أستغفر الله العظيم واتوب اليه
⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
“التالي.”
ارتد صدى صوت الدوق الأكبر العميق والمتزن في ساحة التدريب.
الفرسان الممددون على جانب واحد، ما زالوا يئنّون من الألم، كانوا أضعف من أن ينهضوا.
“التالي!”
عند نداء الدوق الأكبر، تقدّم فارس مرتبك بخطوات متعثرة، كأنه يُساق إلى فراش موته.
“الآن، أظهر ما لديك.”
ارتفعت حاجبا الدوق الأكبر وكأن ما رآه لم يعجبه.
“هل ترى أنه من المنطقي أن يُضرب فارس مجنّد أمام رجل مسنّ تقاعد منذ عقود؟”
…نعم، بدا الأمر منطقيًا بالنسبة لي.
بكل صراحة، مع تلك الهيبة، سيكون من حسن حظه إن لم يتلعثم أو ينهار على نفسه لمجرد النظر إليه.
ذلك العجوز كان أسطورة حيّة، بطل حرب للأمة، لا مجرد رجل مسنّ متقاعد.
وفوق ذلك، لم تتراجع مهارة رجلٍ درّب نفسه على “الأورا” مع مرور السنين.
بقدرة الدوق الأكبر، ربما يستطيع القتال حتى بعد تجاوز المئة.
ذعر الفارس وعجزه عن الكلام جعلا الدوق الأكبر يوبّخه:
“أتظن أنك ستدافع عن الإمبراطورية بعقلية كهذه؟! التقط سيفك الآن!”
بام!
رفع الفارس سيفه، لكنه سقط أرضًا قبل أن يفصل بينه وبين الدوق الأكبر ثلاث خطوات.
“التالي!”
وأنا أشاهد الدوق الأكبر يلوّح بسيفه بعنف، خطر والدي في بالي.
لم يخطر ببالي عند رؤية فيورد، عضو نادي المبارزة، وهو يمسك بالسيف.
أنا مبتدئة في فن السيف ولا أعرف عنه سوى القليل.
لكنني سمعت أنّ أسلوب أباسكانثوس في المبارزة يركّز أكثر على الهجوم، بينما أسلوب لاغراس يميل إلى الدفاع الفعّال.
“…الآن أتذكر، كان والدي من أباسكانثوس.”
أوه. أظن أن كارسون بجانبي ارتجف قليلًا.
ألقيت نظرة خاطفة عليه، ولم أرَ رد فعل، فعُدتُ إلى أفكاري.
همم. ربما لهذا السبب تذكرت والدي، مبارزًا بصفات مميزة لأسلوب أباسكانثوس.
كما أنّ شعر وعينَي الدوق الأكبر السوداوين كانتا نادرتين.
كان أبي يستيقظ كل صباح باكر ليتدرّب على السيف.
أتذكر أنني كنت أشاهده أحيانًا حين أستيقظ مع شروق الشمس.
هزّ الدوق الأكبر رأسه ونقر بلسانه كما لو أنه أنهى إسقاط المزيد من الرجال.
“بعيدًا عن هذا التهاون، شباب اليوم…”
آه، التعليق الكلاسيكي المعتاد.
كنت أراقب الدوق الأكبر وهو يسحق الفرسان بلا رحمة، حين سمعت بعض الهمسات.
“…لماذا الدوق الأكبر في مزاج سيئ اليوم؟”
“لا أدري. كان في مزاج جيد مؤخرًا، وفجأة انقلب.”
“هل من الممكن أن يصل دورنا نحن الفرقة الرابعة؟”
“بالوتيرة التي يهزم بها الفرسان، من الأفضل أن تنسوا الأمل…”
“من كان ضيف القصر اليوم؟”
“صاحب السمو الأمير الثاني، كان صديقه في الأكاديمية، وحصل مؤخرًا على اعتراف بعد إيقاف انتشار وباء المونستيرا…”
عند ذكر قصتي، أصغيتُ أكثر وركّزت على الحوار.
فجأة، غطّى كارسون أذنيّ.
