الفصل 79
[اليوم الثالث من شهر الشمس – مهام اليوم]
☐ قضاء اليوم كاملاً بصفتي راشدة ناضجة
أهمّ! ♡(´ ˘ `)♡
جلستُ مع ييهوكين في غرفة الاستقبال في الطابق الأول من الجناح الداخلي، نتبادل الأحاديث بلطف.
“كيف عرفت أنني هنا؟ ظننتُ أنك ستكون في غلادوين.”
“وكيف لا أعرف؟ غلادوين دائمًا ما يقيمون طقوس البلوغ في هذا الوقت من العام. ثم إنني… كنت أريد رؤيتك بسرعة.”
“على كل حال، جيد أنك أتيت. قلت إنك ذاهب للبحث عن شيء ثم انقطعت أخبارك، فقلقتُ عليك.”
“قلقتِ عليّ؟”
“طبعًا. شخص لم يغادر إيفانويل قط، يقرر فجأة أن يسافر وحده… كيف لا أقلق عليه؟”
“أنا سعيد بذلك. شكرًا لك.”
ابتسم ييهوكين ابتسامة جانبية ساحرة للغاية.
حين كان في الخامسة عشرة، كان فتىً جميلاً، وعندما بلغ العشرين صار شابًا أنيقًا، أما الآن في الرابعة والعشرين، فقد تجاوز الجمال والأناقة إلى الكمال.
يشبه الأفعى بين الأفاعي، إن صح التعبير.
يبدو أن فاليريا أيضًا سقطت في سحره.
ولهذا تجلس بجواره طوال الوقت، تسرق النظرات نحوه ووجهها متورد، لكنها لا تجرؤ على المشاركة في الحديث.
همم…
رفعتُ حاجبيّ قليلًا وأنا أفكر، ثم وضعتُ أطراف أصابعي على أطراف أصابعه المستندة إلى الطاولة.
كما توقعت، شهقت فاليريا ونظرت إليّ بحدة، بينما على غير المتوقع اتسعت عينا ييهوكين واحمرّ وجهه.
“…سيستيا؟”
“آه، آسفة. هل أزعجك ذلك؟”
“لا، لا لم يزعجني… فقط… أشعر بالخجل قليلاً.”
‘حقًا؟ مظهره يوحي بأنه قادر على سحر عشرات الإناث بسهولة، لكنه خجول إلى هذا الحد؟’
إذن لا ينبغي أن أتمادى كثيرًا.
قبضت على أطراف أصابعه بابتسامة لطيفة، بينما بدا على وجه فاليريا أنها تكاد تصرخ مطالبةً إياي بترك يده فورًا.
‘هاه. ثم يقولون: حتى لو تعرّضت للظلم، لا تُفرغ غضبك على الآخرين؟ وماذا عن نفسها؟ تفعل الشيء نفسه ثم تتحدث بتلك الوقاحة؟’
إن كانت ستشتم، فلتفعل ذلك في سرّها، لماذا ترفع صوتها ليسمعها الجميع؟
كارين كانت تتأمل القمر من النافذة وسمعت كل شيء.
وبذلك، اكتشفنا أن اعتذار فاليريا بالأمس لم يكن سوى محاولة مكشوفة لتغطية الموقف.
تجاهلتُ جسدها المرتجف من الغيرة وتحدثتُ بلطف إلى ييهوكين:
“كنت أريد أن أهنئك. بما أنك استغرقت وقتًا طويلًا في البحث، فلا بد أنه كان شيئًا نادرًا وثمينًا. أليس كذلك؟”
“صحيح. جُبتُ قارات العالم السوين كلها، وزرت أماكن لم أكن أتخيلها عندما كنت عالقًا في إيفانويل.”
“لابد أنك تعبت.”
“لا أظنها كانت معاناة، فقد كسبت الكثير بالمقابل.”
“بما في ذلك الشيء الذي كنت تبحث عنه منذ البداية، أليس كذلك؟”
“نعم.”
“تهانينا يا ييهوكين. لكنك لن تخبرني ما هو، صحيح؟”
“…آسف. أودّ إخبارك حالًا، لكن من الأفضل أن أنتظر الوقت المناسب.”
“حسنًا. لن أضغط عليك إذًا.”
“شكرًا لتفهمك.”
كان في صوته ابتسامة دافئة تنبض بالصدق.
أهو بسبب أنه وجد ما كان يبحث عنه؟ أم لأنه تذوق الحرية بعد أن تحرر من إيفانويل؟
كل تصرفاته، من تعابير وجهه إلى نبرته، كانت تنضح بالهدوء والطمأنينة.
حدّق بي صامتًا للحظة، ثم أخذ يدي الموضوعة على أصابعه ووضعها بلطف في راحة يده.
كانت يداي صغيرتين لأنني صغيرة القامة، أما يده فكبيرة لأنه طويل جدًا.
بدت الصورة وكأن يد طفل ترتكز في يد بالغ، فشعرت بشيء من الانزعاج.
“ييهوكين، كم طولك؟”
“أنا؟ هذه السنة وصلت تقريبًا إلى 193 سم.”
كنت أسأل بدافع الفضول، لكن الإجابة كانت صادمة، فنهضت من مكاني فجأة.
“193 سم؟! هذا أطول بثلاثة سنتيمترات من آخر مرة! ألم تنتهِ فترة النمو؟ لماذا ما زلت تطول؟”
“لا أدري… ربما لأني أمشي كثيرًا؟”
“إذن سأبدأ أنا أيضًا بالمشي كثيرًا!”
ظننت أنني لن أتجاوز الـ155 سم بعد أن أصبحت راشدة، لكن يبدو أن هناك أملًا بعد!
ضحك ييهوكين وهو يراقبني أرفع نفسي على أطراف قدميّ وأحدق بعزم، ثم نهض هو الآخر وقال:
“ما رأيك أن نتمشى معًا؟ سأريك قاعة طقوس البلوغ.”
ثنى ذراعه كمن يعرض مرافقة سيدة، فشهقت فاليريا واندفعت واقفةً تمد يدها نحوه.
“ييهوكين، إن كان الأمر متعلقًا بزيارة قاعة الطقوس، فدعني أنا…!”
“رائع! سأريك كل شيء! أخي التوأم أعدّ الكثير من الأشياء الممتعة هناك!”
أسرعت بوضع يدي على ذراعه الممدودة، ثم انحنيت بخفة نحو فاليريا متعمّدة.
“إذن، ليدي فاليريا، نرجو المعذرة.”
“نستأذنك يا ليدي فاليريا، نتمنى لك وقتًا ممتعًا.”
أدى ييهوكين التحية بأدب تام ثم استدار مبتعدًا عنها.
هل يعلم ييهوكين؟
أن عبارة “وقتًا ممتعًا” التي قالها بلطف، هي بالنسبة لفاليريا الآن أشبه بتعذيب قاسٍ.
***
‘يا للغضب!’
كانت فاليريا تزمجر غيظًا وهي تخطو بعنف في الممر.
أما سيستيا التي رافقها ييهوكين، فكانت تتجول معه في حديقة الجناح الداخلي تضحك بسعادة.
يتبادلان المزاح ويقيسان أطوالهما ويدفع أحدهما الآخر بخفة… مشهد يثير الغيظ.
خلافًا لتوقعاتها، كان ييهوكين من فصيلة “الإيموغي”.
كانت تعلم أن إيموغي إيفانويل قد خُطِب لنمر من غلادوين من أجل حفظ السلام بين القارتين، لكنها لم تتوقع أن يكون الأمر هكذا.
ذلك الذكر الرائع مخطوب لسيستيا!
ولا فرصة لديها حتى لمحاولة سحره!
‘قالوا إنه أُجبر على الخطوبة! لو كنت أعلم أن الإيموغي الذي سيتزوج من غلادوين هو ييهوكين، لكنتُ أنا التي خطبتُه بدلًا من سيستيا!’
يا للغضب والخيبة!
هل يمكنني إغواؤه حتى يفسخ خطوبته؟
لكن خطوبتهما ليست شأنًا شخصيًا، بل تحالف بين العائلتين، بل مسألة تخصّ القارة بأكملها، فلا يمكنها التدخل بسهولة.
إذًا ماذا تفعل؟
كانت تريد بأي طريقة أن تُفرغ غضبها، وأن تُذلّ سيستيا أمام عيني ييهوكين.
توقفت أمام باب الطابق الثالث من الجناح الداخلي، وأخذت نفسًا عميقًا.
“فووو…”
أما ييهوكين فقد استُدعي إلى المبنى الرئيسي بعد جولتهما، إذ لم يسبق أن حضر ضيف من غير النمور لحضور طقوس البلوغ.
ولأن الجناح الداخلي مخصص فقط للنمور المشاركين في الطقوس، فقد اقترح نيكولاي أن يقيم ييهوكين في المبنى الرئيسي أو في مساكن الضيوف خارج القاعة.
وهذا أمر سار.
فقد صار لدى فاليريا وقت كافٍ لنصب فخ لسيستيا.
طرقت الباب مرتين، ففتحت سيستيا بنفسها بدلًا من كارين.
“ليدي فاليريا، تفضلي!”
استقبلتها بابتسامة مشرقة أثارت اشمئزازها.
‘استمتعي الآن ما شئتِ، فسيأتي دورك قريبًا.’
“هل تقضين وقتًا ممتعًا؟ جئت أقترح عليك لعبة مسلية حتى لا تشعري بالملل هنا.”
“لعبة مسلية؟”
“نعم، مع تجديد قاعة الطقوس، أُتيح لنا اختبار تجربة طقوس البلوغ التقليدية.”
“واو، حقًا؟ لم أكن أعلم بوجود ذلك!”
تألقت عينا سيستيا دهشة، وابتسمت فاليريا بمكر.
“ما رأيك أن نجربها معًا؟”
‘يا لكِ من غبية يا سيستيا غلادوين.’
الطابق الثالث من المبنى الرئيسي، الذي شهد طقوس بلوغ سيستيا بالأمس، كان اليوم مظلمًا وكئيبًا.
ألقت فاليريا نظرة على الطاولة على ضوء الشموع المتراقص وسخرت في سرّها.
‘لترَ كيف ستتذوقين هذا.’
كانت المائدة مليئة بما يكرهه النمر أشد الكراهية: الشيح، الثوم، الفول، الجزر، والفول السوداني.
بالطبع.
فالطقس التقليدي للبلوغ كان يقضي بأن يبقى النمر في كهف مئة يوم، يتغذى فقط على أوراق وسيقان وجذور النباتات كالشيح والثوم، دون أي لحم.
كان اختبارًا للصبر والشجاعة.
واليوم مجرد تجربة لوجبة واحدة من ذلك الطقس، لكن كل الأصناف حُضّرت كما كانت تُقدَّم قديمًا.
حضر نيكولاي المشرف، إلى جانب ييهوكين والعديد من الخدم، لمشاهدة تجربة سيستيا وفاليريا.
كانت فاليريا ترتجف إثارةً من فكرة أنها ستجعل سيستيا تتعرض للإذلال أمام ييهوكين ووالدها، كما فعلت سيستيا بوالدها سابقًا.
كانت كارين تدور حول سيستيا بوجه قلق للغاية.
“ليدي سيستيا، هل أنتِ بخير؟”
“همم، أشعر فقط بدوار بسيط، لا بأس.”
وضعت سيستيا يدها على جبينها مبتعدة عن الطاولة.
كما توقعت فاليريا.
فالكائنات السوين يمكنها تناول أغلب أطعمة البشر، لكنها تحتفظ ببعض خصائص نوعها، فتميل أو تنفر من أطعمة معينة.
وبالنسبة للنمور، فإن الشيح والثوم يصنفان ضمن “ما يمكن أكله، لكنه يبعث على الغثيان ولا يُرغب فيه مطلقًا”.
لذلك، ليس غريبًا أن تشعر بالدوار لمجرد النظر إليه.
نظرت فاليريا إلى المائدة وابتلعت ريقها بصعوبة.
‘كم من الفائدة أنني قضيت عمري أعيش قرب هذه الروائح المقززة! لستُ كفتاة غلادوين المدللة.’
صحيح أنها لا تزال تكرهها، لكنها اعتادت عليها أكثر من أي نمر آخر.
تخيلت سيستيا وهي تتذوق الشيح وتختنق من مرارته، فارتسمت على شفتيها ابتسامة خفية.
عندها، فتحت سيستيا عينيها وهي تمسك رأسها بألم وقالت:
“رأسي يؤلمني كثيرًا، لنبدأ بسرعة يا ليدي فاليريا.”
“حسنًا، فلنبدأ بالجزر.”
قالت ذلك وهي تلقي نظرة جانبية على ييهوكين، الذي كان ينظر إلى سيستيا بعينين مليئتين بالحب.
‘انظر جيدًا يا ييهوكين، وراقب خطيبتك سيستيا غلادوين وهي تتقيأ بعار أمامك.’
التعليقات