فتح فاسيلي وليراجي أعينهما على اتساعها وهمسا لبعضهما البعض.

 

” إنه الجد الأكبر ؟ لماذا ظهر فجأة ؟”

 

“لا يبدو كرجل تجاوز المئة عام على الإطلاق . حتى لو بالغنا ، بالكاد يبدو في الستينيات .”

 

كان أفراد عائلة بيلمور ، الذين عقدوا عقودًا مع الأرواح ، يتمتعون بعمر أطول من البشر العاديين .

 

بصوت بارد وثقيل ، سأل الدوق الأكبر ، إيزاك بيلمور :

 

“ماركيز بيلمور ، هل هناك سبب يمنعني من الحضور ؟ يبدو أن وجهك لا يعكس ترحيبًا .”

 

“ليس الأمر كذلك ، لكن قدومك المفاجئ … يؤسفني أننا لم نكن مستعدين لاستقبالك كما ينبغي .”

 

في أثناء تقديم أعذاره ، لمح تشيس(ماركيز بيلمور ) شقيقه ، آليك ، واقفًا عند المدخل .

 

كان يتساءل أين اختفى ، لكنه أدرك الآن أنه رافق الجد الأكبر عمدًا منذ البداية .

 

هل يمكن أن يكون أليك يسعى للاستيلاء على منصب سيد العائلة بمكيدة ما ؟.

 

انعقد حاجبا تشيس وهو يراقب الوضع .

 

“لقد تقدمت في السن كثيرًا أنت أيضًا . متى كانت آخر مرة التقينا ؟ هل كان ذلك في الجنازة ؟”

 

بسبب الوفاة المبكرة لوالده ، الماركيز السابق ، اضطر تشيس إلى تولي منصب سيد العائلة في سن صغيرة دون استعداد مسبق .

 

حدق الجد الأكبر ، إيزاك بيلمور ، بهدوء إلى حفيده ، الماركيز .

 

كانت نظراته حادة ، وكأنها تخترق كل شيء .

 

“سمعت أن طفلًا غير شرعي تسبب في سقوط عائلة بيلمور وتدمير معبد الأرواح ؟”

 

“هذا صحيح ، جدي . بمجرد أن ظهرت تلك الفتاة من جديد ، دُمّرت صورة أرنيس .”

 

أومأ تشيس برأسه وهو يمسح عرقه البارد .

 

على الرغم من انتهاء عقده مع ملك الأرواح ، إلا أن هيبة جده كانت ساحقة لدرجة أنه لم يستطع التجرؤ على معارضته .

 

أدار إيزاك بصره نحو مارسييلا .

 

كانت نظراته مليئة بالحكمة والمعرفة العميقة ، وكأنه يقرأ مجرى الأحداث بأكمله .

 

أما مارسييلا ، فوقفت بثبات دون أن تبدي أي خوف ، متسلحة بنظرات واثقة .

 

لطالما كره تشيس هذه السمة فيها .

 

“لكن ، ألا يعد اتخاذك لعشيقة وإنجابك أطفالًا منها وجعلهم ورثة للعائلة تصرفًا غير شرعي ؟”

 

بهدوء ، ألقى إيزاك بالحقيقة التي تجنب الجميع ذكرها علنًا .

 

“ذلك …”

 

“سمعت القصة بالفعل من أليك . كان دافعك الانتقام ، أليس كذلك ؟”

 

“ليس الأمر كذلك تمامًا …”

 

“أردت فقط أن تضع وريثًا جديرًا بالثقة لأنك لم تكن تثق في زوجتك . فهمت ذلك .”

 

أنهى إيزاك حديث تشيس المختلط من أعذار ومحاولات تبرير بجملة واحدة مختصرة .

 

ثم أشار إلى صورة أرنيس المدمرة .

 

“بما أن الإرث قد تحطم ، فلا يمكننا حتى التأكد من حقيقة الأمر .”

 

“هذا صحيح .”

 

بالنسبة لتشيس ، قد يكون هذا أمرًا جيدًا .

 

فلو انكشف أمام الجميع أن مارسييلا ابنته الحقيقية ، لكان هو نفسه قد حُمل مسؤولية الكارثة .

 

ومع ذلك ، ظل تشيس متمسكًا بفكرة أن زوجته خانته ، رافضًا الاعتراف بمارسييلا .

 

“حتى لو تمت طقوس الأرواح بالكامل ، لما اختلفت النتيجة .”

 

إيزاك ، بحكم عمره الطويل وخبرته ، أدرك أن من الصعب تغيير عقل شخص عنيد مثل تشيس ، خاصة عندما يكون تفكيره متحجرًا كحجر صلب .

 

هل تأثر بهذا الشكل بسبب روح الغيرة ؟

 

التفت إيزاك نحو مارسييلا بنظرات متفحصة .

 

شعرها الذهبي اللامع ، وعيناها الخضراوان النقيتان كأوراق شجرة تحت أشعة الشمس ، وملامحها الهادئة لكن عينيها كانتا ثابتتين ، لا تهتزان .

 

إنها تشبهها تمامًا .

 

تذكر زوجته الراحلة ، جدة والد مارسييلا .

 

أما مارسييلا ، فبقيت صامتة تراقب الوضع دون أي رد فعل .

 

من الواضح أنها كانت تحاول تحليل الموقف .

 

هل هي عدو أم حليف ؟

 

يا ترى ، كم من المصاعب مرت بها ؟

 

تنهد إيزاك قبل أن يسأل :

 

“مارسييلا ، هل تعرفين الاسم الحقيقي للروح ؟”

 

“لا أعرفه . قيل لي إنه ليس له اسم بلغة البشر .”

 

أومأ إيزاك برأسه قبل أن يلتفت إلى روح الفرخ وروح القطة وسأل :

 

“أيها الأرواح ، هلّا أخبرتموني بأسمائكم الحقيقية ؟”

 

غرد الفرخ الصغير وهو يرفع أحد جناحيه .

 

“باللغة البشرية ، اسمي جاستين غوك دوشيك . وهذا هو القط كامي . سييلا من أطلقت علينا هذه الأسماء .”

 

“أرأيت ، جدي ؟! لا يوجد لهم أي سجل في قوائم الأرواح أو استدعاءاتهم . إنها أسماء بلا أصل أو جذور ! لا بد أن مارسييلا قد استدعت شياطين بالسحر الأسود !”

 

بصوت مملوء بالثقة ، حاولت ليراجي إقناع إيزاك بأن مارسييلا مذنبة .

 

نظر إليها إيزاك وقال بهدوء :

 

“حسنًا ، ليراجي . استخدمي قدرة روحك على كشف الحقيقة . فالريح التي تجوب العالم تعرف كل شيء ، كما أنها تكره الكذب بشدة .”

 

“تقصد أن أسأل إن كانا روحين حقيقيين ؟”

 

كانت قدرة الرياح على كشف الحقيقة تُعد دليلًا قاطعًا لا يقبل الشك ، لكنها لم تكن تُستخدم إلا مرتين كل خمس سنوات .

 

ماذا لو تبيّن أنهما أرواح حقيقية ؟

 

في الواقع ، هي لم تكن متأكدة تمامًا ، بل أرادت فقط تصديق أنهما ليسا كذلك .

 

شعرت ليراجي بالتوتر والتردد وهي تراقب الأجواء .

 

لكن أمام النظرات الحادة لإيزاك ، لم يكن أمامها خيار سوى أن تستدعي روحها .

 

“تشيس أخبرني بالحقيقة . هل الأرواح التي مع مارسييلا حقيقية ؟”

 

لكن الضوء الذي ظهر للحظات خافت بسرعة واختفى تمامًا .

 

اتسعت عينا إيزاك بدهشة .

 

“تحكم ؟!”

 

أمالت كامي رأسها بفضول ، وضيقت عينيها .

 

“أنت …”

 

شعر إيزاك بشيء ما ، لكنه أخفى تعابيره وأغلق فمه .

 

داخل عقله ، كان متأكدًا من شيء واحد .

 

“مارسييلا لم تستدعِ مجرد أرواح عادية .”

 

كان يعلم مسبقًا عن الكارثة التي حلت بمعبد الأرواح .

 

رغم أنه لم يعد سيد العائلة منذ وقت طويل ، إلا أن مسؤولية تجاوز هذه الأزمة كانت تقع على تشيس .

 

ولكن قبل أيام ، شعر بشيء غريب دفعه للمجيء إلى هنا بنفسه .

 

الآن أدرك أنه لم يحن الوقت بعد لكشف الحقيقة .

 

“أرأيتم ؟! لم يردّوا علينا لأنهم شياطين ! كل هذه الكوارث ، وتدمير صورة أرنيس ، كل ذلك بسبب مارسييلا !”

 

صرخت ليراجي بغضب ، محاولة تحميل مارسييلا مسؤولية كل شيء قبل أن تُتهم هي .

 

“كل ذلك بسبب تهاون أبي في التعامل مع هذه المصيبة ! يجب إبلاغ البلاط الإمبراطوري وأمير البرج السحري فورًا لمعاقبة الساحرة الشريرة التي تآمرت لتدمير العائلة !”

 

بعبارة أخرى، كان ذلك يعني أنه يجب التخلص منها .

 

التزمت سييلا الصمت وهي تراقب الوضع، ثم أخيرًا فتحت فمها وتحدثت .

 

“ليراجي، أنتِ ترغبين في أن يحقق البلاط الإمبراطوري وأمير البرج السحري في الأمر ويكشفوا الحقيقة، أليس كذلك؟ لكن، لماذا لم يبادر الماركيز بذلك منذ البداية؟”

 

صمتت ليراجي، التي كانت تحاول إلصاق التهمة بسييلا .

 

شعرت بشكل لا إرادي بشيء من القلق، مجرد احتمال بسيط أن تكون مخطئة جعلها تتردد .

 

كما أن كلام الجد الأكبر، إيزاك بيلمور، لم يكن خاطئًا . فقد كان إنجاب أطفال من عشيقة أثناء وجود زوجة شرعية أمرًا غير مشرف في حد ذاته .

 

قالت مارسييلا بصوت ثابت :

 

“ماركيز بيلمور، أنا لم أولد بطريقة غير شرعية، ولم أتحالف مع السحرة السود، ولم ألعن العائلة . لقد كررت هذا الكلام مئات المرات، لكن لم يستمع إلي أحد .”

 

لم تستخدم كلمات مثل “أبي” أو “جدي الأكبر”، مما يدل على أنها لم تعد تشعر بأي انتماء لهذه العائلة .

 

نظر إليها إيزاك بصمت .

 

مقارنة بليراجي وفاسيلي، اللذين ارتدا المجوهرات الفاخرة والثياب المزخرفة، كانت مارسييلا تبدو متواضعة المظهر .

 

يدها الخشنة وملابسها البسيطة كانت تشهد على المعاناة التي مرت بها .

 

لكن، رغم كل ذلك، لم تبدُ ضعيفة أو مستسلمة .

 

كانت عيناها تلمعان مثل النجوم المتلألئة في الليل .

 

تأمل إيزاك تلك العيون العازمة، ثم نظر إلى جميع الحاضرين وقال بصوت مهيب :

 

“إذن، للعثور على المستدعي الذي تلقى نبوءة ملك الأرواح …”

 

توقف قليلًا، ثم أكمل :

 

“من الأفضل إقامة ‘اختبار العائلة’ بمشاركة جميع أفراد الدم .”

 

اتسعت أعين الجميع، بما في ذلك سييلا .

 

كان “اختبار العائلة” بمثابة مسابقة يتنافس فيها أفراد عائلة بيلمور باستخدام سحر الأرواح .

 

وباعتبار أن عائلة بيلمور هي الحاكمة لأكبر الأراضي، فقد كان حدثًا يجذب انتباه الإمبراطورية بأكملها .

 

شحب وجه سييلا وهي تتراجع خطوة للوراء .

 

“لا يمكن …”

 

إذا تم إقامة هذا الاختبار، فسيحضر إليه أقوى المستدعين في الإمبراطورية، بمن فيهم أبطال القصة الأصلية .

 

مهما كانت قدرة إيديل على إخفاء طاقته، فإنه لن يستطيع التملص منهم …

 

رفع إيزاك بيلمور صوته مؤكدًا :

 

“الكارثة التي حلت بمعبد الأرواح حاليًا هي الجفاف، صحيح؟ ولكن بالنسبة لسكان الإقليم، فهي ليست أزمة تهدد حياتهم، لذا لدينا القدرة على إقامة الاختبار .”

 

وأشار إلى الأمر قائلًا :

 

“على سبيل المثال، أليس لدينا بالفعل نبلاء من أقاليم أخرى يزوروننا الآن؟”

 

في تلك اللحظة، تقدمت الدوقة الكبرى، أرسييس، وأعلنت تأييدها للفكرة :

 

“إذا تدخل البلاط الإمبراطوري وأمير البرج السحري في شؤون الإقليم، فسيصبح الوضع مرهقًا للغاية . كما أنه ليس من الحكمة إعلان أن عائلة بيلمور تواجه أزمة . لذا، هذا الحل أكثر ملاءمة .”

 

بالفعل، مقارنة بالاعتماد على صورة أرنيس فقط، يمكن أن يمنح هذا الاختبار فرصة أخرى لإثبات القدرة الحقيقية .

 

كان إيزاك واثقًا من أن أفراد العائلة، الذين لديهم طموح قوي للاعتراف والتنافس، سيوافقون على الفكرة بلا شك .

 

لكن أحدهم اعترض :

 

“مع ذلك، لا يمكننا السماح لمارسييلا بالمشاركة، فهي ليست معترفًا بها كفرد من العائلة .”

 

تعالت أصوات الرفض من مختلف الجهات .

 

وقف ماركيز بيلمور، تشيس، يراقب سييلا بهدوء .

 

تلك القطة الروحية …

 

وتلك الفتاة ذات الشعر الأشقر التي تقف بجانبها …

 

‘ لا بد أن هناك أمرًا مريبًا . هل عادت فقط لاستعادة مكانتها؟ لا، بل عادت للانتقام .’

 

همست روح الغيرة المتعاقدة معه في أذنه :

 

“بمجرد أن تشارك في اختبار العائلة وتستخدم قوتها، سيتم كشف حقيقتها عاجلًا أم آجلًا .”

 

أشار تشيس نحو سييلا وسأل ببرود :

 

“مارسييلا، إذا تم إقامة الاختبار، فسوف يأتي كبار الشخصيات من البلاط الإمبراطوري والبرج السحري لمشاهدته . سيتم اكتشاف قواك الشريرة عاجلًا أم آجلًا . هل لا تزال لديك الرغبة في المشاركة؟”

 

نظرت سييلا إلى إيديل الذي كان يقف بجانبها .

 

لقد جاءت إلى هنا للتخلي عن لقب المنبوذة والعيش في بيئة أفضل مع إيديل، لكن هل تضعه في موقف صعب بهذا القرار؟

 

عندها، ابتسم إيديل ابتسامة مشرقة ونظر إليها بثقة .

 

“نونا، ثقي بي وشاركي .”

 

ثم أضاف بصوت منخفض، لا يسمعه أحد سواها :

 

“سأساعدك على وضع يدكِ على هذه العائلة اللعينة .”

♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪ ─┄── ♡ ֪ ࣪

 

حسابي على الإنستا:@empressamy_1213 

 

حسابي على الواتباد: @Toro1312

 

ترجمة: ✧𝐀𝐌𝐘✧