**الفصل 102:**
استدارت بيكسان.
“يبدو أنني سأصبح مدينة لك مجددًا.”
“هكذا يبدو الأمر.”
وضع رينات ذراعيه على صدره وابتسم. كان وجهه يعكس استمتاعًا واضحًا.
“تستغلينني بكل أريحية كأن الأمر مفروغ منه، أليس كذلك؟”
“تفهَّم وضعي قليلاً…”
“همم.”
رفع رينات ذقنه بتكبرٍ مصطنع، وضيَّق عينيه كمن يزن الأمور.
لكن سرعان ما أطلق ضحكةً خفيفة وأومأ برأسه.
“إذن، ما خطتك؟ حتى أنا، مع كل قدراتي، سأجد صعوبةً في العثور على شخصٍ عادي وسط هذا الحشد دون أي ميزةٍ خاصة.”
كان لدى بيكسان ما فكر فيه مسبقًا.
“ابحث عن طاقة سحرية تحمل لهيب النار.”
“سحر النار؟”
“لقد أهديتها قلادةً تحمل طاقة سحرية نارية. إنها تستعمل مرة واحدة، لذا لن تكون قوةً كبيرة.”
نظر رينات حوله عند سماع ذلك.
“ربما لا تعلمين، لكن الطاقات السحرية الصغيرة أصعب في التتبع، أتدركين؟”
“ألا تستطيع؟”
“بل أستطيع.”
تنهد رينات ومد يده.
“على أي حال، إذا كنا نبحث عن شخص، فهذه الطريقة ستكون أسرع.”
“…”
أمسكت بيكسان يده دون أن تغهم تمامًا ما يجري.
ابتسم رينات بخفة، ثم تقدم ليقف إلى جانبها، محدقين معًا في الاتجاه ذاته.
“حسنًا، أيتها السيدة، امشي بهدوء.”
“…”
ما إن خطت بيكسان خطوةً إلى الأمام حتى شعرت بالمفاجأة.
“آه!”
أصبح الهواء صلبًا تحت قدميها، وبدأ جسدها يرتفع في الفراغ. كأنه يصعد درجاتٍ غير مرئية.
“هل هذا ممكن حقًا؟”
تشبث بيكسان بيد رينات بقوة وهو يمشي في الهواء.
في غمضة عين، وجدا نفسيهما في مكانٍ يعلو برج الساعة.
“واه، انظر هناك!”
“إنهما الساحر العظيم والحكيمة!”
أطلق الناس هتافاتٍ متحمسة من الأسفل دون سببٍ واضح.
ضحك رينات عندما رآهم.
“يبدو أن الحكيمة تتمتع بشعبيةٍ كبيرة.”
“وأنت كذلك.”
“أنا؟ هذا أمرٌ بدهي.”
ابتسم رينات بعينين متلألئتين وواصل الصعود.
شعرت بيكسان بنسيمٍ يداعب خديها، ونظرت مرةً أخرى إلى الأسفل.
بدت الجموع صغيرةً كالنمل، والمباني التي تملأ العاصمة كأنها بيوتٌ للدمى.
رفعت عينيها فملأت السماء الزرقاء الصافية رؤيتها.
لو استمرا في الصعود هكذا، لربما لامست شمس منتصف النهار.
ابتسمت دون وعي.
“أنت حقًا شخصٌ مذهل، رينات.”
توقف رينات، الذي كان يقودها، للحظة.
نقلت بيكسان نظرها إليه، فرأت تعبيرًا مرتبكًا يعلو وجهه.
“رينات؟”
“…أنتِ تمدحينني بصراحةٍ مفرطة.”
“هل أمدحك بخفيةٍ إذن؟”
“لكن هذا ليس من طباعك.”
“وما طباعي إذن؟”
رد رينات على الفور، كأن السؤال كان في صالحه:
“غير مبالية خالية من العاطفة، عملية للغاية، ولا تلقين نظرةً لمن لا يرضيك.”
…لسببٍ ما، بدا تقييمه قاسيًا.
لكن رينات، وهو يقول ذلك، كان يحمل تعبيرًا نادرًا من الراحة واللين.
“ومع ذلك، هذا ليس سيئًا.”
“…”
تحت السماء الزرقاء، رمشَت بيكسان بينيه في ذهولٍ خفيف.
كان الصدق المفاجئ الذي ألقاه رينات محيرًا.
لاحظ رينات ارتباك بيكسان، فنظر إليها بطرف عينه وعاد إلى ابتسامته المرحة المعتادة.
“قلتِ سحر النار، أليس كذلك؟”
“…نعم.”
“لنبحث إذن عن موظفتنا الصغيرة الظريفة.”
توقف رينات عن السير على الدرجات الهوائية.
في وسط السماء حيث تطفو السحب، نقر الساحر العظيم بأصابعه.
انتشرت طاقةٌ سحرية ذهبية كالموجات، تغطي العاصمة. ترددت أصوات دهشة الناس من الأسفل.
وقف رينات فوق رؤوس الجموع، يرمش بعينيه الخضراوين الجميلتين، وتحركت أصابعه كمن يعزف على مفاتيح بيانو.
“هذا يشبه فرقة السيرك. وهذا يبدو كشيءٍ يحمي سيدةً ما…”
وبعد دقائق،
أمسك رينات بشيءٍ ما كأنه يصطاده بقبضته.
كان خيطٌ ذهبي رقيق كالحرير يتوهج في يده.
“وجدتها.”
—
“آه…”
فتحت ليرا ماكنوس عينيها وهي تشعر بصداعٍ ينبض في رأسها.
رفعت جسدها متكئةً على أرضيةٍ حجرية باردة، وما إن رأت المشهد أمامها حتى فتحت فمها في ذهول.
“ما هذا كله…؟ أناس…؟”
كان هناك ما يقرب من ستين شخصًا ملقين حولها. جميعهم من الشابات أو الأطفال الصغار.
“هِك…”
كادت ليرا أن تصرخ، لكنها كتمت فمها بسرعة.
نظرت بعينين مرتعشتين، ومدت يدها لتتحسس أنفاس الشخص الأقرب إليها.
لحسن الحظ، شعرت بنفسٍ دافئ.
“ليسوا… جثثًا، أليس كذلك…؟”
اطمأنت قليلاً، لكن الدموع ظلت تكاد تفر من عينيها.
انكمشت ليرا على نفسها وهي تتفحص المكان.
جدرانٌ وأسقفٌ حجرية. صوت قطرات ماء تتساقط، ورائحةٌ كريهة للصرف الصحي.
“القناة المائية تحت الأرض…؟”
تذكرت ليرا فجأة كيف فقدت وعيها.
كانت تمر بزقاقٍ خلفي متجهةً إلى حي العمال.
على الرغم من أجواء المهرجان، كان الزقاق هادئًا بشكلٍ غريب، حتى شعرت بقشعريرةٍ في ذراعيها.
ثم، في لحظةٍ ما، سمعت صرخةً قصيرة كصوت انقطاع الحياة.
استدارت برأسها دون تفكير.
ورأت هناك شخصًا يرتدي الأسود يحمل امرأةً ساقطة على كتفه.
ثم شعرت بضربةٍ قوية في مؤخرة رأسها…
“ثم فقدت وعيي.”
أصبح تنفس ليرا مضطربًا من القلق.
“قالت أغنيس إن حالات الاختطاف كثرت مؤخرًا، ولم يعد أحدٌ ممن اختُطفوا…”
في تلك اللحظة، سمعت حركةً قريبة.
استلقت ليرا على الأرض مجددًا بغريزتها. وبعد قليل، سمعت خطواتٍ لأكثر من شخص.
“…لكن الحكيمة…”
“…يجب أن نرفع تقريرًا…”
…يتحدثون عني.
أغمضت ليرا عينيها بقوة وهي تفكر.
كادت الدموع تسيل، لكنها كبحتها. شعرت أن أولئك الرجال، على الأرجح، يراقبونها.
“…لا مفر، فلنجمع الثمار بسرعة…”
“…يجب أن نأخذها.”
“سننتظر حتى الظهيرة فقط.”
كانت أصوات الرجال خافتةً وخشنة بشكلٍ غريب، لكن ليرا استطاعت أن تميز كلمة “حتى الظهيرة” وسط صوت الماء.
عادوا من حيث أتوا، لكن الخوف منع ليرا من النهوض.
صرخت حواسها السادسة.
إذا مرت الظهيرة، ستموت.
في ذعرها، لم يخطر في بال ليرا سوى شخصٍ واحد.
“ميني… ميني…! أنقذيني، ميني…!”
—
“إنها القناة المائية تحت الأرض.”
تمتمت بيكسان وهي تقف أمام مدخلٍ مقوسٍ ضخم.
كان الخيط الذهبي في يد رينات يمتد إلى داخل القناة المظلمة.
“مشبوهة، أليس كذلك؟”
“مشبوهة بالفعل.”
قال رينات ذلك وهو يفك يده ويمسك بخنجره. كان وجهه متصلبًا.
“مينيرفينا، هل يجب أن ندخل حقًا؟”
“ألم تقل إنك تشعر بها هنا؟”
“قد تعرضين نفسك للخطر أيضًا.”
“ألستَ معي؟”
“هل تعتقدينني قادرًا على كل شيء؟”
“كفى، أرسل إشارةً إلى إكسارك. سنحتاج الفرسان للقبض عليهم.”
“اسمعي كلامي قليلاً… حسنًا، لا بأس، سأتوقف عن الجدال.”
“فكرةٌ جيدة.”
نقر رينات بلسانه في استياء، ثم هز خنجره. طار طائرٌ ذهبي في الهواء واختفى.
تأكدت بيكسان أن الطائر الذهبي المتجه إلى إكسارك قد غادر القناة، ثم استدارت.
هز رينات خنجره مرةً أخرى، فانتشر ضوءٌ ذهبي تحت أقدامهما.
داست بيكسان الأرض بفضول، لكن لم يصدر صوتٌ لخطواتها.
“ذكي جدًا.”
رفعت بيكسان إبهامها، فضحك رينات باستهزاءٍ خفيف.
وهكذا، دخل الاثنان القناة المائية بخفةٍ تخفي أي صوت.
بما أن العاصمة أولرم مدينةٌ مخططة، كانت القناة المائية تحت الأرض واسعةً نسبيًا.
نظر رينات حوله، ثم خفض صوته وتمتم:
“…التركيب أعقد مما توقعت. قد يكون العثور عليها صعبًا.”
“أتعرف الاتجاه فقط؟”
“الاتجاه والمسافة تقريبًا.”
“هذا يكفي.”
أومأت بيكسان برأسها مطمئنة رينات، الذي كان يعقد حاجبيه قليلاً، ثم استدعت نافذة المعلومات التي كانت نائمةً باهتة.
لحسن الحظ، لم يكن هناك أحدٌ في الجوار…
**[بلاطة حجرية]**
*بلاطة مبللة بالرطوبة.*
**[بلاطة حجرية]**
*بلاطة مغطاة بالطحالب، تحمل بيض حشرات.*
**[بلاطة حجرية]**
*بلاطة خالية من الغبار بشكلٍ ملحوظ، تظهر آثار أقدامٍ حديثة متكررة.*
أدت نافذة المعلومات مهمتها.
“من هنا.”
“أنتِ حقًا متعددة المواهب.”
“أنا كذلك إلى حدٍ ما.”
كانت القناة، كما قال رينات، معقدةً في هيكلها.
لكان من الصعب على شخصٍ عادي أن يجد وجهته، بل حتى مدخلها الذي أتى منه.
“لكن ليس بالنسبة لي.”
تبعت بيكسان الآثار بحذرٍ ودقة.
كم من الوقت مر وهي تمشي في تلك القناة حيث تتقاطر المياه من الأعلى؟
فجأة، فتح رينات، الذي كان يسير إلى جانبه، فمه:
“ميني.”
“نعم؟”
أخذ رينات نفسًا عميقًا غامضًا، ثم قال:
“لماذا وافقتِ؟”
“على ماذا؟”
توقف رينات عن السير.
“على دعوتي للمواعدة.”
° . • .✦ . ◌ ⋆ ° ✬ • ✫ ⋆。 .° ◌ • .●
التعليقات لهذا الفصل " 102"