لماذا، الآن بالذات حين أصبح الأمر مثيرًا…!
نظرت إليه بعينين ممتعضتين، لكنه ابتسم ابتسامة باهتة وهمس لي:
“لنعد إلى الداخل، لين.”
لم أستطع رفض عرضه. كان وجهه متصلّبًا أكثر من المعتاد.
أومأتُ قليلًا، وما إن فعلت حتى تغيّر المشهد من حولي مع ارتفاع دائرة سحرية تحت قدميّ.
لقد كانت الغرفة التي خصّصها لنا الدوق الأكبر.
“لين.”
أمسك كارسون بيدي، وملامحه جادّة جدًا.
“لماذا لا نعود إلى لاغراس أولًا؟ سأهتمّ بأن أجعل الصفقة أفضل بطريقة ما.”
حدّقت فيه بدهشة.
الدوق الأكبر يُبدي ودًا تجاهي، لا تجاه كارسون.
فلو تعلق الأمر بـ”الكوينس”، فسيكون أكثر فائدة أن أُبرم الصفقة بنفسي.
وليس أن كارسون يجهل هذا.
“إن سألتك عن السبب، هل ستخبرني؟”
فكّر قليلًا، ثم أجاب:
“يمكنني أن أخبرك، لكن هل ستغضبين لو لم أفعل؟”
كنت الوحيدة التي تعرف أن كارسون متطرّف في قراراته.
إن لم يُرِد قول شيء، فذلك لأنه لا يريدني أن أعرفه.
رحلة أباسكانثوس لم تكن لمجرد السفر، بل الهدف النهائي كان “الكوينس”
ضمان توريد ثابت لتلك الفاكهة النادرة بسعر عادل.
لا أعرف لماذا يريد أن يرسلني إلى لاغراس على حساب ذلك الهدف، لكن…
مع ذلك، اخترت أن أمضي مع رغبته، لأنني أثق به.
“لا، لن أسألك شيئًا.”
شحب وجه كارسون عند جوابي.
“إذن، سنعود إلى لاغراس اليوم…”
“لكن هناك مشكلة في العودة فورًا. لقد دعاني الإمبراطور، وأدين له بتحية صغيرة.”
انقبض وجهه بانزعاج، لكن لم يكن بوسعي تجاهل الأمر.
“لكنني أعدك أنني سأعود إلى لاغراس فور أن أرى إمبراطور أباسكانثوس.”
🍃
جلسوا إلى مائدة العشاء: كارسون، ولين، وكارِيس. أمّا كون فقد عاد إلى القصر.
الطعام قُدّم بعناية تكاد تكون مبالغًا فيها. فضلاً عن المذاق.
كان الدوق الأكبر يراقب لين وهي تأكل، يطرح الأسئلة.
وفي النهاية، لم يتناول سوى بضع لقمات.
كارسون بدوره راقبه، متفحصًا كل تفصيلة.
لولا تلميحات كون، لظنّ أنّ ودّ الدوق الأكبر بلا تفسير.
لكن يمكن تفسير النظرة الحنونة في عينيه إن كان فعلًا جدّ لين.
ومع ذلك، ظلّت وصيّة والد لين تُزعجه:
“…إن رأيت جدّك، اهربي منه فورًا؟”
أي أب يطلب من ابنته شيئًا كهذا، لو كانت علاقتهما جيدة؟
وحين تأكد كارسون من أن لين غطّت في النوم، خرج من الغرفة.
وجهته: البهو الرئيسي في قصر بوتيتوا.
حيث تُعرض صور عائلة الدوق الراحل.
كان هناك ما يحتاج أن يتأكّد منه.
سحب الغطاء عن لوحة، فإذا بها صورة شاب.
شعر أسود، عينان سوداوان، شفة مشدودة بابتسامة مشاكسة.
الشبه مع لين كان مذهلًا.
الابتسامة العابثة مشابهة قليلًا، لكن لم يكن متأكدًا من العيون.
حوّل كارسون نظره إلى زاوية اللوحة.
عادةً تُكتب توقيعات الرسّام والمعلومات هناك.
