“إذاً، ما زلتم لم تعثروا على مكان اختفاء ييهوكين؟”
انحنى غريشا، الذي كان مسؤولاً عن تتبّع ييهوكين، برأسه خجلاً.
“أ… أعذريني. ييهوكين إيفانوايل بارع للغاية في إخفاء أثره، فهو ثعبان ماهر في التخفي.”
“اللعنة.”
كان التحرك بصمت كأنه غير موجود هو أحد مواهب ييهوكين.
فقد كان يُضرَب كلما أصدر صوتاً أو أحدث حركة، لذا يمكن القول إن ما علّمه له إيفانوايل تحوّل إلى مهارة متقنة.
كان الأمر مفيداً حين أرادوا تعذيبه، لكن من كان يتوقع أن تصبح هذه المهارة عائقاً لهم؟
استندت لايسا إلى ظهر الأريكة وقالت:
“دعيه وشأنه. بما أنه يكنّ مشاعر لأنثى من عائلة غلادوين، فسيظهر بنفسه عندما يحين وقت الزواج.”
“عند الزواج؟! أتعنين أن ننتظر حتى ذلك الحين؟!”
“ابحثي عن لعبة أخرى. لمَ هذا التعلّق بقطعة تالفة؟”
تجهمت لايسا وهي تتذكر اليوم الذي جاءت فيه سيستيا إلى إيفانوايل.
يبدو أن الآخرين لم يلاحظوا، لكن تيغريس غلادوين كان على وشك تمزيق كلابديا إرباً.
لكن هذا لا يمكن السماح به.
فهي الابنة التي أنجبتها وربّتها بنفسها.
لا يمكنها أن تخسرها أمام نُمورٍ تافهين.
لن تدع تيغريس وكلابديا يلتقيان مجدداً.
وستُخفي كلابديا جيداً حتى يتم إعداد كل شيء على نحوٍ كامل.
كم تعهدت بذلك بإصرارٍ لا يوصف.
لكن كلابديا، التي لم تفهم قلب أمها، كانت تتذمّر بتهور.
“لا توجد لعبة جميلة مثل ييهوكين. هل تعلمين كم هو رائع حين ينعكس اليأس في تلك العيون السوداء؟ لو أمكنني، لأحببت أن أُحنّط وجهه في تلك اللحظة وأعرضه للأبد.”
“تسك.”
لم تستطع لايسا توبيخها، فييهوكين كان يملك مظهراً بشرياً جميلاً لدرجة أنه يبرز في أي مكان.
وفي أعماقها، شعرت بالرضا لأن ذوق ابنتها رفيع جداً.
“حسناً. سأرسل مزيداً من المتعقّبين. إلى أن نجد أثره، العبي مؤقتاً بلعبة أخرى.”
“شكراً لكِ، أمي!”
“لدينا الكثير من العمل. غريشا، ضاعف عدد المتعقّبين. اعثر على أثر ييهوكين بأسرع وقت ممكن.”
“أمركِ.”
وما إن غادر غريشا، حتى بقيت لايسا مع كلابديا ومودست، الذي ظل صامتاً منذ البداية.
نظرت لايسا إلى مودست وسألته:
“مودست، كيف حال أليك؟”
“لم يتغير شيء. لا يخرج من غرفته ويطرد الخادمات كلما حاولن خدمته، الأمر مزعج للغاية.”
“ذلك الغلادوين الحقير… استخدم ‘عشب الكوابيس’ على أليك ثم تظاهر ببراءة تامة!”
بسببه سخر الجميع من اسم إيفانوايل، وتصدّعت السمعة التي بُنيت بعناء.
كانت لايسا ترغب بشدة في شنّ حرب على غلادوين حالاً، لكن نفوذهم ما زال قوياً جداً.
لو اندلعت الحرب الآن، فستخسر إيفانوايل أشياء كثيرة،
وربما تفقد أيضاً أعزّ ما تملكه لايسا، كلابديا نفسها.
