1
‘……وإن كرهوني هناك أيضًا، فماذا عساي أفعل؟’
بوجه كئيب، فكرت إيريكا.
كانت العربة تهتز بعنف فتتقاذف هي بجسدها النحيل يمينًا ويسارًا، غير أنّ ذلك لم يكن قادرًا على إيقاف أفكارها.
‘أنا خائفة. مرعوبة.’
كانت تعلم أنّ الطريق من قصر ماركيز بلانشيه إلى المعبد الأعظم في العاصمة ليس بعيدًا، لكنها كانت تتمنى لو يصلون متأخرين قدر المستطاع.
اهتزت العربة فجأة من جديد.
ارتطم وركها العاري بشيء ما خطأ، فكادت دموعها تترقرق في عينيها.
ربما لأن جسدها النحيل كان أكثر عرضة للألم، لكن المشكلة الحقيقية كانت في العربة نفسها؛ فلم تكن بجودة تليق بأن تُنسب إلى قصر ماركيز.
وفوق ذلك، بدا وكأن السائق يتعمّد اختيار أكثر الطرق وعورة، فاستمر الاهتزاز بلا انقطاع.
وكذلك استمرت مخاوف إيريكا بلا توقف.
‘هل أستطيع أن أنجح؟ ماذا لو ارتكبت خطأً ما……؟’
لم يكن سوى احتمال تخيّلته، لكنه كان كفيلًا أن يُسري برودة قاسية في عظامها.
تصبب العرق البارد من جبينها، فلصقت غرّتها المنمقة منذ الفجر على جبينها، متجاهلةً عنايتها بمظهرها.
لم تهدأ ارتجافات قلبها المضطرب.
‘هل سأصمد حتى النهاية؟’
كانت مهمة شاقة للغاية على فتاة صغيرة في مثل عمرها.
وربما لهذا السبب؟
بمجرّد أن أدركت خوفها، بدأ ما تبقى من ثقتها القليلة يتلاشى، وغزت رأسها أفكار سلبية متتابعة.
‘أ، ماذا أفعل؟ إن أخطأت، وإن انكشف أمري……!’
وفي يأسها أخذت تضرب رأسها بخفة على جدار العربة.
فجأة!
انقضّت يد ضخمة تمسك بقوة على كتفها النحيل.
“آه……!”
ارتاعت إيريكا وأفاقت على الفور.
التفتت بعينيها المتسعتين إلى جانبها، فإذا بوجه بونفيجو مزمجرًا حتى انقبض ما بين حاجبيه بعمق.
“ب، بونفيجو سيدة…….”
اهتز صوت إيريكا وهي تنطق باسمها.
يبست شفتاها من الجفاف، فقد كانت بونفيجو، رئيسة خدم القصر والمقرّبة من الماركيز، شخصيةً مهابة جدًا بالنسبة لها.
لم تحاول بونفيجو حتى إخفاء انزعاجها.
“يبدو أنك عازمة على فضح نفسك.”
لم يكن في العربة سواهما، إيريكا وبونفيجو. ومع ذلك، رمقتها الأخيرة بنظرات قاسية مفرطة.
تلعثمت الطفلة وهي تحاول التبرير بشفتين مرتجفتين:
“ل، ليس كذلك…….”
“تجادلينني؟ يبدو أنّ تلك العادة السيئة عادت مجددًا.”
اشتد قبض بونفيجو على كتفها.
“آه! أعتذر!”
انكمشت إيريكا وأطبقت عينيها بإحكام، فما كان من بونفيجو إلا أن أتبعت قبضتها بلهجة باردة:
“لقد علّمتك سابقًا أن التنهد عمل مبتذل. ثم عليك أن تجلسي باستقامة.”
“آه…… أ، أعتذر.”
لم يكن أمام إيريكا سوى مجاراة بونفيجو، رغم أنها مجرد رئيسة خدم. فهي تعلم يقينًا أنها، رغم ثياب السيدات التي ترتديها، ليست حقًا ابنة النبلاء.
ومع ذلك، لم يخفف اعتذارها من نظرات بونفيجو القاسية.
زاد صوتها الحاد حدةً، مما جعل إيريكا تنكمش أكثر.
“تذكري جيدًا، مرارًا وتكرارًا: أنت الآن تمثلين وجه عائلة بلانشيه. بل إن استطعتِ أن تنقشي ذلك في عظامك، فسيكون أفضل.”
“……نعم.”
أجابت إيريكا سريعًا، لكن بونفيجو لم تبدُ مقتنعة.
“بقبولك هذا الدور، صار عليك واجبات أيضًا. إلى أن يحين حفل بلوغك، عليك أن تؤدي دور الآنسة إيريكا الحقيقية على أكمل وجه، بحيث لا تُسببي أي حرج لسمعة عائلة بلانشيه.”
ثم أضافت بصرامة أشد:
“وعليكِ ألا تمنحي دوقية أكليف ولو ذريعة ضئيلة للانتقاد. هل فهمتِ كلامي؟”
“نعم، يا سيدتي بونفيجو.”
أجابت إيريكا مطيعة وهي تهز رأسها، لكن بونفيجو أطلقت شخيرًا ساخرًا.
“لا تهزي رأسك. فبنات الأسر النبيلة لا يرددن بهذه الفظاظة.”
فظاظة.
كان من الواضح أنها تعمدت نطقها لإذلالها. فتقوقعت إيريكا أكثر داخل نفسها.
قبضت على أطراف تنورتها بقوة، ثم تذكرت ثمنها الغالي، فارتخت أصابعها.
عوضًا عن ذلك، عضّت بشدة على لحم شفتيها الداخلية ثم أفلتته، قبل أن تهمس بصوت خافت بالكاد يُسمع:
“نعم. سأفعل ذلك.”
نقرت بونفيجو لسانها بضيق ظاهر، ثم عادت لتؤكد وصاياها:
“لا أعلم لماذا أصبحتِ أنتِ وجه عائلة بلانشيه، لكن ما دامت الأمور وصلت إلى هذا الحد، فلا مفر. رجاءً كوني على وعي بتصرفاتك.”
“……سأضع ذلك في الحسبان.”
كانت نبرة صوت إيريكا تزداد انكماشًا أكثر فأكثر.
خفضت رأسها إلى الأرض، وأجابت بصوت خافت يكاد يتلاشى.
وكادت من جديد أن تهز رأسها لا شعوريًا، لكنها أفاقت في اللحظة الأخيرة وشدت عنقها لتتوقف.
بونفيجو لم تبدُ راضية عن وجود إيريكا أصلًا، لكنها لم تجد مزيدًا من الذرائع لتؤنبها عليها.
“أحسني التصرّف.”
قالتها بصرامة وهي تُفلت كتف الفتاة.
رمقتها طويلًا بنظرات مليئة بالامتعاض، ثم حوّلت بصرها بعيدًا.
‘هاه…….’
آنذاك فقط، استطاعت إيريكا أن تستنشق بعض الحرية من قبضتها، فخفّ عنها التوتر قليلًا.
أخذت نفسًا عميقًا في صدرها، لكنها لم تجرؤ على إخراجه في تنهيدة، فاكتفت بابتلاعها في داخلها.
ألقت ببصرها نحو الأسفل، متفاجئة أنها طوال الوقت لم تكن تمسك بثوبها الثمين خشية أن يتجعد، بل كانت تكتفي بتحريك أصابعها المتشابكة بحذر.
وبينما هي كذلك، أخذت العربة تُبطئ من سرعتها شيئًا فشيئًا.
‘لقد وصلنا…… قرب المعبد الأعظم.’
أغمضت إيريكا عينيها بقوة ثم فتحتهما من جديد، وقد أدركت أنها بلغت النهاية.
‘لم يعد هناك مفر.’
نعم. في الحقيقة، كانت تعرف منذ أن صعدت إلى هذه العربة أن طريق الهروب لم يعد متاحًا.
‘لا بد أن أنجح، مهما حدث.’
رغم أن القلق المتأجج لم يزل جاثمًا في صدرها، إلا أنها ازدردت ريقها الجاف بهدوء محاولة أن تُقوّي نفسها.
فاليوم هو يوم زفاف إيريكا.
—
إيريكا بلانشيه.
الابنة الوحيدة لعائلة بلانشيه النبيلة.
لكنها وُلدت قبل الأوان، فلم تكمل شهورها كاملة، فجاءت ضعيفة منذ اللحظة الأولى.
ولأن ولادتها كانت عسيرة، فقد فارقت زوجة الماركيز الحياة وهي تضعها.
نالها والدها بعد عناء، فاحتضنها كل فرد في القصر بحرص شديد.
خشية أن تجرحها حتى نسمات الريح، ربّاها الجميع كما لو كانت جوهرة هشة، حتى صارت تكبر مدللة متعجرفة.
كانت قاسية إلى درجة يصعب تصديقها على طفلة في مثل سنها، فاستُبدلت مرضعاتها مرات لا تحصى.
ومع تغيّر المربيات باستمرار، فقدت الطفلة أي استقرار في حياتها.
إلى أن جاءت آخر من تولت رعايتها: مربية شابة من العامة تُدعى جوليا.
وهنا حصل أمر عجيب؛ فللمربية ابنة في عمر إيريكا بلانشيه تمامًا.
بل إن اسمها كان أيضًا “إيريكا”.
لذلك، كانت آنسة بلانشيه الصغيرة تمقت ابنة جوليا بشدّة.
“لا تجرئي على استخدام ذلك الاسم! إنه اسمي أنا! مثلكِ لا يحق لها أن تحمله!”
كانت حجة واهية يعرف الجميع بطلانها، حتى الطفلة نفسها.
لكنها كانت صغيرة مدللة، ولها أن تعاند.
ولكي يُرضي ماركيز بلانشيه ابنته الضعيفة المريضة، استدعى المربية وقال لها:
“جوليا. ما رأيك لو تُغيّرين اسم ابنتك؟ فالناس قد يخلطون بينهما. وهي ما تزال صغيرة، ستعتاد على اسم جديد بسرعة.”
كانت كلمات ظاهرها اقتراح، وباطنها أمر مقنّع.
“إنه الشيء الوحيد الذي تركه والدها لها. أعتذر يا سيدي، لا أستطيع.”
“سأعوّضك بما يكفي وأكثر. لماذا كل هذا العناد؟ مجرد اسم لا أكثر.”
“أعتذر، يا مولاي.”
لكن جوليا أصرّت على موقفها بصرامة، وألمحت أنها ستترك العمل إن أُجبرت على تغيير الاسم.
“تسفف…….”
زفر الماركيز بضيق. لكنه لم يستطع التفريط بها؛ فقد لاحظ مدى تعلّق ابنته بالمربية الجديدة، ورأى أن بقاءها بقربها سيكون أفضل لحالتها.
“لم أتوقع منك هذه الشدة. حسنًا، ابنتك ستظل تحمل اسمها. لكن على الأقل، لا تُثيري غضب ابنتي بذكره أمامها.”
“…….”
بعد تردّد طويل، أومأت جوليا بالموافقة.
“سأكون حذرة أمام الآنسة.”
ومنذ ذلك الحين، لم يُدعَ اسم الفتاة الحقيقي “إيريكا”، بل أصبحت تُنادى بألقاب مثل “ابنة المربية”، أو “ليري”، أو “ريكا”.
كانت الطفلة، ابنة المربية إيريكا، تشعر بمرارة كبيرة؛ إذ لم يعد أحد يناديها باسمها سوى والدتها جوليا.
ومع ذلك، لم يكن بوسعها سوى كتم استيائها في أعماقها.
فبيت الماركيز كان مكان عمل أمها، وهي نفسها لم تكن سوى عالة تعيش تحت سقفهم.
وهكذا مضت عدة سنوات تعيشها الفتاة هامسة الخطوات داخل قصر بلانشيه.
إلى أن جاء يوم ما.
“تقولين إن اللورد الماركيز يطلبني؟”
تلقّت إيريكا، ابنة المربية، استدعاءً مفاجئًا من ماركيز بلانشيه نفسه.
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات