أستغفر الله العظيم واتوب اليه
⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
إرهان رتّب ملابسه بتوترٍ قليل، وصعد إلى الطابق العلوي.
كان الطابق العلوي، المزدحم بأخبار العلاج الجديد لوباء الـ مونستيرا، يعجّ بالناس دون أن يكون بينهم شخص واحد عاطل.
أمسك بأول شخصٍ صادفه وسأله:
“قيل لي إن مستثمراً يريد مقابلتي.”
“ما اسمك؟”
شعر إرهان بالانزعاج لأنه لم يتعرّف عليه، لكنه قرر التغاضي هذه المرّة. لم يظن أن إثارة ضجة ستجلب له فائدة.
“لو قلت لك إنني من عائلة أرميريا لكنت عرفت.”
“دعني أتأكد، لحظة فقط.”
قال الموظف الذي أوقفه ذلك وابتعد.
كان من الواضح أنني نبيل، ومع ذلك رفض أن ينحني، فشعرت بالإهانة.
قلت في نفسي: “هذا المتجر لن يصمد طويلاً.”
كان الأمر مؤسفاً نوعاً ما. هذا المتجر هو من أنقذني عندما كنت غارقاً في الديون.
كنت أتجوّل محاولاً استرجاع المال الذي استثمرته دوقة بيغونيا لديّ.
ولأنني لم أستطع التخلي عن مشروعي، سرقت ختم العائلة ورهنت عقارات أرميريا.
“لقد كدت أفقد الأملاك.”
حينها جاء هذا المتجر لينقذني.
مع أنني كنت أول من طلب المساعدة… على أي حال، لا فرق، المهم أن المتجر أنقذني.
لم يكن لدى إرهان القدرة على سداد الدين، لكنه كان يملك إيماناً.
لين.
المشروع الذي راهن فيه بحياته وبعقاراته كان متعلّقاً بالسياحة.
وبعد أن اجتاح الوباء الناس والتزموا بيوتهم، لم ينجح المشروع. من الطبيعي أن يفشل.
كان الطريق مظلماً حينها، لكنه لم يعد كذلك الآن.
ابن رئيس هذا المتجر صديق مقرّب من لين.
لذلك كان من الطبيعي أن يطلب من لين تسديد ديونه في اجتماع اليوم.
“يمكنها أن تكون مفيدة أحياناً.”
كانت السلع الأساسية لهذا التاجر هي الأدوية العشبية.
وكانت لين تُلقّب بالقديسة.
إن كانت قادرة على إنقاذ الإمبراطورية، فلماذا لا تنقذ عائلتها؟
بصراحة، كان إرهان غاضباً من لين لأنها أخفت عنه أنها تجني المال طوال هذا الوقت.
لو علم أنها تربح كثيراً، لما كلّف نفسه عناء الانحناء لأجلها.
كان إرهان في خضم لعن لين عندما جاءه صوت:
“دعني أُريك الطريق.”
قادَه أحد الموظفين إلى غرفة.
بداخلها، وقف رجل نصف مكمَّم الوجه بجانب الحائط.
ظنّ في البداية أنه هانس، الرجل الذي أقرضه المال، بسبب هيبته وطريقة وقوفه.
لكن حقيبته على ظهره جعلته يبدو كمرافق احتياطي عند حدوث مكروه.
رغم أن عدم حمله سيفاً كان مريباً، إلا أن جسده الطويل المتناسق والعضلي كان دليلاً كافياً على قوته.
فكّر إرهان: بجسد كهذا، من المفترض أن يكون قبيحاً.
لكن وجهه تحت نصف القناع لم يكن قبيحاً إطلاقاً.
بل يمكن وصفه بـ “المصنوع نحتاً”.
شعره الأسود وملابسه البسيطة أظهرت صرامة، لكن شفتيه الحمراوين وبشرته البيضاء شكّلت تناقضاً غريباً يغري النظر.
“هل أعجبك مرافقِي؟”
لم يصدر الصوت من رجل، بل من امرأة رقيقة.
التفت إرهان، متفاجئاً.
امرأة جلست متربّعة على المقعد المقابل له، حيث لم يكن هناك أحد قبل لحظة.
كانت المرأة نصف مكمَّمة الوجه مثل مرافقها، لكن فستانها ومجوهراتها الفاخرة أظهرت ثراءً متباهياً.