ابتسمت كلابديا بخفة وهي تنظر إلى أمها وقالت:
“سيستغرق الأمر أكثر من عشر سنوات حتى تنتشر في أرجاء مملكة السوين أن سيستيا بلغت سنّ البلوغ، وأنه لن يولد بعد الآن أي نمر في عائلة غلادوين. هل تستطيعين الانتظار كل هذا الوقت؟”
“…سأنتظر. لقد قضيت عقوداً طويلة وأنا أتهيأ لهذه اللحظة، فهل أعجز عن انتظار عشر سنوات أخرى؟”
“أما أنا فلا أستطيع الانتظار. إن كنتُ سأنال المجد في النهاية، فأريده عاجلاً لا آجلاً.”
“وما الذي تنوين فعله؟”
“السبب في أننا لا نستطيع صناعة حجر الفيلسوف هو أن غلادوين يعرقلنا، أليس كذلك؟ إذاً، لماذا لا نصنعه في مكان لا يصل إليه تدخلهم؟”
“أتقصدين…”
“نعم.”
ابتسمت كلابديا ابتسامة أنيقة وأشارت بإصبعها نحو النافذة.
“ما دمنا سنجعل كل مملكة السوّين تركع تحت أقدامنا، فما الضرر إن اختفى نوع أو نوعان من الثعابين؟”
ارتسمت ابتسامة مشرقة على وجه لايسا.
وفي تلك الليلة، حدثت مجزرة في أراضي إيفانوايل.
***
[اليوم الخامس من شهر الزمرد – مهام اليوم]
عيد ميلادي! ♪(๑ᴖ◡ᴖ๑)♪
☐ الاستمتاع بيومٍ رائع!
“آنسة سيستيا، استيقظي! كيف تنامين للساعة المتأخرة في يومٍ كهذا؟!”
“هيييه، إنه يوم ميلادي… أريد أن أنام أكثررر…”
تذرّعت بحجة عيد الميلاد، لكن كارين لم تُبدِ أي شفقة.
بل بدت أكثر صرامة من المعتاد!
ششااااق!
سحبت كارين الستائر بقوة وفتحت النافذة، فغمرت الغرفة أشعة الشمس وهواء أوائل الصيف الدافئ.
“آه، الضوء قوي جداً…”
“الجو رائع اليوم! بعد أيامٍ غائمة، ها هو يوم مشرق أخيراً!”
“لكنني أفضل الغيوم… لأنني مخلوقة ليلية…”
“مخلوقة ليلية؟! هذا شيء يعود لعصور ما قبل التاريخ! لم يعد أي من السوين يعيش ليلاً منذ آلاف السنين.”
“هيييه.”
حاولت الاختباء تحت الأغطية، لكن كارين سحبتها ونظّفتها بسرعة، فلم أجد مكاناً أفرّ إليه.
عادة كانت تجد تصرفي لطيفاً وتتركني، لكنها اليوم كانت نشيطة على نحو غريب!
بلا مفر، فركت عينيّ وقمت من السرير.
كانت عيناي منتفختين وشعري فوضوياً كأن عاصفة ضربته، فقد نمت متأخرة جداً.
ارتعبت كارين حين رأت وجهي.
“يا إلهي! ما الذي جرى لوجهك يا آنسة سيستيا؟”
“نمتُ متأخرة… الرسالة التي سلّمتِني إياها أمس كانت من ييهوكين. وبعد أن قرأتها، تذكرت رسائله السابقة، ففتحتها كلها وأعدت قراءتها.”
“يا الهي! في تلك الساعة المتأخرة؟!”
“آااه…”
وبينما كنت أقرأ، شعرت بالجوع، فأكلت سراً بعض، بل كثيراً من بذور دوّار الشمس.
ربما لهذا وجهي متورم أكثر من المعتاد.
أظن أنني أكثرتُ منها فعلاً.
كالعادة، غيّرت ملابسي وجلست أمام المرآة لأُصفّف شعري وأتحدث مع كارين بأحاديث صغيرة.
“كيف حال ويني؟ ألم تستيقظ بعد؟”
“يبدو أنها ما زالت نائمة.”
“هذا مقلق. ألن يؤثر النوم الطويل على صحتها؟”
“لا تقلقي. رغم ضعفها الظاهر، فهي من السوين أيضاً. يمكنها الصمود طوال فصلٍ كامل.”
