تأمل أوسكار بهدوء الأخ الأكبر الجالس أمامه، يراقبه بنظرات حذرة.
منذ أن غادرا القرية، لم تتحرك عيناه عن النافذة، مثبتةً في الخارج دون أدنى اهتزاز.
كان هذا السكون المرافق له في هذه الرحلة يصعب على أوسكار تصديقه.
‘هادئٌ للغاية، حتى إنه يثير الرهبة.’
عندما وصل إلى المكان الذي حدده والده ليجد أخاه، فوجئ برؤيته يعيش حياةً طبيعية، بل وسوية إلى حدٍ ما.
كان هذا الأخ بعيدًا كل البعد عن الصورة التي تخيلها أوسكار عنه.
***
في يوم من الأيام.
عاد والده فجأة من رحلة إلى المملكة، واستدعى أوسكار ليقول له بغتة:
“لك أخ.”
“أخٌ أكبر؟” رد أوسكار بدهشة.
متى حدث هذا؟ أيعقل أن يكون والده قد أنجب طفلاً خارج الأسرة؟
لم يكن والده من الرجال الذين يتصرفون بعشوائية أو يستسلمون لنزوات عابرة.
ولو حدث ذلك، لكان قد أحضر تلك المرأة وجعلها زوجةً رسمية، فقد تشرب منذ صغره قيم المسؤولية وواجبات رب الأسرة.
“نعم، لك أخ.”
كان اعتراف والده المباشر يصعب على أوسكار تصديقه.
“فلمَ إذن تركته خارج الأسرة حتى الآن؟ وما السبب في إخباري الآن؟”
حتى تلك اللحظة، ظن أوسكار أن والده كان يرعى هذا الأخ سرًا خارج الأسرة.
بالطبع، بدا هذا غريبًا بالنسبة لشخصية والده، لكن لم يكن هناك تفسير آخر منطقي لوجود أخ “طبيعي”.
فدم آل راندولف كان “مميزًا”.
“لم أكن أعلم بوجوده.”
لكن تفسير والده كان محيرًا، وعلى الرغم من علمه بجدية والده، ظن أوسكار أنها مزحة.
“لم تعلم بوجوده؟”
“نعم، فباستثناء أمك، لا أتذكر أنني اقتربت من امرأة أخرى.”
“فكيف يكون ابنك إذن؟”
“هناك ظروف أظنها، وعندما تراه ستعرف.”
وانتهى الحديث عند هذا الحد. أغلق والده فمه، مبديًا عدم رغبته في الإفصاح أكثر.
لم يكن أوسكار يرغب في الخوض في ماضي والده.
“متى يصل أخي الأكبر؟”
قبل أوسكار وجود هذا الأخ دون مقاومة.
“لقد جاء معي منذ قليل.”
نظر إليه والده بعينين زرقاوين هادئتين، فأدرك أوسكار ما يريده وأجاب بإيجاز:
“سأتصرف بحيث لا تحدث أي مشكلة.”
“لا تتعامل معه بتهور.”
كان أوسكار أيضًا جزءًا من الأسرة.
ورث دم آل راندولف المميز، ولهذا لم تكن مشاعره دقيقة للغاية، فلم يشعر بخيانة أو استياء من والده.
“لم أكن أنوي ذلك من الأساس.”
لم يكن لديه نفور من أخيه، ولا شعور بالقرب منه.
لكنه لم يفكر في استبعاده أو نبذه، ففي النهاية، هو “عائلة”، وقد تعلم أن العائلة يجب أن تحتضن بعضها.
“هذا تحذير لأجلك.”
“ماذا تعني؟”
“يبدو أن قوة الدم فيه أقوى مما فيّ.”
“سأكون حذرًا.”
رد أوسكار دون أن يأخذ كلام والده على محمل الجد، ظنًا منه أن أخاه سيكون مشابهًا له.
لكن عندما التقى أخاه فعليًا، وجده في حالة يرثى لها.
لم يستطع قراءة أي عاطفة على وجهه وهو ينظر إليه بهدوء. كان يفتقر تمامًا إلى المهارات الاجتماعية.
حاول الحديث معه، لكنه لم يتمكن من إجراء حوار حقيقي، فكان يتصرف حسب أهوائه، بلا أدنى إحساس بالمنطق أو العرف. كان أقرب إلى حيوان يتحرك بغريزته منه إلى إنسان.
