ويلوبيري ركضت نحوي مبتسمة بوجه طفولي بريء، خطواتها كانت خفيفة كأن قاعة الاحتفال مصنوعة من القطن الناعم.
اقتربت مني ويلوبيري وعانقتني بكلتا ذراعيها.
بدا العناق دافئًا، لكن قوة ويلوبيري التي غمرتني جعلت القشعريرة تسري في ذراعي.
“مرحبًا، سيستيا. لقد مر وقت طويل فعلًا!”
“مر وقت طويل يا أختي ويلوبيري! كيف جئتِ إلى هنا؟”
“كيف؟ بما أنني سمعت أن سيستيا جاءت إلى الشمال، فبالطبع كان علي أن أسرع وألحق بك.”
كان حديثها عاديًا، كما لو كانت صديقة تسكن بالجوار جاءت للزيارة، لكن مكان إقامة ويلوبيري يقع خلف سلسلة جبال شاهقة في الغرب، بعيد جدًا ومنقطع حتى وإن كان من الشمال.
وراء تلك الجبال تعيش أنوع من السوين يصعب لقاءهم كثيرًا، مثل الأسود والزرافات، حتى إن ديفا احتاجت شهرين كاملين لتصل إليّ عندما جاءت من هناك، وهذا يوضح كم هو بعيد ذلك المكان.
فكرة أنها قطعت كل ذلك الطريق الطويل مسرعة للقائي جعلت الامتنان يفور في قلبي حتى أوشكت الدموع أن تغمرني.
بادلتها العناق بكل قوتي.
“شكرًا لوجودك هنا!”
“يا إلهي، سيستيا هي من تعانقني هذه المرة…! أنا متأثرة حقًا!”
“أوه هوهو. بما أنكِ جئتِ كل هذه المسافة، فمن الطبيعي أن أحتضنك.”
“آه، كم هو رائع. لقد كنتِ مجرد طفلة تخطين خطوات صغيرة متعثرة، فمتى كبرتِ هكذا؟”
“أنا في فترة النمو، فمن الطبيعي أن أكبر بسرعة. ثم إنني الآن في الخامسة عشرة من عمري. لكن أنتِ… هل كنتِ في سبات؟ كيف تبقين كما كنتِ حينها تمامًا؟”
آخر مرة التقيت بها كانت قبل عشر سنوات، حين جاءت أختي في زيارة استجمام إلى جلادوين، لذا الآن يفترض أنها تجاوزت الثلاثين.
أن تبدو في مثل عمري رغم أنها تجاوزت الثلاثين أمر لا يُصدق حقًا.
يبدو أن كلامي أعجبها، فضحكت ويلوبيري بصوت عالٍ مفعم بالمرح.
“هاهاها، سبات تقولين! يا إلهي، سيستيا، حتى مزاحك صار لطيفًا بهذا الشكل؟”
“أختي، لا تشدي خدي من فضلكِ.”
“هيييينغ. لكنني أريد أن أشده! أنا حتى الآن أكبح نفسي كي لا أعضكِ من فرط لطافتك! لكن بما أن سيستيا تقول إنها لا تحب ذلك، فلا مفر… عليّ أن أكتفي بعناق آخر!”
“أوه…”
وبينما كانت ويلوبيري تعانقني بقوة، تمسح بخدها شعري وتستمتع، بدأت ميليا تقترب بخطوات بطيئة.
ساباك، ساباك
كما هو الحال دائمًا، كان صوت خطوات ميليا يشبه وقع أقدام حافية على الثلج.
حقًا أمر غريب. أرضية القاعة من الرخام، وميليا ترتدي حذاء بكعب عالٍ بلا شك.
البرودة التي رافقت قدوم ميليا جعلتها تبدو مثل نسمة جليدية، وعيناها الفاتحتان بلون السماء الصافية كالجليد تجمدت عليّ وأنا أنظر إليها.
“لقد كبرتِ كثيرًا يا سيستيا.”
رغم أن جلادوين هي العائلة الأعلى مكانة، ورغم أنني أنا، كنمرة، المفترسة الأقوى مرتبة، إلا أن هالة ميليا كانت ضاغطة بشكل هائل.
ابتلعت ريقي، وانحنيت بخضوع مؤدبة.
“ما زال أمامي طريق طويل لألحق بك يا أختي ميليا.”
“لا تقلقي. ستلحقين قريبًا جدًا.”
غطت ميليا فمها بمروحتها، ثم رمقت بنظرة جانبية محيطة بالمكان.
“لا أرى قططًا صغيرة مشاكسة.”
‘القطط الصغيرة المشاكسة’ كان اللقب الذي تستخدمه أختي ميليا للإشارة إلى أخويّ التوأم.
“أخواي ذهبا لإقامة طقوس البلوغ.”
“طقوس البلوغ؟”
ارتفعت حاجبها قليلًا، وابتسامة هادئة رُسمت على شفتيها.
“لقد مر وقت طويل فعلًا. كأنني بالأمس فقط أراهما يدوران حولي في دوائر محاولين الإمساك بذيلي، والآن ذهبا بالفعل إلى طقوس البلوغ.”
“ذلك كان منذ خمس سنوات كاملة. وحتى الآن لم يعودا، ولا نعرف ما الذي حدث.”
“لا تهتمي، صغيرتي. هذان الغبيان الفوضويان بالتأكيد تأخرا لأنهما منهمكان في بعض الأفعال الغريبة. لكن الأهم…”
توقفت ميليا لحظة، ثم رفعت ذقني برفق بمروحتها، دافعة إياي لأنظر مباشرة في عينيها.
“بما أن القطط الصغيرة المشاكسة غير موجودة، أخيرًا يمكنني الاستمتاع بسيستيا كما أشاء. يا له من شعور رائع.”
“واااه!”
كما قالت ميليا، فقد استمتعت الأختان حقًا بلحظة غياب التوأم.
ويلوبيري ظلت متشبثة بي بذراعيها المتشابكتين مع ذراعي، تدفن رأسها في شعري بفرحة طفولية، وميليا جلست بجانبي ملتصقة، تمسح بخفة على وجنتي بأصابعها وهي تبتسم برضا.
لو كان التوأمان هنا، لكانوا قد أثاروا فوضى من أجل من سيستحوذ عليّ، لكن اليوم كان هدوء وسلام غير معتادين.
وضعت ويلوبيري أنفها في شعري وأخذت تشم بعمق، قبل أن تصرخ بفرح وتضرب الأرض بقدميها.
“مستحيل! رائحة شعرك تشبه دفء أشعة الشمس تمامًا!”
“حقًا؟”
مدت ميليا يدها تمسد شعري برفق، ثم قرّبته من أنفها لتشم، وانفرجت على شفتيها ابتسامة ساخرة صغيرة.
“صحيح. إنها رائحة بلاد الجنوب… رائحة لا يمكن أن نجدها هنا في الشمال.”
‘يا إلهي، هاتان الأختان!’
‘ماذا لو بدأ شعري بالفعل يصدر رائحة سيئة!’
أمسكت بشعري وضغطته إلى الأسفل، متراجعة إلى الوراء قليلًا.
“أخواتي العزيزات، أرجوكما لا تجعلان من شعري تجربة عطرية. أنا في سن النمو حاليًا، وأصبحت حساسة جدًا لهذه الأمور.”
“أوه هوهو. سيستيا الصغيرة بلغت سنًا يجعلها تهتم برائحة شعرها؟”
“لأنك تقولين هذا، أشعر برغبة أكبر في الاستمرار.”
ثم تقدمتا معًا، كل واحدة تضع أنفها في شعري.
تفاجأت من قربهما المفاجئ، وكنت على وشك أن أدفعهما بعيدًا، لكنني تجمدت عندما سمعت همس ميليا عند أذني.
“لا ترفضي، صغيرتي. لقد أحضرت لكِ هدية خاصة.”
“هدية؟ أي نوع من الهدايا؟”
“إنها ما كنتِ تنتظرينه… بالضبط.”
“واو، حقًا؟”
مجرد فكرة أنها تحمل الخبر الذي أنتظره جعلتني أبتسم على وسع. أخذت خصلة من شعري وقدمتها لهما بسخاء.
“تفضلا! اشتمّا كما تشاءان! بكل سرور أهديكما هذه الرائحة!”
“هاهاها، سيستيا، أنتِ الأفضل!”
انفجرت ويلو بيري في ضحك خافت متقطع، بينما رفعتُ إبهامي نحو رينغ، التي كانت تتململ وهي تنظر إلينا.
هدأ صوت الأخوات حين وصل أخي تيغريس ووانشين بعد انتهاء مبارزتهما.
انتقلنا إلى غرفة استقبال هادئ لنتبادل التحية.
“فهد الثلج من عائلة كسينيا، ميليا كسينيا، تقف أمام بايل وجلادوين.”
“فهد الغيوم من عائلة كلاودي، ويلو بيري كلاودي، تقف أمام بايل وجلادوين.”
ما إن أنهت الأخوات التحية حتى جلسن ملاصقات لي.
ضحكت وانشين بصوت عالٍ وهي تنظر إليّ، أنا التي حظيت بعاطفة الأخوات كاملة.
“هاها! لم أتوقع أن تحبا السيدة سيستيا إلى هذا الحد!”
“طبعاً! في الشمال لا يوجد طفلة صغيرة ولطيفة مثل سيستيا.”
‘هذا صحيح.’
الآن، وبما أنني في هيئة بشرية، لا يظهر ذلك بوضوح، لكن بالفطرة يشعرن أنني صغيرة جداً، هشة، وأفوح برائحة لذيذة أيضاً، لذا لم يكن غريباً أن يجدنني محبوبة.
وفوق ذلك، قالت الأخوات إن شخصيتي النشيطة والجريئة بدت غريبة جداً على أعين السوين القططيين في الشمال، المعروفين بحساسيتهم وبرودهم.
أضاءت عينا ويلو بيري وهي تشرح.
“هل تعرفون كم أن سيستيا محبوبة؟ قطط الشمال تُخرج مخالبها فوراً إذا لمسها أحد، لكن سيستيا تكتفي بالتمتمة بضجر فقط!”
“لو كنت مكانها، لكنت مزقت وجهه بمخالبي منذ البداية.”
“وأنا كذلك! أحب أن ألمس الآخرين، لكن أن يلمسني أحد فهذا يزعجني ويثير غضبي! لكن سيستيا، مهما لُمست، لا تُشهر مخالبها. آه، إنها حقاً رائعة…”
أملت رأسي متسائلة وأنا أنظر إلى الأخوات.
“ألا يمكن أن يكون السبب أن شخصياتكن سيئة فقط؟”
“يا إلهي، هذه الصغيرة! كل السوين في الشمال هكذا. أليس كذلك، سيدة وانشين؟”
أومأت وانشين برأسها بقوة.
“هاها، بالطبع! الشخصية الخشنة والميل إلى القتال هما فخر السوين في الشمال!”
“كما توقعت من سيدةوانشين وبالمناسبة، ما رأيك لو بقينا في قلعة بايل طوال فترة إقامة سيستيا هناك؟ هل يمانع أحد؟”
“بالطبع لا.”
قرصت ميليا وجنتي بخفة بطرف أصابعها، ثم التفتت نحو وانشين.
“الآن تذكرت، سيدة وانشين، لقد اكتشفت شيئاً غريباً في الطريق إلى هنا.”
“شيئاً غريباً؟”
‘أخيراً جاء وقت الحديث عن هذا.’
تماسكت حتى لا ترتسم ابتسامة على شفتي وأنا أنظر إلى ميليا.
“في الطريق، لم نصادف أي عصابات من اللصوص. أليست عصابات اللصوص علامة مميزة لبايل؟ لقد استعددنا جيداً، لكننا لم نجد أحداً، فشعرنا بخيبة كبيرة.”
“هل هذا صحيح؟”
ارتسم خط ضيق واضح بين حاجبي وانشين وهي تسمع كلام ميليا.
“لا وجود للصوص… هذا أمر غريب. فالشتاء هو الموسم الذي تنشط فيه السرقات أكثر من غيره. لا بد من البحث عن السبب.”
ثم نهضت مسرعة من مكانها متجهة نحو باب الغرفة.
وهنا، تقلصت حاجبا ميليا هي الأخرى.
“ألا تودي الاستماع إلى المزيد؟ لقد قلت بوضوح إنني ‘اكتشفت شيئاً غريباً’.”
“آه، نعم. صدقتِ. تفضلي، قولي ما لديكِ.”
“لكن شرحي بالكلمات سيكون مزعجاً. ألن يكون أفضل لو رأيت بنفسك؟”
“بالطبع.”
أرسلت ميليا إشارة بعينيها نحو الخادم الواقف في الخلف.
“أحضره.”
“…أحضره؟”
بدت ملامح وانشين وقد غشاها الظلام كأنها استشعرت الأمر، بينما أومأت ميليا برأسها بهدوء.
“لقد عثرنا على سوين.”
وبعد قليل، فُتح باب الغرفة ودخل الخادم ومعه شخص آخر.
اتسعت عينا رينغ، التي كانت صامتة طوال الوقت منذ التحية، حتى صارتا كالبدر.
“أ… كيف…!”
تقدم السوين الذي دخل بخطوات واثقة هادئة، تنبعث منها هالة خفية من الثقة.
وعندما اقترب من الطاولة التي كنا نجلس حولها، جثا على ركبتيه أمام وانشين.
“قط الغابة النرويجي من عائلة
غراي، كونروا غراي، يمثل أمام سيدة عائلة وانشين.”
“كون!”
اندفعت رينغ باكية وهي تعانق كونروا الجاثي على الأرض بكل قوتها.
ابتسمت ميليا بخفة وهي تراقب المشهد.
“ظننت أنني جلبت هدية ستعجب سيستيا، لكن يبدو أنني التقطت شيئاً أثمن بكثير.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 53"