⚠️لا تجعلوا قراءة الروايات تلهيكم عن الصلاة وعن ممارسة الشعائر الدينية😁
“…الأستاذ جورج؟”
استغرق الأمر مني لحظة لأفرك عيني لأتأكد أنني لا أنظر إلى شخصٍ آخر.
كان يرتدي رداءً طويلاً يصل للكاحل مع قبعة رأس، مما جعلني أشعر بالتوتر.
تلك النظرة غير المريحة على وجهه ونظارته ذات العدسة الواحدة أكدت شكوكي.
“هذا منتصف الفصل الدراسي، لماذا أستاذٌ من المفترض أن يكون في أكاديمية الساحة موجود هنا؟”
رد كارسون بنبرة لاذعة على تمتمتي. بدا أنه لا يحب هذا الانقطاع في موعدنا.
“ربما جاء ليشتري أعشابًا.”
لكن الأستاذ جورج كان الأستاذ الوحيد في قسم علم الأعشاب لصف التخرج بأكمله.
كان هناك بعض الأساتذة المساعدين الآخرين، لكن لم يكن أحدٌ منهم مختصًا في علم الأعشاب.
لماذا يأتي كل هذا الطريق بدل أن يعيش قرب الأكاديمية؟
قررت أن أضع أفكاري جانبًا وأحيّيه. حتى وإن كنا في ضيعة ليسيانثوس المشهورة بأعشابها، كان من النادر أن تصادف شخصًا تعرفه في هذه الإمبراطورية الشاسعة.
لذا سيكون الأمر مسرًّا.
إضافة إلى أن الأستاذ جورج كان المفضل عندي من بين الأساتذة.
حتى وإن حاول أن يجرّني إلى طريقٍ مظلم حين طلب مني أن أنضم إليه بعد التخرج، إلا أن ذكراه عادةً ما كانت تجلب لي ابتسامة.
“الأستاذ جورج!”
عند ندائي، جالت عيناه حول المكان ثم استقرت عليّ.
اتسعت عيناه، سواء لرؤية كارسون يمسك يدي بمودّة، أو لأنه لم يتوقع أن يراني هنا.
“لين…؟”
تركت يد كارسون وتقدمت نحوه بخطوات مترددة، أبتسم ابتسامة ضعيفة.
“كيف حالك؟ لم أتوقع أن أجدك هنا، أستاذ.”
تراجع الأستاذ خطوة للخلف وهو يعدّل ردائه بعجلة.
هل تفاجأ برؤية دوبي؟
همم. على الأقل، كارسون قد طلب منه ألا ينبح في الخارج… لا، لقد هدّده، لذا هو هادئ.
“لقد مر وقت طويل، لين.”
“بقولك وقت طويل، تعني بضعة أشهر فقط منذ تخرجنا.”
خفتت ملامحه عند كلامي، وتمتم بنعومة:
“آه، نعم. بالفعل، بالفعل…”
عيناه كانتا غائمتين، كأنه غارق في أفكار أخرى.
“على أي حال، كان من الجيد لقاؤك. إلى اللقاء… حسنًا، لا شيء، لدي عمل، سأذهب الآن.”
“ماذا؟”
استدار الأستاذ مبتعدًا بسرعة.
لم يُبدِ أي علامة على العجلة حتى كلمته.
“انتظر!”
في ذعر، مددت يدي وأمسكت بمعصمه، مما جعله يتأوه وكأني ضغطت على جرح.
“آخ!”
سحبت يدي فورًا بدهشة. لكن سرعان ما عدت وأمسكت بطرف ردائه، خشية أن يهرب، وسألته:
“أأنت مصاب يا أستاذ؟”
“اتركيني.”
“أم أن لديك مشاكل في المفاصل؟”
“اتركيني!”
انتزع الأستاذ جورج يدي بعنف عن رداءه.
“لين!”
لحسن الحظ، كان كارسون قد ألقى تعويذة حماية في تلك اللحظة، فلم أُصب بأذى.
لكن الآخرين لم يكونوا محظوظين.
دفعني كارسون جانبًا وحدّق بالأستاذ بنظرة حادة قاتلة. لا أظن أنه قصدها، لكنها خرجت منه.
ارتبكت عيناه وارتجفت.
“…أنا آسف.”
“أأنت تدرك أن هناك خطبًا ما اليوم، صحيح؟”
“لن أنكر ذلك. لكن لا تتدخلي أكثر. الأمر لا علاقة له بك.”
تأملتُ الأستاذ. ربما لبنيته الضئيلة، لكنه بدا هزيلاً اليوم.
“لستَ مضطرًا للاعتذار لي، أستاذ.”
لأني، ابتسمت بخبث وتقدمت نحوه، دون تردد، سحبت كم ردائه عن يده.
فلقد كنت على وشك فعل شيءٍ يستوجب الاعتذار حقًا.
“أيها الوغدة…!”
سارع الأستاذ جورج لخفض ردائه، لكنني لمحت للحظة وجيزة.
يداه كانتا تتحولان للسواد وتتآكلان. كنت أدرك أنه يخفي ألمه.
لكن لم أكن أتوقع هذا على الإطلاق.
ملامحي تجمدت تدريجيًا. في الحقيقة، لست أدري كيف بدا وجهي.
“…أستاذ.”
رد جورج بنظرة وصوت يائس:
“…نعم.”
“هل لديك ما أظنه لديك؟”
كنت أعلم الجواب مسبقًا.
لو كان قد أُصيب بالطاعون، الـ”مونستيرا”، لما تجرأ على الخروج هكذا.
لكان قد حبس نفسه في غرفته، يموت ببطء وبوحدة. لكنه هز رأسه ببطء.
“لا أعلم إن كنت ستصدقينني، لكنني لا أملك الطاعون. إنه شيء يشبهه، أو متحوّر منه.”
مرض شبيه بالمونستيرا أو متحوّر… يبدو أن الأستاذ جورج يفكر بنفس الطريقة التي أفكر بها…
“إلى أي مدى وصل المرض؟”
لا يبدو متقدمًا كثيرًا بما أنه لا يزال قادرًا على الحركة.
“المكان الذي رأيتِ ولمستِ هو حيث الالتهاب الأشد. اليد الأخرى ما تزال سليمة.”
كونه لم يتقدم كثيرًا كان نعمةً متخفية.
“متى أدركت أول مرة إصابتك بالمرض؟”
“بعد أسبوع من تخرجكم تقريبًا، حين بدأت الأعراض بالظهور.”
إن كان ذلك بعد التخرج، فهذا منذ نحو ثلاثة أشهر.
لقد سمعت أن المونستيرا قد تكون قاتلة في غضون ثلاثة أشهر. لكن تقدم حالة الأستاذ جورج كان بطيئًا جدًا، إذ لم يُصب سوى معصم واحد حتى الآن.
كان الأمر مشابهًا لمرض والديّ.
هل يمكن أن يكون نفس مرض المونستيرا؟
وبينما كنت أغرق في التفكير، تكلم الأستاذ جورج بصوت مُرّ:
“في البداية ظننته المونستيرا، لذا تركت عملي التدريسي وعدت إلى مسقط رأسي هنا. إن مت، أردت أن أموت وحدي.”
“أستاذ…”
“لا تنظري إلي هكذا. لم أرغب بالاستسلام فقط، فجربت شتى خلطات الأعشاب لإبقائي حيًا. ثم وجدت شيئًا نافعًا.”
وجد شيئًا نافعًا؟
بالفعل؟ بهذه السرعة؟ بهذه السهولة؟
“ما هو؟”
“الكرز الأرضي.”
شهقت برعب فور أن سمعت الاسم.
“لا يجب أن تأخذه أبدًا!”
فهو يُشعرك بتحسن مؤقت، ثم تأتي الآثار الجانبية دفعة واحدة.
حين كنت صغيرة، صنعت علاجات من الكرز الحامض والأرضي وقدمتها لوالديّ.
وكانت النتائج كارثية. تدهورت حالتهما بسرعة وبلا تحكم، وفي النهاية ماتا.
فورًا منعت الأستاذ جورج من تناوله. يا لحسن الحظ لم يفت الأوان، ولم أكرر الخطأ نفسه.
فجأة، تذكرت ما قاله لي أركاندوس قبل سنوات:
ابتعدي عن الأستاذ والتر. ابتعدي قدر المستطاع. من الآن وحتى تتخرجي. لا، حتى بعد التخرج، فلن تريه.
على الفور، انتفض جسدي بقشعريرة.
لو كان علي أن أختار شخصًا أقرب لوالتر، لكان الأستاذ جورج.
هل كان هناك سبب لإصرار أركاندوس على أن أبتعد عن والتر بعد التخرج؟
ماذا يعرف؟
عشرات الفرضيات دارت في ذهني دفعة واحدة.
لا، مستحيل. لا شيء مؤكد بعد.
لا يمكن أن أتهم رجلًا بريئًا بسبب ما قاله أركاندوس.
ثم إن والتر لا علاقة له بالطاعون. هو يدرس فنون السيف، لا علاقة له بالوباء.
لم يكن مهتمًا بأي شيء، وكان أنانيًا أكثر من أي شخص.
ثم إن مرض الأستاذ جورج لم يكن معديًا.
“…هل يعلم الأستاذ والتر عن هذا؟”
كان جورج ووالتر قريبين جدًا، لدرجة أنهما يلتقيان خارج الدروس.
لو كان والتر متورطًا حقًا، لما كان هناك سبب ليترك جورج يعاني.
“لا أعلم. إخبار والتر لن يجلب له سوى القلق. من الأفضل أن يبقى في الظلام.”
إنها محبة التلميذ لمعلمه حتى الدموع.
…ولهذا لم تستطع حتى أن توافق على لقاء آخر في المستقبل.
لكنني لم أستطع ترك مرض الأستاذ جورج وشأنه.
كنت مصممة ألا أدع مرضًا كهذا يخطف شخصًا عزيزًا عليّ مرة أخرى.
“أستاذ. ما رأيك أن نعمل سويًا على علاجٍ له؟”
“…معكِ؟”
“نعم، لقد كنت أعمل على علاج حتى من دون هذا.”
“المرض الذي لدي قد لا يكون مونستيرا.”
“لا بأس، لأن العلاج الذي كنت أحاول صنعه لم يكن مخصصًا للمونستيرا.”
“…ماذا تعنين؟”
ابتسمت بخجل وقلت: “لأن والديّ ماتا بمرضٍ يشبه المونستيرا كثيرًا، لكنه غير معدٍ.”
🍃
بدأ الأستاذ جورج بالقدوم إلى مختبري في دوقية ليسيانثوس في اليوم التالي.
حتى أنني أعطيته غرفة في القصر الدوقي، ليعيش فيها تقريبًا بدل العودة إلى منزله.
ما إن انضم إلى البحث عن العلاج، حتى بدأت الأمور تتضح.
المعرفة بالأعشاب شيء، لكن الآن وقد وُجد مريض لتجربة العلاج سريريًا، صار هناك المزيد مما يمكننا اختباره.
لكن مع الأخبار الجيدة تأتي الأخبار السيئة.
حين توقف عن تناول التوت، بدأ تقدم المرض بالتسارع لدرجة أننا كنا نلاحظ التغيرات في حالته يومًا بعد يوم.
لكن لو استمر في تناوله، لكانت حالته أسوأ.
“هل نأخذ استراحة؟”
كانت عيناي تؤلماني، لذا وضعت الأعشاب التي كنت أمزجها ونظرت إلى الأستاذ جورج.
“بالطبع.”
تأملت ذراعه المتآكلة، وأجبرت نفسي على إبعاد بصري عنها.
“أه، أستاذ. ما هذه العلامة المنتفخة على ساقك؟”
“مجرد لدغة بعوضة. مر وقت طويل، لكنها ما تزال.”
لما سمعت أنها لدغة بعوضة، شعرت ببعض الارتياح. كنت أخشى أن تكون مضاعفات أخرى.
لكن حين نظرت عن كثب، أدركت أن البعوضة تركت أثرًا متقاطعًا في مكان اللدغة، بوضوح بفعل أظافر.
انفجرت ضاحكة.
“بوهاها، صليب على لدغة بعوضة، إذًا هذه هي الوصفات الشعبية التي يستخدمها الأستاذ جورج.”
احمر وجه جورج قليلًا وغطى العلامات متذرعًا:
“لم أقصد أن أستخدم وصفات شعبية، فعلتها بدافع العادة…”
“حسنًا، إنه قانون شعبي أن ترسم صليبًا بأظافرك على لدغات البعوض.”
هززت كتفيّ وأنا أضيف مازحة:
“البعوض، لم يأتِ الصيف بعد، من أين جاءوا بقرابين دماء؟”
في الواقع، كان أول مرة مرض والديّ الراحلين في ذروة موسم البعوض.
كانا يضحكان وأنا أرسم صلبانًا بأظافري على لدغاتهما المتورمة.
…هاه؟
حدقت في ساق الأستاذ جورج المتورمة، واتسعت عيناي مع إدراكي الذي نزل عليّ كالصاعقة.
لدغة بعوضة؟
Sel
للدعم :
https://ko-fi.com/sel08
أستغفر الله العظيم واتوب اليه
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 134"