‘الأمر خطير.’
سمع أوسكار أن أخاه وُجد في ساحة حرب بمملكة بعيدة عن الإمبراطورية، حيث عاش دون أن يُعامل كإنسان.
بسبب شخص ادعى أنه “سيده”، اضطرت الأسرة إلى “استعادته”.
على الرغم من توقعه لحياة قاسية بعد سماع قصته، إلا أن حالته كانت أسوأ مما تخيل.
كما كان الأخ الجديد غريبًا بالنسبة لأوسكار، كان أوسكار وهذا المكان غريبين بالنسبة له.
قرر أوسكار أن يوفر له كل سبل الراحة ليساعده على التأقلم.
خصص له ثاني أفضل غرفة بعد غرفة والده، وقدم له طعامًا فاخرًا، وعامله بكل ما هو راقٍ. أخبره أن يطلب أي شيء يريده.
لكن الأخ رفض معظم ما قُدم له. لم ينم على السرير، بل في زاوية الغرفة، ولم يتناول الطعام بشكل صحيح.
كان حذرًا للغاية، فتجنب أوسكار الاقتراب منه بشكل متهور، آملاً فقط أن يدرك الأخ سريعًا أن هذا المكان آمن ويتأقلم.
لكنه أدرك سريعًا أن هذا الأمل كان وهمًا.
عندما عاد أوسكار من الخارج، شعر فورًا أن هناك مشكلة في القصر.
سمع دويًا هائلاً، ورأى الفرسان يركضون مذعورين نحو مصدر الاضطراب.
كانت هناك قوة مرعبة تنبعث من الداخل.
توقف أوسكار عن التفكير وركض نحو المكان. وعندما وصل، استوعب الموقف سريعًا وصرخ:
“اهدأ، يا أخي!”
لكن عينيه الزرقاوين ظلتا خاليتين من أي تعبير رغم صراخ أوسكار المتوسل.
“ابتعد.”
نظر أوسكار حوله بحذر.
كان القصر قد تهدم نصفه، والفرسان متناثرون هنا وهناك يتأوهون من الألم.
الفرسان الذين بقوا أسوياء كانوا يقفون على مسافة، مترددين في إشهار أسلحتهم، يراقبون بحذر.
وحده المسؤول عن هذا الدمار كان هادئًا كأن شيئًا لم يكن.
“لماذا فعلت هذا؟”
“سأغادر.”
كان قد تسبب في هذا الفوضى ليتمكن من مغادرة المكان.
تلقى أفراد الأسرة تدريبًا صارمًا، فلن يكونوا قد أعاقوا طريقه بوقاحة.
حتى لو أراد المغادرة، لكانوا طلبوا منه لقاء أوسكار أو والده أولاً بكل احترام.
“أن تستخدم القوة مباشرة…”
أدرك أوسكار أنه لا يجب السماح له بالمغادرة.
“أليس هذا بيتك، يا أخي؟”
أخبره أن مكانه هنا، لكن كأنما ينفي كلامه، تحولت هالة الأخ الهادئة إلى طاقة حادة مرة أخرى.
لم يفهم أوسكار لماذا يصر على المغادرة.
“أليس لديك مكان تذهب إليه؟”
لم يقل سوى الحقيقة، لكنه بدا وكأنه أشعل فتيلاً. انفجرت طاقة عدوانية من الأخ.
“سأغادر. لا تقف في طريقي.”
تحت وطأة هذا الزخم المتفجر، وجد أوسكار يده تتحرك لا إراديًا نحو مقبض سيفه، في حركة غريزية للدفاع عن نفسه.
لكنه عندما نظر إلى العينين الزرقاوين، تذكر فجأة:
‘لا يجب أن أسحب السيف!’
بالكاد استطاع إيقاف يده. كانت عينا الأخ مثبتتين على يد أوسكار التي تمسك السيف.
سال عرق بارد على ظهره.
‘لو سحبته، لكان هاجمني.’
أدرك الآن لماذا كان الفرسان الباقون بلا أسلحة. لأنهم لم يحملوها، استطاعوا البقاء واقفين.
كان قلبه يخفق بسرعة، وكل خلية في جسده تحذره من الفرار فورًا.
لا يجب أن يعترض طريقه، ولا أن يظهر أي نية عدائية.