“هذا مطمئن.”
توقفتُ عن الكلام ونظرت من النافذة المفتوحة.
وكما قالت كارين، كان الجو صافياً على نحوٍ مدهش بعد فترة طويلة.
سمعت زقزقة العصافير، وصوت تنظيف الساحة أمام القصر، وحفيف الأشجار في النسيم.
كان صباحاً هادئاً ومسالماً.
“يا له من سكون…”
ردّت كارين على همسي:
“غداً سيزدحم المكان. سيُقام حفل عيد الميلاد.”
“هل هذا مناسب؟ ما زلت قلقة بشأن ويني. معظم الضيوف غداً من السوين الآكلين للّحم. ماذا لو آذى أحدهم ويني أو سبب لها ضوضاء تُزعج راحتها؟”
“آنستي، كم أنتِ لطيفة.”
أنهت كارين تصفيف شعري وانحنت لتعانق عنقي بلطف.
“لا تقلقي، سيكون كل شيء بخير.”
“مم، صحيح. من ذا الذي يجرؤ على إيذاء ضيفةٍ لآل غلادوين في قصر غلادوين نفسه؟”
“بالضبط.”
شدّتني إلى حضنها قليلاً ثم تركتني، ثم التقت أعيننا في المرآة وابتسمت.
“بالمناسبة يا كارين، هل حدث شيء سار؟”
“شيء سار؟ ماذا تعنين؟”
“أشعر أنك اليوم أكثر حيوية وسعادة من المعتاد، تبتسمين باستمرار.”
“حقاً؟ لا شيء على الإطلاق.”
بدت كأنها تُخفي شيئاً، فشفاهها ترتعش رغم محاولتها الإنكار.
تفقدتُ تسريحة شعري بينما كانت تتظاهر بالانشغال، ثم سعلت بخفة وانحنت قائلة:
“التحضيرات انتهت. هل نذهب لتناول الإفطار؟”
“نعم. لكن تيغريس أخي والتوأم لن يأتوا اليوم أيضاً، أليس كذلك؟”
“أممم… حسناً…”
ترددت كارين ولم تجب بوضوح، فتداركتُ الأمر ولوّحت بيدي.
“لا بأس، سؤالي أربكك بلا داعٍ. هيا نذهب.”
“حسناً.”
توقفتُ أمام الباب، تنفست بعمق، ووضعت يدي على المقبض.
لا بأس.
عيد الميلاد ليس بالأمر الكبير.
ربما لديهم انشغالاتهم.
كم مرة تناولت الطعام وحدي عندما كان أخواي مشغولين؟
ليس هناك ما يدعو للحزن.
مجرد وجبة كأي يومٍ آخر.
هكذا فكّرت وأنا أفتح الباب.
باااانغ! باااانغ!
“عيد ميلادٍ سعيييد! عيد ميلادٍ سعيييد!”
“لـسيسـتيااااا، عيد ميلااادٍ سعيييد!”
دوّى صوت المفرقعات وأغنية عيد الميلاد في أرجاء الممر.
وقفتُ مذهولةً، أنظر إلى أخويَّ التوأمين وهما يغنيان بحماس، والقصاصات الورقية تتساقط عليّ من المفرقعات.
اقترب تيغريس مبتسماً وأمسك بيدي برفق.
“هل نمتِ جيداً؟ عيد ميلادك الخامس عشر سعيد. انتظرنا لنتناول الفطور معك.”
“وأنا أيضاً! لم آكل شيئاً منذ الفجر بانتظارك!”
“طلبت من الطباخ أن يُعدّ كل ما تحبينه! كعكة الزهور، والحلوى، والبسكويت، وحتى الحساء! لذا هيا بنا…”
وبينما كان تافيان يثرثر بحماس، سقط أنبوب المفرقع الفارغ من يده ووضع يديه على رأسه فجأة.
“سـ… سـ… سيستيا! لِـمَ تبكين؟!”
“آه؟”
وبمجرد أن سألني، انهمرت الدموع من عيني دون أن أشعر.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات