كانت المساكن الرسمية للأميرات الإمبراطوريات اللواتي تم تعيينهن رسميًا تقع في الجناح الشرقي من القصر. وكان مدخل جناحي مزينًا بنقوش جميلة وطائر فضي بارز بدقة، ومن هنا جاء اسمه: غرفة الطائر الفضي. وبما أنها ثالث أرقى غرفة في الجناح، فقد كانت أيضًا مقياسًا لمكانتي العملية كأميرة.
“ضعوه على السرير.”
أدى الحرس الإمبراطوري الذين حملوه آخر أوامري وانسحبوا. وما إن أُقفلت أبواب جناحي بإحكام حتى أطلقت خادماتي أنفاسهن المكبوتة وبدأن يتحدثن واحدة تلو الأخرى.
“يا إلهي! صاحبه السمو جلبت رجلاً إلى غرفتها. هذا لم يحدث من قبل!”
“كان لا بد أن يحدث هذا يومًا ما، يا ديميا. فلنكف عن المبالغة.”
الفتاة الحيوية ذات الشعر البني القصير كانت ديميا. أما المرأة ذات الطبع الهادئ والشعر الأخضر الداكن القصير، التي تشبه المساعد الأمين، فكانت هامل.
وبينما كنت أستمع إلى ثرثرة خادماتي المخلصات العزيزات عليّ، بدأت أخيرًا أشعر بانحسار التوتر الذي عشته في حضرة الإمبراطور المجنون. كان ذلك الشعور بالراحة الذي يشعر به المرء عند دخول ملاذ آمن.
“لكنه يبدو على وشك الموت. أتساءل إن كان سيتمكن من خدمة جلالتك وهو بهذه الحال. هذا ليس مطمئننا.”
“حالته سيئة بلا شك. لكن إن كان يرضي جلالتك، فليكن.”
كنت سأدعهن يتحدثن أكثر، لكن الوقت لم يكن مناسبًا.
“هامل، الطبيب؟”
“سيصل قريبًا.”
“ديميا، أحرقي بعض البخور المسكن للألم.”
“لقد فعلت ذلك قبل أن تصلي يا مولاتي.”
لابد أنها رتبت الأمر فور مغادرتي قاعة العرش. فشبكة المعلومات الممتدة في القصر كانت قد أخبرت الجميع بأنني عدت ومعي أسير حرب جريح على شفا الموت.
جلست على المقعد الذي وضعته هامل ونظرت إليه. وجهه، الذي كان يطل قليلاً من تحت الضمادات، كان متشنجًا بالألم العميق. كان من الأفضل لو تمكن على الأقل من التأوه، لكن حتى شفتيه المتشققتين بالكاد أصدرتا صوتًا. لم يكن مفاجئًا أن يلفظ أنفاسه في أي لحظة.
“مولاتي، لقد وصل طبيب القصر.”
تجهم وجه الرجل متوسط العمر، الذي بدأ الشيب يغزو شعره، بمجرد أن رأى المريض، وأغلق الستائر حول السرير بدعوى إبعاد مثل هذا المشهد عن عينيّ.
تحول ماء الحوض النظيف إلى الأحمر مرارًا عند استبدله، وتراكمت الضمادات المتسخة وقوارير الدواء الفارغة حول السرير.
“كيف حاله؟”
“مزري.”
وأخيرًا سحب الطبيب الستائر. الرجل، الذي كان قبل قليل يبدو كجثة نصف ميتة، بات الآن جثة نصف ميتة… أنظف قليلًا.
“سيكون من الاسرع عدّ الأماكن السليمة في جسده بدلًا من عد المصابة. لقد عالجتُ جراحه الداخلية بالأدوية وأعدتُ عظامه المكسورة إلى مواضعها. عيناه… لو تأخرنا قليلًا لكان الأمر لا رجعة فيه. مع العلاج المنتظم، سيتعافى. لكن المشكلة تكمن في…”
“انه جوهرة المانا خاص به، أليس كذلك؟”
“بلى، يا مولاتي.”
على عكس العظام واللحم، لا يمكن معالجة جوهرة المانا بالأدوية أو الجرعات.
“لدى الفرسان، يجب أن تكون جوهر المانا على الجانب الأيمن من الصدر. أما هو فقد تحطمت تمامًا. الأمر أشبه بإنسان عادي بلا قلب. مسيرته كفارس قد انتهت.”
أجبته ببرود: “إذن أصلحها.”
“عفواً؟ إن الكائن الوحيد القادر على إصلاح جوهر مانا محطمة هو جلالة الإمبراطور، وهو في هذا الإمبراطورية بمنزلة إله. وتلك النعمة لا تُمنح إلا لفرسان ذوي إنجازات عظيمة، لا لأسير بائس.”
ولهذا بالضبط أقسم كثير من مستخدمي المانا ولاءً أعمى للإمبراطور المجنون لأنه يمنحهم مصلحة شخصية.
“عندما أفكر بالأمر مجددًا، فإنها سيطرة لا مثيل لها حقًا. يحيا جلالة الإمبراطور!”
جعلني تملق الطبيب المفاجئ أشعر بالانزعاج.
“أيها الطبيب، فلنكن أكثر دقة في كلماتنا.”
“ماذا؟”
“ليس أمرًا لا يستطيع فعله إلا جلالة الإمبراطور. بل هو أمر لا يقدر عليه إلا من يملك نفس مستوى قوته.”
“هـ-هذا صحيح…”
تظاهرت أنني لم ألحظ النظرة الوقحة التي ألقاها عليّ، وكأنه يقول: لكن ذلك لستِ أنتِ، أليس كذلك؟ لكن الأهم أن الضمادات التي وضعها للتو بدأت تبتل بالدم مجددًا.
تنحنح الطبيب بتوتر وهو يراقب ردة فعلي. “أستسمح جلالتك، لكنني لم أتمكن من معالجة الحروق والتمزقات.”
“ولماذا؟”
“لقد استنفدتُ بالفعل الحصة الشهرية من الجرعات المخصصة لجلالتك…”
“لقد أديت عملك. يمكنك الانصراف.”
“نعم، مولاتي! أنسحب الآن!”
وبعد أن صرفت الطبيب، التفتُّ إلى خادماتي وأصدرت أمري التالي: “علينا أن نُشفيه بسرعة. املأن الحوض بكل الجرعات الموجودة في جناحي.”
شهقت ديميا: “مولاتي، لقد جمعتِها على مدى عشر سنوات. وزجاجة واحدة منها تساوي منزلاً في الضواحي!”
ابتسمتُ ببرود: “أراكِ على اطلاع بسعر السوق، ديميا. املئي الحوض.”
“أمرك.”
أُحضِرن حوض استحمام متنقل بجوار السرير، وأُفرغت خمس خزائن كاملة من القوارير فيه. كان أغلى حمام في العالم يُحضّر أمامي.
“مولاتي، هل ستستخدمين الجرعة الأعلى جودة؟ تلك وحدها تساوي قصرًا…”
كانت ديميا تحتضن زجاجة متألقة كأنها كنز، وهي أثمن ما أملك، حياتي الاحتياطية الوحيدة.
وفجأة صدر أنين ضعيف من السرير. كان يحاول جاهدًا رفع نصف جسده العلوي.
“كيـاه! الجثة تتحرك يا مولاتي!”
“قد يكون طبيب القصر متملقًا، لكنه يملك بعض المهارة على ما يبدو.”
أسكتُّ هامل وديميا بنظرة، وأنا أثبت بصري عليه. تحت الضمادات التي تغطي عينيه، بدت شفتاه المنحوتتان كأنهما تحاولان قول شيء. وبقبضة متشبثة بقدر استغاثته، تمتم بصعوبة بالغة:
“لا… تُعالِجيني.”
ماذا؟
“أرجوكِ… دَعيني… أموت…”
“…”
تلاشت القوة من قبضته. وبعد أن قال ما أراد، غاب عن وعيه مجددًا. بقيت يده المنزلقة على الملاءة، في رؤيتي. وبينما أحدق فيها بصمت، اقتربت هامل وديميا.
“مولاتي، أعرف نوعه جيدًا. سيحاول الانتحار.”
“بالضبط. حتى لو أنقذته سيلتفت ويكون ناكرًا للجميل. لذا، مولاتي، هل نعيد الجرعات إلى زجاجاتها؟”
“ديميا.”
“نعم؟”
نظرت إليها بعاطفة مصطنعة، قبل أن أخطف الزجاجة الأغلى من يديها بسرعة.
“آه! مولاتي!”
ابتسمتُ ببرود: “لا يمكنني أن أدعه يموت. ضعوه في الحوض.”
في هذا العالم الجحيمي، لو مات حتى هو، من أين سأجد القوة لأواصل صراعي من أجل البقاء؟
برشة ماء، غُمر جسده العريض في الحوض. بدأ ماء الجرعة الممتزج بالدم يتصفّى ببطء، علامة على التئام جراحه. كان الجزء العلوي من صدره فوق سطح الماء، لذا لم يصله أثر الجرعة. أخذت مغرفة خشبية صغيرة وسكبت السائل على رقبته وكتفيه.
اتضحت ملامحه وقد انخفضت حدة الألم، لكن وعيه لم يعد بعد. رغم برودة ماء الحوض التي تسربت إلى جسده وعدم وجود ما يسند رأسه، ظل عقله هائمًا بعيدًا.
“اخرجن جميعًا.”
“لكن وجهه لم يُعالج بعد، يا مولاتي.”
“سأتولى الأمر. اخرجن.”
انسحبت الخادمات وأغلقن الباب خلفهن. والآن، لم يبقَ سوى نحن الاثنين.
“…”
هل كانت غرفتي يومًا ما بهذه السكينة؟ مددت يدي ولمست سطح الماء لأُحدث رشة صغيرة تكسر الصمت.
انتقلت ببطء خلفه، ووقفت لحظة ثم بدأت بتدليك كتفيه بأصابعي. تسلقت يداي تدريجيًا حتى أحطت بعنقه العاري الضعيف. شعرت بنبضه تحت حنجَرته، ثم أرجعت رأسه للخلف حتى أرى وجهه بوضوح من خلفه. داعبت وجنته برفق، ثم نزعت بحذر الضمادة عن عينيه.
“لم أرد فعل هذا بالقوة.”
حتى وأنا أنطقها، بدت كلماتي منافقة في أذني. خاصةً بالنظر إلى مدى قوة أفعالي التالية. فتحتُ جفنه الأيسر بأصابعي وسكبتُ جرعةً عالية الجودة مباشرةً على عينه الشاردة
“اوه…”
انسكبت الجرعة على عينه، ثم أنفه، ثم إلى فمه، فبدأ يلهث كالمختنق. لكن مصدر عذابه الحقيقي لم يكن الغرق… بل شيئًا آخر تمامًا.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات