كانت عيناي شاخصتين من الذهول وأنا أحدّق في ذلك القصر الفخم المهيب.
حديقة واسعة ومستوية، ونافورة يتدفق منها ماء صافٍ، ومبنى جميل ونظيف يبدو أنه بُني حديثًا، وفراشات تحوم بين الأشجار وطيور تغرّد بفرح.
لم يكن هناك أي أثرٍ للغابة أو الجبل أو الكهف الذي كنت أتوقّعه.
في تلك اللحظة، خرج رجل في منتصف العمر من المبنى بخطى سريعة، وعلى وجهه ملامح ارتباك واضحة، ثم وقف أمامي وانحنى احترامًا.
“تشرفتُ بلقائك لأول مرة، السيدة سيستيا. أنا نيكولاي شافيل، المشرف على هذا المكان.”
“قلتَ شافيل؟”
أدرت رأسي نحو كارين.
فاللقب “شافيل” هو نفسه لقب كارين.
انحنى نيكولاي بصمت، بينما تولّت كارين الإجابة بدلاً عنه.
“صحيح. السيد نيكولاي هو خالي، وقد تولّى إدارة قاعة الاحتفال منذ عشر سنوات.”
“فهمت الآن.”
أومأت برأسي وانحنيت احترامًا لنيكولاي.
“تشرفتُ بلقائك، السيد نيكولاي. أنا سيستيا غلادوين.”
“يشرفني أن ألتقي وريثة عائلة غلادوين. حين رأيتك تقفين في الخارج دون دخول، ظننتُ أن ثمة مشكلة ما.”
ترددت قليلًا، فلم أكن أعلم هل ما أراه يُعدّ مشكلة أم لا، ثم فتحت فمي لأتحدث.
يُقال إن من حقّ السائل أن يسأل.
“ليست هناك مشكلة، لكن قاعة الاحتفال تختلف كثيرًا عمّا سمعت عنه، فشعرت ببعض الارتباك.”
“أتفهم تمامًا. فهذه الهيئة الجديدة لم يمضِ عليها وقت طويل، ولم يشاهدها إلا عدد قليل من النمور.”
“منذ متى أصبحت على هذه الحال؟”
“منذ أربع سنوات.”
أربع سنوات؟
رقم ذو دلالة كبيرة.
منذ أربع سنوات كنتُ في الخامسة عشرة من عمري، وفي ذلك العام بالضبط… لا يُحتمل!
حين عقدت حاجبيّ متفكرة، ابتسم نيكولاي برفق وقال:
“السيدَان التوأمان من عائلة غلادوين، اللذان قدما للاحتفال ببلوغ سن الرشد، هما من أنشآ القاعة الجديدة. بل وهما من يتكفّلان بجميع تكاليف تشغيلها.”
“يا إلهي! أحقًا فعلا ذلك؟”
إذن لهذا السبب ذهبا للاحتفال ولم يعودا لمدة خمس سنوات!
لقد أزالا الجبال والغابات وبنيا هذا المبنى اللامع بدلاً منها؟
لكن لماذا؟
هذان الشقيقان اللذان كانا لا يعرفان سوى التراخي والراحة، ما الذي حملهما على هذا العناء؟
أوضح لي نيكولاي السبب وهو يرافقني إلى الداخل.
“يقولان إن الكهف كان مظلمًا جدًا وأرضه وعرة، تكفي زلة قدم صغيرة للسقوط، ثم إن الغابة كانت تفتقر إلى أشجار البلوط والأزهار، فبدت كئيبة لا حياة فيها.”
“أشجار بلوط؟”
نظرت حولي، وإذا بجميع الأشجار المزروعة على امتداد السور الخارجي للحديقة من نوع البلوط، تتدلّى منها ثمار صغيرة خضراء لم تنضج بعد، تبدو جذّابة وشهية للغاية.
صرخت بفرح وكتمت صوتي وأنا أقفز في مكاني.
كما توقعت، شقيقاي هما الأفضل على الإطلاق!
لقد كان الاحتفال مختلفًا تمامًا عمّا قرأته في الكتب أو سمعته من شقيقيّ وكارين.
فبدلاً من كهف مظلم وكئيب، أُقيم في الطابق الثالث من مبنى تغمره أشعة الشمس عبر ستائر دانتيل شفافة، وبدلًا من شرابٍ مُرّ المذاق، قُدِّم عشاء فاخر من أطباق متتابعة.
وعلى الطاولة الجانبية كانت هناك أعشاب تقليدية مثل الشيح والثوم، لكن بدا أنها وُضعت للزينة فقط إذ ذبلت أطرافها.