‘قد أموت حقًا.’
بفضل دمه المميز، كان أوسكار دائمًا متفوقًا على الآخرين، يمتلك قوة لا مثيل لها بين أقرانه.
لكنه الآن، أمام تلك العينين الباردتين، لم يستطع الحركة.
غرق في شعور بالعجز لم يختبره إلا أمام والده، فأدرك أن أخاه كائن خطير.
‘لا يمكن أن أتركه يغادر هكذا.’
تذكر أوسكار أسرار الأسرة.
آل راندولف.
عائلة دوقية موجودة منذ تأسيس الإمبراطورية، كانت سيفًا ودرعًا للعرش عبر الأجيال.
وفقًا لسمعتها، أنجبت هذه الأسرة دائمًا أفرادًا متميزين.
وكان سر ذلك يكمن في هوية مؤسس الأسرة.
تنين.
كائن أسطوري اختفى الآن وصار نادرًا، هو مؤسس الأسرة.
لم يكن هذا معروفًا على نطاق واسع، لكن الأبناء الذين أنجبهم هذا الكائن العارف بعد تحوله إلى إنسان ورثوا بعض خصائص التنين.
بفضل ذلك، كان للمهجنين قدرات جسدية وسحرية تفوق قدرات البشر بمراحل.
لكن العالم لا يحمل المزايا وحدها، بل كانت هناك عيوب كبيرة أيضًا.
كان لهم إحساس مختلف عن البشر.
الأفراد الأوائل من آل راندولف كانوا شبه خالين من العواطف.
على الرغم من امتلاكهم لقدرات عقلية فائقة، كانوا يفتقرون إلى ردود الفعل العاطفية مثل الفرح أو التعاطف.
لماذا نفرح؟
لماذا نحزن؟
لماذا نهتم بالآخرين؟
لماذا لا يجوز قتل الأحياء بلا مبالاة؟
لم يكن المهجنون يفهمون هذه الأمور.
أدرك المؤسس أن هذه عيوب ناتجة عن دم التنين.
واستنتج ما سيحدث إذا ترك أبناءه دون توجيه.
سيتحولون إلى آلات قتل.
بل إلى أسلحة فتاكة، تملك قوة لا تُضاهى ولا تعرف التردد.
لذلك، علمهم بعناية “كيف يعيشون كبشر”، وزرع فيهم ردود فعل التعاطف.
كان المهجنون أذكياء للغاية، فاستوعبوا ما تعلموه واستطاعوا العيش كبشر إلى حد ما.
لكن هذه المشكلة كانت متأصلة في طباعهم، وستستمر عبر الأجيال.
لذا، كشف المؤسس هويته لأحفاده المباشرين، وأمرهم بتعليم الأطفال القادمين تعليمًا خاصًا.
بفضل ذلك، تمكنت عائلة راندولف من البقاء في المجتمع البشري دون مشاكل على مر الزمن.
كانت هناك حالات نادرة تسبب بعضها في مشاكل، لكن رب الأسرة كان يسيطر عليها وفق القواعد.
الآن، بعد أجيال طويلة، امتزج دم البشر كثيرًا بدم آل راندولف، فقلت قوة التنين تدريجيًا.
لم يعد هناك أبطال خارقون كما في الماضي. أصبحت قدراتهم مميزة مقارنة بالبشر، وصار بإمكانهم التفكير عاطفيًا دون صعوبة.
كان أوسكار مثالًا لذلك، إذ اعتُبر الأكثر إنسانية بين أفراد الأسرة على مر التاريخ.
على النقيض، كان هناك من يرثون قوة التنين بشدة من حين لآخر.
كان والد أوسكار، رب الأسرة الحالي، واحدًا منهم.
وكذلك كان الأخ الجديد.
— ترجمة إسراء
مجتمع تفاعلي يضم منتديات لمناقشات الروايات، تحليلات المانهوا، الاقتراحات، والإعلانات. هنا يشارك الأعضاء أفكارهم، يتبادلون الآراء، ويصنعون بيئة حوارية حيّة تعكس شغفهم.
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات. هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات. هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
يرجى إدخال اسم المستخدم أو عنوان بريدك الإلكتروني. سيصلك رابط لإنشاء كلمة مرور جديدة عبر البريد الإلكتروني.
التعليقات لهذا الفصل " 10"