«إيفروانهارد بوتيتوا / بمناسبة بلوغ رود سن الرشد.»
قرأ الاسم ببطء.
لقد سمع من لين أن اسم والدها كان “هارد”.
“ما الذي تفعله خارج غرفتك في منتصف الليل، أيها اللص؟”
التفت كارسون نحو مصدر الصوت.
“الدوق الأكبر كارِيس.”
كان يتوقع مجيئه، فلم يُفاجأ.
بل كان قد تعمّد جذبه. إذ لا يمكن لرجل كالدوق أن يغفل عن خروجه من غرفة لين.
لم تكن نية كارسون تركها.
“هل أنت جد لين؟”
“أتظن أنك ستتجاهلها دون أن تنظر إليها؟”
“إن كنت تعلم أن لين حفيدتك، فلمَ تظاهرتَ بعدم معرفتها طوال هذا الوقت؟”
شعر كارِيس بالمهانة من نبرة كارسون الساخرة.
لقد مرّ زمن طويل منذ أن نظر أحد إليه بتلك النظرة. حتى الإمبراطور لم يكن يجسر.
ولم يكن يتوقع أن يُسأل مباشرة.
“…لم أتظاهر بعدم المعرفة. لقد افتقرت فقط إلى الشجاعة.”
“إذن لماذا تتظاهر الآن؟ مثير للاشمئزاز.”
مثير للاشمئزاز.
كلمة وخزت قلب كارِيس.
“هل لديك أدنى فكرة كيف كانت لين تتمسك بالحياة وحيدة كل ذلك الوقت، بينما أنت مشغول بجمع شجاعتك؟”
“تتمسك؟! لقد كانت بخير في الأكاديمية، تحاط بحب خالتها…”
“بخير، هاها!”
قهقه كارسون عاليًا كأنها نكتة، ثم تصلّب وجهه.
“ألم تسمع القول: الحياة مهزلة من بعيد، ومأساة من قرب؟ أتظن ما رأيته أو سمعته هو كل ما في حياة لين؟”
شحُب وجه كارِيس حين استوعب قصده.
ثم تذكّر قول لين في النهار أنها “تواجه صعوبات نفسية.”
قالت إنها لا تستطيع النوم دون كارسون.
“ما الذي أصاب لين، أيها الدوق؟”
قطّب كارسون حاجبيه باستياء.
“هل هذا أمر تحتاج معرفته؟”
“أنا…”
عضّ كارِيس شفته وقبض يديه.
“…أنا جد لين.”
حدّق كارسون فيه بعينين باردتين.
لم يكن هناك ما يستحق أن يبذل عليه مشاعره.
خطا بثبات نحوه، واقترب حتى وقف أمامه.
“غريب. لين نفسها لا تعرف أن جدًا لها موجود.”
افترّ شفتيه بابتسامة ملتوية.
“كيف يُعتبر ذلك مؤهّلًا؟”
“…أول مرة عرفت فيها عن لين كانت قبل ثلاث سنوات، في مهرجان أكاديمي في أكاديمية أرينا.”
“عرفت مبكرًا إذن.”
“والسبب الوحيد الذي منعني من الاقتراب منها كان خوفي من أن تلومني.”
ضيّق كارسون عينيه عند ذكر لين.
لم يبدُ كاذبًا.
لكن تساءل إن كان يسأل.
“أنت تعلم، أيها الدوق، من أكون في لاغراس.”
بالطبع. كتب التاريخ تجعله يبدو لامعًا.
راقب كارسون تردده وفكّر في لين.
لكن كان لابد أن يسأل.
“قل لي إذن، لماذا ترك والد لين بيتك وفرّ إلى لاغراس؟”
أغمض كارِيس عينيه بشدة.
كلمات ندم عليها آلاف المرات من قبل.
“ذلك لأنني…”
رفع جفنيه ببطء. بؤبؤاه السوداوان، مثل لين، كانا ممتلئين بالندم.
“لأنني قلت لرود إنه لو أحضر أمامي أي لاغراسي… فسأقتله.”
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
التعليقات لهذا الفصل " 153"