أحضرت كارين قالب كعك كبير مغطّى بالعسل ووضعته في وسط المائدة، ثم أشعلت شمعة واحدة وانحنت باحترام.
“والآن، السيدة سيستيا، تفضلي وابدئي الطقس.”
كان وقارها الزائد يجعل الموقف محرجًا، فعبثتُ بخصلات شعري قليلًا، ثم نفختُ برفق فأطفأتُ الشمعة.
وفورًا بدأ العازفون بعزف مقطوعة على البيانو والكمان، وراح الخدم يصفقون ويطلقون الألعاب النارية.
“نهنئكِ ببلوغكِ سن الرشد! نتمنى لعائلة غلادوين مزيدًا من الازدهار!”
“نهنئكِ ببلوغكِ سن الرشد! ونتمنى لكِ مجدًا أبديًا!”
“شـ… شكرًا لكم…”
لم أطفئ سوى شمعة واحدة، لكن التهاني كانت صاخبة إلى حدّ جعل صوتي يخفت خجلًا.
ثم قدّمت لي كارين باقة ضخمة من الزهور مزينة ببطاقة، كان من الواضح أن شقيقيّ كتباها بخطّهما.
[مرحبًا بكِ في عالم البالغين! امم! d(๑꒪່౪̮꒪່๑)b]
[كنتِ صغيرة لا تملأين كفًا، والآن أصبحتِ راشدة! لماذا كبرتِ بهذه السرعة؟ توقفي عن النمو فورًا! لقد كبرتِ بسرعة لدرجة أنني أشعر بـ▣▣… ← تبًا، هذا ليس تلطيخًا!]
[إلى أختي العزيزة سيستيا، نبارك لكِ بلوغكِ سن الرشد.]
“أقدّر غضبك من أجلي، لكن لا داعي للغضب. لديها سبب يغذي غيرتها.”
“أيّ سبب يبرّر أذى الآخرين؟”
“كل ما أملكه الآن، كان من المفترض أن يكون لها.”
“أتقصدين بسبب ما حدث مع والدتكِ؟”
“نعم.”
صمتُّ.
كان يُفترض أن تتولى شقيقة والدتها الكبرى، جينيا، زعامة عائلة شافيل، لا والدتها بيني.
“كانت جينيا مريضة جدًا، لكنها أصرت على إنجاب وريث، فخسرت حياتها أثناء الولادة.”
“سمعت بذلك. كانت ولادتها خطيرة منذ البداية.”
“صحيح. وهكذا أصبحت والدتي الوريثة التالية. ومع كثرة البنات لدينا، لم يعد أحد يقلق بشأن استمرار السلالة… لكن فاليريا التي فقدت أمها تُركت بلا اهتمام تقريبًا.”
ربّتت كارين على موضع الخدش بصوت خافت حزين.
“لهذا ترعرعت دون أن تنال ما تستحق.”
“كارين… لا تقولي إنكِ تساعدينها من وراء الكواليس؟”
“أرجوكِ لا تخبري والدتي.”
نظرتُ إلى فاليريا التي كانت تحيط نفسها بالخدم والثياب الفاخرة، ثم إلى كارين.
أيّ عبث هذا؟ تأخذ مالها لتلبسها وتؤذيها فوق ذلك؟
“تأخذ مساعدتك وتردّها بالإساءة؟ كيف تُقام لها طقوس البلوغ وهي بهذا السلوك؟! إنها طفلة مدللة لا أكثر!”
“ربما لأنها متألمة جدًا.”
“أهذا عذر؟ إن كنتُ مجروحة، هل يحق لي أن أجرح غيري؟ ماذا لو طلبت منك أن تصبحي خادمتها؟ هل ستقبلين؟”
“كـ… كيف علمتِ؟”
اتسعت عيناي دهشة وأنا أتشبث بيدها.
“حقًا؟ طلبت منك أن تكوني خادمتها؟!”
“نعم… لم أخبر والدتي بعد، خشية رفضها.”
“طبعًا سترفض! أنتِ حفيدة الزعيمة، كيف تعملين خادمة في فرع من العائلة؟!”
“لكن…”
“ثم إن رحيلك سيُحزنني كثيرًا. قد تجد فاليريا غيرك، أما أنا فلا أستطيع العيش دونك يا كارين.”
كارين الطيبة التي كانت تعرف حقيقتي ولم تفضحني، التي كان بوسعها أن تلتهمني جوعًا ذات ليلة لكنها لم تفعل، لا أستطيع التفريط بها.
الآن وقد أصبحت راشدة، يمكنني حمايتها حقًا.
‘ابقي إلى جانبي. سأُغدق عليك كل الخير. إن ذهبتِ إلى فاليريا، سنتعذب كلانا.’
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات