مدّت فيرونيكا وعاء الحساء وهي قلقة. حساء البطاطس باللحم البقري، الذي تمّ تبريده عمدًا حتى لا يكون ساخنًا، كان الطبق المفضّل للآنسة إيسيلا.
لكن الآنسة هزّت رأسها فقط و رفضت أخذ الوعاء.
بدت ملامحها، المظلّلة بشعرها الطويل، شاحبةً بشكلٍ خاصّ اليوم.
“آنستي، ما الذي يحدث حقًا؟”
كانت فيرونيكا على وشكِ البكاء. كانت الآنسة، التي كانت دائمًا تبتسم كالشمس، قد فقدت ابتسامتها، وهذا كان محزنًا بما فيه الكفاية، لكنها الآن ترفض الطعام منذُ عدّة وجبات.
عندما فكّرت في أنّ إيسيلا لم تأكل جيدًا منذُ اليوم الذي غادرت فيه الأميرة الكبرى، كبتت فيرونيكا دموعها بصعوبة.
“فيرونيكا، يجبُ أن أذهبَ إلى أختي.”
خرجَ صوت إيسيلا الضّعيف كأنّه على وشكِ الانطفاء، فانفجرت فيرونيكا بالبكاء.
“لا يجب أن تقولي هذا! لقد أمركِ الدوق بالحجز هنا بسببِ هذا الكلام، يا آنستي.”
“أختي!”
قبلَ أيام، عندما قالت إيسيلا إنّها ستذهب إلى أختها، غضبَ الدوق كثيرًا. لم يستطع كبح غضبه، فصرخ في وجه إيسيلا للمرّة الأولى:
“ما الذي تريدينه منها؟”
“لديَّ شيء أقوله لأختي، يا أبي. حقًا، لديّ شيء يجب أن أقوله لها.”
“ممنوع تمامًا! اعلمي أنّكِ لن تخرجي خطوةً من غرفتكِ حتّى تغيّري رأيك، يا إيسيلا!”
على الرّغمِ من الشائعات التي تصف الدوق بالبرود الجليدي، كان دائمًا أبًا حنونًا أمامَ إيسيلا.
لكن، للمرّة الأولى، واجهت إيسيلا غضب والدها الناري بكلّ جسدها، ومع ذلكَ لم تغيّر رأيها.
كانت النتيجة الحجز.
أُمرت فيرونيكا بمراقبة إيسيلا والمكوث بجانبها أثناء حجزها. في مثلٌ هذه الظروف، لم تستطع إلّا أن تشعر بالضيق. دونَ أن تدرك، بدأت فيرونيكا تتذمّر بكلمات ممزوجة بالبكاء:
“كلّ هذا بسبب الأميرة الكبرى. لو لم تكن موجودة…”
“لا، هذا بسببي، يا فيرونيكا.”
“ماذا؟”
كان صوت إيسيلا صلبًا للمرّة الأولى منذُ فترة. توقّفت فيرونيكا عن البكاء دونَ وعي ونظرت إلى إيسيلا.
أخرجت إيسيلا شيئًا من تحتِ وسادتها. كان قلادة من الألماس الوردي، التي كانت تمسكُ بها بإحكام كلّما غلبها التعب و نامت.
“عندما كنتُ صغيرة، كنتُ محبوسة في غرفتي مع أخي جايد بسببِ اللّعب مع أختي.”
كان جايد، الأخ الثاني الأكبر منها بخمس سنوات، يشتكي كثيرًا كلّما حُبسا. و مع ذلك، لم يتخلّيا عن زيارة أوليفيا خلسة.
يومًا ما كانا يحملان الخبز، و يومًا آخر حساء في وعاء مقعّر، و يوم آخر مع أقلام تلوين و ورق.
“لكن، منذُ أحد الأيّام، قرّرَ أخي جايد فجأةً ألّا يزور أختي بعد الآن.”
جايد، الذي كان يحبّ اللعب مع أوليفيا كثيرًا، غيّر سلوكه فجأةً عندما بلغَ العاشرة.
كانت نظرة إيسيلا، وهي تروي قصص الماضي، مليئة بالحنين. عيناها البنفسجيتان، اللتين كانتا باهتتين، أصبحتا أكثر وضوحًا تدريجيًا.
لذا، أغلقت فيرونيكا فمها رغمَ أنّ القصة بدت مفاجئة. أحسّت بنتيجة هذه القصة، لكنها لم ترد إيقاف الآنسة التي بدت مشرقة للمرّة الأولى منذ فترة.
“فماذا فعلتُ؟ قرّرتُ الذهاب وحدي.”
عبست إيسيلا كطفلة شقيّة.
كانت إيسيلا، التي تحبُّ النوم كثيرًا، قد تغلّبت على نعاسها لأوّلِ مرّة فقط لتلعب مع أختها خلسة.
“كانت غرفة أختي في عليّة القصر في الطابق الرابع. تعرفين ذلك، يا فيرونيكا. في الطابق الرابع…”
“هناك قصة عن الأشباح؟”
“نعم، هذا.”
ضحكت إيسيلا بخفّة على ردّ بيرونيكا. لا أحد يعرف من أطلقَ تلكَ الشائعة، لكنها كانت فعّالة مع إيسيلا الصغيرة.
عندما كانت تذهب مع جايد، لم تكن تخاف، لكن الطابق الرابع وهي وحدها كان مختلفًا.
إيسيلا، التي كانت في الخامسة، اقتربت عدّة مرّات من السلالم لزيارة أختها، لكنها فشلت في كلّ مرّة.
“في يوم من الأيام، بينما كنتُ واقفة عند السلالم، سمعتُ صوت طقطقة من الأعلى. ظننتُ أنّ شبحًا ينزل ليأكلني، فأغلقتُ عينيّ وبكيتُ.”
كان ذلكَ اليوم، الذي بكت فيه دونَ أن تستطيع إصدار صوت، محفورًا في ذاكرتها بوضوح بسبب المشهد الذي تلا ذلك.
“في تلكَ اللحظة، ظهرت أختي.”
تمتمت إيسيلا .
“إيسيلا؟”
ظهرت أوليفيا وهي تحمل شمعة متذبذبة، فبدت كبطلة حقيقيّة. بطلة ظهرت بجرأةٍ في الطابق الرابع، حيث يُفترض أن تعيش الأشباح.
هل كان ذلكَ بسببِ الراحة؟ أم بسببِ رؤية وجه أختها بعد غياب؟
في تلك اللحظة، انفجرت إيسيلا بالبكاء. عبر رؤيتها الضبابيّة، كانت صورة أختها الصغيرة المحتارة واضحة.
“لكن، بينما كنتُ أبكي بشدّة، لم تعانقني أختي ولم تهدّئني.”
“…. ”
“لا تعرفين كم شعرتُ بالحزن. لذا، بكيتُ بصوت أعلى عمدًا.”
“إيسيلا، لا تبكي.”
“في النهاية، فزتُ. بعد أن ارتبكت أختي لفترة، عانقتني مجدّدًا. مسحت دموعي و دعتني إلى غرفتها.”
كانت غرفتها أصغر من غرفتي، لكنها مريحة. هكذا كانت غرفة أختي.
منذُ تلكَ الليلة، تشكّل سرّ ضمني بين إيسيلا وأوليفيا. في وقتٍ متأخّر من الليل، كانت أوليفيا تنزل السلالم خلسةً دونَ أن يعلم أحد، وكانت إيسيلا تفرك عينيها الناعستين منتظرة أختها لتأتي لأخذها.
كأنّ ذكريات الماضي عادتْ بوضوح، ابتسمت إيسيلا بضعف. عندما التقت عيناها بفيرونيكا، رسمت إيسيلا ابتسامة خفيّة، كتلكَ التي يتبادلها من يشاركون سرًا.
ثمّ اعترفت بالسرّ ببطء:
“كنتُ فتاة سيئةً جدًا.”
“ماذا؟”
تفاجأت فيرونيكا بهذا الاعتراف المفاجئ واتّسعت عيناها.
أن تكون الآنسة إيسيلا سيئة؟ كان ذلك كلامًا لا معنى له.
