لم يعد بالإمكان التلكؤ أكثر. يجب الهروب من حياة البؤس كمنبوذة والتخلص من هذا المصير الحقير.
الآن وقد أيقظت قوتي الروحية، لا بد لي من التوجه إلى مملكة الأرواح وإقناع ماركيز العائلة باعترافي كابنته.
بالرغم من أنني أرغب في قطع علاقتي بعائلة الماركيز البغيضة والعيش وكأننا غرباء إلى الأبد، إلا أنه لا خيار أمامي سوى هذه الخطوة إن أردت التخلص من وصمة النبذ.
تنهدت وأنا أضع ثيابي وأغراضي بعناية في حقيبة السفر. و همهمت:
“لو كانت قوتي متوسطة على الأقل، لكنت قادرة على الانضمام إلى سحرة المملكة.”
لكن المشكلة أنني حتى الآن لا أعرف قدراتي الحقيقية، لأن الأرواح الصغيرة التي ترافقني لم تكشف لي عن هوياتها أو أسمائها الحقيقية. والأسوأ أنني لا أستطيع استخدام الطلاسم السحرية، مما يجبرني على طلب مساعدة الأرواح بشكل مباشر وكأنني ألعب بأوراق الحظ!.
في تلك اللحظة، اقترب مني “دوشيك”، الروح الصغيرة التي تشبه فرخ دجاج، وهو يخفق بجناحيه بحماسة ويسأل:
“أترغبين في أن تصبحي ساحرة المملكة؟”
“إنها مجرد وسيلة أخرى للخروج من حياة النبذ.”
رفع دوشيك منقاره بفخر وأشار إلى نفسه:
“إذن، لمَ لا تتوجهين إلى العاصمة المركزية؟ ألم تتفعل قوتك بالفعل؟”
نظرت إلى نيران صغيرة بحجم شعلة عود ثقاب تتراقص فوق كفه الصغير وقلت بشك:
“بالمُناسبة ، هل يمكن أن تكون روحاً متوسطة المستوى؟”
توقفت لبرهة، ممسكة بخيط رفيع من الأمل. لكن الإجابة لم تكن مختلفة عما توقعت:
“بالنسبة إلى معايير البشر، قد أكون من الأرواح ذات المستوى المنخفض، لكن قوتي تفوق ما يمكنكم إدراكه!”
ابتسمت بمرارة. يا له من جسد صغير بروح مفعمة بالغرور الملكي!
أغلقت حقيبة السفر وأنا أقول:
“هناك خطوات يجب اتباعها أولاً. سأبدأ برفع وصمة النبذ عني، ثم سأحاول كشف الحقيقة بشأن التهمة الزائفة التي أُلصقت بوالدتي الراحلة.”
“نياا.”
التفتُّ لأرى “كامي”، الروح التي اتخذت هيئة قطة سوداء، جاثمة داخل حقيبتي وقد التفت على نفسها بكسل. حتى الأرواح ذات الهيئة الحيوانية يبدو أنها تتصرف تماماً كالحيوانات التي تشبهها.
سمعت دوشيك يتنهد وهو يغمغم وكأنه يستذكر الماضي:
“إيرليا؟ كانت إنسانة طيبة للغاية.”
رفعت رأسي باندهاش ونظرت إليه:
“إيرليا؟ هذا اسم والدتي. كيف تعرفها؟”
هزّ رأسه الصغير بفخر:
“بالطبع أعرفها. كانت الأرواح تحبها كثيراً، وحتى ملك الأرواح كان معجباً بها.”
حدقت فيه، والمرارة تعتصر قلبي.
“إذا كان الجميع يحبها إلى هذا الحد، لماذا تركوها تواجه كل تلك الاتهامات الباطلة وحدها؟”
قرأ دوشيك الحزن في عيني، فأطلق زفرة عميقة وقال:
“لأن والدك تعاقد مع روح الحسد. والأرواح لا تستطيع التدخل في الأمور التي تقع خارج نطاق سيطرتها.”
هكذا إذن، كانت الغيرة والحسد سبب كل تلك الكراهية التي عانيت منها طوال حياتي؟.
قطع دوشيك أفكاري بسؤال مفاجئ:
“بالمناسبة، هل جدك الأكبر، آليك بيلمور، لا يزال على قيد الحياة؟ لابد أنه تجاوز المئة عام الآن.”
