة.
أبعدت نظري عنه بصعوبة وحاولت أن أتماسك.
إن ظهرتُ باكية، قد يقلق والداي في السماء.
“لكن… لم يكن كل شيء سيئًا، فلا تقلقا كثيرًا.”
تلمست صدري لحظة، ثم أخرجت بطاقة الدعوة إلى الزفاف ووضعتها على القبر، معلنةً المفاجأة.
“أمي، أبي. أنا سأتزوج.”
الدموع التي مسحتها قبل قليل عادت تتجمع، ولم أدرِ لماذا.
شعرت أنني على وشك الانهيار بلا عودة.
“لم أدرك أن وجود شخص أستند إليه قد يجعلني قوية إلى هذا الحد.”
ابتسمتُ والدموع تغمر وجهي.
“أنا بخير الآن، لقد قابلت الكثير من الأشخاص الطيبين في طريقي.”
م.م: دخل غبار بعيني بس 😭😭😭
شعرت بارتياح خفيف بعدما أخبرتهما بكل ما جرى.
“في الحقيقة… كنت سأحضر كاون، خطيبي، لأقدمه لكما، لكن كان عليّ أن أُعرّف بشخص آخر اليوم، فأجلت ذلك.”
أدرت رأسي نحو الدوق الأكبر.
“مضى وقت طويل، أليس كذلك؟ وربما هذه المرة الأولى أمام أمي.”
عند لقائنا بالنظرات، تصلب واقترب ببطء حتى وقف إلى جانبي.
“… ورود، وطفلي المسكين الذي لم أره أبدًا.”
جثا الدوق الأكبر على ركبتيه، وانحنى برأسه عميقًا.
“أنا آسف. سامحاني…”
تشوه وجهه بتعبير بائس.
ذلك الدوق الذي بدا صامدًا دومًا انهار لأول مرة أمام قبر ابنه.
“حتى لو ندمت، لن يعيدكما ذلك. إن الضغينة ضد لاغراس هي ما أوصلتكما إلى هذا…”
انهمرت دموعه.
“لكن هذا، أيضًا، عبئي وحدي. فلا تسامحاني حتى هناك.”
عانق القبر، وصوته مبحوح.
“فات الأوان… لكن أبارك لكما زواجكما.”
“أحبكما.”
ربما كان هذا آخر ما أرادا سماعه في حياتهما.
💫
وأخيرًا، جاء يوم الزفاف.
قضيت الصباح أتهيأ بمساعدة جين، وحين جلستُ، استقبلتني وجوه مألوفة واحدًا تلو الآخر.
الجميع كانوا مفرطي الحماس برؤيتي، لكن فيورد كان مختلفًا قليلًا.
ما إن رآني حتى اتخذ ملامح جدية وقال:
“… مهلاً، أعلم أنه يوم زفاف، لكن كان عليكِ أن تفعلي ذلك باعتدال. ماذا لو رأى كاون وانقلب العالم رأسًا على عقب؟”
أظن أن هذا يعني جميلة، صحيح؟
ابتسمتُ بخفة ولوحت يدي لأزيل قلقه.
كان يتصرف كصديق وفيّ، وهو يعرف طباع كارسون جيدًا.
“كنتُ أتوقع ذلك، لذلك تدربنا عدة مرات بالفستان مسبقًا، وأعددتُ الكثير من تعاويذ التحكم.”
“وهل نجح التدريب؟”
“انظر.”
أخرجت صورة زفافي مع كارسون وأريتها له.
تأملها فيورد بدهشة.
وحين تأكد أنها حقيقية، بدا متفكرًا قليلًا وربت على كتفي.
“… عمل رائع. انتصار إنساني حقيقي.”
“أجل. وبفضله، لم يعد لدي ما أقلق حياله.”
“لكن، لين.”
“نعم؟”
تكلم فيورد بوجه قَلِق.
“لن يموت بنوبة قلبية، أو يُغمى عليه، أو ينزف من أنفه… لكن ماذا لو تأثر لدرجة أنه انهار بالبكاء؟”
“… أهذه لعنة؟”
“أبدًا.”
ومضت في ذهني صورة كارسون بعينين محمرتين ودموع تنساب أثناء الطعام.
“حسنًا، كاون يبدو لطيفًا وهو يبكي… ربما ليس سيئًا أن ألتقط له صورة حينها.”
“يا لذوقك الغريب…”
تمتم فيورد، وزوايا فمه ترتفع باستهزاء.
“على أية حال، مبروك زواجك.”
“شكرًا.”
ابتسمت وتلقيت تهنئته، ثم سألت بخبث:
“ألستَ تواعد أحدًا؟”
“…أحدًا؟”
“أوه، لا. بعد كل مغامراتك في الأكاديمية، فيورد مات.”
عند مزاحي بتلك النبرة المبالغ فيها، احمر وجهه قليلًا متذكرًا ماضيه المظلم.
“كنت صغيرًا آنذاك.”
“مضحك كيف قطعت الأمر بهذه السرعة.”
“لم أكن أريد علاقة من الأساس. الزواج شيء سأفكر به فقط إن وجدت شخصًا مثلك.”
أتساءل، هل يوجد شخصان مثلي في القارة؟
أملت رأسي بتكاسل، ثم أومأت.
“إذن ستبقى وحيدًا طوال حياتك؟”
“… أنتِ مغرورة جدًا.”
“بالطبع.”
ابتسم فيورد ولوّح بيده.
“ظننتك ستكونين متوترة، لكنك بخير. هذا مطمئن. سأذهب لرؤية كارسون.”
“نعم. راقبه جيدًا كي لا يفعل شيئًا غبيًا.”
وبذلك غادر فيورد.
لم يمض وقت طويل حتى دخل كون القادم من أباسكانثوس البعيد.
“لين.”
حدق بي كون، مأخوذًا بجمالي. كأن الزمن توقف بالنسبة له.
ظل واقفًا لحظة طويلة، ثم ابتسم ابتسامة حزينة.
“إنكِ… جميلة جدًا، لدرجة أنني أتمنى لو لم يكن هناك زفاف.”
“أعلم، هذا شيء لا يُقال لعروس.”
“هاها، هذا شيء لا يقال إلا قبل الزفاف.”
ضحك قليلًا، ثم أصبح جادًا.
“لين، كما أخبرك والدي الروحي، قررت أن أتولى منصب الدوق الأكبر. هل يناسبك ذلك؟”
ها هو مجددًا.
“ولمَ لا يناسبني؟”
“لأنه مقعدك أنتِ.”
“كون، أنا نبيلة من لاغراس، ولن أذهب إلى أباسكانثوس.”
“… لكنني سأتظاهر دائمًا أنه لا يخصني، وسأبقى هناك، ويمكنكِ زيارتي وقتما شئت.”
انعقد حاجباي في ضيق.
لماذا كل من الدوق الأكبر وكون حريصان على منحي اللقب؟
“اسمع يا كون.”
رفعت ذقني، ثم وضعت يدي على كتفه.
“مجرد أنك لست من دمائهم لا يعني أنك لست عائلة. أنت حفيد الدوق الأكبر كاريس، وتستحق أن تجلس في ذلك المقعد.”
“لكن، لين…”
“أنا كافية كدوقة. وكنت سعيدة كعامية.”
“… أفهم مشاعرك، لين، وإن احتجت يومًا إلى شيء، يمكنك دائمًا القدوم إلي.”
تنهدتُ قليلًا، لكنني في النهاية ابتسمت باستسلام.
“وأنت أيضًا يمكنك القدوم إلي متى شئت.”
نحن أصدقاء.
اتسعت عينا كون عند كلمتي الأخيرة، ثم ارتسمت ابتسامة لطيفة على وجهه.
“حسنًا. إذن… مبروك زواجك.”
💫
بعد فيورد وكون، زارني تباعًا الكثير ممن التقيتهم في الأكاديمية، مثل الفتاة الثرثارة ونانسي.
الأستاذ جورج، الذي ترأس الحفل، والبروفيسور والتر، الذي لا يزال بجانبه.
كنت منهكة من استقبال هذا العدد دفعة واحدة، والحفل لم يبدأ بعد.
شعرت أنني سأنهار بعد الزفاف.
“بالمناسبة، رأيت الدوق والدوقة، لكنني لم أرَ خالتي والكونت بعد.”
ظننت أنني قابلت معظم المدعوين، نظرًا لدائرتي الاجتماعية المحدودة.
لكن فجأة، طرق أحدهم الباب ودخل غرفة الانتظار.
“لين.”
رنّ الصوت المألوف في أذني، فاستدرتُ بدهشة.
لكن ما إن التقت عيناي بالشخص الداخل، حتى تجمدت في مكاني.
ارتجفت زوايا عيني.
لو كان هذا حلمًا، لما رغبت أن أستيقظ منه أبدًا.
“أمي… أبي؟”
كان الشخصان الواقفان في غرفة الانتظار… والدي الراحلين.
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
التعليقات لهذا الفصل " 165"