70.
كان الشخص الذي أومأ برأسه هو ولي العهد، فيليكس، الجالس في الجهة المقابلة.
“أجل. أنا أيضًا أعلم الآن أنها ‘حكيمة ريتور’. لكن لا يتم التعامل معها كحكيمة كما ينبغي.”
عندما استحضر فيليكس صورة البحر الأصفر، أصبح وجهه قاتمًا.
“ومع ذلك، تدخلت لحل كارثة وطنية…”
“لقد فعلَت ذلك، بالفعل.”
قبض فيليكس على قبضته الموضوعة فوق ركبته بإحكام. ثم ثبت نظره على باتيلدا بعينَيه الحمراوين.
“…أريد حماية مينيرفينا تحت جناحي، يا باتيلدا.”
“……”
حدقت باتيلدا في عينيه للحظة، ثم رفعت كتفَيها بلا مبالاة.
“لو كان ذلك ممكنًا، ألم أكن لأفعل ذلك بالفعل؟ كنت أظن أنك تدرك أنها لا ترغب في أن تُجبر على الخدمة.”
“لكن لا يمكننا ترك الأمور على حالها.”
“حقًا؟ ولمَ ذلك؟”
“…إذا…”
تحركت شفتا فيليكس بحذر.
“إذا علم والدي بوجودها…”
عند سماع ذلك، ابتسمت باتيلدا لأول مرة.
“إذن، لقد وصلت إلى هذا الحد من التفكير. أخيرًا.”
“……”
في حين التزم فيليكس الصمت، شرعت باتيلدا في التصفير بمرح وهي تحرك قطع الشطرنج الموضوعة على الطاولة.
“في سنواته الأخيرة، أسس سوفوس ريتور مكتبًا للبحث، لكنه قضى شبابه بعيدًا عن أوركينا، في نانوتشين.”
على رقعة الشطرنج، لم يكن هناك سوى الملك، وقلعتين، وحصان واحد.
حركت باتيلدا القلعة التي كانت بجانب الملك.
“في ذلك الوقت، كانت نانوتشين تعج بصراع على العرش.”
شكلت القطع الأربعة مربعًا.
“ونحن جميعًا نعلم النتيجة. سوفوس ريتور، القائد العسكري والمستشار، اختار إيلايس راتوفا ليصبح ملك نانوتشين.”
“……”
أسندت باتيلدا ذقنها على يدها وحدقت في الرقعة التي رتبتها بنفسها.
الملك، والقلعتان، والحصان، يشكلون مربعًا.
وأخيرًا، وضعت ملكة بيضاء في وسطه.
“حان الوقت لاهتزاز الإمبراطورية.”
—
“الطاعون مرض ذو معدل وفيات مرتفع جدًا وسرعة انتشاره مذهلة. بمجرد لقاء المريض، يجب أن تفترضوا أنكم قد أصبتم به أيضًا. الأطباء يبذلون قصارى جهدهم لإنقاذ عائلاتكم، لذا نرجو تفهمكم.”
قالت مينيرفينا ذلك ثم انحنت بعمق.
أخذ الناس يرمقون بعضهم البعض، غير قادرين على التمسك بعنادهم أكثر.
أليست هذه “حكيمة ريتور”؟ شخص مثلها ينحني بهذه الطريقة أمامهم.
“حسنًا… إن كانت الحكيمة تقول ذلك…”
“إذن، هل كانت هي من أرشدتنا إلى العلاج أيضًا؟”
“آه، يا لنا من حمقى… لم نكن نعلم ذلك حتى.”
لم يتغير الوضع، لكن وجود مينيرفينا وحده كان كافيًا لقلب الأجواء.
وقفت مينيرفينا ببطء بعد انحنائها، ثم اقتربت من شخص ما.
كان صبيًّا قصير القامة، يقف في الصف الأول بين الحشود التي تحاول منع الدخول.
“هاوارد فلوري.”
“نعم!”
ربما لأن من نادته كانت الحكيمة، علا صوته بحماس، وعيناه تألقتا.
سألت مينيرفينا الصبي:
“هل لديك رغبة في الذهاب إلى العاصمة لدراسة الطب بشكل صحيح؟”
“……!”
اتسعت عينا الصبي، ثم قبض يده وهتف بحماس:
“إن منحتني الفرصة، سأبذل قصارى جهدي!”
“……”
في تلك اللحظة، ابتسمت مينيرفينا بخفة.
كانت ابتسامة جميلة، لكن رينات شعر أنها تخفي وراءها نوعًا من العزم.
كانت مختلفة عن المعتاد، بلا شك.
“حسنًا، سنتحدث عن هذا لاحقًا.”
قالت ذلك ثم استدارت فجأة.
راقب رينات الناس وهم يتفرقون على مضض، ثم قفز عبر النافذة.
“مينيرفينا.”
عندما نادى اسمها، استدارت المرأة، وضُفِر شعرها الطويل حول عنقها ثم انساب مجددًا.
“رينات. هناك أمر عليك فعله.”
“…مرة أخرى؟”
كان يمزح، لكن مينيرفينا رفعت رأسها ونظرت إليه بصمت.
“أنت الشخص الوحيد الذي يمكنني الوثوق به.”
“……”
شعر رينات بشيء يلامس قلبه ثم يتلاشى. فابتسم عمدًا ليبدو هادئًا.
“إذن، ما الأمر؟”
“……”
تحركت شفتا مينيرفينا قليلاً قبل أن تتكلم أخيرًا.
“سأعاني من المرض قريبًا.”
“ماذا؟”
“قلت إنني سأعاني من المرض.”
نسي رينات كيف يتحدث للحظة.
“…ما الذي تعنينه؟”
خفضت مينيرفينا نظرها.
“مهما سمعت من صوت صادر من غرفتي، لا تدخل. لا تنادني. لا حاجة لي بالطعام، أما الماء… لا، لست بحاجة إليه أيضًا. من الأفضل أن تحرص على ألا يسمعني أحد.”
كلما واصلت حديثها، اختفت الابتسامة من وجه رينات.
وبصوت جاف لم يكن يتوقعه من نفسه، سألها:
“هل هذا ثمن اكتشافك للعلاج باستخدام ‘عين الحكيم’؟”
رفعت مينيرفينا كتفيها بلامبالاة.
“هل ستنفذ ما قلته أم لا؟”
“……”
حقًا؟
فتح رينات فمه ليقول شيئًا، لكنه لم يجد الكلمات.
أول ما خطر بباله كان: “لماذا؟”
على الرغم من لقبها كحكيمة، بدا أنها كانت تتجنب هذا اللقب، ولم تكن مهتمة بالأعمال الخيرية.
إذن، من أجل غرباء تمامًا؟
‘لا أستطيع الفهم.’
كانت خارج نطاق منطقه تمامًا. تصرفها هذا… كان مختلفًا تمامًا عن المعتاد.
‘أم أنه لم يكن مختلفًا؟’
لو كانت مينيرفينا “حكيمة” حقًا، وتخطط لتدمير العالم، هل كانت ستقف في وجه أسراب الجراد تلك؟
“……”
لم يجد رينات إجابة، بينما كانت مينيرفينا قد عادت بالفعل إلى مقر إقامتها.
—
“آه… آآآآآه! آه، أهه…!”
صرخات ممزقة بالألم ترددت في المكان.
كانت صرخات آتية من غرفة الحكيمة داخل مقر الإقامة في مدينة سيليستيال. وكانت مستمرة منذ أربعة أيام بالفعل.
وخارج تلك الغرفة، كان رينات شول، الساحر العظيم، جالسًا يحرس المدخل ليلًا ونهارًا.
في البداية، هرع العمدة وموظفو البلدية مذعورين.
” السيد الساحر! ما الذي يحدث للحكيمة؟!”
“هل يمكن أن تكون قد أصيبت بالمرض؟!”
أجاب رينات، بوجه خالٍ من أي تعبير.
“لا أعلم. يبدو أنه ثمن رؤية الحقيقة.”
“ماذا؟”
“كيف لي أن أفهم إرادة الحكيم؟ الآن، اغربوا عن وجهي.”
“آآآآآه! آه…!”
بعد أن أنهى كلامه، عادت الصرخات لتملأ الأرجاء. تمتم رينات بشتيمة.
عندها، شهق أحد الموظفين فجأة.
“إذن، هل هذا بسبب اكتشافها لعلاج المرض…؟”
“……”
اتسعت عيون الموجودين رعبًا، ووضع بعضهم أيديهم على أفواههم.
في الداخل، كانت التنهدات والصرخات لا تزال تتردد.
أسند رينات رأسه على الباب وأغمض عينيه.
“…هذا ليس مضحكًا على الإطلاق.”
أمسكت الطفلة الصغيرة بيد والدتها بينما كانت تمر أمام المبنى الرسمي، ثم توقفت فجأة.
كان صراخٌ لا يليق بالمبنى الفخم يتردد حتى وصل إلى الشارع. كان صراخًا مبحوحًا، مثيرًا للشفقة.
كانت الطفلة تعرف صاحبة هذا الصراخ. لقد سمعته من همسات الكبار.
سألت الطفلة والدتها التي كانت تمسك بيدها:
“أمي، لماذا تبكي الحكيمة؟”
عندها تغيرت ملامح وجه والدتها.
“يقولون إنها تفعل ذلك لأنه كانت تعالجنا.”
“بدلًا عنا؟”
“نعم.”
“هل هي متألمة جدًا؟”
“لا أعرف، لكن يبدو كذلك.”
نظرت الطفلة ووالدتها إلى المبنى في آنٍ واحد.
“يا حكيمة ….”
اليوم السادس منذ أن بدأ صراخ الحكيمة يتردد في الأرجاء.
كان الرجال في الحانة، الذين في منتصف أعمارهم، يتحدثون بقلق بينما يجلسون أمام كؤوس النبيذ.
“بصراحة، هل كان مرضًا حقًا أم أنه كان أشبه بلعنة؟ سمعت أن اللعنات يمكن نقلها لشخص آخر….”
“ربما. في النهاية، ماذا نعرف نحن؟ يقولون إن المرض كان من المفترض أن يحصد أرواحًا أكثر، لكن الحكيمي منعت ذلك، لذا لا خيار لنا سوى تقبُّل الأمر.”
“أليس هناك أي طريقة لإيقاف هذا؟ سيهلك إن استمر على هذا الحال.”
“لو كان هناك حل، لكانت الحكيمة قد وجدته بنفسها! اللعنة!”
رفع أحد الرجال كأسه وشربها دفعة واحدة.
وفي تلك الأثناء، كان الصراخ المبحوح يتردد من بعيد.
هزَّ أحدهم رأسه.
“بغض النظر عن السبب، إنه صوت يصعب سماعه. آمل أن تكون بخير….”
وهكذا، بدأت قصة “حكيمة “ليتور” تنتشر بين الناس.
° . • .✦ . ◌ ⋆ ° ✬ • ✫ ⋆。 .° ◌ • .●
التعليقات لهذا الفصل " 70"