دفعَ هاورد ديان بخفّة. بعد زيارة الدّوق الأكبر وأميرة مادلين، عادَ ميدان التدريب إلى صخبه المعتاد. لكن ديان، بدلاً من الانضمام إلى الجو الصاخب، وقف يحدّق باتجاه القلعة الرئيسية حيث اختفى الدّوق الأكبر و “الأميرة”.
بعيون بنية مصدومة، نظرَ ديان إلى القلعة وكأنه لا يصدّق.
“…تشرفت بلقائكِ ، يا آنسة. أنا ديان سيجلين، فارس فيكاندر الذي أقسم الولاء لسموّ الدّوق الأكبر.”
خلال تدريب الصباح، وقفَ ديان أمام الأميرة و أدى التحية بأدب، تاركًا الفرسان المصطفين خلفه. اتسعت عينا الأميرة الخضراوان قليلاً. يبدو أنها تتذكر التقـاء أعينهما اللّيلة الماضية.
كان كبح غضبـه و تحيتـه لها يستحق العناء.
أوليفيا مادلين.
الأميرة الأولى لعائلة الدّوق مادلين، زعيم فصيل الإمبراطور، و خطيبة وليّ العهد.
وأيضًا، أخت جايد مادلين، نائب قائد فرقة الفرسان الثالثة في القصر الإمبراطوري، والذي كان خارجًا عن السيطرة.
و…
…ابنة غير شرعية متعجرفة و متهورة، ذات عيون خضراء رمز الراقصات الدنيئات، تنظر إلى الآخرين بتكبّـر.
لم يخبر أحدًا، لكن ديان كان يعرف عن أوليفيا مادلين أكثر من أي شخص آخر.
في العاصمة، كان يرتجف من الغضب، لكنه كان يجمع معلومات عنها سرًا من خلال صحف العاصمة في الأيام التي كان يزور فيها الحانات.
لذلك، لم يكن ديان يثـق بالأميرة.
أميرة تحبّ ولي العهد لدرجة أنها تتغاضى عن عشيقته، ثم تغيّـر موقفها فجأةً و تأتي إلى فيكاندر مع الدّوق الأكبر.
بالتأكيد هي تخطّط لمكيدة خبيثة.
و علاوةً على ذلك، وفقًا للشائعات، كان من المفترض أن تتصرّف الأميرة الآن بوقاحة تجاهه.
تمنّـى ديان أن تغضب الأميرة منه بشدّة. لكي تسقط الغشاوة عن عيني الدّوق الأكبر المحترم تجاهها.
“تشرفت بلقائكَ، السير سجلين.”
لكن عندما تحدثت الأميرة، عبسَ ديان للحظة. على عكس توقعاته، كانت تحية مهذبة و موقّرة.
هذا ليس صحيحًا.
نظرَ ديان إلى الأميرة دونَ وعي. في تلكَ اللحظة، شعر و كأن أنفاسه توقّفت فجأة.
كانت العيون الخضراء التي تنظر إليه تحمل هيبة لا يمكن لأحد التلاعب بها. كانت تلكَ العيون تقول له بوضوح:
“أتطلع إلى تعاوننا في المستقبل.”
تعاوننا؟ ماذا تعني؟ أخفض ديان رأسه بسرعة دون وعي.
ديان سجلين، الذي لم ينحنِ أبدًا لأحد سوى الدّوق الأكبر و بيثاني و أخته ديزي، ينحني أوّلاً!
عندما رفعَ رأسه متأخرًا، مدركًا أن ذلكَ كان تصرفًا مخزيًا، كان الدّوق الأكبر و الأميرة قد دخلا القلعة بالفعل.
فقط عندها شعرَ ديان بالعار يجتاحه، فتنهّـدَ و حدّق بالقلعة.
يا لها من ساحرة مخادعة!
“يا إلهي، ما هذا الـ….. آه!”
قبل أن يكمل كلامه، أمسكَ ديان مؤخرة رأسه المؤلمة. لم يكتفِ شيء قوي بضربه، بل ركل ركبتيه بقوّة أيضًا.
في لحظة، سقطَ ديان على الأرض في ميدان التدريب، وظهر ظل ثقيل فوقه.
“كُـن حذرًا في كلامكَ عن السيدة.”
كان هاورد.
رمشَ ديان بعينيه.
