كان قصر دوق هاريسون، الواقع في مكان هادئ، يلفّه الصمت كما جرت العادة، إلا أن ذلك السكون لم يكن كالسابق. فقد كان التوتر بادياً بين الخدم، كأن شيئاً خفيًّا يسري بينهم.
وفي قلب ذلك التوتر، كان يقف جاستن.
“أين تكون الدوقة الآن؟“
سأل جاستن إحدى الخادمات بصوت خافت، رغم علمه المسبق بعدم وجود سينا بالجوار. وبدورها، ردّت الخادمة بالهمس نفسه.
“إنها في البيت الزجاجي حالياً.”
“لا تزال هناك؟ ألم تمضِ ساعة منذ ذهابها إلى هناك؟“
“قالت إنها ترغب بالاستراحة قليلاً بعد…”
“حسنٌ، فهمت. آه، انتظري!”
استوقفها جاستن مجددًا قبل أن تنصرف.
“هل جهّزتِ لها الشاي الذي تفضّله؟“
“بالطبع.”
“وهل تقرأ الكتاب نفسه؟“
“نعم، ما زالت تقرأه.”
كل شيء يسير وفق ما يخطّط له. كان جاستن يتصرف بهذه الدقة منذ أن علم بحمل سينا. أصرّ أن تقرأ كتباً مفيدة للجنين، وتستمع إلى موسيقى تهدّئ النفس، وتابع حالتها عبر الخدم بدقة متناهية، متأكدًا من عدم نقصان شيء. ورغم دخولها مرحلة الحمل المستقر، لم يتغير حرصه.
قد تبدو تلك التصرفات مبالغاً فيها بالنسبة لمجرد سكرتير، لكنها كانت أوامر صريحة من لوغان، موجّهة إلى جاستن والخادم معًا.
“احرصا على أن لا تشعر الدوقة بأي ضيق أثناء غيابي.”
في الآونة الأخيرة، أصبح لوغان كثير الخروج، بعد أن كان يتحاشى لقاء النبلاء ويفوّض جاستن بالمهمات الخارجية. ولكن منذ زواجه من سينا، بدأ يتغيّر تدريجيًا.
وكان جاستن ممتنًا لذلك التغيير حتى كاد يبكي من الفرح.
‘من العجيب كيف غيّرته هذه السيدة…!’
ومع تلك المشاعر، توجّه جاستن إلى البيت الزجاجي حيث سينا، ولم يستطع منع دموعه.
“سيدي جاستن، هل… تبكي؟“
سألت سينا بدهشة، وكانت نانسي بجانبها تنظر بذهول.
‘يا إلهي، لم أقصد أن أُظهر دموعي.’
فكر جاستن بسرعة، ثم قال.
“لا، لا، كنتُ أتثاءب فحسب.”
لم تكن سينا تعرف مدى حساسيته المفرطة، لكنها شعرت بالقلق.
“ألستَ متعباً؟ لا تقلق من أجلي واذهب لترتاح قليلاً.”
لو كان لوغان في مكانها، لألقى عليه نظرة تأنيب، لكنها لم تفعل. جاستن فكّر. كم هي نبيلة هذه السيدة… ثم هز رأسه رفضًا.
“لا يمكنني أن أنام بينما السيدة مستيقظة.”
ابتسمت سينا ابتسامة مبهمة.
كان جاستن في الأصل شخصًا صاخبًا، لكنه تغيّر كليًا منذ علمه بحملها، بل بدا وكأن فرحته تفوق فرحتها نفسها.
وكانت سينا تدرك أن القصر الذي كان هادئًا دائمًا، أصبح مشحونًا بالحركة والحيوية. ورغم أنه لا حاجة لكل هذا، فإنها لم تعترض.
وكان لوغان منخرطًا أيضًا في هذا الجو.
“سينا.”
“لوغان.”
التفتت إلى الصوت، فإذا به لوغان قد حضر لتوّه، يناول حقيبته لجاستن بهدوء، ثم توجّه إليها قائلاً.
“انتهى الاجتماع أسرع مما توقعت.”
“كنتُ بانتظارك.”
وقفت سينا وهي تسند بطنها الذي بدأ بالبروز بيدها، وكان مجرد نهوضها من الطاولة كفيلًا بجعل جاستن يفتح فمه بقلق.
“رجاءً، انتبهي لنفسك، سيدتي!”
ضحكت سينا بخجل من ردّة فعله المبالغ فيها. لكن لوغان لم يكن مختلفًا عنه، إذ بدت على وجهه ملامح جدية مماثلة.
تبادل النظرات بين لوغان وجاستن جعله يدرك أن ملامحهما قد تطابقت.
لم يقل أحد شيئًا، لكن لوغان شعر بالإحراج، فشدّ على وجهه وقال.
“اخرج من هنا.”
“…حاضر.”
أدرك جاستن السبب، فانسحب بهدوء، وتبعته نانسي، ولم يبقَ في البيت الزجاجي سوى الزوجين.
ضحكت سينا بخفّة.
“قلتُ لك إنني بخير، لا داعي لكل هذا القلق.”
“لكنني لا أستطيع التوقف عن القلق.”
إنه طفلهما الأول. كان قلقًا أن يصيبها أي مكروه.
كان يرغب بالبقاء قربها دائمًا، فما باله قد كثرت خروجاته هذه الأيام؟ شعر بالحزن لذلك.
“اشرب بعضًا من الشاي.”
صبت له سينا فنجانًا من الشاي المفيد للحامل، والذي كان يتناوله معها مؤخرًا، ثم قال فجأة.
“أظن أن بطنك قد ازداد بروزًا.”
“حقًا؟“
خفضت سينا رأسها. لم تكن تلاحظ ذلك، لكنها تركته يظن ما يشاء.
ثم قال.
“وأنا في طريقي إلى هنا، فكرتُ في أسماء للطفل.”
كان للجنين اسم مؤقت بالفعل، ولم يُعرف بعد جنسه، لكن لوغان بدا وكأنه بذل جهدًا كبيرًا. طرح خمسة أسماء للبنين وخمسة للبنات، ثم قال.
“اختاري الاسم الذي يعجبك.”
فكرت سينا قليلاً، ثم قالت.
“لو كان ولدًا، فـ إدغار سيكون مناسبًا… ولو كانت بنتًا، فـ سيندي يعجبني.”
“وأنا كذلك، أحبهما.”
رد لوغان دون تردد، وكأنه يرضى بكل ما تختاره. ابتسمت سينا وسألته.
“أتظن أننا سنرزق بفتاة؟“
عندما علم بخبر الحمل أول مرة، أعرب عن رغبته أن تكون الابنة الأولى تشبه سينا. فرغم أنه أعد أسماء الجنسين، إلا أنه كان متحمسًا أكثر لفكرة البنت.
فقالت متذكرة.
“يُقال إن الابنة الأولى تشبه أباها.”
كانت نانسي قد أخبرتها بذلك. وإذا كانت الابنة تشبه لوغان، فلا شك أنها ستكون جميلة، وهذا ما رحّبت به سينا. لكن لوغان بدا غير راضٍ.
“وأي قيمة لذلك؟ أن تكون فتاة وتشبهني لا أمّها؟“
ضحكت سينا، ثم توقفت فجأة. فزعت وقالت.
“لوغان… الطفل تحرّك للتوّ.”
***
لقد بدأت حركة الجنين!
كان جميع من في القصر في قمة السعادة، وإن عبّروا عنها بهدوء—عدا جاستن.
وبينما القصر يزداد سكونًا، زارت كلوي سينا برفقة هايدي.
“يا له من أمرٍ عجيب!”
قالتها هايدي التي كانت تستعد للزواج بوجه تغمره السعادة، بينما بدت كلوي مندهشة وسألت.
“كيف تشعرين بذلك؟“
“كأن فقاعة تنفجر بداخلي.”
أجابت سينا وهي تربّت على بطنها بحذر، ثم تفاجأت.
“أوه! لقد تحرّك مجددًا!”
ابتسمت هايدي بدفء، وكذلك فعلت سينا.
“سيندي الصغيرة صاخبة جدًا.”
“سيندي؟“
سألت كلوي، فأجابت سينا بهز رأسها.
“اخترنا الاسم بالأمس. لوغان يحب أن تكون البكر فتاة.”
ثم سألت هايدي.
“هل يمكنني لمس بطنك؟ أود أن أعرف إن كنت سأشعر بشيء.”
لم يكن الطلب غريبًا، فأذنت لها سينا، ومدّت هايدي يدها بحذر.
“سيندي… مرحبًا؟“
قالتها وهي تضع يدها على بطن سينا، ثم ضحكت سينا وقالت.
“هل تودين أن تضعي أذنك؟“
“حقًا؟ هل هذا مسموح؟“
وضعت هايدي أذنها برفق، تبتسم بفرح، وفجأة دخل لوغان إلى الغرفة.
ما هذا؟ تساءل لوغان وهو يرى هايدي، وبنظرةٍ استفهامية أجابته كلوي.
“تحاول الاستماع إلى صوت الجنين.”
ثم سألت هايدي.
“هل تسمعين شيئًا؟“
“ربما… أعتقد أنني أسمع.”
أن تستمع إلى صوت الجنين؟ لم يخطر ذلك على بال لوغان من قبل. كل ما فعله حتى الآن هو لمس البطن.
أيمكن فعل ذلك حقًا؟ شعر وكأنه اكتشف شيئًا جديدًا.
وبعد مغادرة هايدي وكلوي، عمّ الصمت في القصر من جديد.
رافق لوغان سينا إلى غرفتها، وجلس إلى جوارها على السرير وهو يحدق ببطنها.
“هل لا زلتَ تشعر بالدهشة؟“
سألته سينا مبتسمة. كان لوغان يتذكر ما قالته كلوي.
“جرب يا دوق، كما فعلت آنسة كوفنتري.”
“أن أستمع إلى دقات القلب؟“
أشارت كلوي بإيماءة مبطّنة وكأنها كانت تعرف أنه سيتردد.
وأخيرًا، قال لوغان.
“هل لي أن أضع أذني؟“
ضحكت سينا بسعادة.
“طبعًا، أنت والد سيندي.”
وبحذر شديد، انحنى لوغان، وحين وضع أذنه، تحرّك الجنين داخلاً.
***
“سيدة هاريسون! لقد جئتُ!”
في اليوم التالي، زارتهم إيلا. ومنذ أن أصبحت سينا حاملاً وتقلّصت نزهاتها، زاد عدد زوار القصر.
زيارة يومين متتالين؟ نظر لوغان إليها بعينٍ فاحصة، لكنها ابتسمت.
“أعتقد أن الدوقة تشعر بالوحدة، فجئتُ لزيارتها.”
وحدها؟ وهي معي؟ ضيّق لوغان عينيه.
كانت سينا على وشك أن تقول. يمكنكِ المجيء في أي وقت، لكنها صمتت.
سألت إيلا، وهي تقدم مجموعة بسكويت.
“هل يمكنني المجيء غدًا أيضًا؟ سأحضر شيئًا آخر.”
كان لوغان يفضل أن تزورهم نادرًا، لكن لم يقل ذلك، فقد ساعدتهم إيلا كثيرًا من قبل.
ورغم امتناعه عن الإساءة، خرجت منه الكلمات بجفاء.
“أقدّر لطفك، لكن لا داعي. أفضّل أن تتناول الدوقة طعام الطهاة فقط.”
ثم نظر إلى سينا وأضاف.
“ونحن بحاجة لبعض الوقت الخاص معًا.”
قالت إيلا بابتسامة.
“أوه، بالطبع. كان سؤالًا سخيفًا.”
لكن نظرتها توحي بأنها تفكر بشيء آخر تمامًا.
ضحكت عندما سمعت اسم “سيندي“.
“اسم لطيف. يجب أن تكون ابنتك شبيهة بي، سيدتي.”
ضحك لوغان ساخرًا. لماذا قد تُشبه سينا إيلا؟!
ثم جلست تتحدث طويلًا، ما جعل الصالة تعج بالحركة.
وأخيرًا، قالت.
“سآتي لاحقًا، وسأتواصل معكما.”
غادرت إيلا أخيرًا، ومع أن لوغان فرح في داخله، فإن سينا شعرت بفراغ غريب.
“حين يغادر الزوار، أشعر بوحشة.”
كان شعورًا مختلفًا عن ذاك الذي يرافق مغادرتها للمنزل.
وفي لحظة شرودها تلك، اقترب منها لوغان، وطوّق خصرها وسأل.
“حتى بوجودي، تشعرين بالوحشة؟“
بدت كلماته وكأنه يقول: أنا أحب أكثر لحظاتنا وحدنا. ضحكت سينا بخفّة، ووضعت يدها على يده.
“لم أقصد ذلك أبدًا.”
ثم قالت. “لنصعد.”
رفع لوغان يده من خصرها إلى كتفها، وأخذ يساعدها في صعود الدرج خطوة بخطوة.
لقد حان وقت الاستمتاع حقًا بوقتهما معًا.
وفي تلك الظهيرة الهادئة… تبادلا الابتسام.
–النهاية–
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 152"