أستغفر الله العظيم واتوب اليه
⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
حدّقتُ في خالتي مذهولة.
ساد الصمت المكتب الذي كان يعجّ بالكلام منذ لحظة.
غير مبالية بالنظرات ولا بالصمت، تقدّمت عمّتي بخطوات ثابتة.
أمسكت بيدي وأومأت.
ــ «لين. خالتكِ موافقة، بلا أي تردّد.»
ــ «…أنتِ لا تقولين هذا بسبب ما قاله كاون للتو، أليس كذلك؟»
ــ «بالطبع لا، لقد تزوّجتُ أنا أيضًا، وذلك يُعدّ نقطة قوة كبيرة، إلى جانب حُسن المظهر.»
تجمّد وجه الكونت من الصدمة، على عكس خالتي، وتمتم لنفسه:
ــ «نحن… لين… هل أنتِ بالفعل…؟»
انفلت العذر من فمي بلا تفكير بينما عرقٌ بارد يتصبّب على ظهري:
ــ «كلمة ليلية قد تحمل معانٍ كثيرة يا كونت، وربما لا تعني ما تفكّر فيه.»
ــ «معانٍ كثيرة؟ مثل ماذا مثلاً؟»
ــ «…الاغتيال؟»
شحُب لون الكونت.
ثم أدركت أن الأمر بحدّ ذاته خطير. فرميتُ كارسون بنظرة غضب، فالوضع يزداد سوءًا بدل أن يهدأ.
كان خجولًا جدًا حين تحدّثنا مع جين وهانس سابقًا، فلماذا صار جريئًا هكذا أمام خالتي وعمي؟
ابتسمت خالتي وربّتت على كتفي بلطف:
ــ «لا تقلقي. في الواقع، عمّك وأنا فعلنا الشيء نفسه فور بلوغنا سن الرشد.»
م.م: تنوووييييه هذا السلوك لا يمت لنا بأية صلة على الإطلاق، أتزوجوا شرعا ثم للحديث بقية واعزموني…
لم يكن ذلك مُواساة على الإطلاق.
أكثر ما أحرجني هو أن خالتي وعمي ــ اللذين كانا بمثابة والدين ــ عرفا بالأمر.
ثم غيّرت الموضوع بوضوح لتخفّف عني:
ــ «على أي حال، لين، ستنامين هنا الليلة، صحيح؟»
عندها نظرتُ إلى كارسون. نظرة تقول: الأمر عادي بالنسبة له.
لكنني هززت رأسي نافية.
ــ «للأسف عليّ العودة إلى ليسيانثوس الليلة. لقد أخبرتُ الدوق والدوقة أنني سأعود في الموعد، إنهما بانتظاري.»
لم أكن أرغب بالنوم هنا هذه الليلة بالذات.
ليس بعد أن تضطر خالتي لإخبار الكونت ولوكا بما اعترفتُ به.
فتح الكونت فمه بدهشة ليقول شيئًا، لكن خالتي سبقته.
ويبدو أنها قرأت أفكاري.
وعند التدقيق، بدت أطراف عينيها المبتسمتين محمرّة على نحو غريب.
…هل بكت في الخفاء؟
لكنها ابتسمت ابتسامة دافئة وكأنها لم تفعل.
ــ «تناولا العشاء ثم عودا. سيقدّم الطاهي أفضل أطباقه منذ زمن.»
ــ «ستُبعدون الباذنجان، أليس كذلك؟»
غادرنا بعد العشاء، إذ بقينا مع خالتي وعمي حتى تلك اللحظة فقط.
في الخارج، قال كارسون:
ــ «ناس طيّبون.»
صفعتُ صدره بخفّة:
ــ «كنت تبدو متوتّرًا حين طلبتَ إذنهما في زواجنا، لكنك تحدّثت ببلاغة شديدة.»
ابتسم قائلاً:
ــ «ربما لأن شكله لا يشبه لين أبدًا، فلمّا رأيته وجهاً لوجه زال توتّري.»
ــ «وأنا الوحيدة التي بقيت متوتّرة.»
كان كل أقرباء الكونت شقر الشعر، وأنا الوحيدة بلون مختلف، كأنني لُطّخت بالحبر.
ارتبك كارسون من ردة فعلي:
ــ «لم أقصد ذلك.»
ــ «لا بأس، لم تُخطئ. ولم أشعر يومًا بالحزن بسبب ذلك.»
كنت أحب مظهري حقًا. كان وجهي صورة لوالدتي، وشعري وعيناي من والدي.
كلما نظرتُ في المرآة، شعرتُ أنني ابنة والديّ حقًا.
وتوقٌ يملأني للزواج من كارسون وتأسيس عائلتي الخاصة.
ــ «كاون، حين نصل إلى أباسكانثوس…»
ــ «انتظري!»
أسرع كارسون ليُسكتني. نظرتُ إليه بعينين نصف مغمضتين، فشرح السبب:
ــ «…كان تصريحًا سابقًا لأوانه يا لين.»
آه. كنتُ سأقول تزوّجني، لكن لساني كاد يورطني مجددًا.
ــ «ألن تذهبي إلى أباسكانثوس لتجدي نفسك مجنَّدة في الخدمة؟»
ابتسمتُ ساخرة وسحبتُ يده.
ــ «ولِمَ أعيش هناك؟ كل عائلتي في لاغراس.»
🍃
ــ «ماذا؟ لين وصلت بالفعل، حتى أمام القصر؟»
قفز كاريس، الذي كان يراجع الأوراق كعادته، من مقعده عند سماع خبر الخادم.
كانت حركة سريعة لم يكن الشيخ يتوقعها.
لقد وصله خطاب لين، لكنه لم يتوقع أن تصل بهذه السرعة.
حتى عبر بوابة النقل، كان الأمر سيستغرق أسبوعًا.
ــ «هيا بنا، لا ينبغي أن نجلس هكذا، يجب أن نخرج لاستقبالها…»
ــ «صاحب السمو. أعلم شعورك، لكن تمالك نفسك قليلًا.»
حينها، دخل كون الذي كان يزور القصر في العاصمة وقال:
ــ «أيها الخادم. لا تتسرّع. كيف تجرؤ أن تزعم أنك تفهم مشاعر والدي الروحي؟»
لقد كانت حفيدته، قريبه الوحيد في هذا العالم، طفلة لم يعلم بوجودها لعقود.
ومع ذلك تردّد في النظر إليها خشية أن يؤذيها.
انحنى الخادم الأكبر رأسه معتذرًا بعدما أدرك خطأه في كلام كون.
ــ «أعتذر.»
التفت كون إلى كاريس، الذي كان وجهه شاحبًا من التوتر.
ــ «سأخرج أولًا يا والدي الروحي، ويمكنك أن تأخذ وقتك لاستجماع نفسك.»
ــ «…أشكرك على تفهّمك.»
التقط كاريس أنفاسه فجأة فرأى إطار صورة على مكتبه.
التفت إلى الخادم على عجل:
ــ «سأُماطل بعض الوقت، وأنتَ انزع كل اللوحات العائلية المعلّقة في القصر قبل دخول لين.»
ــ «مفهوم، سيدي. لكن اللوحة في قاعة المدخل…»
كانت لوحة ضخمة يصعب إنزالها بسرعة، وخطر تلفها وارد.
إنها لوحة كبيرة لرود وقد بلغ أشدّه.
في ذلك الزمن لم يكن هناك تصوير فوتوغرافي، بل كان لا بد من الرسّام والريشة.
فلم يكن بالإمكان امتلاك عدة نسخ كما هو الحال اليوم.
ــ «…إذن فلنغطِّها بقماش.»
ــ «أمرك سيدي.»
🍃
لم يستطع كاريس أن يرفع عينيه عن حفيدته التي لم يرها منذ المهرجان.
ــ «تشرفت بلقائك يا دوق بوتيتوا. أشكركم على استضافتي.»
أمسكت لين طرف ثوبها وانحنت أمام كاريس.
بدت أكثر نضجًا بكثير مما رآها قبل سنوات.
فاشتد حبّه لها أكثر.
لو كان يملك الشجاعة ليتكلّم أبكر، لكان شاهد وجهها يكبر أمامه.
حين صمت كاريس طويلًا، نادته لين بنظرة متسائلة:
ــ «صاحب السمو؟»
ــ «لقبي هو…»
ــ «آه؟»
ــ «همف. أرى أن لقبي قد تغيّر.»
ــ «آه. لم أكن أعلم من تكون آنذاك، لذا دعوتك هكذا… أعتذر.»
ــ «لا، لا داعي. في الحقيقة أحب اللقب الجدّي أكثر.»
ابتسم كاريس، مسرورًا بكلمتها غير المتوقعة.
ــ «إن كان يروقك، فهل يمكنني أن أناديك جدي على انفراد؟»
انفرجت شفتاه رضىً:
ــ «بالطبع.»
تقدّم كون بينهما وقال:
ــ «على كل حال، لدي مشكلة.»
ــ «ما الأمر؟»
تفوهت لين بالجملة بعفوية كما كانت تفعل في الأكاديمية، ثم تداركت نفسها.
ابتسم كون:
ــ «قلتُ لك كوني مرتاحة، يا لين.»
رفعت كتفيها بضجر.
ــ «إذن، ما المشكلة؟»
ــ «لم يُمنح الدوق كارسون إذنًا لدخول القصر، وعليه طلب الإذن من جلالته مجددًا.»
التفتت عينا كاريس مباشرة إلى كارسون بجانب لين.
لقد كان منشغلًا بحفيدته حتى نسي وجوده.
ألم يقولوا إنهما على علاقة؟
نادراً ما يأتي ثنائي إلى أباسكانثوس وحدهما، ناهيك أن يظهرا معًا.
كانت عينا كارسون تلمعان وهو ينظر إليها.
ولمّا شعر بدفء نظرات كاريس، بادلها بالحرارة نفسها.
لكن مع ذلك، لم يُعجبه تصرّف كاريس تجاه لين.
التقت نظرات الرجلين للحظة.
أمالت لين رأسها، متسائلة عن سبب المشكلة.
ــ «لست بحاجة لإذن إضافي لدخول القصر بمفردي، وسأتمكّن من مقابلة جلالته على انفراد.»
ــ «قد يبدو ذلك طبيعيًا، لكن…»
التفت كون نحو كارسون.
ــ «أشك أن الدوق سيسمح لك بالزواج منها.»
نظرت لين إلى كارسون، فأومأ برأسه نافيًا بحزم.
ــ «كلا، ليس من الآمن أن تذهبي وحدك.»
ــ «لو لم أكن أعرفك لقلت إنك زرعت بذرة سُمّ في لين.»
قال كون محاولًا إقناعه.
ــ «لين ضيفة رسمية على أباسكانثوس بإذن من جلالته، وسيكون معها حرس، وفوق ذلك…»
صمت فجأة، ونظر إلى كاريس.
لو لُمسَت لين، لكان سيف والده الروحي قطع الجاني إربًا بلا أثر.
دون أن يدرك ذلك، زمجر كارسون وعانق لين بقوة.
ــ «كلا. لقد وُلد الكثير في لاغراس يا لين، فهل من قانون يمنع ذلك هنا؟»
زفر كون بعمق كمن توقّع ذلك.
ــ «الأمر معقّد، فالأمر لا يتعلّق بليسيانثوس وحدها.»
كانت ليسيانثوس أكثر من أضرّ أباسكانثوس خلال الحرب الإمبراطورية.
فإن كان كاريس بطل الحرب في أباسكانثوس، فإن بطل الحرب في لاغراس هو الدوق السابق لليسيانثوس.
لهذا السبب ظلّ إمبراطور أباسكانثوس يشك في ليسيانثوس.
عندها فتح كارسون فمه وكأنه تذكّر للتو:
ــ «آه صحيح، لقد كان الدوق الأكبر هو من قتل جدي.»
ابتسم كارسون بسخرية وهو ينظر إلى كاريس.
ــ «إنه لشرف أن ألتقي بعدو عائلتي.»
في الحقيقة، لم يكن يكنّ أي مشاعر لذلك الجد الذي لم يره قط.
لكنه قالها عمداً ليستفزّ كاريس.
ردّ كاريس ببرود:
ــ «لو لم يمت جدك، لكنتُ أنا الميت.»
ــ «وهل تفخر بذلك؟»
اندهشت لين وهي تنظر بين الاثنين.
فتدخّل كون سريعًا ليكسر حدّة الجو:
ــ «لِمَ لا تهدآن قليلًا؟ لين بدأت تشعر بالحرج.»
تلاشت النظرات الحادّة بينهما بسرعة.
ــ «لنترك هذا الآن، وندخل لنستقر.»
أومأ كون إلى الخادم الذي كان يقف خلفه، فقاد لين إلى داخل القصر.
تبعها كارسون كما لو كان ذلك حقًا مكتسبًا.
لكن كون أمسكه من معصمه.
ــ «كارسون.»
التفت كارسون إليه بنظرة باردة.
ــ «ما بالك؟ لم تنادني دوقًا كما فعلت قبل قليل.»
ــ «أنصحك نصيحة: لا تكن قاسيًا مع والدي الروحي.»
ــ «ولِمَ أفعل ذلك؟»
رفع كون حاجبيه بنظرة متسائلة:
ــ «هل قابلتَ عمة لين من قبل؟»
ــ «قابلتُها، واستأذنتها في الزواج من لين.»
ارتجف كون قليلًا وقبض يده ثم بسطها ليتحكّم في مشاعره.
ــ «وهل طلبت إذنها بهذه الطريقة أيضًا؟»
ــ «…بالطبع لا، فهي عائلة لين.»
ابتسم كون ابتسامة عريضة وكأنه مسرور:
ــ «قصة مثيرة للاهتمام.»
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
التعليقات لهذا الفصل " 151"