كان صوته يعكسُ أسفًا صادقًا. ضحكت أوليفيا بخفّة دونَ وعي. لاحظَ الدّوق الأكبر وجهها، و ابتسمَ بهدوء هو الآخر.
“لا أريد الزّواج الليلة.”
“هذا مجرّد كلام، مجرّد كلام. هل تأخذين المزاح على محمل الجدّ؟”
“لأنّني مليئة بالفطنة.”
اقتبست أوليفيا ما قاله الدّوق الأكبر لها سابقًا. هزّ رأسه و ضحكَ بهدوء.
كان حوارًا بسيطًا، لكنّه خفّف من توتّرها. أثناء الدّوران، رأت ليوبولد من بعيد. كان ليوبولد، الذي كانَ دائمًا يغيب إلّا أثناء الرّقص، يبدو و كأنّه سيقفز نحوها بمجرّد انتهاء الرّقصة.
“أتمنّى لو لم تنتهِ الرّقصة.”
“فكّرتُ بالشّيء نفسه.”
ابتسمَ الدّوق الأكبر وهو يطيل كلامه.
“لكنّ وينستر قال إنّه يجبُ تغيير الشّريك، فلا خيار لدينا.”
أشارَ الدّوق الأكبر بعينيه إلى الفارس وينستر كالتر. الفارس الذي كان يضحكُ بحماسة قبل أيّام و قفز في الحديقة حتّى المساء، و قالت هانا إنّه وصلَ إلى ساحة التّدريب.
نظرت أوليفيا إلى وينستر. عندما رأته في حديقة الفصول الأربعة، كان يرتدي زيًّا مضحكًا، لكنّه الآن، بزيّه الرّسمي، بدا شخصًا مختلفًا تمامًا. تمنّت لو تحدّثت معه ولو لمرّة، لكن لم تسنح الفرصة بعد.
هل كانت تلكَ الملابس المزيّنة بالرّباط حسبَ ذوقه؟
بينما كانت تنظر إلى وينستر، ظهر الدّوق الأكبر بنفخة خدود متجهّمة في مجال رؤيتها.
“أليس هناكَ رجلٌ أفضل بكثير أمامكِ بدلاً من وينستر؟”
“ماذا؟”
“أقصد، أنا على سبيل المثال.”
مع كلامه، أمسكَ الدّوق الأكبر خصر أوليفيا و رفعها مع الوالتز. طارت خصلات شعرها وهي معلّقة في الهواء، و انتشر طرف فستانها المنفوش. ضحكت أوليفيا قليلاً.
وعندما انتهت الوالتز، أومأت أوليفيا برأسها وخدّاها متورّدان قليلاً.
“…أنتَ أكثر من اللازم.”
“أنا مَنْ ينبغي أن يقول ذلك.”
همسَ الدّوق الأكبر وهو يبتسم.
“وليّ العهد يقترب من خلفكِ، ماذا نفعل؟”
ليوبولد يقترب؟ ربّما كانَ من الأفضل العودة إلى قصر الدّوق الأكبر الآن. لكن قبل أن تتكلّم أوليفيا، جاءَ شخصٌ قبل ليوبولد.
“أريد التحدّث.”
كانَ جايد. ظهـرَ من مكانٍ ما، محدّقًا بالدّوق الأكبر بوجهٍ غاضب.
“…أريد التحدّث مع أوليفيا، فهل تتفضّل بالابتعاد، سموّك؟”
“…النّائب دائمًا متجهّم. أين تحيّة ‘مرّ وقتٌ طويل’؟”
“رميتها مع الأخبار الكاذبة عن بقايا هيفيرتي.”
أكّـدَ جايد على كلمة “كاذبة”.
“حسنًا، إذن هذا أمرٌ جيّد. إذن، سيّدتي، هل نتوجّه إلى القصر كما خطّطنا؟”
“أوليفيا!”
ارتفعَ صوت جايد. لكن أوليفيا لم ترغب في مواجهته. بمجرّدِ رؤيته، شعرت بألم علامات يديه على كتفها.
