✧تحيّـة لإنهاءِ الخطوبة ✧
ـــــــــــــــــــــــــــ
“لمَ لا تكونين صريحةً فحسب؟”
هـزَّ ليوبولد كتفيه العريضتين. على عكسِ نبرته الساخرة المليئة بالغضب، كان تصرّفه ينمّ عن استرخاء واضح. نظرت أوليفيا إليه بهدوء.
“…قد لا تكون كلمة ‘صريحة’ دقيقة، لكنني أخبرتكَ بالحقيقة.”
“ليس هذا ما أقصده.”
مرّر ليوبولد يده في شعره الأشقر المصفّف بعناية. ارتفعت زاوية فمه الوسيم بابتسامة ملتوية.
“أنتِ تتصرّفين هكذا لأنّكِ غيورة بعدما رأيتني مع ماريا، أليس كذلك؟”
في اللّحظة التي تردّدَ فيها صوته الواثق في أذنيها، ارتعشَ جسد أوليفيا. شعرت أنّ شفتيها سترتجفان إن لم تمسك يديها بقوّة.
كان ليوبولد يعلم. يعلم سببَ مغادرتها قصر تياجي ذلكَ اليوم.
“…حتّى مع ذلك، هل هذا كلّ ما تريد قوله لي؟”
على الأقل،
كان يجبّ أن يحترمها. حتّى لو كان يستمتع بوقته مع ماريا إيتيل، و حتّى لو رافقها كشريكة تاركًا إيّاها وحدها.
كانا مخطوبين.
حتّى وإن تحطّمت كلّ الأمور، كان يجب أن يحترمها على الأقلّ.
لكن ليوبولد، كعادته، تجاهلَ احترام أوليفيا بأقسى الطرق.
“إذا طلبتُ منكِ موعدًا آخر، لن تلتقي بالدّوق الأكبر مجدّدًا، أليس كذلك، أوليفيا؟”
كان صوته حلوًا كالعسل، لكن المحتوى المتعجرف كان واضحًا الآن.
لم يحبّها ليوبولد قطّ. الرّجل اللامع الذي أحبّته لم ينظر إليها يومًا كخطيبةٍ متساوية.
في اللّحظة التي أدركت فيها هذه الحقيقة، اضطربت مشاعر أوليفيا.
هل هذا غضب أم حزن؟
في وسطِ هذا اليأس العميق، لم تستطع أوليفيا قول شيء. في هذه الأثناء، بدا أن ليوبولد فسّر صمتها كموافقة، فـضحكَ بهدوء.
“جيّد، أوليفيا. طاعتكِ لي هكذا تبدو رائعةً.”
“…..”
“و إنهاء الخطوبة؟ لا يمكنُ أنْ تكوني قد صدّقتِ كلام الدّوق الأكبر فيكاندر حقًا؟ أوليفيا، كيف تكونين ساذجة هكذا و أنتِ في التاسعة عشرة؟”
“…أنا في العشرين، سموّك.”
“حقًا؟ هل بلغتِ العشرين بالفعل؟”
لم يبدِ ليوبولد اهتمامًا بتصحيحها، بل أومأَ بلامبالاة. عند رؤيته، انفجرت أوليفيا ضاحكةً فجأة.
تفاجأت حتّى البارونة سوفرون، التي كانت تقف بعيدًا، من صوت ضحكتها الناعمة. أطلت عنقها دون وعي لتنظرَ إلى الطاولة.
لم تستطع رؤية وجه الأميرة، فقط ظهرها.
كانت هذه المرّة الأولى التي تضحك فيها الأميرة بصوتٍ عالٍ.
شعرت البارونة بالقلق، لكنها لم تستطع النّظر أكثر عندما لاحظت عبوس وجه وليّ العهد.
رأت أوليفيا أيضًا تعبير ليوبولد المتجهّم، لكنها لم تنوي التوقّف عن الضحك.
‘رجلٌ لا يعرف حتّى عمري!’
بينما هي تعرفُ كلّ شيء عن ليوبولد.
كان أمرًا مضحكًا. بذلت قلبها كلّه لهذا الرجل الذي لا يعرف حتّى عمرها.
منذُ أن دخلت القصرَ في التّاسعة، حتّى تلقّت عرض زواج الدّوق الأكبر، بل ربّما حتّى قبل لحظات عندما كان قلبها يخفق.
لكن الآن، حسمت أوليفيا أمرها. احترقت مشاعرها العاصفة و تلاشت، تاركةً لا شيء.
توقّفت أوليفيا عن الضّحك ببطء. استقرّت ابتسامة أكثرَ برودة على شفتيها.
لكن ليوبولد، غير مدرك لهذا التغيير، تحدّث بنبرة منزعجة:
“الضحك بمفردكِ أمامَ شخصٍ آخر ليس من الآداب، أيتها الأميرة.”
“ألا تجدُ الأمرَ مضحكًا، سموّك؟”
“ما الذي تقصدينه؟”
ردَّ ليوبولد بلامبالاة، وكأنّه غير مهتم.
‘كانَ يجب أن تكتفي بهذا القدرِ من اللطف، لكنها لا تزال تتحدّث دونَ كلل.’
فكّرَ ليوبولد في الرّدِ بضع كلمات بلا مبالاة ثم المغادرة. لكن عندما سمعَ نبرة أوليفيا المليئة بالضحك ، تبدّدت أفكاره.
“ألم تكن أنتَ من أدخل الآنسة إيتيل إلى قصري دونَ إذني، متجاهلاً الآداب تجاهي؟”
“…ماذا؟”
ردَّ ليوبولد متأخرًا بخطوة. ابتسمت أوليفيا بخفّة و أخذت رشفة من كوب الشاي. كانت حركاتها أنيقة لدرجةٍ لا تشوبها شائبة.
عندما التقت عيناهما مجدّدًا، شعـرَ ليوبولد أنّ كبرياءه المتعجرف قد تصدّع أمام عينيها الخضراوين الهادئتين.
“ها.”
أطلق ليوبولد ضحكةً ساخرة.
“هل تلومينني الآن، أيتها الأميرة؟”
تحدّثَ ليوبولد ببرود.
لم يسمع قطّ كلامًا من أحدٍ يلومه طوال حياته.
كان ذلك أمرًا لا يمكن تصوّره.
خاصّةً إذا كانت المتحدّثة هي أوليفيا مادلين.
ردّت أوليفيا بهدوء:
“بما أنّك تحبّ الصراحة، فقد أخبرتك.”
“…ها، كفى. ارجعي اليوم. لم أعد أرغب في تحمّل نزواتك. كوني حذرةً في تصرّفاتكِ أيضًا، إن لم تكوني تريدين إنهاء الخطوبة حقًا.”
تحدّثَ ليوبولد و كأنّه يطحن الكلمات بأسنانه.
‘يجب أن تفهمي الآن.’
كانَ يعرف جيّدًا مدى تمسّكُ أوليفيا بالخطوبة، مهما كانت خططها مع الدّوق الأكبر بسببِ الغيرة.
قرّرَ تجاهل مواعيد الأربعاء حتّى تتوب أوليفيا، وهو يضغط على صدغيه.
“كما قلتَ، سموّك، ستُنهي خطوبتنا.”
‘هل تريد المضيّ حتّى النهاية؟’
نظرَ ليوبولد إلى وجه أوليفيا الهادئ و ضحكَ بسخرية.
“بإرادة من؟”
“بإرادتكَ و إرادتي.”
“ما هذا الكلام السخيف؟”
“لديكَ مَنْ تريد رفعها إلى مرتبة الإمبراطورة، أليس كذلك؟”
نظرت عيناه الزرقاوان الحادّتان إلى أوليفيا كما لو كانتا تحاولان اختراقها، متسائلتين عما إذا كانت تختبره. تحدّثت أوليفيا ببطء لتؤكّد:
“أنا جيّدةٌ في معرفة حدودي. أنتَ تعلم ذلك.”
مـرَّ صوتٌ واضح في ذهن أوليفيا. صوت ليوبولد.
“الأميرة جيّدةٌ في معرفة حدودها. لن تُسبّب لكِ أي إزعاج، أضمن ذلك.”
“…تجاوزتِ حدود الغيرة، أيتها الأميرة. هل كنتِ تتجسّسين؟”
عندَ رؤية وجهه المنزعج، ابتسمت أوليفيا بخفّة.
‘لا يوجد ذرّة من الاعتبار لي.’
لذا، أوضحت الحقيقة:
“ليسَ تجسّسًا، بل نسيتَ موعدنا و أقمتَ لقاءً عاطفيًا في حديقة القصر الذي كنتُ أنتظركَ فيه.”
“أيتها الأميرة!”
اندفعَ نحوها غضب قاتل.
‘يقال إنّه فارس عظيم.’
لم تتوقّع أن تشعرَ بهذه الطريقة. كان هذا الزخم يجعل التنفّس صعبًا، لكن أوليفيا أبقت جسدها منتصبًا بأقصى جهدها.
كان هذا هو الكبرياء الذي أرادت الحفاظ عليه، و الصّورة الأخيرة التي أرادت إظهارها.
في تلكَ اللحظة، تدخّلت خطوات تقترب.
“هل انتهتْ التّحية الأخيرة، أيتها الآنسة؟”
ابتسمت أوليفيا بخفّةٍ للصّوت المنضبط. أصبحَ تنفّسها مريحًا فجأة. نادى ليوبولد باسمه بهدوء:
“… الدّوق الأكبر فيكاندر.”
استدارت أوليفيا ببطء. اقتربَ منها وجه أبيض يتناقض مع شعره الأسود، مبتسمًا بلطف.
كان يرتدي زيًا أسود يبرز كتفيه العريضتين و بنيته القوية، يبدو ساحرًا و خطيرًا بما يكفي لإغواء الجميع.
“أحيّي شمسَ الإمبراطورية الصغيرة. تبدو بصحة جيّدة جدًا، سموّك.”
“ما هذه الوقاحة؟”
رفعَ ليوبولد شفته بسخرية. نهضت أوليفيا ببطء من مقعدها.
“لقد أخبرتُ سموّه بإنهاء الخطوبة، و نعتزم الذهاب إلى جلالته معًا.”
لم يُخفِ ليوبولد غضبه المتّقد رغمَ ردّ أوليفيا.
“كيف يجرؤ الدّوق الأكبر على دخول قصر ولية العهد دون إذن؟”
“لقد دعوته رسميًا. هذا قصري المسموح لي، أليس كذلك، سموّك؟”
نظرت أوليفيا إلى ليوبولد للحظة. حدّقَ بها وجهه الوسيم كما لو أنّه لا يصدّق.
لم تستطع أوليفيا تخمين ما يدور تحتَ عينيه الزرقاوان الغارقتين، أو بالأحرى، لم تعد ترغب في ذلك.
عاشت حياتها تنتظر موافقة الآخرين. حان الوقت للتخلّص من كلّ ذلك. ابتسمت أوليفيا بلطف.
“…ظننت أنّه نصيبي، لكنّه لم يكن كذلك. لم يكن لي.”
“أوليفيا.”
“لذا، استخدمتُ سلطتي الممنوحة لي للمرّة الأخيرة. كان خيارًا جيّدًا لإنهاءِ وقت حالم.”
نظرت أوليفيا حولها كما لو كانت تكتشف المكان لأول مرّة. كلّ عشبة، كلّ شجرة، حتّى نوافذ الزجاج التي تدعم القصر، كلّها كانت تحتَ رعايتها.
كلّ الأشياء الجميلة التي أرادت من ليوبولد أن يراها.
لذا، بذلت جهدًا كبيرًا في العناية بقصرها.
بعد أن استوعبت كلّ شيء في القصر، استعدّت أوليفيا لتوديعه.
سارت أوليفيا بخفّة. كما هو متوقّع، اتّجهت نحو إدوين. في تلكَ اللحظة:
“…توقّفي.”
جاءَ صوت غارق من الخلف. ألقت أوليفيا نظرة جانبية على ليوبولد.
بدا غاضبًا.
‘لا داعي للغضب.’
بالنّسبة لليوبولد، لم تكن أوليفيا مادلين سوى خطيبة تعرف حدودها.
“…آه.”
كما لو تذكّرت شيئًا، استدارت أوليفيا. للحظة، مرّت نظرة رضا خافتة على وجه ليوبولد.
أمسكت أوليفيا طرف فستانها و انحنت بتحية.
“تحية لشمس الإمبراطورية الصغيرة. أوليفيا مادلين، التي ستصبح قريبًا دوقة فيكاندر الكبرى، تحيّيكَ مجدّدًا. أتمنّى…”
رفعت أوليفيا رأسها. كان ذلك مخالفًا للأدب، لكنها لم تكترث.
عندما رأت وجه ليوبولد، الذي يحدّق بها وفمه مغلق كمَنْ ينكر الواقع، تذكّرت كلّ لحظاتها السابقة.
أوليفيا في التاسعة، التي وقعت في حبّه المتألّق كالشمس.
أوليفيا في الرّابعة عشرة، التي أمسكت بربطة عنق لم تستطع إهداءها له وهو يغادر في أولى حملاته، مبتسمة بجهد.
أوليفيا في الثّامنة عشرة، التي آمنت أنّ رقصتها الأولى في الحفل ستكون معه، لكنّها تحطّمت.
و أوليفيا في سنّ العشرين، التي شاهدت خطيبها يعترف بحبّه لأخرى في المكان الذي ظنّته ملكها.
كلّ لحظاتِ أوليفيا مادلين المسكينة التي اشتهت الحبّ.
أخيرًا، تمكّنت أوليفيا مادلين من ترتيب ليوبولد فرانز. ابتسمت بسعادة وأكملت:
“…أن تظلّ بأمانٍ حتّى ذلك الحين.”
استدارت أوليفيا. كانت المرّة الأولى التي تُظهر فيها ظهرها لليوبولد. أدّى إدوين تحية لوليّ العهد و مـدَّ ذراعه.
أمسكت أوليفيا ذراعه برشاقة.
كان شعورًا غريبًا أن تترك شخصًا خلفها و تسير.
لقد تركت الدّوق و جايد خلفها من قبل، لكن هذا الشّعور الغريب لم تتعوّد عليه.
فجأةً ، تساءلت عن شكلِ ظهرها.
تذكّرت كيف كانت دائمًا تنظر إلى ظهور الآخرين، متوقّعة الحبّ، فتحدّثت بحذر:
“هل من الطبيعي أن يشعر المرء بهذه الغرابة عندما يتركُ شخصًا خلفه؟”
“…كيف يبدو الأمر؟”
“يتساءل عن شكل ظهره، أشياء تافهة كهذه.”
قبلَ أن تنهي أوليفيا، سمعت صوت ضحكةً لطيفة من جانبها. نظرت إلى إدوين بتعجّب.
عندما ابتسم بعيون ساحرة، ضحك إدوين بهدوء.
“لقد رأيته.”
نظرَ إدوين إلى الخلف. رأى ولي العهد يقف بتعبير مذهول، مشابهًا للّحظة التي أطلق فيها غضبه كفارس.
تذكّر إدوين كتفيها الصغيرتين المنتصبتين.
إرادة قويّة لا تنحني لأحد.
وضعية تُظهر عزمًا صلبًا.
نظرَ إدوين إلى اليد النحيلة التي تمسكُ بذراعه.
كانت هذه الفتاة الصغيرة، التي تحمّلت هذا الإحساس المرتجف وحدها، تتمتّع بنظرةٍ أكثر استقامة من أي شخص.
“…كان رائعًا جدًا.”
اتّسعت عينا أوليفيا قليلاً عند سماعِ صوته الخافت. انتشر احمرار خفيف كزهرة ربيعية على خدّيها البيضاوين.
تجنّبت أوليفيا نظرات إدوين. فجأة، رأت البارونة سوفرون و بعض الخادمات واقفات. عندما التقت أعينهم، بدا وجههنّ مذهولاً.
“لحظة فقط.”
استأذنت أوليفيا و توجّهت إلى البارونة سوفرون. نظرت إليها البارونة بوجه مرتبك.
“أم، أميرة. إذن…”
بدا أنّها أدركت الموقف أخيرًا، إذ ابيضّ وجهها. ضحكت أوليفيا بهدوء.
“شكرًا لكِ على كلّ شيء، سيدتي.”
لم تستطع البارونة سوفرون قول شيء. كانت تعتقد أنّ أوليفيا، حتّى مع حبّ ماريا إيتيل، ستكون سيدة قصر تياجي في النهاية.
“أرجوكِ، اعتني بقصر تياجي من الآن فصاعدًا.”
حتّى في النهاية، أظهرت الأميرة تعلّقها بالقصر.
تنهّدت البارونة دونَ وعي.
مَنٔ يمكنه أن يُظهر هذا التعلّق بالقصر؟
الآن فقط، أدركت أنّ تجوّل أوليفيا في القصر لم يكن لتمضية الوقت.
‘كان يجبُ ألا أتدخّل.’
تسرّبَ ندم لا يمكن التراجع عنه كتنهيدةٍ أخرى.
واصلت الأميرة سيرها. كان ظهرها الذي لم يستدر مرّةً واحدة حاسمًا، كما لو أنّها لن تعود أبدًا.
عندما أصبحت صورتها الأنيقة نقطة بعيدة، لم تحاول البارونة سوفرون تمييز ما إذا كان شعورها بالحسرة أم الأسف.
شعرتْ فقط بفراغٍ لرحيل السّيدة التي كانت الأنسب لقصر تياجي.
التعليقات لهذا الفصل " 30"
ايوا كذا أعطيه حبيبتي أوليفيا بريدي خاطري فيه😚😚يحسب نفسه آخر حبه امير الصرعه ذا🤨دز بس ماتجي في مكان طرف جزمة إدوين حتى🤭
امتى تنشري فصل جديد ؟؟؟
شكرا علي ترجمة المفهومة و ممتعه لا تبخلي عليا بزيادة فصول 😍😍
و هنا نبداء عصر الندم 😍😍😍
كملوووو ودي اعرف بيتزوجون بسرعه ولا ذولا بيتدخلوون اععععع يالمترجمه نزلي الفصول دفعات بليز الله يسعدك اتحمست🥲