“تجرّأتِ على معاملتي هكذا أمامَ النبلاء، فكيف أكون سعيدًا؟ هذا كذب.”
ضغطت برودة مرحة على أوليفيا. ابتسمت بمرارة دونَ وعي. لو لم تعضّ شفتيها، لكان تنهّدٌ يائس قد خرجَ منها.
“اشكري ماريا.”
ذكر ليوبولد اسم ماريا بهدوء و مرّرَ شعر أوليفيا خلفَأذنها بلطف. اقتربَ منها، فشمّت رائحة خشب محترق رطبة. قبل أن تسعل، همس ليوبولد:
“لو لم تحاول ماريا تهدئتي، لكنتُ غاضبًا حقًا.”
كما توقّعتْ. ليوبولد لن يفعل غير ذلك.
نسيت السّعال وحاولت أوليفيا استعادة رباطة جأشها. سخرتْ من نفسها لتوهّمها. ليوبولد كان كما هو دائمًا.
متى ستتحقّق توقّعاتها بأنّه سينظرُ إليها إذا بذلت قصارى جهدها؟
داهمها إدراكُ الواقع بقسوة. رفعت أوليفيا زاوية فمها بصعوبة.
عندما بدأت موسيقى جديدة، وضع ليوبولد يده على خصر أوليفيا. شعرت بالغرابة من لمسة يده.
ارتجفت أوليفيا قليلاً، فـهمسَ ليوبولد كعاشق مخلص:
“إذا كنتِ خرقاء، تظاهري بالمهارة على الأقل، يا أميرة.”
طعنت كلماته قلبَ أوليفيا كخنجر.
رقصت أوليفيا.
على مدى أيّام لا تُحصى، تخيّلت هذا اليوم.
أن ترقص مع ليوبولد، مرتديةً ملابسًا بنفسِ اللّون، خطوةً بخطوة.
تخيّلت أنّها ستواجه عينيه وسطَ القاعة تحت أنظار الجميع. عندما يمسكُ يدها و يرقصان، ستكون عيناه دافئتين كنسيم الربيع.
لكن الواقع لم يكن حلوًا ولا دافئًا.
رغم أنّها نفسُ الرقصة، قادها ليوبولد بلا رحمة.
ركّزت أوليفيا بشدّةٍ لمواكبة سرعته. حركت قدميها بسرعةٍ خوفًا من أن تدوس قدميه.
دارت و دارت، طارت ثمّ هبطت. لم تكن الرقصة ممتعة.
عندما شعرت بألمٍ في كاحلها، انتهت موسيقى الوالس.
تصفيق مدوٍّ.
انحنى ليوبولد قليلاً نحوها كأنّه أمرٌ طبيعي.
كادت أنفاسها، التي لم تستطع إخراجها بسبب تركيزها على قدميها، تختنق. تنفّستْ بصعوبة و انحنت لـليوبولد.
عندما رفعت رأسها، كان ليوبولد قد استدارَ بالفعل.
أدركتْ أوليفيا أنّه ذهبَ إلى جانبِ الآنسة إيتيل بفستانها الورديّ.
فجأةً، خطرت لها فكرة.
بالنّسبة لماريا إيتيل، وجه ليوبولد الأماميّ هو الأكثر ألفة.
بالنّسبة لها، هو دائمًا يُظهرُ ظهره فقط.
تفاقمَ ألم قدميها. رتّبت أوليفيا تعبيراتها كأنّ لا شيء يؤثر فيها. كرّرت في ذهنها كتعويذة:
لا بأس، لا يهم، أنا بخيرٍ حقًا.
على كعبها العالي، أمسكتْ أوليفيا طرف فستانها. كان عليها البقاء في القاعة حتى تنتهي خمس أغنيات أخرى.
جلست عندَ طاولة جانبيّة، مركّزة على الموسيقى، متمنية ألا يتحدّث إليها النبلاء. لكنها شعرت بحركة.
“أهنّئكِ على رقصتكِ الأولى، يا أميرة.”
كانت ماريا إيتيل.
كانت هذه المرّة الأولى التي تتحدّث فيها مع ماريا في حفل. تجمّعت أنظار النبلاء عليهما.
“…شكرًا، يا آنسة. لقد كنتِ لطيفة بتهنئتي على رقصتي الأولى.”
“بالطبع. أنتِ خطيبة سموّ وليّ العَهْد، فمن الطبيعيّ أن أهتمّ بكِ.”
جلستْ ماريا بجانبِ أوليفيا متظاهرةً بالودّ. بين رائحة عطرها، شمّت أوليفيا رائحة خشب محترق رطبة، نفس رائحة السّيجارة التي شمّتها من ليوبولد.
سعلت أوليفيا بخفّة. اتّسعت عينا ماريا و تراجعت.
“آه، أعتذر، يا أميرة. ربما التصقتْ بي رائحة بعد زيارتي للشّرفة.”
لم يجهل أحد أنّ الشرفة المغطاة بالستائر الحريريّة مكانٌ لقاءات العشاق. ابتسمت ماريا بخفية.
“كما تعلمين، سموّ وليّ العَهْد يفضّل هذه السّيجارة دائمًا. آه، يبدو أنّكِ تعانين من ضعف في الشعب الهوائيّة بسببِ السعال. أو ربما…”
أطالت ماريا كلامها.
“لم تعتادي على شمّ رائحة السّيجارة.”
ظهرت نبرة سخريةٍ خفية تحتَ صوتها القلق. كانت عيناها الزرقاوان مليئتين بالاستهزاء وهي تميل برأسها ببراءة.
ابتسمت أوليفيا بهدوء.
فهمتْ الآن لماذا جاءت ماريا إيتيل إليها.
نظرت إليها بهدوء. كانت ماريا جميلة حقًا. شعرها الذهبيّ اللامع، وجهها الأبيض الجميل، وقفتها الواثقة، و عيناها الزرقاوان المتلألئتان. كانت كمَنْ نشأت محاطةً بالحب.
هل هذا سبب تمسّك ليوبولد بها؟
“أميرة؟”
كسرت ماريا الصّمت بنبرةٍ وديّة. ابتلعت أوليفيا كلمات لم تستطع قولها. طعنت الكلمات المكبوتة قلبها بألم.
نظرت إلى عينيها الساخرتين و ابتسمت عمدًا:
“صحيح. عادةً لا يدخّن سموّ وليّ العَهْد السّيجارة أمامي. يبدو أنّكِ قويّة الشعب الهوائيّة، يا آنسة.”
تشوّهَ وجه ماريا للحظة. بينما بحثت عن ردّ، قالت أوليفيا بهدوء:
“هل تريدين أن تكوني عشيقة؟”
تجمّدت ماريا. تحدّثت أوليفيا بصوتٍ معتدل وسط الحشد:
“بما أنّ إمبراطوريّة فرانتز لا تعترف بتعدّد الزوجات، فالمنصب الوحيد الذي يمكنكِ الوصول إليه هو زوجة الكونت روالتز.”
كانت هناك طريقتان لتصبحَ سيّدة عشيقة: إمّا البقاء كسيّدة، أو الزّواج من رجلٍ مناسب و تكونَ عشيقة ضمن اتفاق ضمنيّ.
“مرّت ثلاثون سنة منذ وفاة زوجة كونت روالتز، أليس منصبًا مناسبًا؟”
بالطبع، كلاهما ليسَ مشرفًا.
نهضت ماريا غاضبة، ناسية النبلاء الذين يتنصّتون.
“كيف تتجرئين على قولِ هذا لي؟!”
“إذا لم يكن الأمر كذلك، فلماذا تستمرين في استعراض قربكِ من سموّ وليّ العَهْد أمامي؟”
ارتجفت شفتا ماريا عندَ الكلام الهادئ. بدت الدموع في عينيها الزرقاوتين، ثمّ ركضت إلى مكانٍ ما.
نظرت أوليفيا إلى ظهرها المبتعد و نهضت. قبل أن تخطو خطوة، انتشر ألم في قدميها.
بينما سارت بوجهٍ خالٍ من التعبير، تجمّعت الآنسات حولها.
“يا أميرة، يبدو أنّكِ تتحدّثين عن أمرٍ ممتع، أدخلينا معكِ.”
“الرّقصة الأولى و الثانية كانتا رائعتين.”
“بالمناسبة، أين ذهبت الآنسة إيتيل؟”
ملأت كلمات الاستفزاز المقنّعة بالودّ محيط أوليفيا.
ردّت أوليفيا بهدوء: “بالفعل.” النبلاء بدوا أكثر إلحاحًا عند ردها الغامض.
كيف تعرّفتِ على الدّوق الأكبر؟ لماذا غضبتْ الآنسة إيتيل؟ لماذا لا يظهرُ وليّ العَهْد؟
كانت كلماتهم نبيلة فقط في النبرة، خالية من الأدب تجاه أوليفيا. ابتسمت بلطف و أومأت برأسها:
“كما رأيتم، حدثَ الكثير اليوم. سأستأذن مبكرًا.”
تدفّقت تعليقاتٌ لاذعة من خلفها، لكنها لم تهتم.
انتشرَ ألم حارق في قدميها. سارت أوليفيا باستقامة، ناظرةً حولها. لم يكن الدّوق الأكبر موجودًا في القاعة.
شعرت بالأسف بشكلٍ غريب. أغمضت عينيها وقالت:
“آه.”
تذكّرت أنّها لم تتحدّث عن دبّوس الجواهر الذي أعطتها إياه إيسِيلا.
بما أنّ حفل النصر سيستمرّ أيامًا، ستلتقي بالدّوق الأكبر في إحدى المناسبات.
عندها، ربّما يمكنها أنْ تستعيدَ الدبوس إذا طلبت.
شعرت بثقةٍ غريبة بذلك.
ظهرت ابتسامة خفيفة على شفتي أوليفيا.
* * *
“آه!”
في غرفة الأميرة الفاخرة، صرخت رينا.
داست على باقة زهور ممزّقة بعينين غاضبتين، صارّةً على أسنانها.
إدوين لويل بيكاندر. دوق أكبر، لكنّه مجرّد سفّاح.
يجرؤ على عدم تقديمِ سيفه لها رغمَ نعمة الإمبراطور العظيمة.
في البداية، كانت متردّدة بسببِ شائعات لقبه كسفّاح.
لكن عندما رأت مظهره الرائع، تغيّر رأيها. مع وجه كهذا، ابتسمت له أوّلاً.
تذكّرت الدّوق الأكبر الذي تجاهلها و هي تمسك الباقة و يستدير.
أن يقدّمَ قسمه لعار مادلين، أوليفيا، من بين الجميع!
كانت هذه الإهانة الأولى في حياتها.
كيفَ يجرؤ!
أن ترقص أوليفيا مادلين كنجمة الحفل مع الدّوق الأكبر ثمّ الوليّ العَهْد!
أمر لا يصدّق.
كان ذلكَ المكان من حقّ رينا فرانتز!
“تصرّفي كأميرة، يا رينا. أنتِ تملكين أنبل دماء.”
رفعت رينا رأسها. رأت والدتها، الإمبراطورة، تجلس بأناقة لا مثيل لها.
كانت والدتها دائمًا تسيطرُ على أوليفيا بإصبع واحدة.
هدأت رينا عند سماعِ كلامها. هدأ أنفاسها الغاضبة، وفكّرت:
كأميرة، يجبُ أن تكسر غطرسة أوليفيا مادلين.
بردت أفكارها المضطربة.
تذكّرت أنّ ابنة مادلين الشرعيّة تدافع عن أختها كثيرًا، كحمقاء لا تعرف شيئًا في بستان الزهور.
لمعت عينا رينا الزرقاوان.
ابتسمت الإمبراطورة بشدّة عند رؤية فكرة ابنتها.
* * *
غرقت الأجواء في الظلام. ظهرت جدران القصر من نافذة العربة.
حتى مغادرتها الحفل، سارت أوليفيا باستقامة، لكن قدميها انهارتا بمجرّد صعودها العربة.
“لقد صمدتِ جيّدًا، يا أوليفيا.”
تذكّرت فجأةً طلب إيسِيلا أن تحكي عن الحفل.
بخصوص أنً الدّوق الأكبر قدّمَ لها قسمًا، وأنّها رقصت رقصتها الأولى أخيرًا، و أنّها حذّرت الآنسة إيتيل.
باستثناءِ الأمر الأوّل، كانت أسرارًا لا يمكنها قولها. تنهّدت أوليفيا وهي تفكّر.
كم كان سيكون رائعًا لو استطاعت أنْ تقولَ إنّها رأت جايد.
رغمَ أنّه حفل نصر، لم يظهر جايد في القاعة. أين هو؟
توقّفت العربة، ودخلت أوليفيا القصر. عندما خطت، داهمها ألمٌ متراكم.
“أنتِ.”
رفعتْ أوليفيا رأسها فجأةً عند سماعِ صوت مألوف. كان الصوت من أمام الدرج.
كان جايد.
“جايد!”
ركضت أوليفيا نحوَ الدّرج بفرح غامر. نسيت ألم قدميها و مشاعر الحزن المتراكمة عند رؤية جايد سالمًا.
“لقد انتظرتكَ حقًا!”
“ما علاقتكِ بذلكَ الشّخص المجنون؟”
توقّفتْ أوليفيا عندَ الصوت الحادّ.
لم يكن هذا متوقّعًا.
في كلّ تخيّلات عودة جايد، لم يكن هناك تخيّل ل و هو ينظر إليها بغضب.
نظرت أوليفيا إليه مذهولة.
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 13"