بمجرد أن حلّ الليل، أمسكتُ بالحقيبة المليئة بالمؤن وتوجّهت إلى منزل الجدّ ويل.
وحين وصلتُ، حتى قبل أن أدخل إلى الداخل، سمعتُ أنين الصبيّ المؤلم. بدا أنه أسوأ حالًا اليوم ممّا كان عليه البارحة.
دخلتُ ورأيت الجدّ ويل يبذل كل ما بوسعه ليمسح عرق الصبي ويخفّف من معاناته.
سارعتُ بالاقتراب من السرير وأخرجتُ الزجاجة من حقيبتي وناولته إيّاها.
“وما هذا؟”
“ماءٌ نقي.”
“شكرًا لكِ”، تمتمَ.
ثم قلتُ: “خذ هذا أيضًا”، وناولته عشبة “جوزايا”.
أمسك الجدّ ويل العشبة وأمرّ أصابعه بخفّة على أوراقها.
“آه… جوزايا إذن…؟”
مستحيل. هل تمكّن من معرفة نوع العشبة بمجرد لمسها؟
إن كلمة مذهل لا تكفي لوصف الجدّ ويل، أفعاله دائمًا تفوق كل توقعاتي.
أسقط الجدّ ويل أوراق الجوزايا في الزجاجة، فذابت ببطء في الماء حتى أصبح سائلاً ذا لونٍ أخضر فاتح.
ثم اقترب من الصبيّ الملقى على الفراش وفتح فمه بحذر، وقطّر بضع قطرات من المزيج على لسانه.
أغلق الصبيّ فمه، ولم يمض وقت طويل حتى بدأ هياجه يهدأ تدريجيًا، واستقرت أنفاسه.
يبدو أن تأثير عشبة جوزايا يظهر خلال أقل من دقيقة بعد دخولها الفم.
حللتُ الأربطة القذرة التي صنعتها من ثوبي بالأمس ولففتُ بها رأس الصبي، ثم وضعتُ المرهم الذي أحضرته معي على جراحه المتقيّحة.
وبعد أن انتهيت، غطّيتُ إصاباته مجددًا لكن هذه المرة بضمادات قماشية حقيقية.
أعتقد أن مثل هذه الإصابات البشعة أمر معتاد هنا.
قال الجدّ ويل مجددًا:
“أليسيا، شكرًا لكِ.”
أجبته: “أنا… أفعل هذا فقط لأنه يصبّ في مصلحتي، فلا داعي لشكرك.”
صحيح. أنا شخص لا يضع إلا مصلحته أولًا.
إنقاذ هذا الصبيّ لم يكن سوى نزوة لأنني أردتُ التحدّث مع طفل ذكي صغير.
توترت كتفا الجدّ ويل قليلًا عند سماع كلماتي. لم أرد أن ينظر إليّ باحتقار، لكنني أيضًا لم أرغب في أن أكذب.
“بغضّ النظر عن دوافعكِ، شكرًا لكِ.” قالها بحرارة وهو يسترخي من جديد.
“ما اسمه؟”
“إنه جيل.”
“جيل… عمره؟”
“ست سنوات.”
“وأين والداه؟”
“لقد قتلهم بعض القرويين هنا.”
قتلوا؟
لم يموتوا بمرض، بل قُتلوا؟
قال الجدّ ويل بنبرة واقعية، لكن صوته حمل لمحة طموح:
“أليسيا، هذا هو حال هذا المكان.”
“وما كانت جريمتهم؟”
“لم يقترفوا أي جريمة.”
إذن، ماذا يعني هذا؟ طفل في السادسة أصبح يتيمًا بلا سبب؟ هل هذا أمر طبيعي هنا أيضًا؟
“هذا… غير صحيح.”
“نعم. أعتقد ذلك أيضًا. لكن مهما كان الأمر ظالمًا، لا يمكننا فعل شيء ونحن محبوسون هنا.”
ما الذي تفعله البطلة إذن؟ عليها أن تُسرع وتفعل شيئًا حيال هذه الأوضاع غير الإنسانية!
… يا للعجب. هل بدأتُ أعتمد على البطلة فعلًا؟
لكن ماذا بوسعي أن أفعل؟ لا يوجد أي فائدة شخصية لي في تحسين أوضاع هذه القرية!
تبًا! أنا شريرة باردة القلب. يجب ألا يزعجني مثل هذا الأمر!
لقد عقدتُ العزم أن أصبح أعظم شريرة عرفها هذا العالم!
…. لكن إن كان ذلك صحيحًا، فلماذا أشعر بهذا الضيق في قلبي؟ من أين تأتي هذه الكآبة الثقيلة؟
قال الجدّ ويل وهو يربت على رأسي: “شكرًا جزيلًا على ما قدمتِ اليوم.”
فأجبته: “هذا… من فضلك شاركه معه.” وناولته الحقيبة الممتلئة بالماكارون الملوّنة.
وربما شعر أن نبرتي فقدت بعض حدّتها السابقة، فربت على رأسي مرة أخرى وهمس: “سيكون كل شيء بخير.”
᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽᯽
ترجمة نوفا(سيرا)
التعليقات لهذا الفصل " 35"