✧إذن ، لمناداةِ الاسم ✧
ـــــــــــــــــــــــــــ
“ما رأيكِ في هذا الفستان؟ إنه فستانٌ مستوحى من بتلات التّوليب الأحمر.”
ما إن انتهت السيدة بلوتو من كلامها حتى جلب الموظفون فستانًا جديدًا. كان فستانًا جميلًا يشبه بتلات الزهور الحمراء المبللة بالماء وهي تتفتّح.
“سنشتريه أيضًا.”
ما إن رأى إدوين الفستان حتى قال ذلك. أضاءَ وجه السّيدة بلوتو، بينما ازداد شحوب وجه أوليفيا أكثر.
كانت الفساتين التي تمّ اختيارها للشراء مكدّسة بالفعل. وكلّها من مجموعة السّيدة بلوتو الفاخرة.
كانت أوليفيا تعرفُ جيدًا أنّ مجموعة الفساتين الفاخرة أغلى بخمسِ مرّات من المجموعة العادية.
فقد كانت تطلب أحيانًا فساتين للمناسبات الرسمية في القصر من متجر السّيدة بلوتو.
“سموّك.”
“ألا يوجدُ فساتين أخرى؟”
تجاهل إدوين نداء أوليفيا وتحدّثَ إلى السيدة بلوتو. ابتسمت السّيدة بلوتو ابتسامةً عريضة.
لكن هذا كان أكثر من اللازم. نادت أوليفيا إدوين بنبرة حاسمة كإنذار أخير:
“إدوين.”
تجمّدَ إدوين للحظةٍ عند هذا النّداء الهادئ. استغلّت أوليفيا الفرصة وتحدّثت إلى السّيدة بلوتو:
“سيّدتي، أعتقد أننا بحاجةٍ إلى المزيد من الشاي. هل يمكن أن يكون شايًا ساخنًا، من فضلكِ؟”
“بالطبع. قد يستغرق تحضير الشاي الساخن بعض الوقت. أرجوكِ، خذي وقتكِ في اختيار الفساتين.”
لحسنِ الحظ، كانت السّيدة بلوتو سريعة البديهة.
غادرت مع الموظفين، تاركةً غرفة الاستقبال الفاخرة خالية إلّا من إدوين وأوليفيا و وينستر الذي كان يقفُ عندَ الباب كحارس.
ألقت أوليفيا نظرةً خاطفة على وينستر. كان وجهه، الذي كان يبتسمُ كما لو كان يراقب شيئًا ممتعًا، قد تجمّدَ فجأةً كوجه فارس.
تظاهر وكأنّه لم يفكّر أبدًا في شيءٍ آخر، لكن أوليفيا لم تنخدع.
“السّير كالتر، هل يمكنكَ مغادرة المكان للحظة؟”
عندما نُودي باسمه مباشرةً، نظر وينستر إلى أوليفيا بوجهٍ مليء بالتردّد. من الواضحِ أنّ شيئًا ممتعًا سيحدث الآن!
لكن، حتّى دونَ النّظر إلى عيني الدوق الأكبر المتّقدتين بجانبه، كان هناكَ شيء في كلام هذه الفتاة الصغيرة يجعل من الصّعب عصيانها.
“… حسنًا، سأنتظرُ بالخارج.”
عندما غادرَ وينستر غرفة الاستقبال، استدارت أوليفيا نحوَ إدوين. نادت إدوين بلطفٍ كما لو كانت تهدّئه:
“إدوين.”
“ماذا، يا آنسة؟”
على عكسِ نبرته اللطيفة المعتادة، كان صوته متذمّرًا بعضَ الشيء. لكن، على الرّغمِ من ذلك، ارتفعت زاوية فمه الوسيم قليلاً.
حاولَ.إدوين، بتنحنح، التحكّم في تعابيره، لكن الأمر كان واضحًا بالفعل.
ضحكت أوليفيا بخفّة.
“إذا كنتَ ستضحك، فاضحك. لمَ تضع تعبيرًا مخيفًا كهذا؟”
“تعبير مخيف؟ أنا فقط أُظهر بعضَ الاستياء.”
رسمَ إدوين تعبيرًا مظلومًا.
