4
انقطع الاعتراض الواهن لأختي الكبرى “فيفيان” قبل أن يكتمل. فمجرد نظرة حادة من الإمبراطور المجنون أسكتت القاعة بأسرها في صمتٍ مهيب.
ثم، وكأنه لم يُبدِ أي عداء تجاه بناته، ارتسم على شفتيه ابتسامة زائفة مليئة بالحنان الماكر. قال بصوتٍ متلاعب: “بما أنني لم أعد أملك أي أميرٍ تحت رعايتي، فسأختار وريثي من بينكن أنتن. لكن لا أستطيع أن أُخضع بناتي العزيزات لنفس المنافسة الدموية التي خاضها الأمراء. فأنا أبٌ يعزّ بناته ويحبهن كثيراً.”
…
“ولذلك ستكون مسابقة الخلافة على شكل حربٍ بالوكالة. السجناء الذين تختارونهم سيقاتلون بدلاً منكن.”
كانت نواياه واضحة. الملعب الدموي الذي ابتكره لإذلال أبنائه الذكور كان وسيلةً لتثبيت سلطته الإمبراطورية. فبتقديم مشاهد دموية مسلية للعامة، أبقى الناس مشغولين بالفرجة، بعيدين عن انتقاده أو الثورة ضده.
خبزٌ وسيرك. طريقة قديمة لإبقاء الجماهير في غفلة ورضوخ. والآن، خطّط لإعادة المشهد ذاته، لكن باستخدام الأميرات وعبيدهن من الفرسان الأسرى.
تسميته “مسابقة على العرش” كان إهانة. لم يكن ذلك سوى عرض مبتذل، والعرش الإمبراطوري لم يعد سوى جائزةٍ في لعبة قذرة. كرهت ذلك. كرهت الإمبراطور المجنون… بل حتى الدم الذي يجري في عروقي بسببه.
همست لي “ناناين”: “أختي ساشا، من ستختارين؟”
…
“اختاري لي الفارس أيضاً. أنتِ تعرفين أنني لستُ بارعة في مثل هذه الأمور.”
…
“أنتِ في مزاج سيء، أليس كذلك؟ إذن فقط قولي نعم أو لا. ما رأيك بالفارس في الصف الأمامي… ذاك ذو الشعر الأحمر وذراعه اليسرى المصابة؟”
شعرتُ بموجة مانا قوية تنبعث منه. يبدو أن حاسة ناناين تحسّنت قليلاً.
“افعلي ما شئتِ.”
“بما أنك لم تمنعيني، فهذا يعني أنه اختيار جيد. سأثق بكِ يا أختي.”
رفعت ناناين طرف فستانها بخفة، وكانت أول من تقدّم. أشارت بأصبعها مباشرة نحو شابٍ ما زالت ملامحه تحمل آثار الصبا.
“يا صاحب الحلاله، سأختار هذا الفارس.”
“أحسنتِ يا نانا. انتِ سريعه التصرف”
“إنه هدية نادرة من جلالتك، فكيف أرفض فرصة اختيار الأفضل؟”
عند ذكر مبدأ “من يأتي أولاً يُخدم أولاً”، بدأت أخواتي القليلات يشعرن بالقلق.
“عليّ أن أختار أيضاً.”
“لا أرى الصف الخلفي جيداً…”
“دعونا نتجول ونتفحصهم واحدًا تلو الآخر.”
وبالفعل، بدأت الأميرات يتجولن بين صفوف الفرسان الأسرى الخمسة، بدا بعضهن مترددات وحذرات، يشعرن بعدم الارتياح. لكن سرعان ما اعتدن على ذلك. لم تختلف نظرتهن وتقييمهن لهم كما لو أنهن يتسوقن في متجرٍ فاخر. وبعد برهة، اتخذت كل واحدة قرارها.
“لقد… لقد اخترتُ.” قالت فيفيان، واختارت فارساً يستطيع النجاة حتى لو حاصرته كتيبة كاملة.
“أعجبني هذا الرجل. إذا غسلناه وداوينا جراحه، قد يبدو وسيماً.” قالت ليليانا، واختارت فارساً كان قادراً على محو بلدة صغيرة.
“هذا شدّ انتباهي، جلالتك.”
“هوه، مثير للاهتمام. لماذا اخترتيه يا سهيرا؟”
“لديه أقل عدد من الإصابات. لا بد أن ذلك دليل على قوته.”
لكن اختيارها كان ضعيفاً.
ما إن تختار الأميرة فارسها، حتى يُحرَّر من قيوده الحديدية… ليواجه قدراً أقسى من أي قيد.
“انظر في عيني.”
تجلّت قوة الدم الإمبراطوري في نظراتهن وأصواتهن. كل أميرة أكرهت فارسها المختار على أداء قسم الولاء. كان الوقت اللازم يعتمد على قوة مانا الفارس، وصلابة إرادته، وقوة الأميرة نفسها.
ناناين أنهكت نفسها حتى أُغرقت بالعرق لتتمكن من السيطرة على فارسها.
بينما سهيرا أنجزت الأمر بسهولة، لكنها سارعت بإظهار قلقٍ زائف قائلة: “يا إلهي، كل هذا العرق يا اختي العزيزة؟ أكان الأمر مرهقاً لهذه الدرجة لتُخضعي فارساً واحداً؟”
ردّت ناناين، بالكاد متماسكة: “لماذا… تفتعلين شجاراً وأنا بالكاد أحتمل…”
“لا تنزعجي! ما المشكلة إن كنتِ تفتقرين للقدرة؟ طالما أن غزالة الإمبراطورية الذهبية تبدو ضعيفة ومسكينة، فهذا يكفي.”
لو لم يكن والدي جالساً بيننا، لأقسمت أنها كانت ستصرخ وتهاجمها. لكنها أُجبرت على التظاهر ببراءة زائفة… حتى شكرت سهيرا على “لطفها”.
وأثناء هذا المشهد المقزز من التمثيل، اقتربت مني “أورليت”: “ألن تختارين واحداً؟”
…
“يبدو أنكِ لا ترغبين في التعامل مع البشر وكأنهم سلعة. لكن التأخير لن يغيّر شيئاً.”
لم يكن الأمر مجرد اختيار شخص. بل اختيار أداة تُستَخدم ثم تُرمى في قتال حتى الموت. كنت أمقت أن أكون شريكة في هذه الجريمة.
قالت أورليت: “سواء من أجل النجاة أو الخلافة، لا مفر لكِ. فكّري فيه كقدرٍ محتوم واختاري.”
ربما كان هذا قدري، لكنه ليس قدرهم. لم أستطع تقبّل كلامها كما هو،…فالتزمتُ الصمت.
في تلك اللحظة، لفت شيءٌ انتباهي. كأنها إشارة من القدر، تماماً كما قالت أورليت.
“هذا لا يصلح.” “يبدو أنه سيموت قريباً…”
كانت أختاي غونديلين وشوميل تتفحصان فارساً بالكاد يقف على قدميه. جسده مغطى بالضمادات حتى لم يتبقَ مكان مكشوف تقريباً. عيناه معصوبتان، وخصلات شعرٍ أبيض متشابك تخرج من تحت الضمادات. ورغم حالته المزرية، عرفته على الفور.
إنه… حي؟
خفق قلبي بعنف. أردتُ أن آخذه حالاً بعيداً عن هنا. أردتُ إخفاءه في غرفتي حيث لن يجرؤ أحد على لمسه.
اهدئي. أي تصرف طائش سيعرّضه للخطر.
“ساشا، أنت الوحيدة التي لم تختاري بعد. هل من الممكن أن الهدية التي أعددتها لكِ لم تعجبكِ؟
كنت أشعر بنظرات الإمبراطور المجنون عليّ منذ وقت. ذلك الوحش لم يكن يعبث بالأرواح فقط… بل كان يتلاعب بالأمل والكرامة والإيمان والحب واليأس. أي ردة فعل عاطفية مني ستكون ضعفاً سيستغلّه.
تقدّمت بخطوات واثقة وقلت: “كيف يمكن ذلك يا جلالتك؟ لقد كنت فقط أقيّمهم بحواسي، لا بعيني.”
“أه، هكذا إذاً؟ أنا متشوق لرؤية اختيارك.”
استدرتُ وتوجهت نحوه. كلما اقتربتُ، كان قلبي يدق بقوة حتى شعرت أن أضلعي ستنشق. وقفت أمامه، ورفعت بصري نحو وجهه المعصوب.
“أختار هذا.”
“ماذا؟!”
لم يندهش الإمبراطور وحده، بل كذلك أخواتي وفرسان الامبراطوريه الواقفون خلفه. فهذا الرجل لم يكن ينبعث منه سوى رائحة الموت. ماناه شبه منعدم، ونواته تبدو محطمة.
لكن كان لدي العذر الجاهز: “لا أريد اختياراً عادياً. إن أثبت جدارته رغم عيوبه، فذلك سيُبرز قدراتي الخاصة.”
“هوه؟”
“مسابقة بخدعة صغيرة ستكون أقل مللاً، أليس كذلك يا جلالتك؟”
لقدمتُ نفسي كوسيلة تسلية… وكانت تلك أفضل وسيلة لإقناعه.
“لم أتوقع منكِ كل هذا الطموح يا ساشا.”
“تشرفني كلماتك.”
“والآن وقد رفعتِ توقعاتي، هل تستطيعين تحمّل العواقب؟”
“سأتعامل مع الأمر وكأني أخاطر برقبتي.”
وبما أن حياتي كانت بالفعل على المحك، لم يكن هناك فرق في رفع الرهانات
“وبما أن فارسي يحتاج الكثير من العلاج والإصلاح، هل تأذن لي بالانصراف أولاً؟” “مسموح.”
لقد انتهى الأمر. بقي فقط أن آخذه بعيداً. ابتلعت ريقي، وأخفيت يدي المرتجفة تحت كمّي، ثم أمسكتُ بمعصمه.
“اتبعني. من الآن فصاعداً… أنت ملكي.”
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع

📢 المنتدى العام عـام
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.

🎨 إمبراطورية المانجا عـام
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...

📖 نادي الروايات عـام
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
Chapters
Comments
- 4 - فارسٌ مقيّد بالقيود 2025-08-28
- 3 - الغنيمة الحقيقية 2025-08-28
- 2 - الشرف المستعاد 2025-08-27
- 1 - المقدمة: حبّ محكوم عليه بالفناء 2025-08-27
التعليقات لهذا الفصل " 4"