كان هنري هاميلتون شخصًا بدا لإدوارد هاميلتون هائلًا للغاية.
عاش حياته كلها مختبئًا في ظله، كمن يختنق داخل ظلٍ لا ينقضي. و لم يستطع بعدُ أن ينظر مباشرةً إلى عصا هنري هاميلتون.
“…..أنتَ هنا.”
لذلك، عندما التقى بوالده بالتبني بعد طول غياب، شعر إدوارد بحيرة داخلية. هل كان رجلاً صغيرًا بهذا القدر من قبل؟
كان يظنّه جبلًا لا يُقهر، شخصًا لن يستطيع تجاوزه أبدًا، لكن الرجل الذي يقف أمامه الآن لم يعد قادراً على مقاومة ثقل السنين، وكان يرفع عينيه الآن نحو ابنه بالتبني.
هل رفع رأسه فجأةً من فرط الحماس؟
بمزجٍ من مشاعرٍ لا تُوصف، نظَر إلى والده بالتبني ثم أغمض عينيه بصعوبة وابتسم.
“نعم، يا أبي.”
لقد عاش عشرات السنوات منتظرًا هذه اللحظة فقط. كان واثقًا أن لحظة قطع أنفاسه ستكون أحلى من أي شيءٍ آخر.
ظل إدوارد مشدود الشفاه بسبب التوتر الذي لم يدرِ بالكامل عنه، ثم استنشق نفسًا قصيرًا ووضع يده في صدره ببطء. و لمست أطراف أصابعه مقبضًا باردًا.
حدّق هنري هاميلتون بإدوارد كأنّه يعلم أنه جاء ليقتله. كان بإمكانه أن يهرب في أي لحظة، ومع ذلك ظل الرجل صامتًا لا يتحرك رغم رؤية الخنجر في يده، وكان هذا الأمر مؤلمًا.
ألقت ألسنة النار داخل المدفأة ظلالًا متراقصة على وجه هنري هاميلتون.
لم يعد قتلَه أمرًا يخيفه الآن.
كأنه ممثل على خشبة مسرح يؤدي حركةً محددة، أمسك إدوارد برباط عنق هنري هاميلتون بهدوء.
عندما وضع النصل المرتجف على رقبته، لم يتراجع هنري طلبًا للصفح ولم يبدي غضبًا، بل بقي صامتًا فترةً ثم تحدّث بصوتٍ رتيب بجملةٍ واحدة فقط.
“أنا…..لم أندم على ما فعلته لكَ.”
قطع النصل طريقه عبر بطن هنري هاميلتون كما لو أنه يقصُّ الكلام. فارتعش وهو مُمسكٌ بيد إدوارد ثم أخذ أنفاسه الأخيرة وهو بالكاد قادرٌ على إغلاق عينيه.
ها قد انتهى الأمر أخيرًا.
كانت النهاية هادئة بالنسبة لشخص أنهى كل أهدافه. ومع ذلك، استمتع بلذةٍ مريرة للحظة وجيزة وهو يلهث.
لم تحضر المرأة إلى هنا هذه المرة أيضًا، وفي الحقيقة كان ذلك أكثر ما أرضاه.
الآن، بينما أطلق العنان ليده التي كانت تمسك بملابس هنري هاميلتون ليفلتها، شعر باندفاع غريب. ثم عاد الوقت إلى الوراء.
لم يكن ينبغي أن يحدث هذا. فتجمّد إدوارد للحظة قبل أن يتلوى وجهه.
لماذا عاد الزمن فجأة؟
الفرق بين هذه اللحظة وجريمة القتل السابقة، على ما يبدو، هو أنه لم يلتقِ المرأة هذه المرة فحسب.
بدأ وجهه يتصلب وهو يفكر. هل وجودها أم عدمها هو السبب في عكس الزمن؟
سيعرف ذلك حين يحين وقت قتل هنري هاميلتون.
لذلك، بينما تمنى بشدة أن يأتي ذلك الحين، تمنى في الحال ألا يأتي أبداً. فإن كانت لا بد أن تأتي، فذلك يعني أنه سيتعين عليه قتلها بيده مرة أخرى.
حين عاد الليل وتوجّه عائدًا إلى غرفة مكتب هنري هاميلتون، توقف قليلاً محاولًا الاستماع لأي حركةٍ أخرى.
سمع خشخشةً خفيفة من خارج الباب. لقد أتت المرأة إلى هنا.
تعمّد أن يوجّه ظهره نحو الباب كما لو لم يشعر بوجودها ورَسَم على وجهه ملامح باردة بينما طعن هنري هاميلتون.
ومرة أخرى عاد الزمن إلى الوراء.
وقف إدوارد وحيدًا، متهالك الأكتاف، يحاول أن يثبت نفسه بينما يغلق عينيه بشدة.
‘يجب أن أقتل المرأة.’
تلك الحقيقة التي لا مفر منها قيدته بإحكام.
في الحوادث السابقة كان هروب الزمن يحدث لأنّه قتلها، أما إن كان عدم قتله لها هو السبب هذه المرة، فربما….
تجهم جبينه.
إذًا هذه المرة حتى لو قتلها فلن يعود الزمن إلى الوراء. فمن الواضح أن من يعيد الزمن يريد موتها.
كان أفضل بالنسبة له أن يعيش يومًا أبديًا. لو لزم الأمر أن يقطع رقبة والده بالتبني مئات المرات، لكان ذلك أهون عليه من أن يجد نفسه مضطرًا لقتلها حقاً بيديه.
لكن مع حلول الليل، وفي اللحظة التي شقّ فيها بطن هنري هاميلتون، فُتح باب المكتب ببطء. فالتفت إدوارد برأسه بشكلٍ غير طبيعي.
كانت المرأة واقفةً هناك. فحدّق بذهول في الفستان الأبيض الذي يتمايل كأنّه ضباب، وشعر فجأةً كما لو أن الأرض التي يقف عليها انهارت تحته.
لم يعد يبالِ بالجثة التي سقطت من يده المرتخية وضربت قدميه، ولم ينطق بكلمة إلا بعد أن اقتربت المرأة عدة خطوات.
“…..لماذا أتيتِ؟”
خرج صوته خشنًا. واعتلت لسانه كلمات اللوم بغضب.
لماذا لم تفرّي؟ ألم تشاهدي موت هنري هاميلتون؟
بناءً على ما رأته من قبل، كان عليها أن تعرف أنه لن يدعها تعود سالمةً بعد رؤية لحظة القتل.
كان يفترض أن تتوقع أنه لا بد أن تموت.
لو لم تأتِ إلى هنا متظاهرةً بأنها لا تعرف، لكان قد قبل أن يعيش في عالمٍ يستمر فيه اليوم الواحد إلى الأبد طالما أنها على قيد الحياة.
مرّ في خاطره للحظة رغبةٌ عبثية بأن يعيش ذلك العالم المتحركَ وحده بلا طعن، لكن تلك الأمنية تلاشت فور لقاء عيني المرأة.
ثم تقدمت نحوه وهي ترتجف.
“إدوارد. أنا أعلم، كلّ ما فعلته حتى الآن.”
كبحَت دموعها بينما كانت تحدق فيه بوضوح، ثم أمسكت بطرف كمها وانحنت جالسة.
كلمتها كانت مترددة وصوتها مرتجف لكنها تحدثت بلطف.
“لا تقعل ذلك بعد الآن، إد. غدًا، استيقظ معي..…”
لا بدّ أنها أتت مع علمٍ بأنها قد لا ترى شروق شمسٍ جديدة بعد الآن. ومع ذلك، تحدثت عن يومٍ ملؤه الأمل.
فغمره غضبٌ لاذع لا يستطيع كتمانه أمام تلك الكلمات.
“لا.”
قاطع إدوارد كلامها صارخًا ثم سقط على ركبتيه كمن ينهار. و انحنى ووضَع كفّه برفق على خدّها، فأغلقت عيناها ببطء.
انبثقت خطوط دمٍ بجانب فمها المشدود كأنها تكافح لتمسك بالبكاء.
‘لو كنت أعلم أن الأمر سينتهي هكذا، لأهديتكِ الزهور منذ البداية، وإن لم تكن تليق بكِ، لعلّها على الأقل تحمل مشاعر نقية صادقة.’
ارتجف خدّه وهو يعيد اجترار ندمه. و راح يحدق من خلال رؤيته الضبابية محاولًا أن يرسم وجهها في ذهنه مرة أخرى، قبل أن يبتلع شيئًا يشبه الضحكة المرة.
….لا، ليس كذلك.
في الحقيقة، كان يعرف منذ البداية أن النهاية ستكون هكذا. لكنه ظلّ يتظاهر بالجهل، ويتخيل مستقبلًا لن يأتي أبدًا، فقط لأنه أراد أن ينكر الحقيقة.
“أنتِ تعرفين كما أعرف…..أنه لا يمكننا ذلك، أليس كذلك؟”
رمش إدوارد مرةً واحدة، فانسابت دمعةٌ وحيدة على وجنته، تتساقط معها بقايا قلبٍ متآكل.
تبادل النظرات مع المرأة، وكأن الزمن توقف بينهما. ثم حرك ذراعيه ببطء.
لم يعانق أحدًا في حياته من قبل، لذلك كان فعله هذا غريبًا عليه، لكنه قلّد عن غير وعي ما بقي في ذاكرته من عناقٍ بعيد، وضمّ المرأة التي أحبها إلى صدره.
كانت خفيفة جدًا، صغيرة جدًا، حتى شعر بوخز الألم من تذكّر عدد المرات التي طعنها فيها من قبل.
عضّ على شفته القصيرة، ثم دفن وجهه في كتفها، محاولًا ابتلاع السائل المرّ المتفجر من قلبه المكسور.
و تدفقت أنفاسه الساخنة فوق عنقها بينما همس بصوتٍ متحشرجٍ يكاد يتلاشى،
“…..آسف.”
لم يكن الاعتذار ليغير شيئًا. ومع ذلك واصل الهمس كمن يتمسك بطوق نجاةٍ واهٍ.
توبةٌ أنانية، لا غفران فيها ولا رجاء.
لم يكن يريد أن يُسامَح، فقط، أراد أن يسمع صوتها ولو مرةً واحدة.
لكن المرأة، التي تدلت ذراعاها كأنها لا تريد أن تلمسه، لم تجبه. حينها أدرك إدوارد، وقد كاد قلبه يتمزق، أنه لا يعرف حتى اسمها.
شدّ ذراعيه أكثر حولها، وكأن الندم المتأخر يحاول خنقه.
‘هل يا ترى، إن التقينا مجددًا في زمنٍ آخر، سيتسنى لي أن أسألكِ عن اسمك؟’
تساقطت دموعه على كتفيها النحيلين دون توقف. تمنى لو أن الزمن يتجمد، لو يبقيا على هذه الصورة حتى ييبسا معًا، محنطَين في العناق الأخير.
لكن صوتًا صاخبًا، قادمًا من بعيد، اقتحم سكون اللحظة. و أمنيته لم تتحقق.
ثم أدرك إدوارد هاميلتون أن النهاية التي لا مفر منها قد حلّت أخيرًا.
فرفع رأسه ببطء. و وخزته أشعة الضوء في عينيه، لكنها لم تستطع أن تطمس وجهها الغارق بالدموع، الذي ظلّ واضحًا أمامه على نحوٍ مؤلم.
مدّ يده المرتعشة ليمسح دموعها برفق، ثم انحنى حتى تلامس جبيناهما. و فتح فمه ليتحدث، كأنه يريد أن يبوح بكل ما في قلبه، ثم تمتم، بالكلمات التي خرجت متقطعةً لكنها صادقة حتى العظم،
أنا….أنا….
“كنت سعيدًا بلقائكِ. لن أنسى أبدًا الأشهر القليلة التي قضيتها معكِ.”
انكمشت أصابعه حتى لامست مقبض الخنجر.
استنشق آخر لحظة من سعادته الباهتة، وفي اللحظة التي دوّى فيها صوت الباب وهو يُفتح، شدّ قبضته.
تردد لحظة عند الحافة الأخيرة، ثم طعنها ببطء. فشعر بالشفرة تخترق لحمها، بينما تجرح جسده هو في كل لحظة تمر.
تصلب ظهرها، ثم اهتزت كتفاها مرةً واحدة قبل أن تنهار في أحضانه بلا حراك.
مرّ نفسها القصير الأخير قرب أذنه، كأنها تحررت أخيرًا. و عندما حاول أن يفهم معنى ذلك النفس، أحسّ براحته تغرق في الدفء اللزج للدم.
‘لن يشرق فجري أبدًا، حتى آخر أنفاسي، لن يبقى لي في جحيمي سوى ظلامٍ أبدي.’
حاول أن يقبض على الدم المتساقط من يده، لكنه انساب من بين أصابعه، فأصدر أنينًا مبحوحًا، وغمره ليلٌ لا نهاية له.
________________________
وهنا انتهت فصول وجهة نظر إدوارد وبديت احس صدق هو البطل
يعني يوجع لأن آرثر مب البطل بنفس الوقت حلو لأنه تعذّب كذا وبنفس الوقت عسا ماشر وبنفس الوقت باي ماعاد ادري وشني قاعده اقول
المهم بعد كذا بنبدا في الفصول الجانبيه في عالم أون كيونغ✨
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 43"