79
“ليس الأمر مهمًا… لكن لا بد أن الأمور كانت شاقة عليك مؤخرًا، أليس كذلك؟ أشعر بالأسف لأن كل هذا حدث بسببي.”
“آه، لا! كيف يمكن أن يكون هذا خطأك، سيدتي الحكيمة؟!”
إنه خطأ ذلك الإمبراطور الطماع، الذي لا يعرف حدوده…
ابتلعت إيبولا كلماتها الأخيرة، ولوّحت بيديها نافية.
“لا تفكري بهذه الطريقة على الإطلاق، لذا لا تقلقي!”
“إذا كنتِ ترين ذلك، فهذا يطمئنني.”
ابتسمت الحكيمة بلطف مرة أخرى.
“يا إلهي… ذكية، جميله، ولطيفة أيضًا…”
هناك أشخاص، مهما كانوا مميزين، لا يمكنك أن تشعر بالغيرة منهم، والحكيمة كانت من ذلك النوع.
بل إنها، بطريقة ما، كان في نفس الوضع البائس الذي هم فيه—شخص مجبر على العمل القسري.
في تلك اللحظة، تحدث آندي، الذي كان جالسًا بجوارها، بحذر:
“أم… سيدتي الحكيمة، هل لي أن أسأل شيئًا؟”
“بالطبع، اسأل ما شئت.”
“هل… هل كل هذه الأمور لن تنتهي إلا إذا استقلتَ من منصبكِ؟”
في لحظة، لمعت عيون جميع الموظفين حوله. حتى من كانوا يمرون في الرواق توقفوا في أماكنهم وأرهفوا السمع.
ارتسمت على شفتي الحكيمة ابتسامة غامضة.
“هذا ما يبدو لي.”
“لِمَ ذلك؟”
“همم… عندما يتجمع مقدار هائل من القوة في مكان واحد، فإنه يصبح خطرًا.”
“أشبه بمبدأ تدفق السحر، إذن؟”
“كما هو متوقع منكم، أنتم تدركون الأمر جيدًا.”
قالت الحكيمة ذلك بابتسامة، لكنها سرعان ما بدت شاردة.
“لا بد لي من الرحيل قبل أن تضربنا موجة أعظم من هذه…”
تجمدت ملامح إيبولا وجميع الحاضرين.
…هل هذا يعني أن ساعات العمل الإضافية ستزداد أكثر؟!
هل عليهم أن يبدأوا تجهيز مساكن لهم في القصر؟
“موجة أعظم؟”
تحدثت إيبولا نيابة عن الجميع.
نظرن إليهم الحكيمة، ثم ابتسمت قليلاً وهزت رأسها.
“ليس كما تتصورون. لكن نعم، هناك كارثة مروعة تلوح في الأفق.”
“ما نوعها…؟”
“لا أريد حتى النطق بها. فالكلمات لها قوتها، كما تعلمون. أتفهمونني؟”
“آه! بالطبع!”
عادت ابتسامة الحكيمة الهادئة إلى وجهها.
“حسنًا، استمتعوا بوجبتكم…” ثم توقفت، ونظرت إلى إيبولا مباشرة. “آنسة إيبولا فوكت؟”
“نعم؟”
صُدمت إيبولا عندما سمعت اسمها، لدرجة أنها أفلتت شوكتها من يدها. في الواقع، لم تكن قد أدركت حتى أنها كانت لا تزال تمسكها.
تحدثت الحكيمة بنبرة لطيفة:
“أعتقد أنه من الأفضل لكِ أن تخضعي لفحص طبي… وبالتحديد، لمنطقة الغدة الدرقية.”
“……!”
اتسعت أعين زملائها من الدهشة، في حين أن الحكيمة أنهت حديثها بلطف، ثم مشت بعيدًا بخطوات هادئة، تاركة الجميع في صمت مشدوه.
أما إيبولا، فقد جلست متيبسة في مكانها، ووضعت يدها على عنقها. ثم استدارت إلى زملائها وقالت بصوت شبه مذعور:
“يا رفاق… أعتقد أن عليّ إجراء فحص طبي على الفور.”
وفي عقلها، كانت تصرخ بغضب:
“ذلك الإمبراطور اللعين! إلى متى سيبقي حكيمتنا محتجزة؟!”
مرّ أسبوعان.
بالنسبة لباتيلدا، كانا جحيمًا خالصًا.
كانت تعتز بكونها شخصًا لم يعرف الكسل أبدًا، لكن في حياتها كلها، لم تواجه إرهاقًا كهذا.
الإمبراطور طريح الفراش.
فيليكس لا يزال غير جدير بالثقة، بل إنه مؤخرًا أغلق على نفسه أبواب القصر من جديد.
وهكذا، باتت باتيلدا صاحبة السلطة العليا في البلاط الإمبراطوري، وتوافد عليها كبار المسؤولين والنبلاء، كلٌّ منهم يرفع صوته بقلق:
“لقد كشفت الحكيمة أن ماريا كارتيلّا اختلست أموالًا من ميزانية القصر! لا بد من معاقبتها على الفور!”
“لقد انقطعت جميع الاتصالات مع الجواسيس المرسلين إلى راجافوت! علاوة على ذلك، هناك تحركات مريبة في جيش راجافوت!”
“أعلنت تريبيوريوم أنها ستقلص وارداتها من خام الحديد تدريجيًا! إنه أحد مصادر دخلنا الأساسية!”
“في ساعات الفجر الأولى، وقعت تجربة قصف من قراصنة سانتنار في أقصى المياه الغربية! علينا الرد عسكريًا فورًا!”
“بدأت تظهر بوادر لنشاط حركات التمرد في عدة مقاطعات! يجب إرسال قوات للسيطرة على الوضع…!”
كانت أيامها محصورة بين الاجتماعات المتواصلة؛ صباحًا مجلس الدولة، ظهرًا اجتماع الدفاع، مساءً مفاوضات دبلوماسية، ليلًا لقاء مع وزيري الزراعة والتجارة، وأخيرًا، حتى الساعة الثانية فجرًا، تدقيق ملفات وزارة المالية.
ثم، في الساعة الرابعة فجرًا، بينما كانت تحدق في السماء الداكنة خارج نافذتها، أفلت القلم من يد باتيلدا، دحرجته أصابعها المرهقة على الطاولة.
تمتمت دون وعي:
“أكل هذا بسبب إجبار الحكيمة على خدمة العرش؟”
“…….”
كان الحارس الوحيد في الغرفة، الفارس دومينيك كيتو، عاجزًا عن الرد. فقد كان، هو الآخر، منهكًا تمامًا بسبب جدول أعمالها المرهق.
لكنها لم تكن تنتظر إجابة منه، بل هزت رأسها واستعادت قلمها مجددًا.
“ما حال الرأي العام؟”
“الناس يتذمرون من أن ما يحدث هو نتيجة إجبار السيدة الحكيمة على خدمة العرش. بالإضافة إلى ذلك…”
تردد صوته قليلًا قبل أن يضيف:
“هناك أصوات، ولو كانت قليلة، تنادي بتنصيب الدوق زاهيغ على العرش.”
“هل من المحتمل أن يكون الدوق وراء هذه التحركات؟”
“على العكس، هناك دلائل تشير إلى أنه يعمل على تهدئة الرأي العام بدلًا من تأجيجه.”
أفلتت باتيلدا أنفاسها وألقت بالقلم بعيدًا، ثم ضغطت على جبهتها بيدها.
“كم هو مثير للغيظ… لا يمكنني العثور على أي شيء يدينه!”
بينما زفرت بإحباط، سألها دومينيك بهدوء:
“ما الذي ستفعلينه؟ من المقرر أن يرفع الدوق شولتز تقريره لجلالة الإمبراطور قريبًا.”
“ماذا سأفعل؟”
رفعت حاجبها بابتسامة جافة، ثم أطلقت ضحكة مستهزئة، لكنها سرعان ما توقفت فجأة.
“بصراحة، لا أعلم، سير دومينيك. لا أعلم إطلاقًا… كيف ساءت الأمور إلى هذا الحد؟”
“…….”
“ظننتُ أنني أستطيع التحكم بالحكيمة، حتى لو لم يستطع والدي ذلك. ظننتُ أنه، تمامًا كما خدم الحكماء السابقون الملك إيلايس لاتوفا في نانوكين، فإنها ستصبح مستشارتي يومًا ما. لكن… هل كان تصوري خاطئًا؟ هل كنتُ ببساطة أقل شأنًا من أن أستوعبه؟”
“هذا غير صحيح، جلالتك.”
لكن كلما استمرت المحادثة، كلما ازداد وجه باتيلدا تشنجًا، وانطفأت عنها تعابيرها المعتادة.
“المشكلة، دومينيك… ليست في ذلك.”
“ماذا تقصدين؟”
“مينيرفينا وصفت ما سيحدث بأنه أمرٌ مروّع. ولكن انظر حولك… هل يبدو لك أن ما نواجهه الآن—تكدس الأوراق والمشاكل السياسية—يصل إلى مستوى الرعب؟”
“هذا…”
ابتلع دومينيك كلماته.
بالفعل، صحيح أن الوضع الحالي مزعج ومعقد، لكنه لم يكن مرعبًا.
وفي تلك اللحظة، تذكر دومينيك المشهد الذي رآه حين انحنت مينيرفينا أمام الإمبراطور.
وجهها الجميل الجامد، نظراتها التي لم تخف برودتها…
كما لو أنها كانت تقول: أنتم وحدكم من جلبتم هذا على أنفسكم.
“…….”
وفي صمته، أومأت باتيلدا. لم تعد هناك أي ابتسامة على وجهها.
“هناك شيء آخر لم يظهر بعد… وهذا ما يرعبني. مهما كان، فإنه سيهز العرش الإمبراطوري بعنف.”
في ليلة هادئة، عندما غرق القصر الإمبراطوري في السكون، اجتمع شخصان في جناح الإمبراطور.
أحدهما كان الإمبراطور أنتون تارنارك شرويدر، والآخر كان ولي العهد فيليكس رودريك شرويدر.
بادر الإمبراطور بالكلام:
“سمعتُ أن الحكيمة قضت معك ستة أيام كاملة…”
“…نعم، هذا صحيح.”
ما إن أجاب فيليكس، حتى طار صندوق قلم باتجاه رأسه.
طَق!
ارتطم بجبهته، ثم تحطم متناثرًا على الأرض.
لكن فيليكس لم يتحرك قيد أنملة.
“طوال ذلك الوقت، ولم تتمكن من السيطرة على تلك الفتاة؟ ماذا كنت تفعل؟”
“…….”
“كنتُ أعلم أنك طفيلي يعيش على حساب العائلة الإمبراطورية، لكن حتى عندما تأتيك الفرصة، لا تستغلها؟”
“…أنا آسف.”
“ما مشكلتك بالضبط؟ لماذا لا تستطيع أن تكون نصف ما هي عليه أختك؟!”
تشنج وجه فيليكس.
“…جلالتك.”
لأول مرة منذ دخوله الغرفة، تكلم فيليكس بصوته الحقيقي، وبدا صوته متوسلًا:
“أنا… أبذل جهدي. توقفتُ عن اللعب مع الخادمات، وأصبحتُ أحضر دروس السياسة بانتظام. بل بدأتُ حتى في تعلم شؤون الحكم من باتيلدا شيئًا فشيئًا…”
“باتيلدا كانت تفعل ذلك منذ زمن طويل! وإكسا فعلها حتى قبلها!”
“…….”
بمجرد أن دوّى صوته الغاضب في الغرفة، خبت الشرارة الصغيرة التي كانت قد اشتعلت في عيني فيليكس للحظة.
لكن الإمبراطور، غير مدركٍ لما فعله، تابع صراخه.
“يا لك من عار! من المخجل أن تكون ابني!”
“…….”
“اسمعني جيدًا، هذه أوامري… عليك أن تربط تلك الفتاة بالعرش، بأي وسيلة كانت!”
“…كما تشاء.”
ردّ فيليكس بصوت فارغ، دون حتى أن يرفع رأسه، ثم استدار ليغادر الغرفة.
لكن حتى بعد أن غادر، لم يتوقف همس الإمبراطور خلفه.
“تلك المرأة… تعرف كل شيء… كل شيء… إن لم نبقها قريبة منا…”
─── ・ 。゚✧: *. ꕥ .* :✧゚. ───
التعليقات لهذا الفصل " 79"