كانت تلك العبارة الجازمة من آنسة الكونت كروز، وهي تحتسي الشاي في مقهى أنيق، وقد نطقتها دون تمهيد. التفتت الأنظار نحوها في دهشة، وكانت هايدي أول من سأل.
“عن ماذا تتحدثين؟“
ورغم أنها من بدأت الحديث، إلا أن الآنسة كروز صمتت فجأة، بينما ارتسمت ابتسامة خفيفة على شفتي كلوي، وكأنها أدركت المقصود.
عندها انفجرت كلوي في ضحكة قصيرة، فيما تابعت الآنسة كروز تذمّرها بامتعاض.
“كيف يُعقل هذا؟ الجميع وجد من يحب، وأنا فقط بقيت وحدي. حتى الآنسة روبرتس تزوجت بالفعل!”
فعلّقت كلوي وهي تكتم ضحكتها.
“مع أنكِ أكثرنا اهتمامًا بهذا الأمر.”
كانت تسخر منها بوضوح، إلا أن الكونتيسة بيدفورد سألت برفق.
“لماذا لا تخوضين زواجًا مدبّرًا أنتِ أيضًا؟“
فأجابتها آنسة كروز بحزم.
“ذلك خالٍ من الرومانسية.”
يبدو أن رفضها لفكرة الزواج المدبّر هو ما أبقاها وحيدة حتى الآن.
فكّرت للحظة، هل يمكنني تقديم نصيحة مجدية لها؟ لكن بدا أن الأمر خارج قدرتي. والمفارقة أن أياً منّا لم يكن يملك خبرة حقيقية في العلاقات العاطفية، حتى وإن تزوجنا.
كلوي والكونتيسة تزوّجتا لأسباب سياسية، أما أنا وهايدي فلم نحب سوى شخصٍ واحدٍ فقط.
قالت آنسة كروز وهي تنفث تنهيدة.
“جربت مقابلة رجال مختلفين، لكن لم يعجبني أحد.”
فلم أجد ما أقوله سوى. “يا للأسف…”
ثم اقترحت هايدي برفق.
“ماذا لو خفّضتِ معاييرك قليلاً؟“
فما كان من آنسة كروز إلا أن صرخت رافضة.
“أبدًا!”
إجابتها السريعة أثبتت كم ترفض الفكرة جملة وتفصيلًا.
قالت وقد ارتسم الغضب على وجهها.
“إن كان الخيار بين خفض المعايير أو البقاء وحدي، فأنا أفضّل أن أبقى وحدي!”
كلوي أومأت برأسها وأثنت عليها.
“موقف ممتاز.”
ثم أضافت مازحة.
“هناك أمثال صاحب السمو ولي العهد في هذا العالم، لعلّك تلتقين بشخص مثله. رغم أن ذلك… قد يكون صعبًا.”
ثم نظرت إليّ وسألت.
“أليس من الصعب أن نجد رجلاً يُضاهي الدوق؟“
ترددتُ قليلًا وقلت.
“ربما…”
عندها عبست آنسة كروز وقالت بأسى.
“سيدة هاريسون، هذا ظلم!”
قلت في محاولة للتخفيف عنها.
“فقط كوني صبورة، وستجدين شخصًا مناسبًا في الوقت المناسب.”
لكن في تلك اللحظة، سمعنا صوتًا مألوفًا من خلفنا.
“يبدو أن الحديث كان ممتعًا.”
“لوغان!”
كان لوغان يقف عند مدخل المقهى، أنيقًا كما عهدته، وإحدى يديه تستقر على خصره. سألته بارتباك.
“منذ متى وأنت هنا؟“
فأجابت كلوي.
“وصل لتوّه.”
كنت قد أعطيته موقع لقائي مسبقًا، نظرًا لأن مواعيده ومواعيدي اليوم كانت متقاربة.
قالت كلوي ممازحة.
“سمعت ذلك يا دوق؟ السيدة هاريسون ترى أنه من شبه المستحيل إيجاد رجل بمثل روعتك.”
“آه، آنسة غرينت…!”
رغم نظراتي التحذيرية، لم تتراجع كلوي، بل تمادت. أما لوغان، فلم يقل شيئًا، لكنه بدا سعيدًا بذلك التصريح.
ثم نظر إليّ وقال.
“لقد اقترب موعدنا، هل نذهب؟“
“بالطبع، عليكم الذهاب الآن.”
قالت كلوي مبتسمة، ثم مدّ لي يده، فأمسكت بها ونهضت. نظرات الآنسة كروز التي لاحقتني كانت مشوبة بالأسى.
وقبل أن نغادر، التفت لوغان إلى آنسة كروز وقال.
“توجّهي إلى البئر السحري، وستتمكنين من رؤية شريك قدرك.”
ثم شرح لها بالتفصيل متى وأين يمكنها الذهاب، قائلاً.
“أنا نفسي التقيت بسينا هناك.”
قال ذلك بنبرة رقيقة جعلتني أشعر بالحرج.
همست آنسة كروز بدهشة.
“البئر السحري؟ في إقليم ماركيز نيلسون؟“
وفي تلك اللحظة، أحاط لوغان خصرِي بذراعه وقال بهدوء.
كان المطعم الذي قصدناه هادئًا، يضيئه ضوء الشموع، والناس يمرون خارج النوافذ الكبيرة في أجواء مسائية ساحرة.
قلت وأنا أتناول قطعة من الستيك.
“أعتقد أن الآنسة كروز ستذهب فعلًا إلى البئر السحري. لقد أحرجتها كلوي كثيرًا اليوم.”
“أترين ذلك؟“
ابتسم لوغان بهدوء.
“إذن، أظنني قدمت لها نصيحة مفيدة.”
قلت ممازحة.
“لكن جدتي قالت إن الشروط تبقى سرًا، أليس كذلك؟“
توقف لوغان عن تقطيع طعامه ونظر إليّ بقلق.
“حقًا؟“
ضحكت وقلت.
“أنا أمزح. الآنسة كروز صديقة لي.”
ارتاح وجهه، وعاد الابتسام إليه.
“لو جاء الزوّار، ستكون جدتكِ سعيدة بذلك.”
كان يتحدّث كالرجل الأعمال الذي فيه، حتى في هذه اللحظات.
ربما يكون سفر الآنسة كروز مفيدًا لها وللإقليم معًا، لكن ما إذا كانت ستذهب فعلاً، فذلك أمر مجهول.
غير أن الإجابة أتت في اليوم التالي، حين استدعَتني بحماس.
“لنذهب سويًا إلى إقليم نيلسون!”
“هل أنتِ جادة؟“
“نعم! ألم يقل الدوق إنه التقى بكِ هناك؟“
كان حماسها شديدًا لدرجة لم أستطع أن أرفض، فأجبتها.
“حسنًا، فلنذهب معًا.”
عندما أخبرت لوغان، ارتسمت على وجهه خيبة خفيفة.
“لو كان لدي وقت، لرافقتكما بنفسي.”
كان منشغلًا للغاية، لذا لم يكن ذلك ممكنًا.
سألني.
“كم ستغيبين؟“
“يومان على الأكثر.”
“هذا مطمئن.”
ثم أخذ يدي ورفعها إلى شفتيه، وقال.
“رغم ذلك، سيبدو الوقت طويلاً دونك.”
مررتُ يدي في شعره برفق، وقلت.
“لا تُبالغ في اشتياقك، حسنًا؟“
ضحك بدوره، وكانت تلك الضحكة كافية لطمأنتي.
***
وصلنا إلى إقليم ماركيز نيلسون في الليلة التي يكتمل فيها القمر. وكان وجه الآنسة كروز مشرقًا، لا يشوبه حزن أو أسى.
قالت بحماسة.
“لمَ لم أفكر بهذا من قبل؟ لا بد أن لي شريكًا في القدر أيضًا!”
رحبت بها جدّتي بسعادة، وسرعان ما انسجمتا معًا، وأصبحتا قريبتين في وقتٍ قياسي.
وفي إحدى الأمسيات، خرجتُ لأجدها تجلس مع نانسي وجدّتي. ولدهشتي، كنّ يتحدثن عن… الحب الأول.
“قالت لنا للتو عن حبّها الأول.” همست نانسي.
“حقًا؟“
ابتسمت جدّتي وقالت.
“لا تخبري والدك بذلك، حسنًا؟“
تساءلت في حيرة.
“ألم تري جدي في البئر السحري؟“
ضحكت وقالت.
“جدّك شيء، وحبي الأول شيء آخر.”
يا لها من مفاجأة.
سألتني آنسة كروز.
“أليس الدوق حُبّك الأول؟“
أومأت بخجل.
“نعم، لوغان هو أول من أحببت…”
رغم زواجي في حياة سابقة، إلا أن ذلك كان مجرد زواج سياسي بلا مشاعر.
قالت الآنسة كروز، وعيناها تشعّان بالغيرة.
“محظوظة أنتِ… أن تتزوّجي حبّك الأول. أما أنا، فقد قابلت عددًا لا يُحصى من الرجال…”
وهكذا تحوّل الحديث إلى تجاربها العاطفية، من عمر الثالثة عشرة فصاعدًا.
كل سنة، رجل جديد، وكل واحدٍ بأسوأ من سابقه.
همست بدهشة.
“كيف لم تقابلي أحدًا جيدًا حتى الآن؟“
لكن نانسي نظرت إليها بعيونٍ متألقة.
“وأنا؟ لم أحصل على أي فرصة!”
فقالت آنسة كروز بحماسة.
“انضمي إلينا إذًا! الليلة المناسبة هي الليلة!”
فتساءلت نانسي بتردد.
“أيمكنني؟“
“بالطبع، لا مانع.” أجبتها وأنا أبتسم.
***
خرجنا ليلًا، برفقة الفرسان. وفي الطريق، قالت الآنسة كروز.
“هذا يذكرني بأيام الطفولة… كنت أخرج في مثل هذه الليالي الريفية مع ماثيو، ونصطاد الحشرات…”
“ماثيو؟ أكان أحد عشّاقك؟“
“لا، ماثيو صديقي منذ الطفولة. لا مشاعر بيننا على الإطلاق.”
كنا نسمع عنه لأول مرة.
وأضافت.
“أعتقد أنه لا يراني كامرأة أبدًا، فقد نشأنا معًا.”
وصلنا إلى البئر السحري، وتأكدنا من اكتمال القمر. جلست نانسي إلى جانب آنسة كروز، تحدق في ماء البئر بتركيز شديد.
قالت فجأة.
“آنسة، أنظري إلى هذا الوجه.”
تساءلت في داخلي. هل هو شخص أعرفه؟ ربما زوجها في حياتي السابقة؟ لكن الوجه كان غريبًا تمامًا.
وسألت نانسي.
“ألا يظهر اسمه أو مكانه؟“
أجابتني بتردد.
“لستُ متأكدة…”
ربما علينا أن نأخذها إلى كارافان لاحقًا، ونسأل إيلا.
لكن فجأة، أصدرت آنسة كروز صوتًا غريبًا.
“ما الأمر؟“
نظرتُ نحوها، فوجدت وجهها كأنه فقد روحه.
“هذا مستحيل… كيف يمكن أن يحدث هذا؟“
سألتها.
“من هو؟“
فأجابت بانكسار.
“إنه صديقي… ماثيو.”
صديق الطفولة الذي لم ترَه يومًا كرجل… ظهر في البئر بصفته شريك قَدرها.
يالها من دعابة مؤلمة نسجها القدر.
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 149"