لم يكن الخط فقط غير المعتاد على ديـفا وكأنه كُتب على عجل، بل ولم يكن هناك أي تفاصيل واضحة عمّا جرى.
ديـفا التي تأخذ كل شيء بجدية لم تكن لتفكر في المزاح أبدًا.
قال أخي تيغريس بوجه متجهم:
“كارين. أنا وسيستيا يجب أن نعود إلى غلادوين أولاً. أما أنتِ فاجمعي ما تبقى من الأمتعة والعربة وتعالي إلى غلادوين.”
“مفهوم.”
اختفت كارين بخطوات سريعة، بينما رفعتُ بصري نحو أخي بعينين يملؤهما القلق.
“……ماذا سنفعل؟ هل لأننا تركنا القلعة خالية لفترة طويلة؟”
“لن يكون الأمر خطيرًا. لا تقلقي كثيرًا. لو كان هناك شيء جلل فعلًا، لما جاءنا برسالة من السيدة ديـفا، بل كنا سنقرأ الخبر في الصحف أو نشاهد إيفانويـل يخرج بنفسه.”
“صحيح، لكن…”
“على كل حال، لا نعلم ما قد يكون، فلنعد بسرعة. أغلقي أزرارك جيدًا، سنركض.”
“آه… أيمكن أن يكون؟”
رمشت بعيني سريعًا، فإذا بأخي تيغريس يضم ردائي بإحكام وهو يبتسم لي بخفة.
“كم مرّ من السنين؟ منذ آخر مرة ركبتِ على ظهري.”
“وااااه!”
كنت قد ركبت على ظهره وهو في هيئة النمر عدة مرات عندما كنت صغيرة جدًا.
كان ذلك في أيام كنت أزحف فيها ببطء وأضع كل ما تقع عليه يدي في فمي.
تذكرت كيف كنت أجلس على كفه الكبير وأتمشى معه في الحديقة كأني ألعب بالأرجوحة، وكيف كنت أغفو فوق ظهره الدافئ المكسو بالفراء. حتى وأنا أعلم أن الموقف طارئ، تسللت ابتسامة خفيفة إلى وجهي.
سأركب النمررر!
***
[اليوم السابع عشر من شهر تشو-هان، ما يجب فعله اليوم]
☐ الوصول إلى غلادوين
أود أن أصفع نفسي التي فرحت بركوب النمر.
كنت شاحبة وأنا أتباطأ في المشي خلف أخي تيغريس.
نظر إليّ أخي بقلق وقال:
“أأنتِ بخير فعلًا؟ قلت لك يمكنني أن أحملكِ.”
“كفى…… ليس من اللائق أن تفعل ذلك مع أختك التي تكبر. في الخامسة عشرة من عمري، هذا سن كبير جدًا لأن أكون في حضن أخي.”
كانت مبادرته طيبة، لكن لم يكن بوسعي قبولها.
حديثي عن النمو كان مجرد ذريعة، والحقيقة أنني خشيت أن أستند إليه أو يحملني فأفرغ كل ما أكلته على ملابسه.
استعدت ذكرى الأمس حين تحولت إلى هامستر صغير وجلست في الجراب المعلق حول عنقه.
‘هل ستتحولين فعلًا إلى هامستر لتركبي؟’
‘طبعًا! يجب أن أكون خفيفة كهامستر، أليس كذلك؟ عندها ستجري أسرع.’
‘حتى وإن بقيتِ على هيئتك البشرية، فأنتِ لستِ ثقيلة أصلًا. لدي ما يكفي من القوة.’
‘ومع ذلك، لا يمكن أن نعرف. إنه وضع طارئ.’
لم يستطع أخي أن يثنيني عن قراري، فذاقت نفسي العذاب.
لماذا لم أفكر في الأمر مسبقًا؟
عندما يركض نمر بأقصى سرعته وحقيبة معلقة على ظهره تتأرجح، فإن من بداخلها سيصاب بدوار قاتل!
ارتعش جسدي وأنا أتذكر الأمس، حين كنت أتدحرج مع الغبار في قاع الجراب كلما خطا خطوة.
كنت أتقلب بعنف، أرتفع فجأة في الهواء ثم أهبط مصدرة صوت ‘بئق’ على أرضية الحقيبة، ثم أُقذف مجددًا لأرتطم بها مع صوت ‘كيوك’. واستمر ذلك بلا توقف.
آه…
لو ركبت نمرًا يعدو مرتين فلن أكون هامستر بعد الآن.
لكن على الأقل، وبفضله، اختصرنا مسافة تستغرق عشرة أيام إلى يومين فقط.
تحولنا أنا وأخي إلى هيئتنا البشرية عندما وصلنا إلى أطراف قلعة غلادوين وبدأنا نسير.
كان ذلك لنرصد الأجواء، وكذلك لأن بوابة القلعة كانت مكتظة بالناس.
“أخي، انظر إلى هناك. هل من الممكن أن تكون كل تلك العربات متجهة إلى غلادوين؟”
“يبدو ذلك.”
“أوه، تمهّل. هذا…”
توقفت قليلًا وأنا أقطب حاجبيّ إذ التقط أنفي رائحة غريبة محمولة على نسيم الشتاء الجاف.
“……تشبه رائحة طعام؟”
“نعم. كل تلك العربات محملة بمكونات غذائية، وليست متعلقة بالسوّني. بعض الشارات المرسومة عليها مألوفة والبعض الآخر لا.”
“هل قررت غلادوين إقامة وليمة؟”
“وليمة، ها. من زاوية ما يمكن اعتبارها كذلك.”
يمكن اعتبارها كذلك؟
كان صوته منخفضًا كأنه يكره الأمر، ومع ذلك أثار كلامه فكرة مزعجة في رأسي.
لست مرتاحة لهذا.
دخلنا إلى داخل قلعة غلادوين متجاوزين العربات المصطفة.
وعندما مررنا من الحراس عند البوابة ودخلنا إلى الحديقة، انكشف أمامنا مشهد غريب آخر.
“ما هذا؟ لماذا أصبحت الحديقة هكذا؟”
كانت حديقة غلادوين على الدوام مهيبة ومهيمنة، أو بكلمات أخرى: قاحلة.
صحيح أن الأشجار والأعشاب كانت منظمة ومرتبة، لكن لم تكن هناك أزهار أو ثمار، حتى إن شتاءها كان يبعث على الوحشة.
منذ أن دخلتُ سن المراهقة وأنا أزرع الزهور الملونة لأجعلها أجمل قليلًا، أما الآن فقد أصبحت في فوضى أشد من ذي قبل.
كان الأمر أشبه بـ…
“……كما لو أن أحدًا التهم الحديقة.”
لقد قلتها، لكن كان ذلك التعبير دقيقًا للغاية.
الأعشاب ولحاء الأشجار كانت ممزقة هنا وهناك، وكأن أحدًا تعمد قضمها عمدًا.
لم يعد المشهد يوحي بأنه قلعة النمور في غلادوين، بل أقرب لأن تكون قلعة يسكنها القنادس.
لكنها غلادوين فعلًا. فمن يا ترى قضم لحاء الأشجار والأعشاب؟
كان أخي تيغريس يتفحص المنظر من حولنا، ثم رفع يده إلى جبهته.
“هـــــاه.”
ردة فعله المستاءة جعلتني أزداد يقينًا بما كان يراودني في الخفاء.
سحبت طرف كم أخي تيغريس وقلت بحذر:
“أخي، أيمكن أن يكون…”
لكنني لم أكمل كلامي، إذ اندفع شخص مسرعًا باتجاهنا.
“السيد تيغريس، السيدة سيستيا! لقد وصلتما!”
كانت ديـفا، بوجه شاحب كالثلج.
***
أطلق تيغريس تنهيدة وهو ينظر إلى سيستيا التي كانت تعبر الحديقة بوجه متوتر.
أثارت قلقها شفقته، وزادته هذه الفوضى المحيطة ضيقًا.
حين غادر غلادوين مع سيستيا في زيارة إلى إيفانويـل وبايل، استدعى التوأمين ليقوما مقامه.
فلا بد أن يبقى أحد باسم غلادوين لحماية القلعة.
لم يكن التوأمان يكنّان ذات القدر من الولاء لقلعة غلادوين أو لعائلة غلادوين كما يفعل تيغريس، لكنهما أحبا سيستيا بصدق لا يقل عن محبته لها.
ولهذا كان يظن أنهما سيحميان القلعة على الأقل من أجلها.
لكن ما جرى كان عكس ذلك.
أخذت ديـفا تسرع الخطى وهي تقود تيغريس وسيستيا.
“أعتذر حقًا. حاولت أن أتماسك قدر استطاعتي، لكنني… أنا والخدم وحدنا لم نعد قادرين على السيطرة على الوضع.”
“ليست هذه مسؤوليتك يا سيدتي ديـفا.”
“بل هي كذلك. من واجبي أن أرعى غلادوين. ولأنني لم أنجز ما أوكل إليّ على أكمل وجه، وجب أن أعتذر. وإن لزم الأمر فسأقبل العقوبة.”
قالت ذلك بصوت مرتجف، ثم التفتت نحو سيستيا.
كانت نظرتها مفعمة بالاحترام والخشوع، ممزوجة بالتوقعات والمودة.
حتى قبل مغادرتهم، كانت ديـفا كثيرًا ما تنظر إلى سيستيا بتلك النظرة المليئة بالتقدير، لكن اليوم كان ذلك أوضح وأعمق.
“……سيدتي سيستيا، كم هو عظيم أننا نلنا شرف عودتك.”
“هل السبب هو ما أظنه؟”
“على الأرجح، نعم. بوجودك ستُحل الأمور بسلاسة أكبر.”
“إن كان الأمر كذلك…… فأظن حدسي لم يخطئ.”
كان تيغريس يخشى أن تثقل تلك التوقعات كاهل سيستيا، وهي لم تبلغ بعد مرحلة البلوغ التام. لكن يبدو أن الأمر لم يثقل عليها مطلقًا.
كان يشعر بالفخر بها، وفي الوقت نفسه بالمرارة.
لطالما كانت ناضجة، لكنها الآن بدت وكأنها قد بلغت تمامًا.
لماذا تكبر بهذه السرعة؟
لعل هذا هو الشعور الذي يساور الآباء وهم يرون أبناءهم يكبرون أمام أعينهم.
كان يرغب في التوقف ليلمس شعرها الذهبي برفق ويهمس لها أن بإمكانها أن تنمو ببطء، لكنه عرف أنها لن تمنحه تلك الفرصة، فعدل عن ذلك.
وكلما توغلا أكثر داخل القلعة، ازداد عدد الخدم الذين يلتقونهما.
بعضهم كان واقفًا في الممرات يتحدثون همسًا، وما إن لمحوا تيغريس وسيستيا حتى انحنوا سريعًا.
لكن كان هناك من تأخر في الانحناء لانشغاله بالثرثرة، وما التقطه تيغريس من كلماتهم كان كالتالي:
“……أريد أن أدخل مجددًا بسرعة! كيف يمكن أن يكون بهذا الجمال……!”
“آه، يا للحظ. ليتني أستطيع التقاء عينيه بنظري أيضًا!”
اشتد صداعه من كثرة التساؤلات عمّا يحدث.
توقفت ديـفا أمام قاعة الولائم الكبرى، أضخم قاعات الطعام في غلادوين.
وكان بالقرب منها خدم مصطفّون وهم يحملون صواني فضية مغطاة، بينما امتلأ الممر بروائح الطعام الشهية؛ حلوة، وعطرة، ودسمة.
“من هنا يمكنكم الدخول.”
“شكرًا لك.”
أخذ تيغريس نفسًا عميقًا وعدّل من هندامه، بينما انحنت ديـفا لتفتح الباب.
على المائدة الضخمة في القاعة كانت الأطباق مصطفة كأن وليمة عظيمة قد أقيمت بالفعل.
امتلأت الطاولة بألوان الطعام والمشروبات والخمور، وفي طرفها جلس رجلان جنبًا إلى جنب.
كانا بقمصان نصف مفتوحة، يتكئان باسترخاء على المقاعد وأرجلهما متشابكة بوضعية ماجنة. ابتسما ابتسامة ماكرة حين وقع بصرهما على تيغريس.
ورغم أن بعض الخدم كانوا منهمكين في رفع الصحون الفارغة، إلا أن بجانبهما تراكمت أطباق وأكواب لا حصر لها.
لقد أصبح التوأمان، اللذان كانا منذ سنوات مجرد فتيان، رجالًا مكتملين الآن.
“ياااه. أخي، مضى وقت طويل، أليس
كذلك؟ هل استمتعت بموعدك؟”
“لقد ازددت وسامة أكثر مما كنت! أهواء الشمال تجعلك هكذا على ما يبدو.”
ابتسم النمران العابثان، اللذان التهما مؤونة القلعة ولحاء أشجار الحديقة عمدًا ليستدرجا أخاهما العائد من الشمال، ابتسامة واسعة صوب تيغريس.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا جاءني رجل وسيم للغاية بوجه غاضب ، وأعطاني أوراق الطلاق؟’ “ما الذي تتحدث عنه أيها الرجل الوسيم؟ لم ألتقِ بك من قبل ، ناهيك عن الزواج بك ، لماذا تعطيني...مواصلة القراءة →
كيم مين ها البالغة من العمر 20 عامًا ، طالبة جامعية عادية. من السخف أن تستيقظ في عالم مختلف تمامًا بعد حادث مفاجئ … ‘لماذا...
التعليقات لهذا الفصل " 61"