“…ليسَ لديّ ما أقوله.”
“لكن لديّ الكثير. أين كنتِ طوال هذا الوقت بعد أن اختفيتِ فجأة؟ هل كنتِ في قصر الدّوق الأكبر؟”
“اخفض صوتك. هناكَ الكثير من النّظرات.”
تحدّثت أوليفيا بهدوء. توقّف جايد، الذي كان يلهث، للحظة قبلَ أن يتحدّث. كانت عيناه المحدّقتان بها معقّدتان. على الرّغمِ من ارتباكه، عزمت أوليفيا أمرها.
على مدى أربعة عشر عامًا، لم يتغيّروا. لو كانوا سيغيّرون موقفهم لأجلها، لكانوا قد التفتوا إليها منذُ زمن.
فتحَ جايد شفتيه ببطء.
“…تمـرّدكِ له حدود.”
حاولَ الدّوق الأكبر التقدّم لحماية أوليفيا، لكنّها أمسكته و هزّت رأسها.
“تمرّد؟”
مضغت أوليفيا كلمات جايد ببطء. بدا أنّ جايد لم يدركُ جديّة صوتها المنخفض.
“نعم، تمرّد. الجوّ سيء بالفعل بعد انهيار إيسيلا، فلا تجعلي الأمور أكثر إرهاقًا و عودي معي الآن.”
“أعود إلى أين؟”
“أوليفيا، لا تتصرّفي بغباء…”
توقّفَ جايد عن الكلام بنزعة. كان تعبير أوليفيا غريبًا. نظرت إليه و كأنّها حقًا لا تفهم.
كانت هذه المرّة الأولى التي يقلق فيها أحدهم على طعامها بعدَ الحفل. كانت نهاية الحفلات التي كرهتها دائمًا صعبة، لكن اليوم كان مختلفًا.
فجأةً، دفعَ الدّوق الأكبر ظهر أوليفيا برفقٍ نحو الدّرج. صعدت أوليفيا الدّرج بعيونٍ متفاجئة.
“لقد رقصتِ اليوم بجهدٍ كبير، لذا راحتكِ لها الأولويّة. أحضر الطّعام لاحقًا.”
“الرقص؟ إذن، هل نرسل خادمة للتدليك أو ماءً للاستحمام؟”
“ذلك أيضًا اتركه لوقتٍ لاحق. إذن، هل ترافقينني إلى الأعلى، آنستي؟”
أمسكَ الدّوق الأكبر يدها بمرح، مديرًا كلّ شيء. ساعدها سحبه على صعود الدّرج دونَ أن ترتخي ساقاها.
قادها الدّوق الأكبر دونَ كلام حتّى باب الغرفة، ثمّ توقّف. استدار وقال بلطف:
“هل تريدين البقاء وحدكِ؟ أم أبقى معكِ؟”
“…وحدي.”
“آه، يا للأسف.”
فتحَ الدّوق الأكبر الباب بلا أسفٍ حقيقي. مع إشارته للدّخول، نظرت أوليفيا إليه للحظة.
“هل هناكَ شيء تريدين قوله؟ هل أنتِ جائعة؟”
“لا، فقط… شكرًا.”
كانتْ صادقة. شكرته لأنّه لم يتركها تذهب إلى الحفل وحدها، لتزيينها بجمال، للخروج معها، ولتوفير مكانٍ لها.
شعرت أنّ صوتها المنخفض لا يمكنه التعبير عن كلّ شيء، فابتسمت فقط.
“…تبدين على وشكِ البكاء و تقولين هذا فجأةً؟!”
أشارَ الدّوق الأكبر إلى وجهها مازحًا. كانت تعرف جيّدًا كيف يبدو وجهها الآن. اعتادت دائمًا على التّعامل مع مشاعرها أمام المرآة. لذا، ابتسمت بجرأة أكبر.
“نعم، وجهي على وشكِ البكاء، لكن الشّكر هو الشّكر.”
“أنا أيضًا ممتن.”
“لمَ أنتَ ، سموّك؟”
“لأنّكِ قلتِ لنعد إلى القصر.”
القصر؟ أمالت أوليفيا رأسها، لم تفهم كلامه.
“إذا أصبحَ قصر الدّوق الأكبر مألوفًا لكِ، فهذا أمرٌ يستحقُّ الشّكر بالنّسبةِ لي. لو قلتِ أنّه ليس لديكِ مكانٌ تذهبين إليه، حقًا…”
توقّفَ الدّوق الأكبر للحظة. عندما اختفت ابتسامته الخفيفة، رأت أوليفيا وجهه الحقيقي بلا قناع. وجهه القوي الذي دعمها، انحنى ببطء.
“…كنتُ سأحزنُ حقًّا.”
تبدّدَ صوته المنخفض كنسمة. وهي تواجه عينيه الحمراوين الغارقتين، شعرت أوليفيا أنّ عينيها ستبكيان قليلاً.
* * *
“إذن، استريحي.”
نظرت أوليفيا إلى الباب المغلق وتذكّرت كلمات الدّوق الأكبر. ثمّ نظرت إلى الغرفة التي أصبحت فيها وحيدة مجدّدًا.
كانت دائمًا تشعرُ بالفراغ بعد الحفلات. كان ظهرها يتألّم وكأنّها جائعة. لكن اليوم لم يكن كذلك.
على الرّغمِ من أنّها أنهت كلّ شيء، لم تشعر بالحزن المعتاد، بل بالذهول.
كانتْ أطراف أصابعها ترتعش و بشرتها توخز.
كان شعورًا غريبًا.
كانت إيسيلا، الضّعيفة، تشتكي من أنّ وخز بشرتها يعني أنّها ستمرض قريبًا. في كلّ مرّة، كانت أوليفيا تعدّ دواء إيسيلا دونَ أن تفهم معنى الوخز.
لأنّ ذلكَ كان دورها.
لكن الآن تغيّـرَ الأمر.
بدا هذا التّغيير الصّغير كبداية الآن. نظرت أوليفيا إلى أطرافِ أصابعها بفرح. شعرت أنّ رأسها يدور قليلاً.
بينما كانت تضحك بهدوء، سارت نحو السرير. لكن خطواتها المتعثرة لم تذهب إلى السرير مباشرة، بل إلى الطّاولة. هناك، رأت دفترًا يشبه دفتر يوميّاتها، الذي كانت تكتب فيه في قصر الدّوق لأكثر من عشر سنوات. يبدو أنّ هانا اشترته على الفور.
كانت لحظة اندفاع. بدلاً من الذّهاب إلى السرير، جلست أوليفيا على الكرسي. شعرت وكأنّ أنفاسها تتسارع، لكنّها لم تكترث.
عندما فتحت يدها الرّاجفة الدّفتر، كانت الصّفحات البيضاء، كما هو متوقّع، خالية. الكلمات التي كانت تقيّدها دائمًا لم تكن موجودة.
لذا، لأوّل مرّة، كتبت لنفسها.
– لم أفعل شيئًا.
كانتْ الكتابة متعرّجة أكثرَ من المعتاد. لكن مع هذا السّطر الواحد، انفجرت أوليفيا بالبكاء. بكت كطفلة دونَ القلق من أن يسمعها أحد أو من فقدان الأناقة.
الآن، حقًا، اختفى كلّ ما كانَ يقيّد أوليفيا.
مادلين، العائلة، ليوبولد.
كلّ ذلكَ كان غريبًا وجديدًا. ومبهجًا.
بكت أوليفيا و ضحكت. سقطت دموع كبيرة على الكلمات، متفرّقة بحريّة، كما في جملة يوميّاتها الأولى منذُ زمنٍ طويل.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
📢 المنتدى العام
عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 22"
استمري يا بطلة ❤️❤️😍
شكرا علي الترجمة و اتمني تواصلي الترجمة هذه الرواية لأن بحثت عنها ما لقيتها الا هنا و فيها شوية فصول