أومأت برأسي وأجبت:
“نعم، لكنه يعيش في عزلة منذ عقود. لم ألتقه يوماً. لماذا تسأل؟”
رد بلا مبالاة وهو يواصل تمشيط ريشه:
“مجرد فضول.”
أنهَيت تجهيز حقيبتي، ثم ألقيت نفسي على السرير بإرهاق وبدأت أفكر في أفراد عائلتي ووجوههم الباردة القاسية. مجرد تذكرهم كان كفيلاً بأن يُشعرني بالقشعريرة.
لقد طردوني من حياتهم، وهذا يكفي لأن أعتبر علاقتنا قد انتهت تماماً. عليّ أن أركز فقط على هدفي الأساسي: التخلص من وصمة النبذ.
وبعدها، سأرحل مع إيديل إلى بلد بعيد حيث لن نلتقي بأبطال القصة الأصليين أبداً.
اقترب مني إيديل وهو يحمل كتاباً واحداً تحت ذراعه، استعداداً للرحيل. نظرت إليه وقلت:
“إيديل، هل ستُسبّب لي المشاكل؟”
هز رأسه بلا مبالاة وأجاب بإيجاز:
“لا.”
❈❈❈
قبل أن أغادر البلدة، قررت إغلاق المتجر مؤقتاً. كتبت على لافتة صغيرة:
“مغلق لأسباب شخصية.”
رنّ جرس الباب، ودخل رجل مسنّ يرتدي بدلة متواضعة وربطة عنق تشبه الحبل. كان العم “جان”، أحد الزبائن المعتادين.
توقف عند اللافتة التي أحملها وسألني:
“هل ستأخذين إجازة؟”
ابتسمت وناولته كيس الحلوى الذي يشتريه دائماً وقلت:
“ليس تماماً. لدي عمل يجب أن أقوم به.”
ناولني عملة صدئة كان قد التقطها من النافورة، ثم قال بصوت منخفض:
“يُقال إن العصابة التي كانت تهاجم المسافرين قد اختفت فجأة.”
ضغطت على شفتيّ وكأنني لا أعرف شيئاً.
“أوه، هذا مطمئن.”
قال وهو يحدق في وجهي بفضول:
“هناك شائعة تقول إن فناناً غريب الأطوار كان آخر من رأى تلك العصابة.”
أدركت فوراً أنه يقصد ذلك المجنون الذي فرّ وهو يرتدي تنورة شفافة بعد رؤيته زعيم العصابة. لكن جان كان يركز بصره على البقعة التي دُمّرت فيها الحواجز السحرية أمام المتجر.
هل من الممكن أنه قد اكتشف شيئاً؟ أم أنه يعلم بأمر إيديل؟.
لم أجرؤ على قول شيء، وفضلت الانتظار لمعرفة ما سيقوله بعد ذلك.
“كان هذا هو المتجر، أليس كذلك؟ هل أنت بخير؟ كنتُ قلقًا.”
كان صوته وملامحه يعكسان قلقًا حقيقيًا.
“نعم، لم يكن هناك الكثير مما يمكنهم أخذه على أي حال… لم يأخذوا سوى ثمن الحلوى التي دفعتها لي في ذلك اليوم، يا جدي. إنها مجرد حادثة عادية، كما تعلم.”
قال الجد جان، وهو يتأملني بشك خفيف:
“لكن كسر الحاجز يعني أن من فعل ذلك ليس مجرد لص عادي.”
ثم ابتسم لي ابتسامة هادئة وأضاف: “المهم أنكِ أنتِ والصغير بخير.”
شعرت بالراحة، فمن الواضح أنهم لم يكتشفوا هوية إيديل. زفرتُ أنفاسي الطويلة وسألته:
“هل لديك أي معلومات عن اللصوص؟”
أجاب الجد جان بنبرة متفحصة:
“أظن أنهم مرتبطون بنقابة المعلومات السرية في العالم السفلي. من كسر الحاجز هو بلا شك شخص ماهر. كما أن استهدافه لمتاجر يوديس دون غيرها يبدو مريبًا. ربما يبحث عن ساحر الظلام الذي انتشرت حوله الشائعات مؤخرًا.”
خطر في ذهني أن الأمر قد يكشف هويتنا قريبًا. لأجل إيديل، كان عليَّ تغيير الموضوع بسرعة. نظرتُ إليه بعينين جادتين وقلت:
“جدي، لدي اعتراف.”
رفع حاجبيه وسأل: “ما الأمر؟”
ترددت قليلًا، ثم فتحت فمي بصعوبة: “ابنة سيد الإقليم التي طُردت بسبب جلبها كارثة إلى قصر الأرواح… هي أنا.”
