“نعم. لقد قطعتهِا فقط بسبب هزيمتي في المبارزة مع السيدة وانشين.”
كنت أعلم بالقصة من خلال ما أخبرتني به أخواتي، لكن عندما سمعت كلامها بصوت هادئ، شعرت فجأة أن وانشين ارتكبت فعلًا شنيعًا حقًا.
كنت أعلم أن وانشين سوين بسيط وغبي، ولكن كيف يمكنها أن تنسى أنها هي من قطعت الساق؟
بل والأدهى من ذلك، أنها أحضرت ابن المساعدة التي قطعت ساقها، واستخدمته مساعداً مرة أخرى وكأن شيئاً لم يحدث!
عائلة بايل، من حيث القوة والحجم، هي بالتأكيد الثانية بعد جلادوين، ولكن…
هل كان بقاء بايل في المرتبة الثانية لفترة طويلة مجرد مسألة قوة؟
حدقت ياوين في ساقها المفقودة.
“كنتِ تبارزينني أنا وخدمكِ يومياً، قائلةً إنه لكي تصبح بايل قوية، يجب ألا يتواجد فيها إلا السوين الأقوياء. وكنتِ تهددين بقطع ساق من يخسر.”
“……”
“بالطبع، لم يستطع أحد أن يهزم السيدة وانشين، وقد قُطعت سيقاننا جميعاً لأننا كنا ضعفاء.”
“همم…”
انكمش كتفا وانشين، وكأنها تذكرت فجأة ما اقترفته يداها في الماضي.
رفعت ذقني قليلًا وأنا أسند كوعي على مسند الكرسي.
“يا سيدة وانشين، لقد خسرتِ أمام أخي تيغريس أربعاً وعشرين مرة، لذا يجب عليكِ قطع ساقيكِ أربعاً وعشرين مرة، أليس كذلك؟ لديكِ ساقان فقط، ماذا ستفعلين؟”
“هـ…… هذه كانت غلطة ارتكبتهاِ عندما كنتُ شابة، رغبةً مني في جعل بايل قوية! لم أرتكب مثل هذه الأفعال منذ ذلك الحين!”
“بالتأكيد. لأنكِ عرفتِ أنه إذا قطعتِ جميع سيقان الخدم، فلن يبقى هناك أي سوين للعمل.”
“هذا صحيح تماماً. لم أقطع ساق أي شخص بعد ذلك.”
“بدلاً من ذلك، لقد حولتِ سكان إقطاعية بايل بأكملها إلى عصابات لصوص. وسمعتُ أنكِ جعلتيهم يقاتلون بعضهم البعض، ولم تعترفِ إلا بالأقوياء الذين نجوا كساكنين.”
“هذه هي المنطقة الشمالية. إنها تلامس أراضي أيموغي إيفانويل. بايل مكان لا يمكنه البقاء على قيد الحياة ما لم يصبح قوياً……!”
“آه.”
ارتسمت ابتسامة ساخرة على شفتي، ولم أُخفِ سخرية وجهي الموجهة نحوها.
“لذلك أصبحت أراضيكِ تلك التي فر منها السكان بمجرد أن وفر كونروا لهم مكانًا آمنًا للعيش، والأرض التي تقطنها الآن وانشين، حيث اضطرتِ إلى استخدام كل الوسائل للفوز في مبارزتكِ مع أخي تيغريس، .”
كانت كلماتي مليئة بالسخرية، لكن وانشين لم تجد ما ترد به سوى صرير أسنانها بغضب.
نظرت ياوين، التي كانت تراقب وانشين، إليّ وكأنها تطلب الإذن.
أومأتُ برأسي، وفتحت ياوين فمها.
“اطلبي الغفران يا سيدة وانشين.”
“……ماذا؟”
“أمام وجهي. أمام من احتقرتها وازدريتها لأنك اعتبرتني ضعيفة. قولي إنك آسفة، اعترفي بخطئك. إن فعلت، فسأطلب من زوي أن يرفع عنك التهمة التي ألصقها بك.”
ارتعشت شفتا وانشين وكأن ابتسامة وشيكة ترتسم عليه.
“لماذا يجب أن أفعل ذلك؟ لقد اعترفتِ بنفسكِ بأنكِ تحملين ضغينة ضدي. يا لكِ من حمقاء.”
ثم التفت إليّ من جديد وتوسلت إليّ
“انظري يا سيدة سيستيا. هؤلاء الأوغاد يكنون لي ضغينة ودبروا هذا ليوقعوني في ورطة. أنا بريئة.”
“أعلم.”
ابتسمت وانشين بابتسامة مشرقة على إجابتي غير المبالية.
“أنتِ تعلمين! شكراً لكِ! سأعاقب هؤلاء الأوغاد الذين تجرأوا ووضعوا السكين على السيد تيغريس!”
“لكنني سأتظاهر بأنني لا أعلم.”
“……ماذا؟ ماذا تقصدين؟”
‘يا لها من بلهاء لا تفهم تلميحاتي أبداً.’
شرحتُ بودٍّ لوانشين التي لم تفهم قصدي بشكل صحيح.
“يبدو أنكِ نسيتِ، أنا سيستيا جلادوين. أنا من عائلة جلادوين التي تكره أكثر من غيرها أمثال السيدة وانشين، التي تضعف أمام الأقوياء وتشتد أمام الضعفاء.”
“أ-أنا متى…….”
“أنا أعتقد أن أولئك الذين يخطئون ولا يتعلمون من أخطائهم يجب أن يتلقوا درساً قاسياً جداً.”
توقفتُ عن الكلام للحظة، ثم رفعتُ ساقيّ اللتين كانتا متوازيتين ووضعتهما متشابكتين، ووضعتُ يديّ متشابكتين فوق ساقيّ المتشابكتين.
‘كنت أنوي التعبير عن الأمر بألطف طريقة ممكنة لأن رينغ كانت تراقب، لكن نظراً لعدم وجود أي أثر للندم على وانشين، يبدو أن ذلك سيكون صعباً.’
“اطلبي الغفران من كل من قطعتِ سيقانهم. واعتذري لسكان الإقطاعية الذين أجبرتهم على السرقة للعيش، واعتذري لكونروا الذي طردته فقط لأنه ضعيف.”
“س… سيدة سيستيا!”
“إذا اعتذرت بصدق، ووعدتِ بتحمل المسؤولية كاملة، فسأقبل أنكِ لم تقصدي قتل أخي تيغريس. وإلا، ستقعين تحت تهمة التحريض على الاغتيال.”
“كيف تطلبين مني ذلك! أنا وانشين بايل! أنا سيدة عائلة بايل، وأنا الأقوى بعد تيغريس جلادوين! كيف أنحني لهؤلاء الحثالة!…”
“بالمناسبة… هل أنت واثقة فعلًا أنك الثانية في القوة؟”
“ماذا؟”
أدرت نظري قليلًا وضممت شفتيّ.
“لم تتبارزي قط مع أخي التوأم، أليس كذلك؟ قد يكون يفتقر إلى بعض الدقة، لكن من حيث القوة الخالصة، أخي التوأم أقوى. هل تعتقدين أنكِ تستطيعين الفوز على أخي التوأم؟”
“……هـ، هذا.…”
“بالإضافة إلى ذلك، حاولتِ طرد كونروا لكنكِ خسرتِ في ذلك أيضاً. وبما أنكِ وقعتِ في الفخ الذي دبره زوي، فقد خسرتِ أمام زوي أيضاً. إذًا أنتِ الآن أصبحتِ في المرتبة السادسة”
“تلك لم تكن مبارزات حقيقية، لذا لا يمكن تحديد الفوز أو الخسارة……!”
“وهنالك أمر آخر.”
أغلقت وانشين فمها على الفور، التي كانت على وشك تقديم المزيد من الأعذار.
ارتعشت عينا وانشين بقوة، وكأنها تتساءل ما الذي سأقوله هذه المرة.
أملتُ رأسي قليلاً وابتسمت ابتسامة عريضة.
“أخي تيغريس مجرد رئيس مؤقت للعائلة، وأخي التوأم مجرد فرد عادي من آل جلادوين. أما الوريثة الحقيقية لعائلة جلادوين فهي أنا. يا سيدة وانشين، هل أنتِ أقوى مني فعلًا؟ هل أنتِ متأكدة؟”
سألت بثقة، لكن في الحقيقة أنا الأضعف.
طبعًا، وبكل يقين، بل بفارق شاسع، أنا أضعف بكثير.
حتى لو سألت فراشة مارّة فلن تقول إن الهامستر يستطيع هزيمة النمر.
لكن بغض النظر عن موقعنا في السلسلة الغذائية أو قوة أجسادنا، من يمسك بزمام المبادرة الآن هو أنا.
فالعالم لا يسمي القتال قتالًا لمجرد أنه مواجهة بين قوتين جسديتين.
وعجزت وانشين عن الرد، مكتفية بعضّ شفتيها وارتجاف جسدها، كان الدليل الأوضح على ذلك.
أشرت بكلتا يدي إلى زوي وياوين.
كان زوي يحدق بذهول وكأنه لا يستوعب ما يحدث.
“هيا، ألا يجدر بكِ أن تطلبي الغفران الآن من عائلة بينغ؟ من كل قلبكِ، وبأقصى درجات الاحترام.”
نظرتُ إلى رينغ المصدومة بما اقترفته والدتها وما ستفعله لاحقًا.
كما قلتُ لها ذات مرة، أدركت وانشين أخيراً أن القوة ليست كل شيء.
بطريقة صادمة جداً، وإن كانت بسيطة.
***
[اليوم 10 من شهر تشوهان، قائمة المهام]
☑ غسل وجه أخي تيغريس
☑ إطعام أخي تيغريس
☐ البقاء بجانب أخي تيغريس
كما أراد زوي وياوين، اعتذرت وانشين عما ارتكبته.
لقد قررت أن تتحمل مسؤولية ما فعلته في إقطاعية بايل، فتنحّت عن منصب السيادة وتقبّلت العقوبة أيضًا.
لم يكن ممكنًا أن تُقطع ساقاها كما أراد العديد من سكان بايل، لكنها تخلّت بدلًا من ذلك عن المال والسلطة، واختارت النزول إلى القرية للعيش هناك.
ربما لن يكون أمرًا سهلًا.
فالحياة لا تقوم فقط على القوة وحدها، بل تحتاج إلى أشياء كثيرة أخرى.
حين فتحتُ الباب ودخلت، التفت إليّ أخي تيغريس، الذي كان مرتديًا معطفًا سميكًا وجالسًا على حافة النافذة يتأمل الخارج، ثم ابتسم لي ابتسامة مشرقة.
“أهلًا بعودتك، سيستيا. هل أنهيتِ أمر زوي كما يجب؟”
“نعم.”
أومأت برأسي وأشرت بعيني إلى الخلف.
دخل زوي ورائي حاملًا على صينية فضية إبريق شاي وفناجين.
ضيّق أخي تيغريس عينيه وهو يتفحّص زوي من أعلى لأسفل.
“لا يبدو كمن عوقب كما يجب، فأطرافه سليمة.”
“ما هذا الكلام. لا تظن أن الجسد بلا جراح يعني أن صاحبه بخير.”
“وجهة نظر مثيرة. وكيف فعلتِ ذلك؟”
“لا شيء معقد. فقط قررتُ أن آخذه إلى جلادوين.”
“……هل هذا عقاب؟”
“نعم.”
تجهم أخي، وكأنه لا يرى الأمر عقوبة مناسبة، لكنه يجهل الحقيقة.
زوي وافق أن يعمل تحت إمرتي مدى حياته، دون أجر!
مدى الحياة بلا مقابل!
في زمن أُلغيت فيه العبودية، أي عقوبة أشد من هذه يمكن أن توجد؟!
وفوق ذلك، عهدتُ بوالدته ياوين إلى كونروا، ما يعني أن خيانته لي ستجعل حياتها في خطر.
قدراته على خداع وانشين وتدبر الخطط ثلاثية الأبعاد كانت تستحق الاستفادة، لكن لم أرد أن أعطي مالًا لمن تجرأ على إيذاء جسد أخي، ولهذا اخترت هذه الطريقة.
ظل أخي تيغريس يحدّق في زوي بتجهم، ثم قال:
“زوي بينغ.”
“……لم يعد هناك وجود لعائلة بينغ. نادني فقط زوي.”
“حسنًا إذًا، زوي. هل تدرك أن العقوبة التي نلتها أشبه بضربة خفيفة؟”
ابتسم زوي بمرارة ورأسه مطأطأ.
“حين أُرتهن حياتي كلها في جلادوين، لا أشعر أنها خفيفة. ومع ذلك، لو وقعتُ بين يديك يا سيد تيغريس، لربما كان عقابي أشد بكثير.”
“صحيح. لو كان الأمر بيدي، لما اكتفيتُ بعقوبة تافهة كعمل بلا أجر مدى الحياة.”
نهض أخي تيغريس من مكانه عند النافذة وتقدّم ببطء نحوي، ثم رفع ذقني بخفة بإصبعه السبابة.
“عليك أن تشكر السماء أن الجرح الذي أحدثته لم يكن تحت ذقن سيستيا بل تحت ذقني. لو مسستَ جسدها بهذا الجرح، لكنتَ…”
ارتفعت حرارة إصبعه الملامس لذقني، وفي اللحظة نفسها انبعث من جسده دخان كثيف بلون ذهبي.
وبينما كانت شفتاه الحمراوان تنفرجان ببطء، تدفقت كلمات لا تحتمل، كلها حديث عن التقطيع والسحق والتمزيق والدهس حيًّا.
كان كلامًا ورد كثيرًا في الأصل مكتوبًا، لكن سماعه مباشرة جعلني أبتلع ريقي بصعوبة، فيما ارتجف جسد زوي وقد غمره الرعب من هالة أخي القاتلة.
“هذا إذن هو… جلادوين…….”
“ضع في اعتبارك أنني خففت التعبير احترامًا لوجود سيستيا أمامي.”
“……مفهوم.”
أمسكتُ فنجان الشاي بيدي باحترام وقدمته لأخي.
“……سأضع هذا في بالي المرة القادمة. كنتُ أظن أنني فرضتُ عليه عقوبة شديدة بما يكفي، لكن بعدما سمعتُ كلامك يا أخي، أدركت أنها لم تكن كذلك أبدًا.”
“ليس عليكِ أن تكوني مثلي. يكفي أن أنا والتوأم المجنونان …”
لم يستطع كبح غضبه حتى في كلامه، فاختلطت عباراته بلعنة لم أعهده يقولها.
……يبدو أن عليّ الاستماع أكثر إلى ما يقوله في المستقبل.
بعد أن صرفتُ زوي، اضطررتُ إلى تدليله بمختلف ألوان الدلال لأُسكّن غضب أخي تيغريس.
لا أعلم لماذا عليّ أن أهدّئ غضبه بينما هو الذي غضب لتخيله أن وجهي قد جُرح، لكنني شعرتُ أن كارثة قد تقع إن لم أفعل، فلم يكن أمامي خيار آخر.
وبالكاد نجحتُ في تهدئته والعودة إلى شرب الشاي بسلام، حين طرق أحدهم باب الغرفة.
بعد طَرقٌ ثلاث مرات، أعقبه صوت رينغ.
“سيدتي سيستيا. هل أنتِ هنا؟”
“أنا هنا. ما الأمر فجأة؟”
دخلت رينغ تحمل في يدها بضع أوراق.
“كنتُ أرتب مكتبة والدتي، فعثرت على شيء مريب. قد لا يفهمه الآخرون، لكن شعرتُ أن عليكِ أنتِ تحديدًا الاطلاع عليه.”
“ما هو؟”
تناولتُ الأوراق منها وأخذتُ أتفحّصها مع أخي تيغريس، فإذا بملامحي تتصلب.
التعليقات لهذا الفصل " 59"