دخلتْ أوليفيا من البوابة الضخمة لقصرِ الدّوق الأكبر. شعرت بنظرات جايد تتبعها من الخلف، لكنها واصلت السّير. عند مدخل الحديقة، أمام العربة، كان إلى الدّوق الأكبر يقف.
بدا أنّه كان ينظر إلى البوابة، إذ التقى بعينيها بسرعة.
تبدّدت الأجواء الثقيلة فورًا. ابتسمَ الدّوق الأكبر بعيون متلألئة.
“هل طردتهِ بشكلٍ جيّد؟”
ابتسمت أوليفيا بخفّة.
“يبدو كذلك.”
“لم يكن الطرد صعبًا، أليس كذلك؟”
يجيد استخدام الكلمات المزدوجة المعنى. هل يقصد إن كانت متعبة جسديًا، أم إن كان الأمر مؤلمًا عاطفيًا؟
نظرت إليه بعيونٍ متفحّصة، لكن عينيه كانتا مليئتين بالقلق، كما لو كان ينظرُ إلى مريضة كما فعل قبل أيام عندما كانت طريحة الفراش. سارت أوليفيا بخفّة متعمّدة.
“بالتأكيد لا.”
باستثناء أنّ يدها كانت تقبض على المغلّف الورقي حتى تكوّمت، كان قلبها هادئًا بشكلٍ غريب.
وكانت تعرف السّبب أكثرَ من أيّ أحد.
“الآن، أعتقدُ أنّني سأكوّنُ عائلة.”
عائلة.
كانت كلمة عفويّة، لكنها لم تظنّها خاطئة. بل شعرت أنّها الأنسب.
كانت على وشكِ الزواج من الدّوق الأكبر حقًا.
الكلمة التي كانت تبدو ثقيلة أصبحت تُثير دغدغة في قلبها. ألقت أوليفيا نظرةً خاطفة على الدّوق الأكبر.
كانت عيناه اللتين تنظران إليها منحنيتان بلطف.
شعرت بدفء نظرته، ففتحت أوليفيا شفتيها ببطء.
“إي، دوين.”
انتشرَ صوتها النّـاعم كالربيع في هواء الليل البارد ثم اختفى. حتّى اسمه يشبهه، طويل و قوي. نادت أوليفيا اسمهُ مرّةً أخرى.
“إدوين.”
كانت المرّة الأولى مُحرِجة، لكن الثانية كانتْ أسهل.
أحبّت كيف ترتفع زاوية فمها عند نطقِ الحرف الأخير. كأنّ اسمه مليء بالبهجة، يجعلها تبتسم كلّما نادته.
نظرت أوليفيا إلى جانبها لتشاركه هذه الملاحظة العجيبة، لكن إدوين لم يكن هناك.
‘ما الأمر؟’
استدارت لتجده يقـفُ على بعدِ ثلاث خطواتٍ خلفها، متجمّدًا كما لو توقّفَ عن السّير فجأةً.
“ما بـكَ، إدوين؟”
رمّش إدوين ببطء.
عادَ التركيز إلى عينيه الحالمتين كما لو كان قدْ استيقظَ من حلم. بينما كانت أوليفيا تميل رأسها، احمرّ وجهُ إدوين فجأةً.
رفعَ ذراعه ليغطّي وجهه.
“لا، أقصد ، لم أتوقّع أن تناديني باسمي حقًا.”
ضحكت أوليفيا بخفّة و هي تستنتج كلامه المتقطّع. تجنّبَ إدوين نظراتها بخجل. شعرت هي أيضًا بالحرج لرؤيته هكذا.
“لقد ناديتكَ لأنّكَ طلبـتَ ذلك، سموّك.”
“واص، واصلي مناداتي باسمي. إنّه يبدو أجمل.”
حاول أنْ يتحدّث بطلاقة رغم تجنّبه النّظر إليها.
لكن أوليفيا شعرت أيضًا بتيبّس جسدها من الحرج.
‘هل يُفترض أن يكون اللّيل بهذا الحر؟’
لوّحت أوليفيا على خدّيها المحمرّين. مـرَّ نسيم فاتر، دغدغ! خدّيها، أو ربّما قلبها.
بدأت أوليفيا السّير أوّلاً، فتبعها إدوين إلى جانبها.
كان ظلّاهما الطويلان يتحرّكان بطريقةٍ مضحكة كما لو كانا يترنّحان.
