الفصل التاسع والسبعون

(مسودة)

لماذا؟ كان صوتًا دافئًا إلى درجة البكاء.

‘مع ذلك، أؤمن أن هناك نقطة مناسبة بين الثقة المفرطة والتعذيب بالشك الزائد. لكنني أعتقد أن العثور على هذه النقطة أمر صعب للغاية.’

ذلك الصوت جعلني أتغلب على ترددي. فتحت فمي بشكل لا إرادي.

“…ماكس…”

كان صوتًا خافتًا جدًا، صوت لا يمكن أن يُسمع في الغابة.

لكن الشخص الآخر رفع رأسه فجأة وكأنه سمع شيئًا. وجه يائس. كان هناك أمل حارق في ذلك الوجه.

استمددت القوة من ذلك الوجه وفتحت فمي مرة أخرى.

صوت دافئ، صوت من الذاكرة أعطاني القوة.

‘بالنسبة لي ولك. وبالتأكيد سيكون من الصعب للغاية لأي شخص آخر أن يجد تلك النقطة.’

“ماكس! أنا هنا…”

وجه مستدير ونظرات شاحبة. وعيون خضراء تتسع وتغمرها الراحة عند رؤيتي.

كان على وجهه تعبير من الارتياح والفرح الطاغي.

“كارميلا!”

في تلك اللحظة، تداخلت العديد من الأصوات والذكريات.

‘من فضلك، هل تسمحين لي بمساعدتك؟’

‘أتمنى أن تنظري في وجهي مباشرة.’

تلك اللحظة التي هدأ فيها بكائي. عندما كنا نشاهد اللوحات معًا، وتذكرت كل شيء عندما أهداني إياها.

وذلك اليوم الصيفي الذي اعتقدت أنني لن أنساه أبدًا، عندما كانت الأزهار تتناثر في السماء وكان يبتسم لي.

كما لو كان ذلك الوجه هو مفتاح ذكرياتي المغلقة.

كيف نسيت؟ تلك الذكريات الواضحة.

ركض ماكس نحوي.

“ماكس… ماكس…”

دموع الفرح ملأت عيني عند تكرار اسمه.

تذكرت ماكس الذي جاء لزيارتي عندما كنت غارقة في حزن فقدان طفلي تمامًا.

حتى في ذلك الوقت، كان يأتي إليّ كالسحر عندما أحتاجه بشدة، عندما أكون في أمس الحاجة إليه.

والآن أيضًا، كما لو كان بسحر، جاء ليراني.

بينما كنت أفكر في ذلك، تدفقت الدموع بلا توقف.

قلبي كان يؤلمني. كيف يمكنه إنقاذي في كل مرة؟ كيف يمكنه أن يمنحني هذا الخلاص بمجرد وجوده؟

لماذا يفيض عليّ بهذا السخاء؟

“هل جئت لتلقاني؟”

ماكس، الذي هرع نحوي، خلع معطفه فورًا ووضعه فوق ثيابي الرقيقة الممزقة والمبللة.

أشعرت بحرارة المعطف بسبب هرولته بحثًا عني.

“كارميلا، لقد وجدتك. كنت أبحث عنك بلهفة شديدة، بلهفة شديدة…”

صوته كان مرتعشًا.

كان صوته صوت شخص لم يسترح أو ينام جيدًا لعدة أيام.

“أنا سعيد لأنك بخير. حقًا، سعيد جدًا. كنت خائفًا جدًا من فقدانك.”

أجبته باكية.

“وأنا أيضًا، ماكس. كنت خائفة جدًا. كنت خائفة جدًا من ألا أراك مرة أخرى.”

تلك الكلمات دفعت ماكس ليشدد ذراعيه حولي ويعانقني.

“لا بأس يا كارميلا. أينما كنتِ، سأذهب لألقاكِ. حتى لو اختبأتِ في نهاية العالم، سأبحث عنكِ.”

أخيرًا، بين الدموع، عانقته وهمست له.

“شكرًا لك. شكرًا لأنك بحثت عني، لأنك أتيت للقائي. شكرًا لإنقاذي.”

نظر إليّ ماكس وكأنه لا يصدق أو كما لو أنني قد أختفي في أي لحظة.

“لن أفقدكِ مرة أخرى. في الحقيقة، ما زلت أخشى أن تختفي. أخشى أن يكون كل هذا حلمًا.”

عينيه الخضراوين كانت مشبعة بالحزن.

عند النظر في عينيه، شعرت بشيء ينبض في قلبي. شعور يغمرني، ولم أستطع إلا أن أقول له: “أحبك.”

“ماكس، ماكس… ماكس…”

صوتي المرتعش كان مشوبًا بالدموع.

“أحبك. أحبك حقًا، حقًا.”

ملأت مشاعر الحب قلبي، كأن قلبي يفيض.

عيون ماكس اهتزت.

“أنا أيضًا، أحبك. كنت أخشى أن تكون مشاعري عميقة جدًا وأنك عندما تكتشفيها ستخافين وتهربين.”

في مكان ما، سمعت أصوات الحشرات والرياح الباردة تهب.

شعري كان مشعثًا، وكاحلي كان متورمًا، وذراعي مليئة بالجروح، لكنني كنت سعيدة جدًا، سعيدة لدرجة أنني شعرت أنني سأذوب.

حاولت أن أتكلم، لكن كل ما خرج هو دموع.

‘لماذا تعاملني بهذا اللطف؟ لماذا تحبني، أنا الشخص العادي؟ لماذا تظهر في حياتي كهدية عندما أكون في قمة اليأس؟’

تلك الكلمات كانت تدور في قلبي.

في تلك اللحظة، أطلق ماكس ذراعيه فجأة وركع أمامي.

“كارميلا، ابقي معي. لا أريد أن أفقدك مرة أخرى. ابقي بجانبي. اختاريني.”

شعرت برغبة في أن أهز رأسي بالموافقة كما لو كنت مسحورة. لكن في داخلي، كان هناك صوت مظلم يهمس لي.

هل سيكتشف ماكس يومًا أنني لست سوى امرأة بائسة جائعة للحب؟ هل سينكسر الوهم والصورة التي لديه عني ويتركني؟

مثلما حدث مع بيرنهارد، هل سأترك وحدي في القصر وأموت ببطء؟

كانت فترة مؤلمة للغاية. تلك الفترة التي شعرت فيها أنني أموت حية كسرتني تمامًا، شعرت أنني سأموت إذا حدث ذلك مرة أخرى.

في تلك اللحظة، أدرك ماكس ترددي ومد يده إليّ قائلاً.

“إذا كان اختيارك لي لا يكفيه حبك، فارحميني إذن. أرجوك، ارحمي هذا القلب المتألم لأجلك… واجعلي حبي كفايتك”

أخذ يدي ووضعها على قلبه قائلاً.

“هل تصدقين أن هذا القلب المتألم هو دليلي على صدقي؟”

بدهشة، شعرت بنبضات قلبه السريعة تحت يدي، هذا الشخص الرائع، النقي والمضيء، كان قلبه ينبض بسرعة تحت راحتي.

همس لي بالحقيقة.

بصوت مرتعش، سألته:

“ألن تتخلى عني؟”

عانقني ماكس وأجاب:

“لماذا تقولين هذا الكلام؟ بالطبع لن أفعل.”

ترددت. هل أجرؤ على الحديث؟ هل أزيل القناع وأكشف عن حقيقتي؟ هل سيشعر بالاشمئزاز مني؟

لكنني كنت متعبة. أردت أن أتحدث. أردت أن أتقبل رغم كل شيء. هذا الطمع جعلني أفتح فمي.

“أنا… في الحقيقة لست بالمرأة الجيدة كما أبدو.”

لسنوات لم أستطع أن أجذب انتباه أي شخص، مهما حاولت.

“…أنا مملة، مزعجة، وغيورة جدًا. هل ستكون على ما يرام مع هذا؟ ألا تخشى أن تصاب بخيبة أمل مني لاحقًا؟”

بينما كنت أتكلم، بدأت أبكي. نعم، لم أكن أستطيع أن أثق بنفسي.

كانت كلماتي مشوشة، محملة بيأس عميق لا أستطيع التعبير عنه بالكامل.

كان الالم ما يزال عميقًا جدًا.

تعرضت للضرب وطرحت على الأرض. حتى عندما كنت حاملاً وتوسلت، لكن لم أستطع أن أجعل أي شخص يهتم بي. كيف يمكن لشخص مثلي أن يكون محبوبًا؟

ولكن ماكس تعامل معي كما لو أنني شخص ثمين ويستحق الحب.

“أنا، في الحقيقة… لست بالشخص الذي يمكن أن تحبه…”

بينما كنت أتكلم، شعرت بالخجل والضيق، وبدأت أبكي بكاء متقطعًا.

مسح ماكس دموعي وقال بحزم:

“كارميلا.”

ثم تحدث بهدوء:

“لم أخبر أحدًا من قبل، لكنني كنت طفلاً غير مرحب به حتى من قبل أمي.”

بدا وجهه متألمًا عندما قال ذلك، فتوقفت عن البكاء للحظة.

تردد للحظة، ثم عض شفته وأكمل:

“أمي كانت تكرهني لأنني ابن ذلك الرجل. لذلك، كنت أكره نصف دمي الذي يجري في عروقي. مهما غسلت، لم أستطع التخلص من هذا الدم القذر، وكانت أمي تضربني كثيرًا وتغضب مني.”

واصل ماكس الحديث بوجه هادئ:

“كنت أكره النظر في المرآة. عندما كنت أنظر، كنت أجد شبهًا لذلك الرجل في وجهي وأقول لنفسي: هذا هو السبب في أن أمي تكرهني.”

مد ماكس يده ليمسح دموعي.

“والدي الذي لا أستطيع حتى أن أطلق عليه هذا اللقب، كان لا شيء بالنسبة لي. بعد وفاة أمي، تركني وأرسلني إلى ساحة المعركة.”

“ماكس…”

ضاعت مني الكلمات وانا احاول مواساته.

تحدث ماكس بهدوء.

“لكن، بالرغم من كل شيء، كنت مضطرًا للعيش، لم أكن أريد الموت، كانت حياة عنيدة. لكن كل شيء تغير عندما التقيت بك.”

نظر إلي بنظرة حالمة.

في عينيه، شعرت وكأنني أصبحت جنية أو إلهة اغريقية للجمال.

“أنا الآن أقل كرهًا لنفسي. العالم أصبح أجمل بكثير. لم أعد أكره الناس. كل ذلك فقط لأنك كنت هنا، لأنك ظهرت أمامي.”

أخيرًا، عانقت هذا الرجل المسكين.

“أنا هنا الآن. لن أؤذيك أبدًا ولن ادع احدا يؤذيك.”

وتلاقت نظراتنا .

كانت هناك لحظة أبدية قصيرة.

تبادلنا مشاعر عميقة للحظة وتلامست شفاهنا. كان قبلة بطعم مالح من كثرة الدموع التي انهمرت.