ثم تابعت بابتسامة حزينة: “لقد كنتُ أخفي عنك ذلك وأسألك عن الإقليم وكأنني لا أعلم شيئًا… أعتذر لأنني خدعتك.”
راقبني الجد جان بهدوء، ثم ضحك بلطف قائلاً:
“لقد كنت أعلم ذلك منذ البداية. لا تستهيني بقدرة شبكة معلومات جماعة المتسولين.”
شهقت بدهشة. هل كان يعلم طوال الوقت ويتظاهر بالجهل بينما يمنحني المعلومات؟.
تابع قائلاً بابتسامة حكيمة: “تصرفاتك وملامحك ليست لشخص عادي نشأ هنا، بل لنبيلة عاشت في بيت مرموق.”
شدّتني كلماته لأعترف بالمزيد، فقلتُ بصوت متردد: “أعتقد أن أحدهم أرسل هؤلاء اللصوص لقتلي… ربما بعقد مع عائلتي السابقة.”
ساد الصمت قليلاً، قبل أن يمد يده لي من تحت عباءته، ويسلمني شيئًا ذهبيًّا متلألئًا. كان شهادة متسول شرفية:
[شهادة المتسول الشرفي]
الاسم: سييلا
الرتبة: عضو في مجلس الدعم التابع لرئيس جماعة المتسولين. تثبت هذه الوثيقة أن صاحبها متسول شرفي عيّنه الرئيس بنفسه.
نظر إليَّ الجد جان وقال بنبرة ودودة: “ستحتاجين إليها مستقبلاً. المتسولون موجودون في كل مكان، وفي الوقت ذاته كأنهم غير موجودين.”
هذه الوثيقة تسمح لي بالتنقل في أرجاء الإمبراطورية دون قيود، بل وحتى التسول في الشوارع لو اضطررت إلى ذلك!.
لقد منحني هذه الوثيقة خوفًا من أن أتعرض للجوع أو الخطر في طريقي. شعرت بامتنان عميق وغصة في حلقي.
سألته، بينما أمسك بالشهادة: “هل طلبتها لي من رئيس الجماعة بنفسه؟”
ابتسم وقال: “أنتِ تعرفين قيمة المعروف، وستردّينه دائمًا.”
ثم مد يده ليصافحني قائلاً: “إذا احتجتِ إلى المساعدة، فلا تترددي. وربما يأتي يوم أطلب فيه مساعدتك أيضًا.”
شعرت بثقل الكلمات ومعناها. جماعة المتسولين لديهم شبكة معلومات هائلة، وهو عرض لا يُقدَّر بثمن.
رفعتُ رأسي وقلتُ:
“لدي طلب، جدي. أرجو أن تجد لي فيليب كيلوشيكوس.”
كنت أخطط لعقد صفقة معه: سأضمن سكوته عن إيديل مقابل كشفه لي الحقيقة وراء مقتل أمي.
غادرنا القرية برفقة كايا في عربة تحمل أمتعتنا، متجهين نحو إقليم قصر الأرواح. الطريق كان وعراً، وكان من الصعب تحمّل اهتزازات العربة، لكن إيديل بدا غير مكترث، يقرأ كتابه كأن شيئًا لا يحدث.
نظرتُ إليه بفخر وقلت: “إيديل، سأضمن لك فرصة التعليم في أكاديمية مرموقة.”
نظر إلي باستغراب وسأل: “لماذا فجأة؟”
أجبته بحماس: “ليس فجأة. لطالما كان لدي حلم بأن أدرس في الأكاديمية، لكنني لم أتمكن من التخرج. سأوفر لكِ التعليم الذي لم أحصل عليه أنا، حتى لو اضطررتُ لبيع منزلي!”
هز إيديل رأسه وقال: “لكن ليس لدينا منزل.”
توقفت قليلاً، ثم تمتمت بخفوت: “هذا صحيح…”
لكن لا بأس، سأعمل بجد وأدّخر المال لأجل تعليم إيدل، وحين ينجح، سيهتم بي في شيخوختي، أليس كذلك؟.
بينما أفكر في ذلك، توقفت العربة فجأة، وظهرت أمامنا أسوار إقليم قصر الأرواح العالية.
نظر كايا إلينا وقال: “لقد وصلنا.”
فوجئت وقلت: “كيف؟ ألم يكن هذا الطريق يحتاج إلى أيام؟”
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات