106
قبل أن يتمكن من فتح فمه للحديث، التفت ماركيز كيتو إلى إكسارك بنظرة باردة وثاقبة، كأنها تخترق الروح.
“الدوق الأعظم زاهيغ، لقد طالما أعجبت بشخصيتكم النبيلة وسمعتكم الطيبة بين الناس.”
“تبالغ في المديح، يا سيدي.”
“نعم، ويبدو أن هذا الإعجاب سينتهي اليوم. تهمة الخيانة العظمى؟ سأتغاضى عنها مراعاةً للعلاقة التي جمعتنا، وكأنني لم أسمعها.”
كان موقف إكسارك، على عكس ماركيز كيتو، لينًا وهادئًا، وتوشحت ملامحه بلطف رقيق.
“ليس الأمر تغييرًا في الأسرة الحاكمة، لذا لا يمكن تسميته خيانة عظمى بالمعنى الدقيق، يا ماركيز.”
“وهل تعتبر هذا تبريرًا الآن؟”
عبس ماركيز كيتو قليلًا، تجعدت جبهته بنزرة استنكار خفيفة.
ظل تعبير إكسارك هادئًا كعادته، لكنه كان من النوع الذي يخفي قوة صلبة تحت قناع اللين.
“بل إنني أود أن أسألك، يا ماركيز: هل قسمك على الولاء كان لعائلة شرويدر الإمبراطورية أم لشخص جلالة الإمبراطور نفسه؟”
“…”
صمت الماركيز، كأن كلمات إكسارك قد طعنته في صميم قلبه.
لكنه، وعلى الرغم من صمته، وجه سؤالًا إلى باكسان هذه المرة، بنبرة صلبة لا تخلو من حدة:
“ما الذي تريدينه مني بالضبط، أيتها الحكيمة؟ منذ وصولك وكل شيء يغرق في الفوضى.”
كان يتحدث بقوة، لكن في كلماته إشارة ضمنية إلى استعداده للاستماع.
فكرت بيكسان في نفسها: “هذا رجل لا يسهل لقاؤه دون سبب وجيه، يجب أن أحسم الأمر في هذه الجلسة.”
ثم انحنن قليلًا إلى الأمام :
“الضرائب المفروضة على الشعب باهظة جدًا، وجلالة الإمبراطور لا يهتم بتدبير شؤون الحكم، وحتى في أزمة ملك السحرة بالتازار، أُمر فرسان القصر بحماية القصر وحده. أترى حقًا أنه لا مشكلة في هذا؟”
“بدون الإمبراطور، لا وجود لأوركوينيا.”
“وبدون الشعب، لا وجود لأوركوينيا أيضًا. علمت بعد فترة طويلة أن أكثر من نصف الكهنة الذين كانوا بجانبي حين عالجت جلالته قد لقوا حتفهم في ظروف غامضة. هل هذا أيضًا في صالح الإمبراطورية؟”
“كل من يدخل القصر يوقّع تعهدًا بدمائه أن يضحي بحياته من أجل جلالة الإمبراطور في حالة الطوارئ.”
“وهل ستظل تقول هذا لو كان رقبتك أنت من تُقطع بسبب ذلك؟”
“بالطبع.”
[أوين كيتو]
يقول الحقيقة بصدق.
“قد تكون أنت مستعدًا لذلك، يا ماركيز. لكن اذهب وقل هذا لمن هم خارج القصر، لأولئك الذين فقدوا عائلاتهم. أخبرهم أن موتهم كان عادلًا لأنهم أغضبوا جلالته.”
تجهم وجه ماركيز كيتو قليلًا.
“…لا تحاولي استدراجي بمنطق واهٍ. دعيني أسألك بدوري: في وقت يجب أن نتحد فيه جميعًا لإرشاد جلالته إلى الطريق الصحيح، لماذا تثيرين الفرقة؟ ما الذي تفكرين فيه؟”
“ما الذي أفكر فيه؟ أن من أجرم يجب أن يُعاقب، هذا كل شيء. ما الذي جعل ماركيز جوكاريني يتمادى في فساده إلى هذا الحد، برأيك؟”
“هذا لا علاقة له بجلالته.”
ضحكت بيكسان بصوت عالٍ.
“آه، هل حقًا تعتقد ذلك؟ لم أكن أنوي قول هذا، لكن دعني أريك تقريرًا آخر متعلقًا بك. سأوضح لك بوضوح ‘من أين’ و’من’ التزم الصمت حتى أمكن اختلاس مثل هذا الحجم الهائل.”
ارتجف ماركيز كيتو.
“…هل كنت تعلمين؟”
في تلك اللحظة، اختفى التعبير من وجه بيكسان.
“وهل كنت أنت تعلم، يا ماركيز؟”
“…”
أظلمت عينا الماركيز الزرقاوان.
ابتسمت بيكسان ساخرة وهي تنظر إلى الماركيز الصامت.
“مستقبل أوركوينيا مشرق حقًا. الأب يساعد في الفساد، ومن يفترض به منعه يغمض عينيه.”
انهارت جلسته الحديدية، وارتعشت حدقتاه بشكل لا يمكن إخفاؤه.
“لم أغمض عيني. لقد… أخبرت جلالته بوضوح أن هذا ليس عدلًا.”
“لكنه استمر، أليس كذلك؟”
“…”
“وهذه المرة أيضًا، أنت تدرك شيئًا، صحيح؟”
“…”
سخرت بيكسان مرة أخرى.
“هل سمعت بجريمة التستر، يا ماركيز؟”
شد الماركيز قبضته فوق ركبته.
[أوين كيتو]
يشعر بالخزي والذنب من كلماتك.
ألقت بيكسان نظرة سريعة على نافذة المعلومات.
“إنه يعلم أن منطقه لا يستقيم. متساهل مع الإمبراطور لكنه ليس كذلك مع نفسه.”
شعرت أنه لو ضغطت أكثر قد ينهار، لكن مع شخص مثله، من الأفضل أن يُكسر تدريجيًا بدلًا من هزيمته دفعة واحدة.
نهضت بيكسان من مقعدها.
“انتهى ما عندي من كلام، سأغادر الآن. و…”
وقفت بثبات ونظرت إلى الماركيز بنبرة باردة:
“لطالما أعجبت أنا أيضًا بشخصيتكم النبيلة، يا ماركيز، لكن يبدو أن هذا الإعجاب سينتهي اليوم. هذا كل ما لدي.”
* * *
راقب ماركيز كيتو من النافذة مينيربينا رتور والدوق الأعظم زاهيغ وهما يغادران.
كان داخله يعصف باضطراب لا يوصف.
“اضطراب؟ لا… إنه الخزي.”
لقد عرف فساد الإمبراطور منذ زمن بعيد.
كوزير للعدل، كان من المستحيل ألا يعلم، وفي كل مرة كان يواجه الإمبراطور بغضب قد يُعد تعديًا على مقامه.
ومع ذلك، لم تتوقف منح الامتيازات السرية لأتباع الإمبراطور، خاصة ماركيز جوكاريني.
في الحقيقة، كان يشعر بالإنهاك تدريجيًا. ما بدأ كغضب تحول إلى خزي وشعور بالذنب.
“ربما أنا في الحقيقة شخص لا يهمه سوى نفسه؟ هل لهذا أغمض عيني عن فساد جلالته وأتستر عليه؟… إذا كان الأمر كذلك، ألست إذًا مثلهم؟”
تلك الأسئلة كانت تسرق نومه منذ سنوات.
واليوم، كشفت الحكيمة كل مخاوفه الدفينة.
عض الماركيز شفته بقوة.
“وعلاوة على ذلك، إذا كانت كلماتها صحيحة… فهل يعني ذلك أن جلالة الإمبراطور هو المسؤول عن أزمة الاختفاء هذه؟”
هز رأسه رافضًا تلك الفكرة الجريئة.
“لا، لم يكن ليتجاوز الحدود إلى هذا الحد…”
كانت فكرة لا يجوز حتى التفكير فيها.
لكن من قالها كانت الحكيمة، ذلك الشخص النادر الذي يظهر مرة كل قرن، من أدرك الحقيقة.
تنهد الماركيز.
“إذا كان ذلك صحيحًا، فماذا يفترض بي أن أفعل؟”
* * *
في غرفة العمل بقصر الدوق الأعظم، جلست بيكسان وإكسارك وباتيلدا وماركيزة ليلي في دائرة.
لم يتمكن دوق كاردينالي من الحضور بسبب موقفه.
“حدث كل ذلك دون علمي؟”
عندما سمعت ماركيزة ليلي عن حادثة الاختفاء في مهرجان الحصاد متأخرًا، بدت وكأنها ستقتل الإمبراطور لو كان أمامها.
ردت بيكسان وهي ترتشف شاي الهيبيسكوس:
“على الأقل، من حسن الحظ أن المفقودين عادوا سالمين.”
“وهل تسمين ذلك سلامة؟ لا نعرف حتى عدد الضحايا بعد!”
“لا توجهي غضبك إلي، من فضلك.”
وضعت بيكسان كوب الشاي جانبًا.
نظرت حولها فوجدت الجميع يحدقون بها.
سألتها باتيلدا بحدة:
“إذًا، يا مستشارتي، ما خطتك القادمة؟”
“لست مستشارة…”
“لا يهم ما أنت.”
أطلقت بيكسان أنينًا خفيفًا :
“أولًا، لدي سؤال. هل نحن متأكدون أن ماركيز كيتو ليس لديه نقاط ضعف سياسية؟”
“باستثناء نزاهته الشديدة، لا أعلم عن شيء.”
أجابت باتيلدا ثم نظرت إلى إكسارك وماركيزة ليلي.
أومأ الاثنان، وأومأن بيكسان أيضًا.
“وهل صحيح أن معظم أعضاء مجلس النبلاء، باستثناء كيتو وأتباعه، قد انضموا إلى صفنا؟”
“نعم، صحيح.”
شبكت بيكسان يديها ووضعتهما على ركبتها.
“إذًا، لدينا طريقتان لحل هذه الأزمة.”
“…طريقتان؟”
سألت باتيلدا بدهشة طفيفة.
أومأت بيكسان ورفعت إصبعين.
“أولًا، زعزعة ماركيز كيتو نفسه.”
“الماركيز نفسه؟”
“نعم. السبب في أن ماركيز كيتو عائق أمام خطتنا هو كونه أحد ‘الدوقين والماركيز الأربعة’، النبلاء الكبار في أوركوينيا. وبالتأكيد، لديه عدد كبير من النبلاء الموالين له.”
“تقصدين…”
“لذا، لإزالة هذا العائق المسمى أوين كيتو، يجب أن نجعله يفقد مكانته كماركيز.”
اتسعت عينا باتيلدا.
° . • .✦ . ◌ ⋆ ° ✬ • ✫ ⋆。 .° ◌ • .●
التعليقات لهذا الفصل " 106"