“تبدو غير مريحة بمجرّد النّظر إليها. لكن لمَ تعودين لمناداتي بـ’سموّك’؟”
“… لأنّنا في القصر الإمبراطوريّ.”
“القصر الإمبراطوريّ. وماذا في ذلك؟”
“من الصّعبِ أن أناديكَ باسمكَ بحريّة في الخارج.”
كلّما تعمّقت ابتسامة إدوين، أصبحتْ إجابات أوليفيا أكثر إحراجًا. أوليفيا، دونَ أن تشعر، بدأت تتفادى نظراته. لكن عندما استمرّت عيناه الثاقبتان في مواجهتها:
“كح كح.”
تدخّلَ سعال متعمّد.
كان وينستر. بعد أن سعَل بصوت عالٍ، تفادى نظرات إدوين. لو التقى بتلكَ العينين الحادتين، لما انتهى الأمر بمجرّدِ الجري حول قصر الدوق بضعَ مرّات.
لكن هذا لم يكن قصر الدوق، بل القصر الإمبراطوري، أمامَ مكتب الإمبراطور تحديدًا. امتدح وينستر نفسه بينما يتحمّل النظرات اللاذعة.
في تلكَ اللحظة، ابتعدت أوليفيا خطوتين عن إدوين. ثمّ ابتسمت بهدوء كما لو أنّ شيئًا لم يحدث.
“آه… هكذا إذًا؟”
“ماذا؟”
كان تعبير إدوين المستاء مضحكًا. رفعت أوليفيا ذقنها متظاهرةً بالجهل. عندما كان الدوق الأكبر على وشكِ الردّ، فُتح باب المكتب.
“جلالة الإمبراطور لا يزال منشغلاً بأمور سياسيّة هامّة. يبدو أنّ اليوم صعب، فماذا لو عُدتم للقاء في يوم آخر؟”
نقلَ رئيس الخدم كلام الإمبراطور بحذافيره. نظرَ إليه الدوق الأكبر بلا تعبير، ثمّ حوّل بصره إلى الباب.
كانت عيناه الحمراوان كالدم تحدّقان في الباب وكأنّهما تقيّمان شيئًا.
يبدو وكأنّه يريدُ تحطيم الباب.
شعر رئيس الخدم بقشعريرةٍ في ظهره. كان الباب مصنوعًا من الكاربين، أقوى المعادن. حتّى الدوق الأكبر، الملقّب بشيطان القتل، لا يمكنه تحطيم باب محمي بسحرِ تعزيز السحرة.
أرادَ رئيس الخدم رفض هذه الفكرة كتفكير عبثي، لكنّ غريزته استمرّت في إثارة هواجس مشؤومة.
في تلكَ اللّحظة:
“إذن، هل نعود لاحقًا؟”
التفت إدوين إلى أوليفيا. ابتسمت أوليفيا بتكلّف وقالت له بهمس:
“في الحقيقة، كنتُ متعبة قليلاً.”
ألقت أوليفيا نظرةً خاطفة نحو الباب. لم تكن تودّ العودة إلى هذا القصر، لكنّها كانت متعبة بالفعل. ربّما بسببِ مواجهتها لليوبولد سابقًا، أصبحت أعصابها مشدودة دونَ أن تشعر.
“إذن، هل نذهب؟”
كأنّ الأمر قد انتهى، بدأ إدوين يسيرُ بسرعة. كما لو كانا متّفقين، كان وينستر قد ذهبَ بالفعل لتجهيز العربة.
تبعت أوليفيا و إدوين خطواته. بينما كانت تفكّر أنّ البحيرة في الحديقة الخلفيّة التي تظهر من النافذة المفتوحة تبدو هادئة، رأت من بعيد مجموعة من النبلاء يقتربون.
توقّفَ النبلاء عندما رأوا أوليفيا. لم تكن تلكَ النّظرات بالأمر المهمّ. حاولت أوليفيا مواصلة السّير بثقة…
لولا كونراد، الذي كانَ ينظر إليها بعيونٍ باردة من بين النبلاء.
عبسَ كونراد. أوليفيا، التي كانت تبتسم بحيويّة منذُ قليل، تصلّبت تعابيرها لحظة التقاء عينيها به.
كان هو مَنْ يفترض أن يظهر هذا التعبير، وليس هي.
لم تكتفِ بمغادرة المنزل بتهوّر، بل ارتبطت بشائعات مع الدّوق الأكبر!
في الوقت نفسه، وصلت إلى أذنيه همهمات النبلاء المحيطين.
“لمَ هما معًا؟”
“يبدو أنّهما سيتزوّجان فعلاً.”
“إذن، ماذا عن وليّ العهد؟”
“ما العمل؟ لا تزال توجد الابنة الصغرى، أليس كذلك؟”
اسم مادلين كان يتردّد كشائعات في النّهار. عبسَ كونراد من الامتعاض.
كان واضحًا سببُ شعوره بالضيق. قصر الدوق في حالة فوضى.
إيسيلا، التي تفتقد أوليفيا، أصبحتْ محبطة وأُجبرت على البقاء في غرفتها بعد عقوبة، و جايد، الذي عاد لتوّه من ساحة المعركة، كان يتفوّه بكلامٍ غريب عن أوليفيا.
بمعنى آخر، كلّ هذا حدثَ لأنّ أوليفيا غادرت قصر الدوق.
لو بقيت هادئة كما كانت، لكانَ كلّ شيء على ما يرام. لكنّها ذهبت إلى قصر الدوق الأكبر فجأةً و تخطّط للزواج منه.
إذن، ماذا عن إيسيلا؟
مع هذه الأفكار الباردة، فتحَ كونراد فمه لينادي أوليفيا:
“أولـ..”
“قلتِ إنّك متعبة، أليس كذلك؟”
قاطعَ صوت رائع كلام كونراد. وضع الدوق الأكبر يد أوليفيا برفق على ذراعه.
“هل وصلت العربة الآن؟”
“… أظنّ ذلك.”
بالكاد أجابتْ أوليفيا. لقد تعاملت مع الدّوق و جايد، لكنّ كونراد جعلها تشعرُ بالصدمة بمجرّدِ النظر إليه.
ربّما لأنّهما لم ينهيا الأمور. حتّى في آخر يوم من مأدبة النصر، لم تتحدّث معه ولو بكلمة.
كانت آخر ذكرى لكونراد هي تلكَ اللّيلة الأخيرة في قصر الدوق، حيث نظرتْ إليه وكأنّها تكرهه. ارتعشَ طرف يدها قليلاً.
رافقَ إدوين أوليفيا بنعومة كالماء الجاري. وقفَ كجدارٍ صلبٍ بينها و بين كونراد.
كان هذا التفهّم والأمان محبّبًا.
فجأةً، توقّف ارتعاش يدها.
* * *
“لقد انسحب الدوق الأكبر، يا صاحب الجلالة.”
أومأ الإمبراطور برأسه بقلق بعد تقرير رئيس الخدم. أدركَ رئيس الخدم الذكي أنّ الإمبراطور يريد أن يكون بمفرده، فغادرَ المكتب.
حدّقَ الإمبراطور من النافذة. كانت العربة السوداء التي تحمل شعار عائلة فيكاندر تعبر حديقة القصر.
أطبقَ الإمبراطور قبضته ببطء. قبل أسابيع قليلة فقط، كان واثقًا من أنّه يستطيع السّيطرة على ذلك الرجل.
كان تسليم منجمِ الكريستال الأبيض للأميرة جزءًا من تلكَ الخطّة. كان منجم الكريستال الأبيض، الذي طالما أراده، طعمًا مثاليًا.
حتّى السّيف الذي أحضره لأداءِ القسم كان سيف آيرالوتن الأسطوري.
كان من الطبيعيّ توقّعُ أن يقسم الولاء للأميرة. بناءً على هذا الافتراض، منحَ الإمبراطور أمنية باسمه.
لكن أن يطلبَ زواجًا من الأميرة مادلين!
شعر بصداع يعاوده. لم يكن المشكلة فقط أنّه لم يقسم الولاء للأميرة، بل أنّه تقدّم لخطبة خطيبة وليّ العهد.
كانت عائلة مادلين، زعيمة فصيل الإمبراطور، الخيار الأمثل لتعزيز مكانة وليّ العهد. إن لم تكن الابنة الكبرى، فالابنة الثانية على الأقل.
“… إنّها من سلالة مادلين. إذا قبلتها كزوجة لوليّ العهد، فإنّ ولاء مادلين سيظلّ ثابتًا لجلالتكَ.”
تذكّر الإمبراطور كلام الدوق منذُ أربعة عشر عامًا.
كانَ الإمبراطور يطمع بابنة الدوق إيسيلا مادلين منذُ ولادتها. لكنّ الدوق، الذي طالما تردّد، جاء يومًا بابنة أكبر قليلاً، مدّعيًا أنّها الابنة الكبرى.
كانت الشائعات قد انتشرت في الأوساط الاجتماعيّة بأنّ الدوق أحضرَ ابنة غير شرعيّة. على الرّغمِ من أنّ ولاء الدوق كان مغريًا، إلا أنّ أصلها لم يكن مقبولاً، لكنّه قبِلَها أخيرًا.
فركَ الإمبراطور ذقنه. مرّت ذكرى عينيها الخضراوين التي أثارت شعورًا بالديجافو، لكنّ هذا لم يكن المهمّ الآن.
ولاء عائلة الدوق، و كلبه المخلص الذي كان يُرضيه دائمًا. كان على وشكِ فقدان هذين الأمرين المهمّين للدوق الأكبر فيكاندر.
“… كيف يُفترض أن أتعامل مع كلبٍ يظهر أنيابه لسيّده؟”
لمعت عينا الإمبراطور الزرقاوان. في تلكَ اللحظة، سُمع طرق على الباب، وتحدّث رئيس الخدم من الخارج:
“جلالة الإمبراطورة هنا.”
ما إن أعطى الإمبراطور إذنه حتّى فُتح الباب ودخلت الإمبراطورة. عندما رأت وجه الإمبراطور العابس، أمالت رأسها كفتاةٍ صغيرة.
“أوه، يا صاحب الجلالة. هل هناكَ ما يقلقك؟ لا يليق بمثلِ هذا الوجه الوسيم أن يعبس.”
اقتربت الإمبراطورة من الإمبراطور بنبرة رقيقة وعبير عطريّ حلو. لمست يدها الناعمة جبينه برفق.
تحتَ الضغط المناسب، بدأت تجاعيد جبين الإمبراطور تتلاشى. تحدّثَ الإمبراطور ببطء:
“… جاء الدوق الأكبر. طالبًا إذنًا بالزواج من ابنة الدوق.”
“يا للوقاحة. هو لا يعرف حدّه.”
“بالضبط. لكنّها أمنية باسمي. من الصّعب رفضها، لكن قبولها سيؤثّر على علاقتنا مع مادلين.”
“لمَ لا تتصرّفُ وفقَ الأعراف، جلالتك؟”
قالت الإمبراطورة ذلكَ بلا مبالاة. فتحَ الإمبراطور عينيه بدهشة.
“الأعراف؟”
ابتسمت الإمبراطورة بلطف.
“نعم، يا صاحي الجلالة. وفقًا للكتب القديمة، لا يُسمح لامرأة كانت على صلة زواج بالعائلة الإمبراطوريّة أن تتزوّج من نبيلٍ آخر لمدّة عام لضمانِ وضوح نسبِ الوريث.”
تحدّثت الإمبراطورة بهدوء. كانت ابتسامتها على وجهها الجميل كالزهرة.
“لذا، وافق على الزواج مع مهلة لمدّة عام. الأميرة التي تحبّ الكتب القديمة ستقبل ذلكَ بسهولة.”
أصدر الإمبراطور أنينًا مكتومًا. تذكّر فجأةً كيف تحدّثت الأميرة عن أعراف الكتب القديمة عندما أدى الدوق الأكبر القسم. بدأت زاوية فمه ترتفع ببطء.
“يا إمبراطورة، كيف خطرت لكِ هذه الفكرة الرائعة؟”
“كلّه بفضل نعمة جلالتكَ.”
ضحكت الإمبراطورة بنعومة. نظر الإمبراطور إليها بسرور، ودارت أفكاره بسرعة.
مهلة لمدّة عام.
خلال هذا الوقت، سيجد بالتأكيد حلاً. إمّا إعادة الابنة الكبرى إلى مكانتها، أو جعل الابنة الثانية زوجة وليّ العهد.
بالطبع، الخيار الأفضل هو إعادة الابنة الكبرى إلى مكانتها.
كان من حسنِ الحظ أن يبدو الدوق الأكبر صادقًا مع الأميرة. سيُدرك مدى يأس فقدان السعادة، تمامًا كما حدثَ مع الدوق الأكبر السابق.
ضحكَ الإمبراطور بنبرةٍ مخيفة. سألته الإمبراطورة بلطف:
“… لكن يا صاحب الجلالة، لديّ سؤال.”
“ما هو، يا إمبراطورة؟”
“هل وافقتْ الأميرة على عرض الزواج من الدوق الأكبر؟”
اتّسعت عينا الإمبراطور بدهشة. لم يفكّر في هذا عندما طلبَ الدوق الأكبر اللقاء، لكنّه كان ملاحظة هامّة.
“كانت الأميرة تحبّ وليّ العهد كثيرًا. ألن يكون من المؤسف إذا أُلغيت خطوبتها بسببِ إصرار الدوق الأكبر؟”
بدت الإمبراطورة، التي لم تشعر يومًا بالأسف تجاه أوليفيا، حزينة. ضحكَ الإمبراطور بهدوء وأثنى عليها:
“يا لها من إمبراطورة ذكيّة إلى جانبي.”
“أنتَ تتملّقني ، جلالتك.”
كان هناك سببان جيّدان لمهاجمة الدوق الأكبر. كان الإمبراطور يعلم جيّدًا أنّ الأميرة تعتزّ بوليّ العهد. إذا أبدت الأميرة رفضها، فلن يكون هناك داعٍ لقلقه.
ضحكت الإمبراطورة بسخريةٍ وهي تنظر إلى الإمبراطور المتعجرف.
يا له من إمبراطور لا يستطيع حتّى السيطرة على كلبه، ومع ذلكَ يقلق هكذا.
لكن لحسنِ الحظ، أبناؤها، مستقبل هذه الإمبراطوريّة، يشبهونها.
الأميرة التي تستخدم أوليفيا كأداة، ووليّ العهد الذي يتلقّى حبّ أوليفيا الصّادق دائمًا.
مرّت ابتسامة فخر عبر وجه الإمبراطورة، غافلة عن الوضع الحقيقي الذي يواجهه أبناؤها الغاليان.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 31"