ومع ذلك، فقد كان حالها الآن أفضل كثيرًا مقارنةً بالوقت الذي لم تكن تستطيع فيه حتى النظر إلى أي شيءٍ يتعلق بالمسرحيات الغنائية أو سماعها.
حتى خريف العام الماضي، لم تكن لتجرؤ على الاقتراب من أي مسرح، وانقطعت علاقاتها تقريبًا مع الأصدقاء الذين كانت تذهب معهم لمشاهدة العروض.
عندما سمع سؤال أون كيونغ، أومأ دونغ هيون برأسه وأجاب،
“هل تعرفين أي مسرحيةٍ هي؟”
“لستُ متأكدة تمامًا. أعلم فقط أنها مسرحيةٌ ثنائية على خشبةٍ صغيرة، وهذه هي المرة الأولى التي تُعرض فيها.…”
هل كان عنوانها شروق الشمس؟
تذكّرت أنها تفاجأت قليلًا حين رأت اسمه مدرجًا ضمن طاقم عرضٍ صغير، بعدما كان يؤدي دائمًا أدوار البطولة في المسارح الكبرى.
وبينما كانت كلماتها تخفت، راحت أون كيونغ تستحضر ما تعرفه عن عمله القادم، قبل أن تُصغي مجددًا إلى إجابة دونغ هيون.
“لقد أُسندت إليّ هذه المرة شخصيةٌ تُدعى ‘بيتر’. الشخصية مختلفة كثيرًا عن الأدوار التي أدّيتها سابقًا، لذا في البداية وجدت التمثيل صعبًا حقًا…..لكني تدربت بجدّ.”
“نعم.”
كانت كلماته طويلةً بعض الشيء، كأنه يريد أن يقول شيئًا آخر لكنه لم يجرؤ على الدخول في الموضوع مباشرة. فردّت أون كيونغ بهدوء، لكنها بقيت تتساءل في سرّها عما يدور في نفسه.
“القصة جميلة، واستعددت جيدًا، والأغاني تبقى في الذاكرة أيضًا..…”
حرّك شفتيه وكأنه سيكمل كلامه، لكنه تردد ثم صمت.
بدا عليه التوتر وهو يُطبِق شفتيه وينظر إلى الأرض، ثم يأخذ نفسًا عميقًا كمن يبتلع كلماته قبل أن يرفع نظره إليها ببطء.
“أعلم…..أن هذا سؤالٌ متسرعٌ بعض الشيء، ولكن..…”
كانت قبضته مشدودةً حتى ابيضّت مفاصله.
ما الذي يمكن أن يجعله متوترًا إلى هذا الحدّ، غير قادر على قول ما يريده؟
و كانت أون كيونغ تحدق به في حيرة عندها، فجأة، خرج صوته أخيرًا.
“هل يمكنكِ…..أن تأتي لمشاهدته؟ ولو مرةً واحدة فقط؟”
رمشت رموشها بخفة. لكن ذلك الفعل البسيط واليومي بدا بطيئًا على غير عادته، ربما لأن كلماته أحدثت في داخلها صدمةً عنيفة.
كان نبض قلبها يعلو في أذنيها كصوت رعدٍ صاخب، حتى أنها فقدت تركيزها لبرهة.
وحين رأت وجه دونغ هيون المفعم بالرجاء، استطاعت بالكاد أن تهمس بصوتٍ مبحوح،
“أنا…..”
لكن صوتها انكسر قبل أن تتحول تلك الكلمة إلى جملةٍ كاملة.
أطلقت أون كيونغ إجابةً مبعثرة خرجت من بين شفتيها بلفظٍ غير مكتمل، ثم بقيت تحرك فمها بصمت دون أن يخرج صوت، قبل أن تكتفي بإخراج أنفاسٍ متقطعة.
منذ أن سمعت كلمة “عرض”، استبدّ بها الخوف.
لم تشاهد أي مسرحيةٍ منذ ذلك اليوم. فقد كانت فكرة العودة إلى المسرح نفسها تُرعبها، خشية أن يتكرر ما حدث لها من قبل.
شعرت بضيقٍ شديدٍ في صدرها. ومع وجهٍ شاحبٍ كالورق، التزمت الصمت طويلًا، ثم أطرقت رأسها قليلًا وعضّت برفقٍ على باطن شفتيها من الداخل.
عليها أن تجيب بوضوح. حتى لو أرادت الرفض، فعليها أن تكون صريحة، وأن تقول أنها لا تستطيع…..
أغمضت عينيها بإحكام، ثم أطلقت زفرةً قصيرة وفتحت عينيها ببطء.
و كان دونغ هيون لا يزال ينتظر ردّها. بدا وكأن دهورًا مضت بينهما، ومع ذلك لم يكن الوقت في الحقيقة قد مرّ طويلاً.
ثم رفعت نظرها نحوه، وفي اللحظة التي همّت فيها بأن تنطق بكلماتٍ تحمل معنى الرفض، سبقها صوته.
“أعتذر إن كنتُ قد أزعجتكِ. لكن الحقيقة أنني لم أجرؤ على خوض دور ‘بيتر’ هذا، لولا أنني كنت أتمنى أن تشاهديه أنتِ تحديدًا.”
ثم تجمّد لسانها مجددًا، كأن كلماتها توقفت عند حافة الصدر.
كيف يمكنها أن ترفض بعد أن قال شيئًا كهذا؟
انكمش صدرها بشيءٍ من الألم، وأحنت رأسها قليلاً لتتجنب عينيه، ثم أجابت بصوتٍ خافتٍ مبحوحٍ يكاد لا يُسمع،
“هل…..هل يمكنني التفكير قليلًا قبل أن أجيبكَ؟”
لم يكن بوسعها لا الرفض الصريح ولا القبول المباشر. و كل ما استطاعت فعله هو تأجيل القرار.
فأومأ دونغ هيون برأسه مبتسمًا بخفة،
“بالطبع.”
ثم اعتذر مرة أخرى مضيفًا بتلعثمٍ أنه كان فقط يتمنى حقًا أن يدعوها.
كانت تُصغي وتومئ برأسها بإخلاص، لكن الحقيقة أن أذنيها بالكاد التقطتا كلماته.
و قد كان من حسن الحظ أن مكان فراقهما لم يكن بعيدًا.
انحنت أون كيونغ قليلًا تحيةً له، ثم مضت بخطواتٍ سريعة في الاتجاه الذي عليها أن تسلكه.
كانت تعرف أنه ما زال يحدّق في ظهرها، لكنها لم تلتفت ولو مرةً واحدة. فقد كان ذلك نوعًا من البرود المتعمّد، نابعًا من ضيقٍ سبّبه لها هو نفسه.
ومع أنها كانت تدرك أن تصرّفها لم يكن ناضجًا تمامًا، إلا أنها ما إن جلست في مقعد المترو حتى أرسلت له رسالةً قصيرة.
ثم نظرت إلى انعكاس وجهها الباهت على الشاشة السوداء قبل أن ترفع رأسها.
عرضٌ مسرحي…..ما زال يبدو مرهقًا بعض الشيء، لكنه لم يعد يثير فيها ذلك الإحساس القاتم الذي شعرت به عندما سمعت كلماته أول مرة.
وبينما كانت غارقةً في التفكير، تمرر إبهامها ببطءٍ فوق الشاشة، انتبهت فجأةً إلى اسم المحطة الذي تردّد صداه في أذنيها، فرفعت بصرها نحوه.
كانت محطةً كانت تنزل فيها كثيرًا في الماضي، فالمسرح الذي عُرضت فيه مسرحية <الكابوس> كان قريبًا من هنا.
وما إن تذكّرت <الكابوس> حتى بدأ قلبها ينبض باضطرابٍ من جديد. و ربما لم يحن الوقت بعد لمشاهدة عرضٍ مسرحي، ربما ما زال الأمر صعبًا عليها.
عضّت شفتها وهي تهمّ بمراسلة دونغ هيون، ثم توقّفت أصابعها في منتصف الطريق.
ترددت للحظة، وفي تلك الأثناء انطلق القطار مجددًا. و مرّ اسم المحطة أمامها باهتًا، وما إن رمشت حتى غرق كل ما وراء النافذة في ظلمةٍ تامة. و سقطت يدها التي كانت تمسك الهاتف على ركبتيها بخمول.
كانت تفكّر أن تكتب له رسالةً قصيرة تقول فيها، “لا أستطيع، يبدو أن الأمر صعبٌ عليّ، آسفة.”
لكنها ترددت للحظة لأن في داخلها بقيت شظيةٌ صغيرة من الحنين، من الرغبة في ألا ترفض. عندها انحنى طرف شفتيها في ابتسامةٍ حزينة.
كانت تظن يومًا أنها لن تطأ المسرح أبدًا ما حييت. ومع ذلك، ها هي الآن تملك من السكينة ما يكفي لتشعر بالأسف على ذلك.
أغمضت عينيها المرهقتين. و رغم أنها أقنعت نفسها بأنه “لن يكون ممكنًا”، إلا أن قلبها ظلّ يهتزّ برقةٍ منذ أن سمعت طلب دونغ هيون، كزهرةٍ ترتجف في نسيم الربيع.
وبينما كانت تتأمل مشاعرها في صمت، استمر المترو في سيره حتى توقّف أخيرًا عند المحطة التي يجب أن تنزل فيها.
عندها فقط توصّلت إلى قرارٍ ما. أو بالأحرى، كانت تُعدّ العذر الذي ستقدّمه لنفسها.
وبخطواتٍ بطيئةٍ نحو بيتها، راحت تبحث في هاتفها عن معلوماتٍ حول مسرحية <الشروق>. و قطبت حاجبيها قليلًا وهي تتصفح النتائج.
لكن ما وجدته لم يكن سيئًا. المراجعات كانت إيجابية، وبحسب ما قال دونغ هيون، بدا أن العرض لا يحتوي على شيءٍ دمويٍّ أو قاسٍ يصعب عليها تحمّله. والأهم من كل ذلك……
توقفت أون كيونغ عن السير.
“لكنني خضت دور بيتر هذا لأنني كنت أتمنى أن تشاهديه أنتِ.”
كيف لها ألّا تذهب بعد أن قال شيئًا كهذا؟
ركلت الأرض برأس حذائها بملل، ثم أخرجت هاتفها من جيبها.
وعندما أضاءت الشاشة، ظهر أمامها ردّ دونغ هيون على الرسالة التي كانت قد أرسلتها قبل أن يغادر القطار.
[أنا أيضًا في طريقي الآن. عودي إلى المنزل بسلام.]
وتحتها كان هناك رمزٌ تعبيري لتمساحٍ لطيف يرفع إبهامه في إشارة إعجاب — رمزٌ لا يليق أبدًا بملامحه الصارمة، لكنه بدا ظريفًا بشكلٍ غريب.
فابتسمت أون كيونغ دون شعور، وبدأت تكتب ببطء ردّها.
[لقد وصلتُ إلى البيت للتو. وبالنسبة لما قلتَه سابقًا عن العرض المسرحي.…]
حين أرسلت رسالتها إلى ذلك الحد، ظهر إشعارٌ يبيّن أن دونغ هيون قرأها.
وبينما كانت تكتب بسرعة، وقد بدأ قلبها ينبض بتوتر، وصلها ردّ منه، أطول مما توقعت.
[فكّرتُ في الأمر مجددًا، وأعتقد أني تصرّفتُ بأنانية. لا بد أنكِ شعرتِ بالضيق، أنا آسف.]
مسحت أون كيونغ ما كانت تكتبه دفعةً واحدة، وقبل أن تُتاح لها فرصة التفكير بعمق، راحت أصابعها تتحرك وحدها.
[آه، كنتُ أحاول أن أقول أنني…..أودّ الذهاب في الحقيقة.]
وكأن دونغ هيون لم يغلق نافذة الدردشة، إذ ظهر فورًا إشعار أنه قرأها. وقبل أن تتمكن من إنهاء الجملة، رنّ هاتفها. وقد كان هو يتصل.
ارتبكت للحظة، تفكر إن كان عليها الرد أم لا، لكن المكالمة انقطعت بسرعة. وبينما كانت لا تزال في حيرة مما تفعل، وصلتها رسالةٌ جديدة منه.
[آسف. أقصد…..آسف لأني اتصلت فجأةً أيضًا.]
بدت كأنها ترى وجهه في ذهنها، متوترًا ومضطربًا.
فحاولت أون كيونغ أن تكبح ابتسامتها وكأنها تخفيها عن شخصٍ يراها، لكن سرعان ما فشلت، وانفجرت ضاحكة.
كانت تعلم أنه ينتظر ردها بقلق، وأن عليها أن ترسل إليه شيئًا في أسرع وقت، لكنها لم تستطع التركيز فورًا على الشاشة؛ إذ كان قلبها يرفّ بخفةٍ كلما تذكرت كلماته.
[لا بأس أبدًا! سأحاول حجز التذاكر قريبًا إذًا.]
وبينما كانت تبحث عن معلوماتٍ حول <الشروق>، وجدت أن بيع التذاكر سيبدأ بعد يومين.
مضى وقتٌ طويلٌ منذ آخر مرة حجزت فيها عرضًا في لحظة فتح الحجز، ولم تكن واثقةً إن كانت ستجد مقعدًا جيدًا.
[كنتُ أودّ أن أقدّم لكِ تذكرة دعوة..…]
[لا داعي! لا بأس. ولن أخبركَ متى سأذهب.]
[ألن تخبريني على الأقل باليوم؟]
[لن أخبركَ.]
أرسلتها بنبرةٍ حازمة متعمدة، وبعد بضع لحظات، وصلها منه رمزٌ تعبيري لتمساحٍ جالسٍ منكمش، لا يظهر منه سوى عينين صغيرتين، ومع ذلك بدت مشاعره الحزينة واضحةً تمامًا.
فأرسلت له في المقابل رمزًا تعبيريًا لبطة تصرخ “لا!” بوجهٍ جاد، ثم وضعت هاتفها في جيب معطفها ومضت بخطواتٍ أكثر خفةً من قبل.
كانت بضع كلماتٍ قصيرة لكنها بدّدت كآبتها وكأنها لم تكن.
لقد كان قرارًا صائبًا.
عدّت أون كيونغ الأرقام التي كانت تهبط ببطء على شاشة المصعد وهي تعضّ على شفتيها.
لا يمكنها أن تظلّ تتجاهل إلى الأبد كل ما يذكّرها بكوابيس الماضي. عليها أن تبدأ بالمواجهة شيئًا فشيئًا، بدءًا من هذا العرض.
ثم فُتح الباب. و فُتحت لها فرصةٌ جديدة، فصعدت قبل أن يفوت الأوان.
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 47"