أستغفر الله العظيم واتوب اليه
⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
قلبي سقط كالصخرة.
كان يفترض أن أشعر بالبهجة حين سمعت أنّ الرجل المسؤول عن نشر طاعون الـ مونستيرا سلّم نفسه.
لكن، وبغرابة، لم أتمالك نفسي من الابتسام.
المحاكمة كان مقرراً أن تبدأ غداً.
وقبل يومٍ واحدٍ فقط، سلّم الجاني نفسه.
وكأنّه تعجّل بالاعتراف ليمنع محاكمتي.
نظرت إلى كارسون، والدموع توشك أن تفرّ من عيني.
“كاون… لا… لا يمكن… لا يمكن أن يكون ما أفكّر فيه، أليس كذلك؟”
بدت على وجهه الحيرة، وكأنه لم يتوقّع هذا، لكن شفتاه انفرجتا في ابتسامة.
ارتجافة صغيرة اجتاحت عمودي الفقري.
كارسون عضّ شفته مراراً، وكأنه متردّد هل يخبرني أم لا.
بنفاد صبر قبضت على كتفيه بكلتا يديّ وتوسّلت.
“فقط قل لي.”
لا أريده أن يقول… لا أريد أن يكون هو.
أبعد كارسون يدي بهدوء، قبضته تشدّ على أصابعي كأنه يحاول تهدئتي.
“لا أعلم من هو الذي سلّم نفسه، لكن عليك أن تعترفي يا لين.”
نظر في عيني مباشرة. نظرة عزمٍ قلّما أراها فيه.
“أنت تعرفين.”
من هو الجاني الحقيقي.
الكلمات حكّت أذني كالجمر.
الواقع ضرب رأسي بقوة.
“كاون، أنا… أنا…”
لم أسامح أركاندوس على قتل والديّ.
لا يمكنني أن أسامحه أبداً. فقط لم أرد أن أعترف أنّه خانني.
أشفقت على نفسي القديمة التي وثقت واعتمدت عليه.
كنت أتمنى أن يكذب أركاندوس عليّ.
وكأنه ليحقق أمنيتي، قال إنه ليس القاتل، وصدّقته.
لكن إن كان أركاندوس فعلاً هو من سلّم نفسه للاغراس…
وجب علي أن أسأله لماذا.
لماذا قتل والديّ؟ لماذا دمّر أسرتنا؟
🍃
بعد خبر الخادم، أُبلغت بأنّ المحاكمة قد أُجِّلت.
بل وكأنها لم تُعقد من الأساس.
الجاني الذي ظهر في لاغراس قدّم أدلّة لا غنى عنها.
مخطط لفيروس المونستيرا.
أبحاث عن البعوضة الشيطانية، نتائج تجارب، بل وحتى أدلة تورطه في نشرها.
كلّها أدلة لا يمكن أن يأتي بها إلا الفاعل الحقيقي.
حلّت المرارة في فمي.
الرجل الذي نشر المونستيرا سلّم نفسه للمحكمة الإمبراطورية في لاغراس، لا في أباسكانثوس.
وهذا يعني أنّ عليّ السفر إلى إمبراطورية لاغراس لأعرف من هو.
السحر كان مريحاً. يسمح لنا بعبور الحدود دون تفتيش.
طبعاً يُستخدم السحر للإيقاع بمجرمين كهؤلاء…
لكن السحر دائماً يعجز أمام ساحرٍ أقوى.
انتظرنا، كارسون وأنا، حتى حلول الليل لنغادر نحو لاغراس. رسمياً كنت أقيم في قصر بوتيتوا بأباسكانثوس.
لذلك كان عليّ أن أتحرك بحذر للقائه.
وحين أصبحت جاهزة، مدّ كارسون يده نحوي.
“هل نذهب الآن؟”
فجأة استوعبت أنني أدخل البلاد بشكل غير قانوني، متسللة إلى سجنٍ إمبراطوري. قبضت على كمّه بقوة.
“لن يُمسكوا بنا، صحيح؟”
ألقى نظرة إلى يدي الممسكة، حاجباه متجهمان.
“لين لطيفة جداً…”
لم يُظهر أي ذرة خوف.
“لن يُمسكوا بنا.”
ابتسم كارسون، وعيناه تضيقان في سخرية.
“تعلمين… بفضل سحري.”
طبع قبلة على جبهتي، وفجأة ارتفع من تحت قدميّ دائرة سحرية ضخمة.
دار بصري وغرقت في ظلام. لا أعلم كم مضى من الوقت.
حين أطبقت جفوني، أيقنت بالفطرة أننا وصلنا.
رائحة العفن والحديد الصدئ ضربت أنفي.
لقد كان سجن المحكمة الإمبراطورية في لاغراس، حيث يُحتجز هو.
وحين فتحت عيني تدريجياً، كان أول ما رأيته حارساً مطروحاً على الأرض.
يبدو أن كارسون تصرّف فور وصولنا.
وحين أدرت وجهي، لمحت ملامح مألوفة.
أركاندوس.
عدت بنظري إلى كارسون.
الإحداثيات اختيرت بدقة، وكأن تعويذة تتبع قد استُخدمت. كنت أتوقّع أن نضطر للبحث قليلاً عنه.
لكن أعيننا التقت، فأمسك بيدي بثبات.
راحة غامرة اجتاحتني لوجوده معي.
أدرت بصري ثانية.
أركاندوس كان في قفص، أطرافه مثبّتة في زاوية.
مشاعر لا توصف اجتاحتني وأنا أراه هناك. لا أعلم إن كان حزناً أو غضباً.
“أركاندوس.”
عيناه الذهبيتان ارتفعتا نحوي.
عينان بريئتان، كأنّهما لم تعرفا الخطيئة.
إطراقهما جعل شكلهما أكثر براءة.
وما إن رآني، ابتسم بحلاوة كما اعتاد.
“لقد جئتِ، لين.”
ما هذا الهدوء؟ كأنه كان يعلم بقدومي.
بالتأكيد كان يعرف لمَ أتيت، وما الذي سأطلبه.
بمساعدة كارسون دخلت قفصه دون عناء.
“لماذا فعلت ذلك؟”
توقعت أن يرتجف صوتي، لكنه خرج ثابتاً.
ابتسم أركاندوس ابتسامة مضطربة.
“لا أعلم عمّ تسألين.”
“…بل تعلم.”
“أنني نشرت الوباء؟ أنني كذبت عليك بأني لست الجاني؟ أم لأني سلّمت نفسي الآن؟ أم…؟”
“…”
“أم لأنني قتلت والديك؟”
آه. الآن تفهم شعوري. لا بد أنه…
غضب.
“هل تدرك كم شخصاً قتلت؟”
الكلمات بدأت هادئة وانفجرت في صراخ مع نهايتها.
“لأي غرض فعلت هذا العمل البشع؟ لماذا؟ من أجل ماذا؟!”
“أكره أباسكانثوس ولاغراس. أكره الإمبراطوريتين اللتين دمّرتا حياتي.”
“فانتقمت؟”
قهقه أركاندوس وكأنه على وشك الانكسار.
“لين. أنت لا تعرفين ماضيّ.”
“ولم عليّ أن أعرف؟”
لماذا عليّ أن أشفق عليك وأنا بالكاد أشفق على نفسي؟
“رأيت بعيني كيف طُعن والداي حتى الموت. لم يكن عندي ما آكله. وكنت دوماً على حافة الموت، أخشى أن أُضرب حتى الموت.”
ارتجفت أوصاله وهو يتذكّر أهوال ماضيه.
“ثم حصلت أخيراً على فرصة لأعيش كإنسان، فاكتشفت أن والد صديقي هو القاتل الذي قتل والديّ.”
الأستاذ والتر.
“أردت الانتقام، وأردت أن أنهي كل شيء، حتى لو كلّفني حياتي.”
“هاه.”
لم أشعر بأي تعاطف.
بل اشمأززت من محاولته تبرير جرائمه بهذا الكلام.
“آه نعم، عندي الكثير لأقوله عن ماضيّ التعيس.”
لكن كل شيء بدأ بك أنت.
أركاندوس، أنت من صنع هذا.
“رأيت والديّ بأم عيني تتعفن أطرافهما، كنت أُضرب كل يوم وأضحك كأن شيئاً لم يحدث، والشخص الذي وثقت به أكثر كان القاتل نفسه.”
لحظة دوّت في رأسي.
حياتي تشبه حياته. كان مريعاً أن أفكر أن انتقامه جعل حياتي كذلك.
“قلت إنك لم تفعل.”
تدفقت مشاعر الغضب.
“قلت إنك لم تفعلها، وصدّقتك! بل تركتك تهرب!”
ألا تعود أمامي أبداً!
قبضت على ياقة قميصه.
“لماذا كانا والديّ؟ لماذا… لماذا كانا والديّ؟!”
أجاب أسرع وأقسى مما توقعت.
“لأنها كانت أمك من اخترعت علاج بارمون كنيرينا.”
“…ماذا؟”
الصدمة ضربتني كصفعة على مؤخرة رأسي.
بارمون كنيرينا.
كنت أظنه اسماً سخيفاً.
لكن الآن بدا مألوفاً بشكلٍ مفزع.
“ألا تعرفين اسمي الحقيقي بعد، أليس كذلك يا لين؟”
لا. كنت أعرف اسمه الحقيقي.
“بار… مون.”
ابتسم أركاندوس ابتسامة واسعة لارتباكي العفوي.
“هذه أول مرة تنادينني باسمي الأول.”
جنون.
هذا جنون.
“قتلتهم لأنهم اخترعوا علاجاً لبارمون كنيرينا؟”
لهذا السبب مات والداي؟
هاه…
“هاهاهاها!”
ضحكت طويلاً ثم توقفت.
“لماذا لم تقتلني مع والديّ؟”
وجه أركاندوس تجمّد. عيناه التقتا عينيّ، ولأول مرة اضطربتا.
“أما كان ينبغي أن أكون أكثر إزعاجاً لك؟”
طبعاً كان يجب. فأنا من اخترع علاجك للمونستيرا.
“أبقيتني على قيد الحياة، والآن أنا هنا. طارد البعوض، مهدّئ المانا… كل خططك فشلت؟”
كنت حقاً فضولية.
“لماذا أبقيتني حيّة؟ ولماذا سلّمت نفسك قبل أن تُعقد محاكمتي؟”
“…”
“أجبني. لماذا فعلت ذلك؟”
أغمض عينيه بصمت.
“لماااذا!!!”
“أردت حمايتك. لأنك كنتِ عائلتي.”
صفع!
دوّى صوت لاذع في الزنزانة. أدار رأسه ببطء. لم أعلم كيف بدا شكلي حينها.
حقاً… كيف يمكنه قول ذلك؟
“قلها ثانية. من هي عائلتك؟”
“لين، أنتِ…”
صفع!
دارت وجهه مرة أخرى.
“أي جرأة تجعلك تقول من هو لعائلتي؟ لستَ عائلتي.”
م.م: 💔💔💔💔
أندم بمرارة على ماضيّ حين حسبتك عائلتي.
اليأس غمر عينيه. أطرق رأسه وكأنه لم يعد قادراً على النظر في عيني.
“أنا آسف.”
لمحت ارتجافة خوف في هيئته.
آه، هذا هو. هذا ما تخشاه الآن.
“أتدري يا أركاندوس؟”
قبضت على ذقنه ورفعت رأسه بالقوة، مجبرة إياه على النظر في عيني.
“لدي عائلة أعتمد عليها بدونك.”
أردت أن أدفعه أعمق في اليأس.
أعمق وأبعد.
“ليس لديك أحد الآن. تستطيع أن تهوي إلى الجحيم ولن يشفق عليك أحد.”
هذه نهايتك.
“أتدري، يا أركاندوس؟ أم عليّ أن أناديك بارمون الآن؟”
قهقهت بخفة.
“لا يهم ما تنادينني به، فلن تريني ثانية.”
“…”
“أتظن أنني سأفرح لأنك سلّمت نفسك وأثبتَّ براءتي؟”
قهقهت كالمجنونة، ثم أضفت:
“لا، بل في الواقع أنا سعيدة.”
ومضة أمل صغيرة أشرقت في عينيه.
“سعيدة لأنني قادرة على قطع علاقتي بك تماماً.”
“آه…؟”
سحقت أمله بلا تردّد.
“هذا أمر جيد، أليس كذلك؟ لم يعد عندي أي ندم.”
بعد أن أفرغت غضبي، شعرت بارتياح غريب، لا يأس.
“لن ألوّث يدي بعد الآن، فهناك كثيرون يريدون قتلك بدوني.”
لم أرد رؤية وجهه أكثر، فأدرت ظهري مغادرة.
عيناه امتلأتا بالدموع، وسألني كأنها آخر بارقة أمل له.
ارتعشت زاوية شفتيه بابتسامة قسرية.
“لكن… حين تركتِني أرحل في ذلك اليوم، ألم تكوني ترغبين في إبقائي، أليس كذلك يا لين؟”
وجهي تقلّص من الداخل. لم يكن الأمر كذلك.
“أنت واهم. كنتُ فقط أنكر الواقع لأنني كنتُ بائسة لخيانتي من قِبلك.”
هل تفهم الآن؟
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
التعليقات لهذا الفصل " 160"