“حتى ولو كان الأمر غير مريح، فلحسن الحظ أنني من عثرت عليك. وإلا، لكانت العاقبة وخيمة.”
“…آنستي؟“
كانت المرأة تنظر إليه بابتسامة لطيفة، لكنها كانت تتطلع إليه من علٍ بشكل غير مباشر. ومع ذلك، أن تكون هي من أنقذته؟ حدق فابيان إليها بعينين تحملان الدهشة.
لكن ديزي حافظت على ابتسامتها الهادئة.
“نعم. لقد أنقذتك أنا. سينا ساعدتني قليلًا، لكنها كانت إلى جانبي.”
أحقًا هذا ما حدث؟ التفت فابيان إلى سينا. كانت نظرته تتوسل تأكيدًا صامتًا، غير أن سينا لم تفعل سوى أن تبتسم بتوتر وتشيح بوجهها.
وهكذا كان لقاؤه الأول بها.
“لوغان، لماذا ترفض اللطف المقدم إليك؟“
هل هو امتعاض من رفضه المعروف؟ إن كان كذلك، فإن ديزي بدت متعالية للغاية. شعر بالضيق، لكنه آثر الصبر. ألم يأتِ إلى أراضي الماركيز متخفيًا في الأصل؟ كان عليه أن يتحمل مثل هذه الأمور.
“سأعيرك واحدًا. لا يجوز رفض كرم النبلاء، لذا خذه. وإن كان في الغرفة ما يزعجك، فأخبرني.”
رغم أنها أراضي الماركيز نيلسون، إلا أن ديزي كانت تتصرف وكأنها صاحبة هذا القصر. التفت فابيان دون وعي إلى سينا.
لم تنطق سينا بكلمة طوال الحديث، لكنها أخيرًا فتحت فمها وقالت.
“فكرة جيدة، ديزي. من الأفضل أن نتصرف هكذا.”
‘علاقة صداقة متينة إذًا‘، هكذا ظن فابيان.
لكنه لم يكن قادرًا على الفهم تمامًا.
***
غادرت سيدة القصر، وهي الوصية على القصر أثناء غياب الماركيز في العاصمة، مع الخدم للقيام بجولة تفقدية في الأراضي.
لم يتبقَّ في القصر إلا فابيان واثنتان من بنات النبلاء.
في غرفة الاستقبال، لم تتوقف ديزي عن الحديث إلى فابيان.
“كارديف أكثر تطورًا بكثير من هذا المكان. صحيح أن الطبيعة هنا خلابة، لكن من ناحية الراحة، فهي مزعجة، أليس كذلك؟“
وبعد أن قارنت بين العاصمة وأراضي نيلسون، شرعت في الحديث عن مدى تفوق مقاطعة مور على هذه الأرض.
“قصر ماركيز نيلسون عريق للغاية. صحيح أن القلاع القديمة رائعة، لكني أفضّل الطراز المعماري الحديث. قصر عائلتنا بُني بأسلوب معماري حديث—”
هل كانت تفعل ذلك عمدًا؟ كانت ديزي تقلل من شأن نيلسون بشكل ملحوظ. ومع أن الأمر يستدعي الغضب، إلا أن سينا لم تُظهر أي انزعاج.
“صحيح، فالمكان بعيد عن العاصمة. من الطبيعي أن نشعر بالضيق.”
بل إنها أومأت مؤيدة كلام ديزي بصوت هادئ. أما ديزي، فازدادت حماسًا وواصلت حديثها.
أكانتا صديقتين؟ قيل إنهما صديقتان حميمتان، غير أن العلاقة بدت أحادية الجانب. كانت ديزي تعامل سينا كما لو…
لا، طرد فابيان هذه الفكرة فورًا. فمهما يكن، سينا ابنة ماركيز، وأي فكرة كهذه فيها إساءة إليها.
في غرفة الاستقبال، اكتفت سينا بهز رأسها موافقة على كل ما قالته ديزي حتى النهاية.
***
رغم بعض الأمور التي يصعب فهمها، كانت سينا ذات طبع كريم.
“إذا كان ثمة ما يزعجك، فلا تتردد بإخباري.”
لم تكن كثيرة الكلام مع فابيان، لكن كلماتها القليلة كانت صادقة على عكس ديزي التي بدت وكأنها مفتونة بصورة ‘المرأة الطيبة‘.
“لا يوجد ما يزعجني. شكرًا على اهتمامك.”
“لا داعي للشكر.”
ابتسمت سينا برقة.
“جدتي كانت تقول دائمًا إنه علينا مد يد العون لمن هم في ضيق.”
قالتها بنبرة مشرقة أكثر من أي وقت مضى.
“وإن فعلت خيرًا، فسيعود إليك لاحقًا.”
“وهل هناك ما تأملينه بالمقابل؟“
لولا سؤال فابيان، لانتهى الحديث هناك. غير أن حديثها القليل معه جعله يفتح باب الحوار.
“لاأعلم…”
تفكرت سينا قليلًا.
“هل هناك ما أريده فعلًا؟ زوج طيب، أطفال، حياة بلا خصام.”
“قيل إن الانسة لم تُخطب بعد.”
أشار فابيان إلى ما سمعه من ديزي، فأومأت سينا برأسها.
“لكن أظنني سأخطب قريبًا. فغالبًا ما تُعقد الخطوبات في مثل هذا العمر.”
لم يجرؤ على سؤالها أكثر، فالباقي كان شخصيًا جدًا.
“أوه، ما الحديث الذي يدور بينكما؟“
دخلت ديزي إلى قاعة الطعام، فقطعت الحديث القصير بينهما.
“قد لا تعرف، لوغان، لكن حفلات الرقص في العاصمة فاخرة جدًا.”
وعادت ديزي تتحدث بمفردها. أما سينا، فكانت تصغي بهدوء.
الغريب أن صمتها وحده هو ما لفت انتباه فابيان.
كانت ديزي أجمل مظهرًا، لكن عيني فابيان وقعتا على سينا. وبينما كان يجيب ديزي على مضض، أخذ يتأمل سينا خلسة.
شعرها البني المنسدل على كتف واحد، يداها النحيلتان المرتاحتان فوق الطاولة، وعيناها الرماديتان المضيئتان، كانت كلها موجهة نحو ديزي وحدها.
تمنى فابيان لو أن تلك العيون توجهت نحوه أيضًا.
***
ثم في ليلة اكتمال القمر.
كان قلب فابيان يخفق وهو في طريقه نحو البئر السحري. لم يأتِ إلى أراضي الماركيز إلا لأجل رؤية ذلك الشيء.
إن استطاع رؤية شريكة مصيره، فليعرف من تكون على الأقل.
اقترب من البئر وهو يشعر بالارتباك، وانعكس وجهه على سطح الماء. لكن لم يظهر شيء غير وجهه.
أكذوبة إذًا؟ همَّ بالرجوع بخيبة، وفجأة…
تموجت المياه. ثم ظهرت ملامح امرأة.
“مستحيل…”
حدّق فابيان، مذهولًا، في صورة سينا المنعكسة على سطح الينبوع.
كيف تكون هي؟ أفاق ونظر نحو حيث كانت تقف مع ديزي.
“غريب؟ ألم يكن اليوم هو موعد اكتمال القمر؟“
كان من حديث ديزي أن لا أحد غيره رأى شيئًا. وحتى ملامح سينا تدل على أنها لم ترَ شيئًا.
لِمَ رآها هو وحده؟
“شريكة المصير…”
تمتم فابيان تلك العبارة الغريبة.
***
ما دام قد رأى شريكة قدره، فلم يعد له حاجة بالبقاء. غادر القصر في صباح اليوم التالي.
“أشكركم على كل شيء.”
“لوغان، إن ذهبت إلى العاصمة، لا تنس أن تتواصل معي.”
ودعته ديزي بلهفة وكأنها تنتظر لقاءً قادمًا.
“أجل.”
أجاب باقتضاب، ثم التفت نحو سينا. كانت تبتسم له ابتسامة هادئة.
“سافر بسلام.”
ربما كان عليه أن يبقى قليلًا. منذ أن رأى وجهها في البئر السحري، أصبح يشعر ببعض الأسى على المغادرة.
لم يكن قد وقع في الحب لمجرد أنه رآها في البئر.
لكنها باتت تشغل تفكيره أكثر قليلًا.
وقبل أن يرحل، احتفظ فابيان بمشهدها في ذهنه.
ابتسمت سينا له، فاستدار وغادر.
كان يكفيه أنه عرف من هي شريكة مصيره. لم يكن بوسعه ترك قصر الدوق خاليًا لفترة أطول. هكذا فكّر، وغادر أراضي الماركيز.
***
أغلق فابيان الأوراق التي كان يطالعها. منذ أن رأى وجهها في البئر السحري، لم تفارق صور سينا ذهنه.
هل الأمر بسبب كونها شريكة المصير؟ لم يكن يعلم.
ما الذي سيشعر به إن رآها ثانية؟ أراد رؤيتها مجددًا.
لم تمضِ مدة طويلة حتى دعاها إلى قصر الدوق.
تحت ذريعة تقديم الشكر لمن أنقذته. إذ لو تحدث عن شريكة القدر مباشرة، لربما أربكها الأمر.
ودعا ديزي معها لتخفيف وطأة الدعوة، إذ سيكون الأمر أنسب لو دعا صديقتين معًا.
‘ربما ستتفاجأ كثيرًا.’
أرسل الدعوة، وانتظر بهدوء رد سينا.
لكنها لم تأتِ.
تلقى جوابًا برفض الدعوة، وكان الرد من ديزي وحدها، تعبّر فيه عن سعادتها.
لقد ظن أنه سيراها مجددًا، وشعر بخيبة أمل.
ثم في يوم الدعوة ذاته.
رغم غياب سينا، انعقد اللقاء كما هو مخطط.
“مرحبًا بك، دوق هاريسون.”
“مرحبًا بك، دوق غرينت.”
لم تكن ديزي الضيفة الوحيدة. فقد حضر معها دوق غرينت وابنه.
“ما كنت لأتخيل أنني سأراك مجددًا…”
حدقت ديزي بدهشة في وجه فابيان لدى رؤيته في القصر.
“كنت أظن أنك لست شخصًا عاديًا. وها أنت ذا…”
نظر دوق غرينت إلى الاثنين بدهشة.
“أحقًا دعوت آنسة مور إلى هنا؟ ما الأمر؟“
سأل إن كان يعرفها، فأجابت ديزي بوجه مشرق.
“كان لنا لقاء قصير في أراضي نيلسون.”
“لقاء؟“
سأل بيرسي هذه المرة.
وكانت ديزي مشرقة الوجه لسبب وجيه.
‘لوغان كان دوق هاريسون!’
ذلك الاكتشاف أسعدها كثيرًا.
كان قد دعاها ليشكرها على ما قدمته له.
منزل الدوق هاريسون كان غامضًا، أما وقد دُعيت إلى قصره، فذلك أمر تفاخر به النبلاء.
‘لا يمكنني تفويت هذه الفرصة.’
شاب وسيم ودوق؟ قررت ديزي أن تغتنم الفرصة لتصبح الدوقة المستقبلية.
“كنت أتنزه مع سينا آنذاك، ووجدناه هناك مصابًا.”
“آه…”
أطرق دوق غرينت رأسه بأسى.
“لكن لمَ ذهبت إلى أراضي الماركيز؟ وهل جُرحت كثيرًا؟“
“أنا بخير.”
تحاشى فابيان الإجابة عن سبب زيارته، وأصغى إلى الحديث.
“لم أكن أعلم أنني سأجد دوقًا هناك. لقد كانت نعمة من السماء.”
“لديك فضل كبير إذًا، آنسة مور.”
“آه، لا داعي للمبالغة…”
ابتسمت ديزي بخجل.
لكن فابيان، الذي بدأ يشك في روايتها، ضاق ذرعًا بتصرفاتها.
وبينما كانت تتحدث مع دوق غرينت بحماس، مال نحوها وسألها بصوت منخفض.
“بالمناسبة، هل حدث شيء لآنسة نيلسون؟“
كان يريد معرفة سبب رفض سينا للدعوة.
“آه، سينا؟“
قالتها ببساطة.
“سينا خجولة بطبعها. لا تحب مثل هذه المناسبات. لا داعي للانزعاج.”
لم يكن هناك أي أمر طارئ. لقد رفضت الدعوة لأنها لم ترغب بالمجيء.
لكنه تقبّل الأمر، وفهم موقفها.
فهو نفسه لم يكن شخصًا مرحًا، وكثيرًا ما قيل له ذلك.
وإن كانت خجولة فعلًا، فمن الطبيعي أن تجد دعوة كهذه مرهقة.
ومع ذلك، كان يظن أنه سيراها مجددًا…
حين صمت، التفتت ديزي إلى بيرسي.
“هل أنتما مقربان، أنت ودوق هاريسون؟“
“نوعًا ما.”
أجاب بيرسي بفتور، لكن ديزي لم تكف عن محادثته كما فعلت في أراضي الماركيز.
راقب دوق غرينت ذلك بسرور، ويبدو أنها أعجبته.
أما فابيان، فنهض وغادر إلى مكتب الدراسة. كان عليه إنجاز أمر ما.
ثم، وبعد مرور بعض الوقت، خرج لوداع ضيوفه عند الباب.
“سأرحل الآن. نراك لاحقًا.”
“وداعًا، ايها الدوق.”
رحلت عربة دوق غرينت أولًا، فراقبتها ديزي بوجه متورد، ثم التفتت إلى فابيان وقالت.
“أشكرك حقًا، ايها الدوق، على دعوتك لي إلى هذا اللقاء الرائع…”
لم يكن ثمة ما يستوجب شكرها. فلم يكن اللقاء لأجلها. فاكتفى فابيان بإيماءة خفيفة.
ثم أخرج رسالة من صدره وسلمها إليها.
“أوه، ما هذا؟“
سألت بدهشة، فأجاب لوغان بلهجة جادة:
“هل يمكنك إيصالها إلى الآنسة نيلسون؟“
“آه، سينا؟“
نظرت إلى الرسالة لحظة، ثم ابتسمت ابتسامة مشرقة.
“بالطبع، ايها الدوق. سأوصلها.”
وغادرت عربتها بعد قليل.
– تَـرجّمـة: شاد.
~~~~~~
End of the chapter
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 144"