“إذا شعرتُ بالاستياء مرّةً أخرى، ستشتري المتجر بأكمله؟”
“فكرة جيّدة، أليس كذلك؟”
لمعَت عينا إدوين كما لو أنّه أدركَ شيئًا للتو. عندما رأت أوليفيا أنّ تعبيره جادّ، هزّت رأسها بسرعة.
“لقد أخطأتُ في الكلام. لا أحتاج إلى هذا العدد من الفساتين.”
خاصّة إذا كانت فساتينَ رائعة وجميلة مثل هذه.
من الفستان الوردي بكشكشاته الزهرية إلى الفستان الأزرق الداكن و الفضي المستوحى من درب التبانة، والفستان الأبيض الأنيق المرشوش بمسحوق اللؤلؤ.
كانت هناكَ أكثر من اثني عشر فستانًا مصطفّة.
لكن، على الرّغمِ من كلام أوليفيا، رفعَ إدوين كتفيه.
“هاه، أين ذهبت تلكَ الجرأة التي قلتِ فيها إنّكِ ستختارين الأفضل فقط؟”
“آه، هذا…”
“حتّى عندما طلبتُ منكِ أن تخبريني عن ذوقكِ، لم تركّزي.”
تحدّثَ إدوين بنبرةٍ متذمّرة. شعرت أوليفيا بلسعة في ضميرها.
كان كلامه صحيحًا.
على عكسِ إدوين المتحمّس منذُ دخولهما، لم تكن أوليفيا تنظر إلى الفساتين بعناية و كانت شاردة.
كانت زيارة متجر السّيدة بلوتو دونَ حجزٍ مسبق أمرًا صعبًا للغاية، ومع ذلك، كانت تنظر إلى الفساتين بلا مبالاة.
تذكّرت أنّها كانت تُومئ فقط عندما اقترحَ إدوين رؤية مجموعة الفساتين الفاخرة، فلم تجد أوليفيا ما تقوله.
شعرت بالذنب، فبدأت أوليفيا تلعب بأصابعها. ماذا يجب أن تقول أولاً؟
في الحقيقة، ما إن رأت متجر السّيدة بلوتو حتى تذكّرت إيسيلا، فلم تستطع التركيز. ظلّت تفكّر أنّ الخيّاطة كانت قد ذهبت إلى قصر الدوق بالتأكيد.
لكن قبل أن تفتح أوليفيا فمها، سمعت ضحكة ناعسة.
“لا يمكنني حتّى التذمّر معكِ. لمَ تضعين تعبيرًا نادمًا كهذا؟”
“… أنا حقًا آسفة. لم أكن شاردة عمدًا، لكن أفكارًا أخرى ظلّت تتسلّل إليّ، فلم أستطع التركيز على الفساتين.”
اعترفت أوليفيا كما لو كانت تُفرغ ما في قلبها. مال إدوين برأسه للحظة، ثمّ ظهرَ القلق على وجهه.
“هل هناك مشكلة ما؟ لم تكذبي عندما قلتِ إنّكِ لستِ متعبة، أليس كذلك؟”
“لا، هذا صحيح. أنا لستُ متعبة. فقط…”
تردّدت أوليفيا للحظة. شعرت أنّ التّفكير في أختها حتّى بعد مغادرتها قصر الدوق قد يكون أمرًا مضحكًا.
لكن بالنسبة لها، كانت إيسيلا مميّزة.
“إذا لم ترغبي في التحدّث، لا بأس. هل نكمل اختيار الفساتين؟”
بينما كان إدوين يحاولُ تغيير الموضوع بلطف، فتحت أوليفيا فمها ببطء.
“… قبل أن أغادرَ قصر الدوق، كنتُ قد حجزتُ فستانًا لأختي في متجر السّيدة بلوتو. تذكّرت ذلك فجأةً”
“… كما في المرّة السابقة، يبدو أنّكِ تهتمين بأختكِ كثيرًا.”
بدلاً من الردّ، ابتسمت أوليفيا بضعف.
كان عليها أن تقلّل تدريجيًا من التفكير في إيسيلا.
شعرت بمرارة ثقيلة لأنّها لم تعد قادرةً على القيام بالأمور التي كانت تفعلها كجزءٍ من حياتها اليوميّة.
لاحظَ إدوين تعبيرها، فتحدّثَ بمزاح أكثر:
“… ماذا لو بدأتِ تهتمين بي أكثر قليلاً؟ انظري، كدتُ أشعر بالاستياء لأنّكِ لم تنظري إليّ، لكن كلمةً واحدة منكِ جعلتني أهدأ هكذا.”
تظاهرَ إدوين بالتذمّر، لكنّه ابتسمَ بعينين منحنيتين بلطف. نظرت إليه عيناه الحمراوان بدفء.
ضحكت أوليفيا دونَ وعي، ثمّ فتحت عينيها على وسعهما في تلكَ اللحظة.
“الآن وقد ذكرتَ ذلك، إدوين، أنتَ لا تناديني باسمي؟”
رمشتْ أوليفيا بعينيها بعد أن قالت ذلك دونَ تفكير.
الرّجل الذي طلبَ منها أن تناديه باسمه لم ينادِها باسمها أبدًا.
ما هذا؟
ضيّقت أوليفيا عينيها ونظرتْ إلى إدوين. لكن إدوين رفعَ كتفيه بلا مبالاة وقال:
“هذا لأنّكِ لم تسمحي لي أو تطلبي مني أن أناديكِ باسمكِ.”
“متى أنا…”
توقّفت أوليفيا عن الكلام فجأةً. عندما فكّرت في الأمر، لم يطلب منها أحد أبدًا إذنًا لمناداتها باسمها. لم يكن هناكَ أحدٌ يطلب إذنًا لنداء اسمها من قبل.
شعرت بخدّيها تتدفّقان فجأةً. لا، ربّما كان قلبها هو الذي يشعر بالوخز.
“حسنًا، كان يمكنكَ مناداتي باسمي مباشرةً.”
على الرّغمِ من كلامها المتردّد، نظرَ إدوين إليها بجديّة وهزّ رأسه بلطفٍ وهو يبتسم.
“لا يمكنني فعلُ ذلك. ألم أقل إنّني مستعدّ لفعلِ أيّ شيء من أجلكِ؟ لكن، بعبارةٍ أخرى، إذا لم تخبريني بما تريدين، لا يمكنني فعل أيّ شيء.”
“… أنتَ ماكر.”
“ماكر؟ أنا لستُ قارئ أفكار.”
رفعَ إدوين كتفيه و ضيّقَ عينيه. مع ابتسامته الساحرة، أشاحت أوليفيا بنظرها.
تبعتها عيناه الحمراوان المليئتان بالتوقّع بعناد.
“يبدو أنّكِ تريدين شيئًا الآن. ألن تخبريني؟”
كان صوته النّاعس يتوسّلها في نهايته.
شيءٌ تريده هي.
حرّكت أوليفيا شفتيها. كانت الأشياء التي تريدها غالبًا لا تتحقّق. كان من الأسهل كبحُ رغباتها وانتظار الفرصة التالية.
لكن، بشكلٍ غريب، أمامَ إدوين، كانت رغباتها تتزايد.
لم تشعر أوليفيا أبدًا برغبةٍ قويّة كهذه من قبل. كلّما تحقّقت توقّعاتها، كانت ترغب في المزيد.
عندما لم تكن تريدُ العودة إلى قصر الدوق، عندما رأت قصر تياجي المزيّن بعناية و تمنّت أن يُقدِّر أحدهم جهودها، و حتّى الآن.
تسارعت دقّات قلبها. شعرت وكأنّها تسمع صوت قلبها ينبضُ بقوّة في أذنيها. أمسكتْ أوليفيا قبضتها بقوّة وضغطت على ركبتيها. ثمّ، وهي تواجه عيني إدوين، قالت ببطء:
“أريدُ أن يناديني إدوين باسمي أيضًا. بل…”
هل يمكنها قول هذا؟
لكن، مع اندفاعها، قالت أوليفيا بنبرة تحدّي وهي ترفع زاوية فمها:
“… بعنايةٍ فائقة.”
كان الأشخاص الذي تمنّتهم ينادونها باسمها بسهولة شديدة.
عندما كانوا يحذّرونها أو يضعون حدودًا. أو ينادونها باسمها المختصر كما لو كانوا يتصدّقون عليها.
لكن أوليفيا كانت قد نوديت بعنايةٍ فائقة من قبل.
“أوليفيا. ليف. طفلتي.”
تذكّرت والدتها، التي كانت تناديها بحيثُ يفيض قلبها بالمشاعر.
وفي تلكَ اللّحظة.
“… أوليفيا.”
كتمتْ أوليفيا أنفاسها للحظة. نطقَ إدوين اسمها بعنايةٍ فائقة، وكأنّ مجرّد النطق بحدِّ ذاته شيء ثمين، وابتسمَ بحلاوة لا مثيل لها.
“كنتُ أريد حقًا مناداتكِ به. أخيرًا فعلتُ.”
“…..”
“أوليفيا، اسم جميل حقًا.”
لم تكن مناداة اسمها الهادئة تبدو ثمينةً إلى هذا الحدّ من قبل.
“أوليفيا اسم جميل.”
فجأةً، أدركت أوليفيا أنّ ذكرياتها مع ليوبولد، التي جعلتها تعاني من الحبّ لفترةٍ طويلة، قد تبخّرت.
لكنها لم تشعر بالأسف أو الألم. كانت واثقة أنّ ذكريات أكثر قيمة ستتراكم تدريجيًا.
لذا، ابتسمت أوليفيا ببريق.
“إدوين أيضًا. اسم رائع.”
“اسمي؟”
رمشَ إدوين بعينيه كما لو كان يسمع ذلكَ للمرّة الأولى. في تلكَ اللحظة، أدركت أوليفيا أنّ الوقت قد حانَ لتخبره بما اكتشفته.
“نعم. عندما أنادي باسمِ إدوين، ترتفع زاوية فمي هكذا. إنّه اسمٌ يجعلني سعيدةً كلّما نطقته.”
ابتسمَ إدوين تدريجيًا كما لو كانَ زهرة تتفتّح. جذبت ابتسامته اللّطيفة عينيّ أوليفيا لتضيئا أكثر.
* * *
أصبحَ المشهد خارجَ نافذة العربة أكثر قتامة.
طرقَ إدوين على مقعدِ السائق مرّتين بهدوء. أدركَ السّائق الإشارة و أبطأ سرعةَ.العربة.
ابتسم إدوين بهدوء ونظرَ إلى الأمام. كانت أوليفيا، التي بدت متعبة جدًا، قد بدأت تغفو بمجرّدِ صعودها إلى العربة. بدأت جلستها المشدودة ترتخي تدريجيًا.
عبست أوليفيا وهي تحلمُ بشيءٍ ما، مما جعلها تبدو كأرنبٍ صغير. تعمّقت الابتسامة على شفتي إدوين.
“أوليفيا.”
تمتمَ إدوين باسمها. كأنّها سمعت اسمها، تمتمت أوليفيا بشيءٍ وهي نائمة. أغلقَ إدوين فمه على الفور. ثمّ عادت أوليفيا لتغفو مجدّدًا.
كان شعورًا مبهجًا أن تصبح علاقتهما اقوى بحيث يمكنها إظهار الثغرات بدلاً من أشواكها الحادّة.
إذا أعطى الإمبراطور إذنًا، سيذهبُ مع أوليفيا إلى إقليم فيكاندر كاندر على الفور. أرادَ أن يجعلها تضحك بحرّيةٍ أكبر و تتمنّى المزيد.
“سموّ الدّوق الأكبر.”
اقتربَ وينستر من النافذة و تحدّثَ بصوتٍ منخفض.
“هناك شخصٌ ما عند البوّابة.”
تقلّصت عينا إدوين بحدّة عندَ كلام وينستر.
هل هو جايد مجدّدًا؟ هذه المرّة، بما أنّ أوليفيا نائمة، لن يرسله بعيدًا بلطف.
لكن الشّخص الواقف عندَ البوّابة كان غير متوقّع.
شعرٌ فضي بارد يشبه شعر أوليفيا، و قلادة من الألماس الوردي المألوفة.
لم يكن بحاجةٍ إلى سماع الاسم ليعرفَ إدوين مَنٔ هي هذه الفتاة الصغيرة.
إيسيلا مادلين.
كانت أختُ أوليفيا، التي تحبّها كثيرًا، تقفُ أمامَ بوّابة قصر الدوق الأكبر بوجهٍ منتفخ.
التعليقات لهذا الفصل " 34"