ظللت أحدّق بها مذهولاً، حتى شعرت بوخزة على وجنتي، وعندما التفت، أدركت أن مرافقها يرمقني بنظرة غاضبة.
بدا وكأنه يريد التهامي. كان صوته يتردّد في رأسه: ابعد عينيك عنها.
سعل إرهان وبدأ الكلام بصوت ضعيف:
“الشخص الذي جئت للقائه هو سيد هذا المتجر.”
“إن كنت تعني هانس، فهو لا يأتي إلى هنا.”
غطّت فمها بمروحتها وابتسمت بخبث:
“السند الذي أصدره هانس لك، أنا من اشتراه.”
“أوه…؟”
“وهذا يعني أنني الدائنة، وأنا من تدين له بالمال.”
أخرجت المرأة غليوناً من كمّها، فأسرع مرافقها يهمس في أذنها:
“هذا مضر للجسم… إدمان…”
ابتسمت بخفة وهمست له بالشيء نفسه:
“آمن… فيتامينات… مفيد للجسم… مجرد أجواء…”
لم يكن إرهان يسمع، لكنه رأى بوضوح أنهما يتهامسان كعاشقين.
وبعد لحظات، انفصلا كأن الحوار انتهى.
“لقد وقّعت وأنت تعلم أن الأمر موثّق بدوق ليسيانثوس، أليس كذلك؟”
رفعت المرأة غليونها، فوضع مرافقها يده عليه.
وانبعث الدخان كما لو كان بسحر.
وضعت طرفه على فمها، ثم نفخت الدخان في وجه إرهان.
لم تكن رائحة تبغ مألوفة، بل أعشاب مُرّة.
“أنت تعلم ما الذي سيحدث إن لم تسدد في الوقت المحدد، أليس كذلك؟”
كان المشهد لائقاً بها جداً لدرجة أن إرهان لم يفكّر حتى في الغضب.
“تبدو أكثر هدوءاً مما توقعت.”
“…الدَّين لا يعني أن على المرء أن يكون جباناً مرتعداً.”
“همف.”
ضحكت بصوت عالٍ.
“إذن يبدو أنك تملك مالاً كافياً للسداد. تجارتك تسير على ما يرام؟”
“في الواقع، سيدفع شخص آخر المال.”
“وهل هو مبلغ صغير؟ أي نوع من الصفقات عقدت؟”
نفخ إرهان صدره وقال بفخر:
“لين، التي يسمونها قديسة الإمبراطورية هذه الأيام، هي أختي.”
صمتت المرأة قليلاً وكأنها تفكر.
همف، لا بد أن اسم لين فاجأك.
“…حقاً؟ على حد علمي، الآنسة لين لا أهل لها، ناهيك عن إخوة.”
“ماذا تقولين؟ لقد تربّينا كالأشقاء منذ الصغر!”
“إذن لستم إخوة بيولوجيين بحسب السجل العائلي.”
وبينما بدا عليها الملل، سارع إرهان ليقول:
“كان ذلك لأسباب خاصة. لم يُذكر في السجلات، لكنها تعتبرني عائلة بالتأكيد.”
“أسباب خاصة…”
ضيّقت عينيها.
“أنا فضولية بشأن تلك الأسباب.”
“آه، إنه أمر خاص…”
حدّقت به قليلاً ثم سحبت من غليونها.
فوووش
غطّى الدخان وجهه ثم تلاشى.
وعندما عاد بصره، كانت المرأة قد نزعت قناعها.
ارتعشت حدقتا إرهان وهو ينظر إليها.
أما عيناها فظلتا هادئتين مخادعتين.
“أليس سببك لعدم البوح، هو أنك رفضت أن تُسجّل في العائلة؟”
“لـ… لين…؟”
“لم أدرك أنك تراني هكذا، إرهان.”
فكّت ساقيها المتشابكتين ونهضت ببطء.
“اركع.”
لم يكن في نظراتها ذرة شفقة وهي تحدّق به من علٍ.
ظل إرهان واقفاً مذهولاً من الفرق بينها وبين لين التي يعرفها، ثم نهض فجأة وكأنه تذكّر شيئاً.
“أنتِ… أيتها الناكرة للجميل…!”
“لقد أمرتك بوضوح أن تركع.”
دووم!
لم يكن بإرادته. أُجبر إرهان على الركوع بقوة غامضة.
صرخ غاضباً: “أنا الرجل الذي سيصبح كونت أرميريا! أتظنين أنك ستفلتين من عاقبة هذا؟”
“آه، بالتأكيد.”
أسندت لين رأسها على صدر مرافقها العريض، فطوّق خصرها بذراعيه.
“لكن ماذا عنك، ماذا عن ممتلكاتك؟ إن لم تسدد، سأستولي عليها.”
اخترق صوته المتهكّم أذني إرهان.
“نبيل بلا ضيعة. لا أعلم من سيعاملك باحترام بعد ذلك.”
“أيتها العامية، كيف تجرئين!”
“احذر ما تقول عن العامّة، إرهان. ألم تسمع أنني محبوبة شعب ليسيانثوس؟”
ضيّقت لين عينيها لتتأكد من وصول الرسالة.
“أنا دوقة قادمة، لا مجرّد كونتة، وأنت تطمر رأسك في الرمال.”
“دو… دوقة؟ أجل، سأفضح حقيقتك أمام دوق كارسون!”
أمالت لين رأسها بهدوء.
“وماذا ستفضح بالضبط؟”
ضحك إرهان وأشار إلى مرافقها.
“مرافقك هذا، عشيقك! ها! إن علم الدوق كارسون سيغضب غضباً عظيماً.”
تبادلت لين ومرافقها نظرة صامتة.
ارتجفت شفتاه وكأنه يكتم ضحكاً.
“بالطبع، لقد اعتدتِ مغازلة الرجال، وريكس أحد ضحاياك.”
بااانغ!
ارتطم رأس إرهان بالأرض، وسال الدم من جبينه.
“أعد كلامك. من الضحية؟”
رأت لين المشهد فنقرت لسانها ووبّخت مرافقها:
“اتفقنا ألا تتدخل.”
“…لكن!”
ربّتت على رأسه بيدها لتهدئه، ثم أمسكت بتلابيبه وسحبته إليها.
التصقت شفتاهما.
ظلّت عينا إرهان متسعتين وهو يراقب المشهد بفمٍ مفتوح.
ورغم شدّة القبلة، إلا أن نظراتها لمرافقها أفشت حباً عميقاً لم تستطع إخفاءه.
وبعد أن أفلتت شفتيها، لحست شفتَيه الحمراوين لتختم القبلة.
“همف…”
تهاوى جسده وكأن ساقيه خارتا، فوضعت لين مقعداً خلفه ببرود.
ابتسمت بسخرية لإرهان.
“اذهب وأخبر شعب ليسيانثوس بما رأيت.”
“…أتظنين أنني لن أفعل؟”
انتفض واقفاً والغضب يلوّن وجهه.
“انتظر.”
ارتسمت ابتسامة عريضة على وجهه ظانّاً أنها تراجعت.
“لقد تأخرتِ!”
لكن لين ظلت مبتسمة:
“لا داعي لتذهب حتى إلى قصر الدوق، بل أخبره هنا.”
“ماذا تعنين…”
أزالت لين نصف قناع مرافقها.
تحوّل شعره إلى زهري، وكشف وجهه المستور.
كارسون ليسيانثوس.
كان هو.
“هذا كذب… خداع… هراء…!”
“على أية حال، كم بقي على موعد استحقاق الدين؟”
بخلاف مشاعر إرهان المشتعلة، صدح صوت لين الهادئ في الغرفة.
“إن لم تسدد في الموعد، سنراجع ممتلكاتك ونصادر عقاراتك وأصولك السائلة.”
ارتسمت ابتسامة على شفتيها.
“أتساءل حقاً، ماذا ستقول خالتي عنك إن علمت بالأمر؟”
“أيتها الحقيرة! يا ناكرة الجميل!”
“تستمر بالحديث عن نكران الجميل… لهذا لم أخبرك مسبقاً، أليس كذلك؟ القرار بيدك، أن تفضح أو لا. أنا فقط سأعذّبك.”
إن أبقيت فمك مغلقاً، فلن يعرف خالي وخالتي ولوكا شيئاً حتى يحين موعد السداد.
لكن فقط إن أبقيت فمك مغلقاً.
أنت وحدك.
“حظاً سعيداً يا أيها المَدين.”
م.م: يا أحلى قراء، أين التعليقات أنا لا أراها 🙃
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
التعليقات لهذا الفصل " 147"