“ستسيران إلى هناك؟”
تدخّلَ صوت خشن مجدّدًا. نظرت أوليفيا إلى جانبها بعينين متسعتين.
‘يا إلهي، نسيتُ العربة الكبيرة.’
كان حصان بنيّ ضخم ينظرُ إليها بعيونٍ هادئة.
نظرَ السائق، الجالس على مقعد القيادة، إلى الحديقة بتعجّب.
“حتّى بالعربة، ستستغرق الرحلة أكثر من عشر دقائق. هل أنطلق أولاً؟”
سألَ السائق بحماس دونَ أن يلاحظ. شعرت أوليفيا أنّ وجهها سيتورّم مجدّدًا. ركضت نحو العربة وقالت:
“سأركب.”
“حقًا؟ و ماذا عن سموّك؟”
“…سأسير. الجو حار.”
أجابَ إدوين بصوتٍ خافت، و اقتربَ من العربة ليغلق الباب فقط.
أمالَ السائق رأسه متعجّبًا، ثم أومأ كما لو أدركَ شيئًا، مبتسمًا بفخر.
‘بالطبع، الفارس الممتاز يحافظ على لياقته دائمًا.’
رفـعَ السائق إبهامه لإدوين باعتزاز، ثم هزّ اللجام بخفّة. بدأ الحصان ذو العيون الكبيرة يسير مجدّدًا.
في العربة، التصقت أوليفيا بالنافذة. كانت تودّ رؤية وجه الدّوق الأكبر.
“…ما هذا؟”
كانت تتساءل إن كان لا يزال محمرًا.
تمتمتْ أوليفيا بأسف.
بدا أنّه تعمّـدَ إدارة ظهره لها، فلم ترَ وجهه. نظرت إلى ظهره العريض ثم جلست في العربة.
على أيّ حال، سترى وجهه لاحقًا. بدأت أوليفيا تمارس نطق اسمه.
إدوين، إدوين.
لتتمكّن من مناداته دونَ خجل حتّى لو احمرّ وجهه.
‘اسم رائع حقًا. يجعلني أبتسم كلما ناديته.’
كانت أوليفيا تبتسمُ بسعادة.
اختفت أفكارها عن جايد بهدوء.
* * *
في تلكَ الأثناء، في القصر الإمبراطوري في وقتٍ متأخّر من الليل.
دخلتْ عربة فخمة ببطء إلى مدخل قصر تياجي .
كان ليوبولد، مرخيًا أزرار قميصه العلوية، يجلس متكئًا على العربة و ذراعاه متشابكتان.
عبسَ وجهه الوسيم.
“اليوم، يبدو أنّ جسـدَ صاحب السّمو معي، لكن قلبكَ في مكان آخر.”
تردّد صوت ماريا الباكي في أذنيه. مرّر ليوبولد يده في شعره، مفسدًا تسريحته.
حتّى هو يعترف أنّ موعده اليوم كان فوضويًا. على الرّغمِ من وجود ماريا بجانبه، كانت أفكاره مشغولة بشيء آخر.
أوليفيا.
لمـعت عيناه الزرقاوان فجأةً. ارتعش الكونت بيرتان هاجيس الذي أمامه من شدّة النظرة.
“…هل نقلتَ كلامي جيّدًا؟”
أخبرها أنّه سيزورها في المساء في وقتٍ متأخّر و أن تنتظره.
أجابَ الكونت هاجيس بنعم، لكن نظراته المتردّدة بدت و كأنّ لديه شيئًا يريد قوله.
“ما الأمر؟ توقّف عن التردّد و تكلّم.”
“سموّك، لكن تصرّفات الأميرة مؤخرًا تبدو غير عادية. هل نُحضّر بعضَ الزهور؟”
“زهور؟”
عبسَ ليوبولد.
دائمًا هذه الزهور.
في أول موعد لهما في مقهى، تحدّثت أوليفيا عن الزهور، و الآن الكونت هاجيس.
أغلقَ الكونت فمه عندما لاحظَ انزعاجه. نقر ليوبولد بلسانه.
مؤخرًا، لم تكن أوليفيا تتصرّف كما يريد. كان ذلك سبب تشتّت أفكاره في موعده مع ماريا.
لم يكفِ أنّها قبلتْ قسمَ الفارس للدّوق الأكبر و منحته الرقصة الأولى، بل قبلت عرض زواجه دون رفض، و تقيمُ الآن في قصر الدّوق الأكبر، و ترفض دعواته حتّى .
كان ذلك غير مقبول. بالتأكيد، استخدمَ الدّوق الأكبر حيلة ما مع أوليفيا.
‘إذا التقيتها اليوم، قد آمرها بالإقامة في قصر تياجي.’
قد تحزن ماريا، لكن ذلكَ أفضل من عناد أوليفيا الزائد.
شعرَ بالإحباط، ففكّ زرًّا آخر و تنفّسَ بعمق. حتّى في هذا الموقف السخيف، كان هناك شيءٌ واحد مؤكّد.
بالطبع، أوليفيا تنتظره.
كانت دائمًا تتبعه، تتوسّل نظرة منه.
هكذا كانت أوليفيا.
* * *
“ماذا؟ أعيدي ما قلتِـه.”
زمجرَ ليوبولد. أمام صوته الخشن المهدّد، أمسكت البارونة سوفرون يديها المرتجفتين بقوّة و أجابت:
“الأ، الأميرة عادت.”
“ها.”
كان أمرًا مضحكًا. أوليفيا عادت؟
المرأة التي كانت تدخل قصر وليّ العهد دونَ إذن لرؤيته. تعود دون أن تراه؟
بالتّأكيد هناك شيء ما.
نظرَ ليوبولد إلى البارونة سوفرون بعيونٍ حادّة.
“ما الذي يحدث؟ هل هناك شيء يخصّ الأميرة لا أعرفه؟”
“ذ، ذلك…”
نظرت البارونة إلى ليوبولد بحذر. ابتلعَ غضبه و حاولَ التحدّث بلطف:
“أخبريني، سيدتي. أليس من واجبكِ ملاحظة أي شيء غريب في أوليفيا؟”
هل أصبحت متغطرسة بعد عرضِ زواج الدّوق الأكبر؟ أم أن هناك سببًا آخر؟
بينما كانت أفكار ليوبولد تتسارع، بدأت البارونة بحذر:
“…هل تتذكّر الأربعاء الماضي؟”
“الأربعاء الماضي؟”
أمالَ ليوبولد رأسه. لم يحدث شيءٌ خاص. فقط أن أوليفيا جاءت إلى قصر تياجي عند الفجر، وهذا كل شيء.
فجأةً، عمل ذهنه الذكيّ بسرعة.
“يبدو أنّ الأميرة رأتني أنا و ماريا.”
أخفضت البارونة رأسها بدلاً من الإجابة. ضحك ليوبولد بخفّة عند رؤية وجهها المصدوم، و تمدّد كما لو كان يتمطّى.
“إذن، بسببِ هذا الأمر التافه غادرت اليوم مبكرًا؟ تلقّت عرض زواج من الدّوق الأكبر، تظاهرت بالمرض لتتجنّبني، و الآن تريدني أن أهدّئها بنفسي.”
تحدّثَ ليوبولد بثقة كما لو اكتشفَ الحل.
بينما كان يوبّخ أوليفيا، شعرت البارونة سوفرون بقلق كأنّ جرس إنذار يرنّ في ذهنها.
كانت تراقب أوليفيا مادلين منذ دخولها كخطيبة ولي العهد. كانت الأميرة دائمًا هادئة و متّزنة، وفي أيام الأربعاء، عندما كان هناك لقاء رسمي، كانت تظهر بحماسٍ يليق بسنّها.
لكن الأربعاء الماضي كان مختلفًا.
أدركت ذلكَ اليوم كيف ينهار الإنسان. و اليوم، بدت أوليفيا شخصًا آخر تمامًا عندما كانت تغادر مع الدّوق الأكبر في العربة.
أرادت البارونة إخبار ولي العهد بما رأته. بأنّ الأمور لن تكون كما كانت.
لكن ليوبولد ضحكَ بخفّة ولم يستمع إليها.
“أرسلي رسالة إلى الأميرة. أخبريها أن موعد الأربعاء سيُنقل إلى الغد.”
“حسنًا.”
تصرّفَ ليوبولد و كأنّ الأمر لا يهمّه. بل بدت البارونة سوفرون أكثر توتّرًا منه.
* * *
في منتصف النهار في قصر تياجي.
كانت أوليفيا تسيرُ ببطء في الممر.
كانت تعرف الممر جيّدًا حتّى وهي مغمضة العينين. على طاولة الممر الغربي، كانت هناك زهور النرجس، وعلى طاولة الممر الشرقي، كانت هناك زهور الهدرانجيا الزرقاء.
شعرتْ بالأسف لأنّها ترى هذا للمرّة الأخيرة.
تجاوزت موعد لقائها مع ليوبولد، و لم تذهب إلى الحديقة، فكانت البارونة سوفرون بجانبها مضطربة.
ابتسمت أوليفيا بخفّة.
لن يصل سموّه قبل وقت طويل على أيّ حال، أليس كذلك؟”
“رغمَ ذلك، أيتها الأميرة.”
كانت أوليفيا تعلم أنّ قلق البارونة ليس فقط بسببِ الوقت، لكنها تظاهرت بعدم المعرفة.
تذكّرت إدوين، الذي دخلَ القصر معها اليوم و سيتنزّه بحريّة في حدائقه.
‘أين يسير الآن؟ أتمنّى أن يكون في حديقة مليئة بالزهور الجميلة.’
هكذا لن يرى نهايتها مع ليوبولد.
نظرت أوليفيا إلى الحديقة. على الطاولة، التي تجاوزت موعد الاجتماع بكثير، كان هناك إبريق شاي بارد وكوبان ينتظران صاحبهما وحيدين.
“…هيا لنذهب.”
بدت البارونة مرتاحة لكلام أوليفيا، و تنفّست الصعداء.
‘كيف لم ألاحظ أنّها شخصٌ مكشوف هكذا؟’
ابتسمت أوليفيا بعد أن أدركت ذلكَ بعد عشر سنوات.
* * *
“عندما يصل سموّه، ابتعدي.”
“حسنًا.”
أومأت البارونة سوفرون و تراجعت قليلاً.
كان الشاي الأسود في كوب مزيّن بالماغنوليا باردًا منذُ زمن. نظرت أوليفيا إلى شايها البارد، ثم إلى الكوب الفارغ المقابل الذي لم يُملأ.
‘لم أكن أعلم أنّ الانتظار ليسَ من طباعي.’
‘يجعلني أنتظر حتّى النهاية، يا له من أمر.’
بينما كانت ابتسامة مريرة تتشكّل على شفتيها،
“المجد لشمس الإمبراطورية الصغيرة.”
نهضت أوليفيا عند سماعِ التحيّات المتتالية. من بعيد، رأت رجلاً طويل القامة يسير بخطوات واسعة.
ابتسمَ وجهه الوسيم بغرور عندَ رؤيتها.
ليوبولد.
خطيبها الذي ستنهي خطوبتها منه اليوم.
أمسكت أوليفيا طرف فستانها و انحنت برشاقة.
“شمس الإمبراطوري…”
“لماذا كلّ هذا التكلّف؟ هل لأنّكِ آسفة لمغادرتكِ أمس مبكرًا؟”
قاطعَ ليوبولد كلامها بثقة، و واجهها بوجهٍ يُظهر استياءه.
لم يبد أنّه يُعير انتباهًا لتأخّره عن موعد اليوم، بينما يستحضر أمر أمس.
ابتسمت أوليفيا للخادمات. تراجعت الخادمات بسرعة بعد نظرة متفاجئة. أصبحت الحديقة الآن لها و ليوبولد فقط.
ملأت الكوب الفارغ من إبريق الشاي، لكن ليوبولد ألقى نظرة خاطفة عليه دون أن يلمسه، بل تشابكت ذراعاه.
لمعت عيناه الزرقاوان الحادّتان في عينيه المتعجرفة.
تحدّثت أوليفيا بهدوء عن غرضها:
“…جئتُ لأراكَ للمرّة الأخيرة قبل إنهاء الخطوبة.”
“هاهاها.”
قبل أن تنهي كلامها، انفجرَ ليوبولد ضاحكًا. كانت ضحكته المنعشة و ابتسامته الساطعة كافيتين لإذابة القلوب، لكن عينيه الزرقاوان كانتا تلمعان بالغضب.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 29"
توي قرات الفصل ذا في المانهوا ولا قدرت أتحمله خلاص ابه أشوفها وهي تجلده رفع ضغطي!!!
على طول رحت أدور الروايه شكراً على الترجمه💞💞