كان يوم إثنين مشمسًا. رأت إيسِيلا أوليفيا تنزل الدرج، فتألّقت عيناها.
كانَ وجه أوليفيا، التي ترتدي فستانًا أخضر داكنًا، يبدو متحمّسًا بشكلٍ خاص اليوم. كانت هذه النظرة تظهر فقط في أيام الأربعاء عندما يكون لديها موعد مع وليّ العَهْد. قالت أوليفيا بلامبالاة:
“فقط، سأخرج قليلًا.”
“فقط؟ سيّدتي، لقد دعاكِ سموّ وليّ العَهْد لموعد خاص!”
تفاخرت سالي بدلاً من أوليفيا.
“يا إلهي! يبدو أنّ سموّ وليّ العَهْد يحبّكِ جدًّا، أختي. كنتُ أعرف ذلك!”
“ابتسامتكِ رائعة جدًّا! مع هذا، ألن يقع سموّ وليّ العَهْد في حبّكِ مجدّدًا؟”
“صحيح! ابتسامة السّيدة مثل الجنيّات!”
مع كلمات إيسِيلا المليئة بالحبّ و تأييد سالي المبالغ فيه، شعرت أوليفيا بالحرج ولم تعرف كيف تردّ.
في زاوية قلبها، ارتفعَ شعور ناعم و متلألئ، حار وحلو.
مثل… نعم، مثل حلوى القطن، حلو جدًّا.
تمنّت لو يراها ليوبولد بنفسِ الطريقة. تنهّدت إيسِيلا فجأةً وهي تنظر إلى أوليفيا بهدوء.
“أختي.”
“نعم؟”
“بالطبع، الألوان الداكنة جميلة عليكِ، لكن الألوان الزاهية و الفاتحة ستليق بكِ أيضًا. لنذهب معًا لتفصيلِ فستان في المرّة القادمة!”
أومأت سالي بحماس و أضافت:
“صحيح، يا سيّدتي. أنتِ تحبّين الألوان الداكنة، لكن الألوان الزاهية و الفاخرة ستبدو رائعة عليكِ.”
ابتسمت أوليفيا بغموضٍ وهي تلعب بحافة فستانها. تذكّرت جزءًا من ذكرى كتبتها في يوميّاتها عن ليوبولد.
“الأميرة ليست من النوع الزاهي.”
في يوم خطوبتها في الرابعة عشرة، قال ليوبولد ذلك وهي ترتدي فستانًا أبيض. عندما عادت إلى المنزل، خبّأت الفستان الأبيض كأنّها تغلقه، ولم ترتد ألوانًا زاهية بعدها.
“حسنًا، ماذا عن هذا؟”
فجأة، خلعت إيسِيلا قلادة مزيّنة بحجر ورديّ، و وضعتها على رقبة أوليفيا. قبلَ أن تتمكّن أوليفيا من الرّفض، دفعتها إيسِيلا نحوَ المدخل.
“انظري، أقول لكِ إنّ الألوان الزاهية تليق بكِ! استمتعي و أخبريني عن الموعد لاحقًا، حسنًا؟”
قبلَ أن تخرج من الباب، التفتت أوليفيا إلى إيسِيلا، وتحدّثت بعد تردّد:
“…شكرًا على إعارتي القلادة. سأعود بخير.”
ابتسمتْ إيسِيلا بحرارة. بينما كانت العربة التي تركبها أوليفيا تبتعد، لوّحت إيسِيلا بيدها وقالت لخادمتها الخاصّة، فيرونيكا:
“إعارتي القلادة لأختي سرّ. مفهوم؟”
إذا عرفَ إخوتها، سيغضبون مِن أوليفيا مجدّدًا.
سخرت إيسِيلا وهي تخطّط للمستقبل. قد تُعيقها تدخّلات إخوتها الآن، لكن إذا نجحت في حفل ظهورها الأوّل ، لن تفارق أختها أبدًا.
نظرت فيرونيكا إلى الآنسة المبتسمة ببراءة وابتلعت أنينها. الجميع يعرف الحقيقة، باستثناء إيسِيلا.
الحقيقة التي يجب ألّا تعرفها أبدًا.
“يجب ألّا تعرف إيسِلا أبدًا.”
كان أمر الدوق، الذي سمعته يوم أصبحت خادمة إيسِيلا الخاصّة، لا يزال يتردّد في أذنيها.
حتّى لو لم يكن أمرًا، لم تكن فيرونيكا تريد لإيسِيلا أن تعرف تلكَ الحقيقة. تلكَ الآنسة المشرقة لا يمكن أن تعرف ما حدثَ بسببِ أختها التي تثقُ بها و تحبّها.
* * *
كانَ مكان الموعد مقهى في شارع لوهارين. جلست أوليفيا في مكانها المخصّص و نظرت إلى القلادة. كان الحجر الورديّ اللامع جميلًا جدًّا.
هل يليق بها حقًّا؟
هزّت اوليفيا رأسها لطرد القلق الذي اجتاحها. قالت إيسِيلا إنّها تليق بها، فبالتأكيد ستبدو جيّدة في عيني ليوبولد.
كان هذا أوّل موعدٍ خارج القصر.
ارتفعت زاوية فمها وهي تتذكّر ليوبولد. قال إنّه يتطلّع لهذا اليوم.
تذكّرت محتوى البطاقة التي ظلّت تنظر إليها الليلة الماضية. لو كانَ كلّ يوم مثل اليوم.
فكّرت أوليفيا بهدوء. اللعب مع إيسِيلا، المواعدة مع ليوبولد، تناول العشاء مع العائلة، والدها و إخوتها يبتسمون لها.
انتشرت الأفكار السعيدة.
إذا كانت الخيالات حلوة هكذا، فكيف ستكون الحقيقة؟
ثمّ فُتح باب المحلّ فجأة.
“جئتِ مبكرًا، يا أميرة.”
دخل ليوبولد بخطواتٍ واثقة. كانت ملابسه الذهبيّة، التي تشبه شعره، تليق به جدًّا. شعرت أوليفيا بضيق في صدرها من السعادة.
كان أحلى من خيالها، مثل يوم حلوى القطن. ابتسمت أوليفيا بحرارة. في تلكَ اللحظة، تقوّست شفتا ليوبولد.
“أحيّي شمس الإمبراطوريّة الصغيرة.”
كانتْ أوليفيا مادلين تنظر إلى ليوبولد دائمًا هكذا.
عيون تقول إنّها تحبّه، وجه متلهّف يبتلع شكواه. لذا كانت امرأة سهلة في نظره.
نظر إليها ليوبولد بعيونٍ باردة. منذ خطوبتهما في سنّ الحادية عشرة، التي أُعلنت دون استشارته، لم يُعجب بها.
“سموّ وليّ العَهْد، لقد دفعَ فصيل العائلة الإمبراطوريّة بابنة مادلين الأولى كخطيبة لكَ. أنت تعرف، تلك الآنسة ذات العيون الخضراء. كيف يجرؤون على النّظرِ إليك هكذا؟”
لم تخطئ والدته، الإمبراطورة، في شيء.
كان الناس يسمّون أوليفيا نصف مادلين. لولا كون مادلين زعيم الفصيل الإمبراطوريّ، و لولا الحاجة لموازنة الفصيلين الإمبراطوريّ و النبيل، لما تمّت الخطوبة أبدًا.
تذكّر أوليفيا التي اقتحمت قصره الأربعاء الماضي. لم تكتفِ بأخذ مكان حبيبته ماريا إيتيل، بل سرقت وقتها معه أيضًا.
جلسَ ليوبولد بقوّة.
“أتعلم، صاحب السّمو. على الأقل اليوم، اقضِ وقتًا مع الأميرة. هناكَ علاقة مع مادلين، أليس كذلك؟”
تذكّر نصيحة مساعده في الطريق. كان يخطّط لقضاء الوقت معها لتهدئتها، لكنّ هذا القصد اختفى. ابتسم ليوبولد.
“أنتِ دائمًا مجتهدة.”
“آه، شكرًا…”
“كنتُ أنوي أن أصلَ مبكرًا اليوم لأنتظركِ مثل رجل نبيل، لكنّكِ تجعلينني دائمًا الشّخص المتأخّر.”
كان صوته الذي قاطعها مليئًا بالاستياء. نظرت أوليفيا إليه بدهشة. رفع حاجبه الوسيم بزاوية.
شعرت بقلبها يهوي. ما الخطأ؟
بدا وجه ليوبولد سعيدًا عند دخوله.
“لم أقصد ذلك. فقط أردتُ رؤيتكَ بسرعة.”
“هاها، كنتُ أمزح. أنتِ يريئة جدًّا.”
ضحكَ ليوبولد بحرّية و أومأ برأسه. اقتربَ خادم من الجدار و أعدّ إبريق شاي ساخن، أكواب، و معجنات على الطاولة.
بينما كان كلّ شيء يسير بسلاسة، كانت أوليفيا الوحيدة التي لا تستطيع مواكبة الجوّ.
هل كان يمزح حقًّا؟
نظرت إلى وجه ليوبولد بهدوء. رفع! كوب الشاي بحركة أنيقة.
“الرائحة جيّدة جدًّا.”
كانت تجاعيد جبين ليوبولد مسترخية. عندما التقت عيناهما، انحنت عيناه الزرقاء بلطف.
“يبدو أنّكِ تحبّين الحلويات.”
كانت تحبّها. حتّى قال ليوبولد في سنّ السابعة عشرة إنّها تبدو سمينة. لكنّها ابتلعت هذا و ابتسمت، لأنّ ابتسامته بدّدت قلقها في لحظة.
“شكرًا.”
نعم، لا بدّ أنّه كان يمزح. وإلّا، لم يكن هناكَ سبب ليتصرّف هكذا معها. تناول ليوبولد قطعة حلوى كريميّة و وضعها في فمه. بدا وجهه مسترخيًا وهو يمضغ الكريمة السكريّة المقرمشة.
ليوبولد، الذي لا يحبّ الحلويات، يطلب هذه الحلوى المقرمشة فقطْ مع الشاي الساخن.
لحسنِ الحظّ أنّها أخبرته مسبقًا. شربت أوليفيا الشاي براحة. كانت رائحة الشاي جيّدة اليوم.
تذكّرت فجأة عندما نقر لسانه. سمعت أنّ الماركيز إيتيل اشترى بستانًا جديدًا لزراعة التين، المفضّل لابنته الصغرى ماريا إيتيل. إذن… شعرت كأنّها تلقّت صدمة ماء بارد.
نظرت إلى ليوبولد.
ضيّق عيناه بلطف، لكنّ عينيه الزرقاء كانت تحدّق بها ببرود، كأنّه يتوقّع ردّ فعلها.
لم تستطع تمييز ما إذا كان الشاي في يدها ساخنًا أم باردًا. ما قصده؟ ماذا يريد من ردّ فعلها؟
حتّى الآن، لم يكن ليوبولد يحترم مواعيده، لكنّه كان لطيفًا. كان يرسل زهورًا وهدايا و بطاقات عندما يخلف وعده، و حرصَ على تخصيص هذا اليوم رغم انشغاله.
و الأهم:
“اسم جميل، أوليفيا.”
منذ عيد ميلادها التاسع، عندما التقيا أوّل مرّة، أظهر لها إخلاصًا رائعًا، الرّجل الذي تحبّه. لذا، كلّ ما استطاعت قوله:
“…يبدو أنّني أحبّ التين.”
تحدّثت أوليفيا بجفاف كأنّها تتحدّث عن شخصٍ آخر. أبعدت يدها عن كوب الشاي. تحتَ الطاولة، قرصت يداها بعضهما بألم.
“أليس كذلك؟”
مالَ رأس ليوبولد و كأنّه لا يعرف.
“…في موسم التين، أتناوله باستمتاع.”
ضحكَ ليوبولد كأنّه توقّع ذلك. شعرتْ بحرارة في عينيها.
خافت أن تصبح رؤيتها ضبابية، فغرست أظافرها في يدها بقوّة. خافت أن تظهر بشكلٍ قبيح لو استرخت للحظة.
استقامت أوليفيا.
“أوليفيا.”
“نعم، سموّك.”
كانَ صوتها قاسيًا. لحسن الحظّ، لأنّ البكاء سيكون الأسوأ.
“خدّاكِ بلا حياة. هل أنتِ مريضة؟”
كان القلق في نبرته واضحًا. ارتجفت أصابعها، لكنّها لم تشعر بالألم.
“تبدينَ متعبة. لننهِ الأمر اليوم.”
كانَ هذا هو قصد ليوبولد اليوم. رمشت أوليفيا بسرعة. شعرت أنّ رموشها الملفوفة ستنهار رطبة. وضع الخادم مربّى التين على الطاولة. عند رؤيته، ضحكت بسخرية.
“بالطّبع.”
“ماذا؟”
“…سموّك لطيف جدًّا.”
لكنّ هذا اللّطف لم يصل إليها، وهذا مؤسف. ابتسمت أوليفيا بلطف.
عبس ليوبولد.
أشارت أوليفيا برأسها إلى الخلف.
بينما كان الجميع، بما في ذلكَ الكونت هاجيس، ينحنون، كانَ أصغر خادم ينظر إليها كأنّه يتفرّج، ثمّ أنزلَ رأسه بسرعة.
“لقد خصّصتَ وقتًا لي. لذا، لا داعي لإرسال زهور اليوم.”
كانَ هذا آخر كبريائها. لم تعد تريد أن يتمّ مواساتها بالزهور.
“زهور؟ هل تقولين ذلك لأنّكِ تريدين منّي إرسالها؟”
عندما ضحكَ ليوبولد، شعرت أوليفيا أنّ شيئًا ما خطأ مرّةً أخرى.
“أيّ زهرة تريدينها لتتحدّثي بهذا الوضوح، يا أميرة؟”
بدت كلمات ليوبولد بطيئة. كانت الزهور منه. أو هكذا ظنّت، و لم تشكّك في ذلكَ أبدًا.
كانت من القصر، مع هدايا ثمينة و بطاقات.
لم تستطع التحكّم في تعبيرها.
لحسنِ الحظّ أو لسوئه، لم يكن ليوبولد، الذي نهض من مقعده، مهتمًّا بها. ابتسمَ بلطف عندما رأى أنّها لم تنهض.
“يا للأسف، خطيبتي ضعيفة الجسم. استرحي قليلًا قبل أن تغادري. و أوليفيا، إذا أردتِ زهورًا، تعلّمي الانتظار حتّى أرسلها، كما تفعل السيّدات. بالمناسبة…”
فجأةً، انحنى ليوبولد نحو أوليفيا. لمس يده البطيئة حجر القلادة.
“ألم أقل أنّ الألوان الزاهية لا تليق بكِ؟”
شعرتْ بالوهن من صوته اللّطيف المزيّف. استدار ليوبولد.
في لحظة، خرجَ الجميع كالمدّ. عندما أُغلق الباب، بقيت أوليفيا وحيدة في الصالون.
في هذا الهدوء، كبحت شعورها بالبؤس وفكّرت في الحقائق.
الهدايا الثمينة التي وصلت مرارًا، الزهور التي ملأت غرفتها، معاني الزهور و الكلمات الرقيقة في البطاقات، لم تكن من ليوبولد.
خرجت ضحكة مكتومة من شفتيها. هذا الصباح كان مثل حلوى القطن، لكنّها شعرت الآن كأنّها غارقة في الوحل.
كانت منهكة، بل شعرت بدمها يبرد.
الزهور والبطاقات التي ظنّتها لطفًا كانت كذبة. كلّ الوقت الذي أمضته لأجلِ ليوبولد تمّ إنكاره.
حتّى تشجيع إيسِلا بالقلادة أُهمل.
وسط العواطف المتدفّقة، ركّزت أوليفيا على رؤيتها الضبابيّة.
“لا تبكي كالأغبياء، أوليفيا مادلين.”
تمتمت داخليًّا.
يجب أن تكوني هادئة.
عليها أوّلًا معرفة من تجرّأ على هذا الاستفزاز
رمشت عيناها المبلّلتان، فتألّقت عيناها الخضراوان. نهضت أوليفيا و اتّجهت إلى باب الصالون. بينما كان كعبها يصدر صوتًا منتظمًا، نظّمت أفكارها المضطربة.
لم تمرّ نصف ساعة من وقت الموعد.
أعطت سالي بعض النقود لتستمتع، وزطلبت من السائق العودة بعد ساعات.
كان الحارس المخفيّ هو الوحيد المتبقّي.
استئجار عربة المقهى قد يثير الشائعات، و انتظار عربة خاصّة سيستغرق وقتًا.
طريقة للذّهاب إلى قصر وليّ العَهْد دون أن يعرف أحد… عندما فتحت أوليفيا الباب لتغادرَ الصالون:
“آنسة؟”
تردّدَ صوتٌ مألوف في الرواق.
“كيف نلتقي هنا؟”
كان ذلكَ الرجل.
شعر أسود وعيون حمراء، رجل بريء للغاية.
ابتسمَ بعيون متسعة كأنّه لا يصدّق هذا اللقاء. إذا كانت تلكَ الابتسامة البريئة…
“…قلتَ إنّك ستقدّم لي هديّة، أليس كذلك؟”
تشقّق صوت أوليفيا قليلًا. تفحّصها الرجل بعيون حادّة. عندما رأى أثار أظافرها الحادّة على يدها، بردت عيناه الياقوتيّتان للحظة.
“…بالطّبع، يا آنسة. ماذا تريدينني أن أفعل؟”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 8"