إذن، الشخص الذي ضربه الآن هو السير إنترفيلد؟
رمى هاورد، بوجهه اللامبالي المعتاد، القفاز الضخم الذي كان يحمله. تردّد صوت “بام!” من شخصٍ ما.
فقط عندها استيقظ ديان. بحركة سريعة، نهض و انخفض جسمه، محدقًا في هاورد.
عند رؤية ديان يتخذ وضعية قتالية غريزيًا، ابتسم هاورد بخفة و هـزّ كتفيه.
كما هو متوقع، كان للدّوق الأكبر عين ثاقبة. لقد جنّـد مقاتلين مميزين في ساحات المعركة لتعزيز قوة عائلة الدّوق الاكبر، وحتى الشّخص الذي التقطه وهو يحتضر كان مليئًا بالشراسة.
الآن، أصبح طول ديان و بنيته مماثلين لهاورد. لكن في عيني هاورد، لا يزال ديان كما كان عندما رآه أول مرّة.
جسد نحيف لدرجة أن ضلوعه كانت تظهر مع كل نفس. كدمات صفراء في كل مكان. و عيون خضراء باهتة تغلق ببطء. كان الأوغاد الذين أحاطوا بديان يصرخون وهم يفرون:
“يا للعار، عيون خضراء دنيئة، كيف تجرؤ على التبجح! ألم تترككَ والدتكَ لأن عينيكَ خضراوان؟”
عندما زأر ديان بهدوء، خرجَ هاورد من أفكاره و نظر إليه. كانت عيناه البنيتان تتوهجان بشراسة تحت حاجبيه المرفوعين.
“الآن، الأميرة…”
“ليس أميرة، بل السيّدة.”
لكن لا يوجد سبب يجعل هاورد يتساهل معه فقط لأن ماضيه كان بائسًا. خاصّة إذا كان هذا الشخص يرتكب خيانة ضد السيدة التي أقسم الدّوق الأكبر الولاء لهـا.
…خاصة الآن بعد أن قررتُ أنا أيضًا أن أقسم الولاء للسيّدة.
حرّك هاورد أصابعه.
في نفس اللحظة، احمرّ وجه ديان المسمر تحت شعره الأحمر.
تشكل جو مشحون على الفور. على عكس أنفاس ديان الغاضب، بردت عيناه البنيتان.
سرعان ما تجمّع الناس في دائرة حول هاورد و ديان في ميدان التدريب.
قال أحدهم لفارس متدرّب بغطرسة:
“انظر جيدًا. قتال السير إنترفيلد و السير سيجلين بالأيدي هو قتال حقيقي.”
“مستحيل. أليس السير سجلين تلميذ السير إنترفيلد؟ هل سيكون قاسيًا إلى هذا الحدّ؟”
ارتجف الفارس المتدرب و هو ينظر إلى الفارس الأعلى رتبة.
في نفسٌ اللحظة، وهو يرى السير سجلين يندفع كما لو كان سيقطع جيش هيفيرتي، أدرك الفارس المتدرب أنه يجب عليه تصحيح تفكيره.
مزاج ديان الناري، الذي قيل إنه هاجم جيش هيفيرتي بشراسة في ساحة المعركة، كان ينطبق حتى على السير هاوارد إنترفيلد المرعب.
* * *
ترددت أصوات صاخبة من ميدان التدريب الذي تركوه خلفهم.
عند دخولها حديقة القلعة، التفتت أوليفيا للحظة.
رأت غبار الرمل يدور كالإعصار مع الريح. وسط التشجيع الحماسي، سمعت أسماء هاورد و ديان بشكلٍ عابـر.
على عكسِ تعبيره البريء، كانت عيناه الحمراوان غارقتين بعمق و تجذبان نظر أوليفيا بإصرار.
“إذا كنـتِ مهتمة بالفرسان، فهناك واحد بجانبكِ بالفعل، أوليفيا.”
كان صوته ساحرًا لدرجة أنه جعلَ أذنيها ترتجفان.
كانت نظرته إليها حلوة للغاية.
تذكرت أوليفيا اللّيلة الماضية دونَ وعي.
تحت نظرته العميقة التي أشعلت الحرارة، نظرت أوليفيا إلى مكانٍ آخر و أجابت:
“…حسنًا، لكن الفارس الذي بجانبي مهتمّ بي بالفعل بما يكفي ليجعلني واثقة من نفسي.”
على عكسِ نبرتها المتظاهرة بالثقة، احمرّت وجنتاها بلون الخوخ.
و إدوين ، أحـبّ هذا الجواب كثيرًا.
أخيرًا، أظهرت هذه السيدة المتشككة أنها تثـق بقلبـه و مشاعره، و لو بشكلٍ غير مباشر.
كبـتَ إدوين ضحكته و صنـعَ تعبيرًا متألمًا.
“هل هذا يعني أنّـكِ لن تطعمي السّمكة التي اصطدتِهـا بعد الآن؟”
“مستحيل. لكنني أريد أن أحـبّ كل و جميع مـنْ يعيشون في فيكاندر، حيث تعيش سمكتي و… آه!”
فوجئت أوليفيا، و اتّسعت عيناها، بينما كانت تـردّ على إدوين.
أمسكَ إدوين يـدها التي لوّحت بها دونَ قصد.
على الرّغمِ من أنها اليـد التي يمسكها دائمًا أثناء مرافقتها، شعرت و كأنها المرة الأولى التي يمسكها بها، فقفـز قلبها بقوة.
شعرت أنّ يـد إدوين دافئة بشكلٍ غريب.
ليس وكأنني لا أزال أعاني من آثار الثّمالة. لقد تناولت حساء الطماطم في الصباح الباكر.
حتى لو حاولت التّفكير بشيء آخر، ظلت يـد إدوين و نظراته تشغلانها. عندما التقت أعينهما، ابتلعت أوليفيا نفسًا زائفًـا. تحدث إدوين بنبرةٍ مرحة:
“لماذا عيناكِ تبدو كعينيّ أرنب مفزوع؟”
“لأنّـكَ أمسكتني فجأة.”
“و هل هذا يزعجـكِ؟”
مع صوته المليء بالقلق، بدأت يـده القوية التي كانت تمسكها تفقـد قوتها. شعرت أوليفيا بالأسف على يـده التي تراجعت و كأنها ستنسحب، فأمسكت بها بسرعة.
عندها، انحنت عينـا إدوين بلطف.
“كنتُ أعلم أنّـكِ ستعرفين كيف تسيطرين عليّ بسهولة كهذه.”
السّيطرة عليه بسهولة؟
قلبي كان يخفق بقوة و أنفاسي متقطعة.
لكن بدلاً من الكلام، نفخت أوليفيا شفتيها. فقال إدوين:
“أنا أرحّـب بحبّـكِ لفيكاندر.”
“…..”
“لكن بقدر ما تهتمين بإقليم فيكاندر، أظهري اهتمامًا بهذه السّمكـة التي اصطدتِهـا.”
في كل مرّة تلتقي فيها عيونها بنظرته العميقة، كانت خدود أوليفيا تحمرّ.
كانت يدهـا الصغيرة التي ترتجف في يـده محبوبة بشكلٍ لا يصدق. على الرّغمِ من علمـه أن هذه السيدة الشبيهة بالأرنب قد تهرب، قـرّر إدوين اللعب بمكر.
“…من أجل أن أوضّـح الأمر أكثر لسيّدتي الخجولة.”
جـذب إدوين يـد أوليفيا إليه. عندما اتسعت عيناها الخضراوان المذهولتان، قبّـلَ إدوين معصمها الناعم حيث كان نبضها يخفق بسرعة.
صوت شفتيـه التي لامست بشرتها بدا مثيرًا بشكلٍ غريب.
ثمّ ، أخفضَ إدوين عينيـه و تـركَ أوليفيا.
“كنـتُ أطلبُ منـكِ أن تظهري مودّتـكِ لي كما ينبغي.”
كانت هناك لمسـة من الإغراء على طرف شفتيـه. تردّد صوته الهادئ في أذنيها.
جذبت أوليفيا ذراعها، التي أفلتت من يـد إدوين، إلى صدرها، و شعرت أن الجلد الناعم فوق نبض معصمها يحترق.
دونَ أن تعرف ماذا تقول، استدارت أوليفيا.
أسرعت في خطواتها الأنيقة، التي تليق بأميرة، نحو قصر الدّوق الأكبر.
لم تلاحظ الخدم و الخادمات الذين ينحنون لها وهي تمـرّ، و عندما ركضت، سمعت ضحكة كبيرة من الخلف.
…
“سيدتي؟”
نادتها بيثاني، التي كانت جالسة على الشرفة، بوجه متعجب. من بين الاثنين اللذين خرجا معًا بعد الإفطار لمشاهدة الفرسان، عادت السّيدة وحدها بوجهٍ أحمر.
“نعم؟ آه، بيثاني.”
كان وجهها الأبيض الجميل يبدو مرتبكًا و متحمسًا.
ليس من المفترض أن تكون الحرارة هي السبب في هذا الشمال البارد. اشتبهت بيثاني، لكنها سرعان ما أدركت السبب و ابتسمت بخفّـة. كما توقعت، كان صوت ضحك إدوين يتردّد من بعيد بمرح.
لكن بيثاني، بصفتها شخصًا بالغا حكيما، تظاهرت بالجهل و سحبت كرسي أوليفيا.
جلست أوليفيا و هي تهوّي نفسها بيدها بينما تتظاهر بشعورها بالحرّ.
“هل رأيتِ فرسانًا مناسبين للحراسة؟”
“آه، نعم.”
صحيح.
تذكرت أوليفيا السّبب الذي جعلها تذهب لرؤية الفرسان.
“تفقد الإقليم أمر جيد. لكن، اخرجي فقط مع خادمة شخصية و فارس مرافق للحراسة.”
تذكرت كلام إدوين أثناء الإفطار، فشعرت بحرارة غامضة تتدفق إلى خديها. سعلت أوليفيا، وشعرت بنظرات بيثاني الغريبة، فتمتمت لنفسها:
“لكن، كيف يتم تعيين الخادمة الشخصية؟ أنا لست دوقة كبرى رسميًا بعد، لذا سيكون من الغريب قبول سيدة من عائلات الأتباع.”
عادةً ما تكون الخادمة الشخصية للدّوقة الكبرى من بنات عائلات الأتباع. لكن أوليفيا كانت تعلم جيدًا أن عائلات أتباع الدّوق الأكبر قد انقرضت تقريبًا خلال الحرب التي مات فيها الدّوق الأكبر السابق.
إذا تحدثت بحذر، ربّما ستقف بيثاني إلى جانبها عندما يأتي إدوين لاحقًا…
“إذن، يمكنني أن أكون خادمتكِ الشخصية أيضًا!”
صفقت بيثاني بحماس، فرمشت أوليفيا بعينيها.
“لكن، بيثاني، أنـتِ مدبرة المنزل وساحرة الشمال…”
آه، و هناك شيء آخر.
“…و المسؤولة عن التطريز أيضًا.”
لكن هـزت بيثاني رأسها كما لو أنه لا مشكلة.
“لا تقلقي. أنا في الأصل جئت إلى فيكاندر كخادمة شخصية للدّوقة الكبرى السّابقة.”
الدّوقة الكبرى السابقة.
آخر أميرة في إمارة لويل المنهارة.
كانت قصص الإمارة تُعتبر من المحرمات بشكلٍ عام.
سمعت أن سبب خروج الدّوق الأكبر السابق إلى ساحة المعركة كان بسببِ الدّوقة الكبرى السابقة.
صمتت أوليفيا عندما مـرّت هذه القصة بذهنها. سرعان ما ابتسمت عينا بيثاني الرطبتان.
“…بالمناسبة! سيدتي، ماذا عن الفارس المرافق؟ سمعت أنّـكِ كنتِ مرتاحة مع وينستر في العاصمة. هل نضع هاوارد كحارس مؤقت حتى يعود؟”
لم تسأل أوليفيا عن الدّوقة الكبرى السابقة عمدًا. بدلاً من ذلك، نظرت إلى وجه بيثاني المليء بالحنين و ضحكت مازحة.
“أريد أن أكون على وفاق مع الجميع.”
مالت بيثاني رأسها بتعجب.
ما علاقة التوافق مع الجميع باختيار فارس مرافق لها؟
ثم نظرت إلى أوليفيا بعينين متشككتين.
ابتسمت أوليفيا وأومأت برأسها كما لو أنها أصابت الهدف.
“أفكّـر أن يكون لي فارس مرافق بالتناوب.”
“فكرة جيدة، سيدتي؟”
“و لنبدأ بالسير سجيلين.”
ابتسمت أوليفيا و نظرت نحو ميدان التدريب.
عندما تذكرت ديان سيجلين وهو يحدق بها، سمعت صرخة من بعيد.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 46"