الفصل الثاني والسبعون

(مسودة)

كان يفكر فقط في حماية السيدة، وهذا ما كان عليه أن يركز عليه بأسنانه المشدودة.

كان الفرسان الذين جلبهم دوناو يقاتلون بشكل شرس. كان واضحًا أنهم مستعدون للإمساك بأي فرصة، حتى لو انهارت القلعة المحترقة.

حتى عندما جُرحت أقدامهم، كانوا يلوحون بسيوفهم وهم يسقطون.

في تلك اللحظة، عندما كان فرسان أرمنغ مذهولين، عض جيد شفتيه.

راوده تفكير غريب في ذهنه.

كيف يمكن أن يكون هدف هؤلاء الفرسان هو الفناء الجماعي، ومع ذلك يقاتلون بشكل شرس في وسط هذه النيران؟

“لقد تعرضنا للخداع. هدفهم كان تعطيلنا.”

استدار لينظر إلى الخلف، إلى المكان الذي فر منه الفارس الشاب مع كارميلا.

“كارميلا…!”

خرج جيد من المعركة وركض بجنون.

وصل إلى المدخل بسرعة دون مقاومة.

ثم أصدر أنينًا.

“آه…”

عند مدخل بوابة القلعة، كان الفارس الشاب الذي أُرسل في وقت سابق ملقىً ميتًا على الأرض.

وكانت كارميلا غير موجودة.

تفوه جيد بالشتائم دون وعي.

“اللعنة…”

كانت كارميلا مسممة، تكافح من أجل الحياة، واستنشقت الدخان، وتم اختطافها.

صر جيد على أسنانه.

شعر بمرارة شديدة. كان هذا هو العمل الذي عهد به إليه الملك. ولكن…

ليس هذا فقط، كانت كارميلا صديقته أيضًا. لم يكن يريد الاعتراف بذلك، لكنه لم يكن يرغب في فقدانها.

شعر بألم شديد في صدره.

“اللعنة!”

—

هرب فاين مع كارميلا على حصانه دون اتجاه محدد.

لم يكن يفكر في المستقبل، فقط كان يغمره الغضب.

القلعة احترقت، وإذا تم القبض عليه بسبب تجارة الرقيق، فسوف يُشنق. حتى دوناو، الذي كان يحميه، سقط.

حلم البدء من جديد في مكان بعيد حيث لا يعرفه أحد ويعيش بثراء، تحطم بالكامل.

“كل شيء انتهى. بسببكِ.”

كانت عيناه اللامعتان تنظران بجنون إلى كارميلا. لكن كارميلا، بوجهها الشاحب، كانت فاقدة للوعي ولا تتحرك. أنزل فاين كارميلا من الحصان ووضعها على الأرض، ثم رفع يديه.

وبدأ ببطء في خنقها.

“إذا قتلتكِ على الأقل، سأضرب كل من لعائلة رستجا وأرمنجا. لن أموت وحدي.”

وجه كارميلا، الذي كان فاقدًا للوعي، ازداد شحوبًا وبدأت تسعل بشكل لا إرادي، لكن فاين، الذي فقد عقله من الغضب، لم يكن لديه رحمة.

كان على وشك أن يضغط بشدة أكثر حين فجأة ترك يديه.

خطرت في ذهنه فكرة جديدة، بينما كان غارقًا في غضبه.

“لا، لم ينتهِ بعد. إذا استطعت الاحتفاظ بهذه المرأة كرهينة، فقد تساعدني في الهروب إلى بلد آخر.”

في تلك اللحظة، ضرب غمد السيف مؤخرة رأس فاين دون سابق إنذار.

سقط فاين على الأرض وهو ينزف من رأسه، وتحدث شخص ذو وجه مظلل بالشمس ببطء.

“أحمق. لو كنت قتلتها في البداية، لربما تركت لنفسك الفرصة لتعيش.”

نظرات باردة كانت تنظر إلى فاين الذي كان ينزف من رأسه وكأنه قمامة.

وعندما أدرك أن فاين لن ينجو على أي حال، توقف عن الاهتمام به واتجه نحو كارميلا.

عندما خرج من الظل، كشفت الشمس عن وجه جميل، بشعر أسود وعينين حمراء، وعينين لا يمكن تحديد إذا كانت مليئة بالجنون أو الفراغ، وكان على وجهه تعبير ساخر.

ببطء، وكأنه صياد يحاصر فريسته، اقترب ونظر إلى كارميلا بابتسامة شريرة، وهمس:

“هذه هي الفتاة، إذن. كيف يجب أن أدوس عليها لكي يسعد ابن أخي؟”

ثم أمسك بشعرها ورفعها بعنف. كانت هناك علامات كدمات سوداء على رقبتها، ووجهها كان شاحباً وهي ترتفع معه.

عندما رأى وجه كارميلا بوضوح، تجمد وجهه كالجليد. دون أن يشعر، وضع شعرها بحذر ونظر مرة أخرى إلى وجهها.

خطوط مألوفة، وجه مألوف مع جو من المرض.

اتسعت عيناه بالدهشة. تمتم كمن رأى شيئًا لا يصدق:

“ريبيكا…؟”

هز رأسه.

“لا. هذا مستحيل. ريبيكا ماتت.”

لكن… لكن.

نظر إلى كارميلا كمن مسحور، ثم أدرك فجأة أن وجهها شاحب بشكل لا يصدق.

بالنظر إلى كل هذا، لم يكن قادراً على استيعاب الوضع.

عندما وضع أصابعه على أنفها، وجد أن تنفسها كان ضحلاً بشكل لا يصدق.

كشخص رأى موت الكثيرين، أدرك أن كارميلا ستموت إذا تركها على هذا الحال.

تردد، ثم رفعها بحذر كما لو كان قد اتخذ قراره.

ثم ركب على حصانه واختفى بعيداً.

* * *

شعرت بحرارة في جسدي. استيقظت مغموراً بالعرق.

عندما نهضت، رأيت سريراً فاخراً مزيناً بعدة وسائد وستائر من الدانتيل.

عندما حاولت النهوض من السرير، دار رأسي.

“السم لم يخرج بالكامل بعد. لقد استدعيت كاهناً، لذا انتظري.”

نظرت بجانبي. كان هناك رجل ذو شعر أسود حالك وعيون حمراء.

كانت عيناه العميقتان الحمراء تبدوان متآكلة وكئيبة. بدت ملامحه كلاسيكية ومليئة بالجمال القوطي المرضي، وكأنه خرج من لوحة قديمة.

على الرغم من أنه كان شخصاً مثيراً للإعجاب، إلا أنني كنت متفاجئة.

من الطبيعي أن يكون المرء متفاجئاً عندما يرى شخصاً غريباً عند الاستيقاظ.

“……؟”

عندما حاولت أن أسأل من هو، لم يصدر من حلقي سوى صوت بحة قوية.

ولم يكن ذلك فقط، بل شعرت بوخز وحرقة.

كان الأمر مؤلماً وحلقي يؤلمني كأنه مصاب بكدمة.

عندما حاولت التحدث وأمسكت بحلقي متألمة، قال:

“يبدو أن حلقك مبحوح بسبب الخنق. وربما بسبب السم والدخان أيضاً. سأحضر لك ورقة وقلم.”

اندهشت.

وبمجرد أن أحضر الورقة والقلم، بدأت أكتب.

[كيف خُنقت؟ وسممت؟ ولماذا؟]

كان عقلي فارغاً. لم أتذكر اسمي، عائلتي، ولا من أنا. كأن عقلي صفحة بيضاء.

ما تذكرتخ من لمحات من الماضي أخافني وجعلني أرتعش.

من أنا لكي أتعرض للتسمم والخنق؟ هل كنت شخصاً خطيراً يستحق ذلك؟

رد الرجل مستفسراً:

“الخنق حدث عندما كنت فاقدو للوعي، لكن يجب أن تتذكري انك تناولت السم قبل أن تنهاري.”

شعرت بشيء ينذر بالخطر وارتبكت.

[لا أتذكر أي شيء. من أنا؟ من فضلك، أخبرني. ما اسمي؟ أين عائلتي؟ وهل أنا مجرمة؟ لماذا خُنقت وتعرضت للسم؟]

ضيق عيناه بشيء من الشك. نظر إلي كأنه يحاول تقييم الوضع وسأل:

“…لا تتذكرين؟ أي شيء على الإطلاق؟”

كانت نبرة صوته استجوابية. يبدو أن هناك شيئاً كنت يجب أن أتذكره.

شعرت بالخوف وكأنني ارتكبت جريمة.

[آسفة. ربما إذا حاولت تذكر، قد أتذكر.]

ضحك الرجل.

“ها، هاهاها. هاهاهاها!”

كانت ضحكة مرحة حقاً. شعرت بالخوف من ضحكته تلك واحتضنت الغطاء وارتعشت.

قال بابتسامة:

“لا داعي للخوف. لن أعاملك معاملة سيئة فانت ضيفو في النهاية.”

فسألته:

[ضيفة؟ هل أنا ضيفة؟ إذن، أين عائلتي؟ أين منزلي؟]

هز كتفيه.

“لا أعلم. أنا فقط أنقذتك من الشخص الذي كان يخنقك.”

نظرت إلى عنقي في المرآة التي أعطاها لي ورأيت علامات الكدمات السوداء على شكل يد تغطي رقبتي. كانت مرعبة.

“هناك الكثير من الأشخاص السيئين في الخارج. سأحميك بأمان في منزلي.”

ترددت، ثم لمست كدمات عنقي وأومأت برأسي.

لم أكن أعرف ماذا فعلت، لكن العالم الخارجي بدا خطيراً. ومع ذلك، هل هذا المكان آمن؟ إلى متى سيبقيني هنا؟ كان يجب أن أستعيد ذاكرتي بسرعة.

يجب أن أستعيد ذاكرتي بسرعة.

نظرت إلى الرجل.

“لماذا؟”

يبدو أن الرجل كان شديد الانتباه. بمجرد أن نظرت إليه، أدرك فوراً وسألني عن السبب.

انتهزت الفرصة لأسأله عن شيء أردت معرفته.

[من أنت؟]

في تلك اللحظة، سمعنا صوت طرق على الباب.

“لقد وصل الكاهن.”

رفع الرجل يده قائلاً “لحظة.” ثم نهض.

“لا تدعه يدخل. سأخرج واودعه.”

عاد الرجل بعد فترة وجيزة وقال:

“فكرت أنه من الأفضل أن تبقى في سرية هنا في بيتي بسبب تعرضك للتسمم والخنق، لذا أعدت الكاهن. سأستدعي طبيباً موثوقاً بدلاً منه.”

كانت هذه فكرة معقولة. انحنيت لأشكره.

ثم قال لي:

“أنا كارداموس. يمكنك أن تناديني كارداموس فقط. أو يمكنك أن تناديني كار. وبما أنك لا تتذكرين اسمك، يجب أن نختار لك لقباً مؤقتاً.”

فكر للحظة ثم قال:

“ما رأيك في ريبيكا؟ يبدو أنه يناسبك.”

ريبيكا… لم يكن سيئاً، لكنه كان غريباً. شعرت أن هذا ليس اسمي الأصلي.

لكنني أومأت برأسي.

كان هناك سبب ضعيف وراء موافقتي: لم أرد أن أفقد الشخص الوحيد الذي أبدى لي لطفاً بعد فقداني للذاكرة.

ثم مد كارداموس يده ببطء نحو وجهي.

يد باردة جداً لمست خدي.

كانت أظافره مقصوصة بعناية، ولم تخدش بشرتي، لكن أصابعه الخمس التي بدت متيبسة كانت باردة و لامست خدي بلطف، مما جعلني أشعر بالقشعريرة.

ابتسم كارداموس ابتسامة حلوة للغاية تكاد تذيب الناظر إليها.

“إذاً، ريبيكا، ارتاحي جيداً.”

أغلق كارداموس الباب وابتسامة على شفتيه.

فقدان الذاكرة! من كان يظن أن الأمور ستسير بهذه الطريقة المثالية. لو كنت أعرف ذلك، لما استدعيت الكاهن.

ماذا لو كان قد عالج هذا المرض الغريب وفقدتُ هذه الفرصة منه؟ كانت ستكون مجرد إزعاج للاحتفاظ بها.