كان الجميع يحبّون الآنسة إيسيلا. كانت مشرقة كالشمس، محبوبة و طيبة كزهرة التوليب المتفتّحة. لكن إيسيلا هزّت رأسها.
“في الحقيقة…”
خفتَ صوت إيسيلا، فكتمت فيرونيكا أنفاسها. بعد أن أخذت إيسيلا نفسًا عميقًا، قالت ببطء:
“كنتُ أعلم أنّ أختي كانت تُعاقب كلّ يوم بعد أن تلعبَ معي.”
في البداية، كانت الأمور تبدو كصورة ضبابيّة. تعابير أختي القاتمة، و صوتُ تنهّد والدي.
لكن الأشياء الغامضة كالضّباب أصبحت أكثر وضوحًا تدريجيًا. سمعتُ صوتًا حادًا ينادي اسم أختي، و رأيتُ أخي يخفي كتبها، وفي العشاء الدافئ مع العائلة، كانت أختي تقفُ وحيدة بعيدًا.
من خلالَ ذلك، أدركت إيسيلا أنّ هذه الأمور تتكرّر كلَّ يوم بعد أن تلعب مع أختها.
“… ومع ذلك، لم أستطع التخلّي عن اللّعب مع أختي بسببِ أنانيتي.”
أصبحَ صوت إيسيلا، الذي حاولَ أن يكون مشرقًا، أكثر ليونة تدريجيًا. شعرت فيرونيكا بألم في أنفها أيضًا.
كان صوتها المليء بالبكاء صلبًا. كان ذلك يشبه إيسيلا. شعرت بيرونيكا أنّ توقّعاتها كانت صحيحة. كان يجب ألّا تستمع إلى القصة من الأساس. تذمّرت داخليًا، لكن قلبها كان قد مال بالفعل.
“لذا، ساعديني مرّةً واحدة فقط.”
في الحقيقة، لم تستطع فيرونيكا، التي تبدو صلبة، أن تهزم إيسيلا تمامًا. كانت دائمًا تنحاز إلى إيسيلا بلا مقاومة.
وهذه المرّة لم تكن مختلفة.
“… أنهي الحساء أولاً. ثمّ، ثمّ نذهب.”
أدارت فيرونيكا رأسها وكأنّها لا تستطيع تحمّل الأمر. ابتسمت إيسيلا ببريق، و وجهها ملطّخ بالدموع.
* * *
في العربة العائدة من القصر الإمبراطوري إلى قصر الدّوق الأكبر.
نظرت أوليفيا إلى النافذة حيث كانت المشاهد تتغيّر بسرعة. ما إن أدركت أنّها غادرت القصر حتّى استرخى توتّرها بسرعة. كان جسدها متعبًا، لكنها لم ترد الاتّكاء على العربة. بل أرادت تصحيح جلستها أكثر.
“قلتِ إنّكِ متعبة. اتّكئي و ارتاحي قليلاً.”
كان ذلكَ بسببِ إدوين، الذي كان يجلس أمامها مباشرةً. واجهت وجهه القلق، فرفعت أوليفيا كتفيها كما لو أنّ الأمر لا يهمّ:
“لم أعد متعبة.”
“حقًا؟ يبدو وجهكِ أكثر شحوبًا من المعتاد.”
تمتمَ إدوين كما لو كان يتحدّث لنفسه. كان صوته النّاعس يبدو أكثر جاذبيّة من المعتاد.
“ربّما بسببِ الفستان.”
“الفستان؟”
نظرت أوليفيا إلى فستانها الأزرق الداكن وقالت:
“نعم. بما أنّه أزرق داكن، قد يجعل وجهي يبدو أكثر شحوبًا من المعتاد.”
“الأميرة تختار فساتين داكنة عمدًا، أليس كذلك؟ لذا، لا يبدو وجهكِ شاحبًا فحسب، بل تبدين شاحبة جدًا الآن.”
لمَ تذكّرت سخرية سمعتها في متجرٍ قبلَ حفل الظهور الأول؟
حينها، لم تكن تعرف كيف تتجاهلُ كلام الآخرين، فشعرت بألمٍ حادّ في صدرها.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 32"