“كفى عن مناداتي، و قولي لي لماذا انتشرت هذه الإشاعة الغبية بأنّ الدّوق الأكبر قدّم قسمًا لكِ؟”
عضّت أوليفيا شفتيها دونَ وعي.
مرّ عام و نصف. كان هذا اللقاء الأول مع جايد، الذي ذهب إلى حرب هيفيرتي ولم يعد مرّةً واحدة.
كان لديها الكثير لتقوله. لماذا لم يرد على رسائلها؟ لماذا أعادَ المؤن التي أرسلتها؟
أرادت أن تشتكي.
أرادتْ أن تقول إنها ممتنة لعودته سالمًا. تمنّت لو يبتسم لها ولو لمرة واحدة.
لكن جايد لم يتغير عمّا كان عليه قبل عام و نصف، حين كان يتجاهلها دائمًا.
خفّت حدّة عينيه قليلاً.
“الأمر كذب، أليس كذلك؟ كنتُ أعلم ذلك. من سيُقدّم قسمًا سيّدة لكِ؟ خاصة من قبلِ شخصٍ مثل الدّوق الأكبر…”
“إنّه حقيقي.”
“…ماذا؟”
نظرَ جايد إلى أوليفيا بدهشة، ثمّ سخر.
ردّت أوليفيا ببطءٍ على عادته في اتهامها بالكذب:
“سموّ الدّوق الأكبر قدّم قسمًا لي، يا جايد. كما تعلم، كان قسمًا كفارسٍ لسيدة.”
“مستحيل!”
“لماذا تتحدّث هكذا؟”
“ماذا؟”
صرخَ جايد غاضبًا ردًّا على همس أوليفيا. شعر بغضب يغلي بداخله.
كانَ من المفترض أن يقدّم القسم للأميرة، فلماذا قدّمه لها هي؟ هل تعرف هذه الغبية معنى ذلك؟
استمرَّ في النفث بغضب، ثمّ لاحظَ أن أوليفيا هادئة جدًا. توقّف عن التنفس للحظة و نظرَ إليها. ماذا قالت؟
أضاء ضوء القمر، المتسلّل من نافذة الباب، على أوليفيا. تحتَ الضوء البارد، كانت منحنية الرأس، و شعرها الفضيّ، الشبيه بشعره، يلمع كأنّه سيزول.
اهتزّ قلب جايد. لم تنحنِ أوليفيا أبدًا، حتى عندما عرفَ جايد، في سن العاشرة، أنّها ليست أخته الحقيقية.
“بسببكِ؟ بسببكِ ماتت أمي!”
كان جايد يعتني بأوليفيا سرًا بعيدًا عن والده و كونراد، لكنه منذُ ذلكَ الحين كرهها أكثر من أيّ شخص.
لم يستمع إلى أعذار أوليفيا، التي كانت تقاوم بصمت في ملابسها الرثة.
حتى بعد وفاة والدته بعامين، ظنّ جايد أنّ أوليفيا أخته. ندمَ بشدّة على عنايته بها. منذُ ذلكَ الحين، استمرّ في مضايقتها.
أطلقَ ضفادع تحت سريرها، أقفل الباب عليها في الخريف الممطر، مزّق كتبها المفضّلة، و دفعها دون سبب.
حتى في المجتمع الراقي، تركها وحيدة.
ورغمَ كلّ ذلك، كانت أوليفيا دائمًا مرفوعة الرأس.
لكن الآن، لم تكن كذلك.
بينما لم يجد جايد كلامًا، رفعت أوليفيا رأسها مبتسمة كعادتها.
“لماذا؟ تتحدّث كأنّ لا أحد سيُقدّم قسمًا لي.”
“هذا…”
“أنا أيضًا يمكنني تلقّي قسم. أنا بالغة أكملت دخولها للمجتمع.”
مزحت أوليفيا و هي تمسكُ طرف فستانها وتنحني كأنّها تؤدي تحيّة. ضيّقت عيناها وهي تنظر إليه.
“هذه قفازات هيفيرتي، أليس كذلك؟”
“ماذا؟”
خبّأت أوليفيا يديها خلفَ ظهرها دون وعي. أطلق جايد صوتًا مكتومًا.
“هل تلقّيتيها من الدّوق الأكبر؟”
“…نعم.”
“كنتِ تعرفينه قبلَ اليوم؟”
“…نعم.”
“أيتها الغبية!”
دوّى صوته كالصاعقة. ارتجفت أوليفيا للحظة، بينما صرخَ جايد وهو ينفث غضبًا، ثمّ صعد الدرج. أغلق الباب بعنف.
نظرت أوليفيا إلى أعلى الدّرج بحدّة. كان كونراد خبير الكلمات اللاذعة، لكن كلام جايد أصبح أسوأ بعد الحرب.
كيف يختار كلمات تؤذيها؟
تذكّرت كلامه بأنّها “مقززة” و نفيه للقسم، فأمسكت قبضتها بقوة.
أدركت أخيرًا أن أظافرها ستتركُ علامات في يدها تحت القفازات. بدأت قدماها تؤلمانها كأنّهما تحترقان.
صعدت أوليفيا الدرج متعرّجة.
هل كانَ الطريق إلى غرفتها طويلاً هكذا؟ عبرت الممر الطويل، وما إن دخلت غرفتها حتى أغلقت الباب و أقفلته، ثمّ جلست على الأرض. تلاشت ابتسامتها، وظهرت آثار الأذى على وجهها.
كان لقاءً حدثَ بعد وقتٍ طويل، لكنّه كان فوضويًا.
جايد السّيئ. جايد القاسي. جايد النذل.
و مع ذلك، جايد الذي انتظرته كثيرًا.
اختلطت الفرحة و الأسف، الحبّ و قليل من الحزن، فتمتمت أوليفيا:
“…لحسنِ الحظّ أنّكَ عدتَ سالمًا، يا جايد. لقد انتظرتكَ حقًا.”
كلماتها التي أرادت قولها لجايد ملأت الغرفة ثمّ تلاشت.
عندما نامت أوليفيا المنهكة، حلمت بيوم أعطاها فيه جايد دمية.
قبلَ ثماني سنوات، في مهرجان إقليم مادلين. استيقظت أوليفيا البالغة من العمر اثنتي عشرة سنة على صوتِ خارج غرفتها.
هل جاءَ جايد لوضع ضفادع في غرفتها مجدّدًا؟
كان يفضّل الفئران لو أرادَ المزاح، فهو لا يستطيع لمسها. منذُ الثامنة إلى العاشرة، كان جايد يعطيها إكليل زهور و يبتسم و يشاركها الألغاز.
لكن لم يتوقّع أحد أن يصبح في الرابعة عشرة بهذه القسوة. مهما حاولت، لم يعترف بها و استمرّ في مضايقتها.
كأنّه يكرهها حقًا.
ابتلعت أوليفيا المرارة و انتظرت مزحته. كان ذلك أفضل من تجاهل والدها لها كأنّها غير موجودة.
لكن جايد لم يدخل. انتظرت بهدوء فتح الباب، ثمّ فتحته بحذر.
كان جايد في الممر المضاء بضوء خافت، رائحة الكحول تملأ المكان.
نظرَ إليها بوجهٍ شاحب.
توترت أوليفيا.
كان جايد، الأطول منها بثلاثة أقدام، يتدرّب على السيف، فيبدو كرجل أكثر من صبي. لم يضربها أبدًا، لكنها رأت كيف يتصرّف البالغون المخمورون في شارع تورنينجبيل.
لكن جايد لم يفعل شيئًا. وقفَ ممسكًا بدمية أرنب كبيرة و أخرى صغيرة.
عندما لاحظها ببطء، تشوّه وجهه الصبيانيّ. ركّزت عيناه الياقوتيّتان عليها بنظرة غاضبة.
“…لكن.”
تمتمَ بعد فترة. اقتربت أوليفيا خطوةً دون وعي. توقّفت أنفاسها.
“…أنتِ أختي، فلماذا لستِ أختي؟”
“….”
“ظننتُ أنّكِ أختي.”
“….”
“لماذا لستِ أختي؟”
امتلأت عيناه، التي كانت تحدّق بها، بالدموع. بدا و كأنّ جايد الأصغر يتداخل معه.
كان يصنع إكليل زهور، يشاركها الألغاز، و يعطيها إيّاها. كان يضحكُ بسعادةٍ تحت قُبل الدوقة.
“أبي و كونراد قاسيان جدًا. لم تأكلي، أليس كذلك؟”
كان جايد يجلب الخبز و الدمى سرًا ليواسيها دونَ أن يعرف لماذا يعاملها والده و كونراد هكذا.
“بسببكِ؟ بسببكِ ماتت أمي!”
ثمّ عرفَ الحقيقة في العاشرة و صرخ بها.
عضّت أوليفيا شفتيها بقوة. كانت تصرّ على أنّها أخته، لكنها لم تستطع قول شيء الآن.
سار جايد متعرّجًا إلى باب إيسِيلا، و وضع الدمية الكبيرة، ثمّ رمى الأرنب الصغير نحو أوليفيا و اختفى في غرفته.
سارت أوليفيا ببطء نحو الدمية. كانت دمية أرنب جميلة و ناعمة، كتلك التي أعطاها إياها جايد في صغرها.
في تلكَ الليلة، لم تنم أوليفيا بسهولة. شيء ما طعن قلبها. عادت ذكريات السعادة القصيرة من طفولتها.
ربما يعتبرها جايد أخته في قرارة نفسه. لو حاولت أكثر قليلاً…
“أوليفيا هي أميرة الزمرد.”
ظنّت أنّ تلك السعادة ستعود إليها.
* * *
دوّى الباب المغلق. تذكّر جايد أوليفيا منحنية الرأس. هزّ رأسه ليزيل الصورة و أطلق شتيمة.
“ذلكَ المجنون، يقولون إنّه فقدَ عقله، فما هذا؟”
انتظرَ هذا اليوم. لعامٍ و نصف في الحرب، توقّع حضور الحفل.
لكن وردت معلومات عن بقايا هيفيرتي. اختاره الدّوق الأكبر المجنون للتعامل معها.
كانت المعلومات كاذبة.
لم يعرف لماذا كان ينتظر الحفل. هناكَ الكثير من الحفلات.
ومع ذلك، انطفأت توقّعاته بسبب كلمات من أحد الفرسان في طريقه إلى القصر
قال إن الدّوق الأكبر قدّم قسمًا لسيدة.
سخرَ جايد.
كان الإمبراطور يحاول ربط كلبه بحيلةٍ ذكية.
بالتأكيد ستكون للأميرة.
“يبدو أنّ جلالة الإمبراطور مصمّم. ربما زواج ملكيّ.”
“لا، يا سيدي. ليست الأميرة! الشخص الذي قدّم له سموّه القسم هو…”
توقّف الفارس عند رؤية جايد.
“…أختكَ الأميرة، يا سيدي.”
“ماذا؟”
ابيضّت عيناه. أوليفيا هي الأميرة الوحيدة من مادلين التي يمكنها حضور الحفل.
عادَ إلى القصر غاضبًا، لكن أوليفيا لم تكن هناك.
جلسَ على الدّرج الأول بعد إبعاد الجميع. عندما عادت أوليفيا، نهض و سألها بغضب مكبوت، لكن…
كانت أوليفيا هي من تلقّت قسمَ الدّوق الأكبر.
تلكَ الغبية.
هل تعرف مَن هو الدّوق الأكبر؟
غضبَ جايد. أمسك هدية من بين الهدايا القريبة ورماها على الحائط.
سقطت علبة، و خرجت منها قفازات مشابهة لتلك التي كانت ترتديها أوليفيا. تنفّس بصعوبة ونظر إلى الهدايا المتراكمة.
كانت هدايا اشتراها مثل تلك التي لإيسِيلا، لكنه لم يعطها لأوليفيا أبدًا. لم يستطع رميها أو إرسالها، فتراكمت.
ظنّ أنّها أخته، لكنها لم تكن كذلك، تلكَ الغبية.
أغلقَ جايد عينيه. لم يعرف لماذا كان غاضبًا هكذا.
في ظلام رؤيته، رأى أوليفيا.
في العاشرة، عندما عرف عن وفاة والدته، كره أوليفيا. و كانت أوليفيا البالغة ثماني سنوات تدور حوله.
شعرَ بالاختناق بسببِ توقّعها في عينيها الخضراوين. كان أمرًا لن يحقّقه أبدًا.
لماذا احتفظَ بتلك الهدايا؟ لو فكّر قليلاً، لكان الطريق أسهل. لكنه لم يفعل.
انتظرت منذ الفجر. توقّعت أن يسألها والدها أو كونراد عن قَسم الدّوق الأكبر أو علاقتها بليوبولد.
لكن الصباح كان هادئًا.
“سيّدتي، الإفطار جاهز. أعطيني هذا و تناولي طعامكٌ.”
أخذت سالي العصير وقالت إن جايد خرج منذُ الفجر. كان هناك طعام لأوليفيا فقط في غرفة الطعام الفارغة.
لم يكن الإفطار وحيدة لذيذًا.
متى ستعود إيسِيلا من قصر للماركيز هيلكوين، منزل والدتها؟
حاولت أوليفيا التفكير بأشياءٍ أخرى، هروبًا من الواقع.
اقتربت سالي، صبّت العصير في كأس فارغ، وقالت بحذر:
“سيّدتي، هل يمكنني سؤالك عن شيء؟”
“عن ماذا؟”
“هل تلقّيتِ قسمًا من سموّ الدّوق الأكبر بالأمس؟”
ابتسمت سالي بحماس.
“كنتُ أعلم أنّه حقيقي! كنتِ رائعة جدًا أمس! حتى الصحف قالت إنّكِ كنتِ…”
“الصحف؟”
“نعم! الصحف مليئةٌ بأخباركِ!”
شعرت أوليفيا ببرودة في أطرافها. الصحف؟ من تجرّأ على نشر ما حدثَ في القصر؟
سألت سالي بحماس: “هل أحضرها؟”
أومأت أوليفيا، فركضت سالي خارجَ غرفة الطعام.
أغلقت أوليفيا عينيها.
كلّ ما يحدثُ في القصر، خاصة في الحفلات، يُعتبر “غير رسميّ”.
كانت الشائعات عادةً عن شريكة ليوبولد.
أن تكون هي محور الأخبار يعني إمّا أن القصر سمح بذلك، أو…
“…أن شخصًا ما سرّبَ الأخبار عمدًا.”
تمتمت أوليفيا و فتحت عينيها.
أحضرت سالي عدّة صحف. كانت العناوين كلّها عن أوليفيا.
– الدّوق الأكبر فيكاندر ، البطل، يقدّم قسمًا لدوقة مادلين؟
– خبر عاجل: بطل الحرب يؤدي قسمًا لسيّدة أخيرًا؟
تصفّحت أوليفيا الصّحف بسرعة.
كلّها عن قَسم الدّوق الأكبر لها.
ستعيش منعزلة لفترة، رغمَ أن ذلك لم يكن في خططها.
فكّرت أوليفيا بهدوء في مهامها. ستبقى في المنزل إلا عند دخول القصر، و ستدعو شخصًا لإدارة شؤون قصر ولية العهد. بينما رتّبت أفكارها، خطرت لها أفكار عن ليوبولد.
هل رأى ليوبولد هذه الأخبار؟ في ماذا يفكر؟
…هل يهتمّ أصلاً؟ ابتسمت أوليفيا بمرارة وهي تقلب الصحف.
“وصلت كمية كبيرة من الرسائل لكِ منذ الصباح. وضعتُ الباقي في غرفتكِ و أحضرتُ هذه فقط.”
مدّت سالي رسالة بحماس. هل هي من إيسِيلا أو ليوبولد؟ فتحت أوليفيا الرسالة وأغمضت عينيها.
كان الختم على الظرف الفاخر من عائلة فيكاندر.
“جاءَ شخصٌ من منزل الدّوق الأكبر مباشرة!”
سيف مزيّن بالورود و الأشواك. رمز رأته في سجل النبلاء. فتحت أوليفيا الرسالة بحذر.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 14"