كانت كاثرين ميلر تعيش في مكانٍ يبعد مسافةً ليست قصيرة عن لندن، ولهذا ظن إدوارد هذه المرة أنه لن يلتقي بخطيبته أبدًا.
لم يكن من السهل عليها أن تسافر بمفردها، كما أن برنارد ريدل لم يكن من النوع الذي يسمح لها بالذهاب وحيدة.
جلس هادئًا، يرسم ملامح وجهها في ذهنه، ثم محاها بهدوء. فمنذ اليوم الذي قدّم لها فيه باقة الزهور لم يلتقِ بها مرةً أخرى.
صحيح أنهما لم يكونا يلتقيان كثيرًا من قبل، لذا لم يكن هناك داعٍ للشعور بالقلق، لكن كلما عدّ الأيام التي مضت منذ ذلك اللقاء الأخير، كان يشعر بانقباضٍ في صدره.
بعد أن أنزل أمتعته في النُزل الذي حجزه مسبقًا، تدلّت من بين شفتيه تنهيدةٌ متعبة وهو يفرك عنقه المتيبّس من الإرهاق.
‘هل أذهب لرؤيتها مجددًا عندما أعود إلى لندن؟’
فكر في ذلك، وتخيّل أنه قد يحمل هذه المرة باقةً مختلفة عن الورود الحمراء.
‘أتمنى فقط أن تبتسم…..لا، حتى لو لم تبتسم، يكفيني ألا تتهرب مني.’
إن قابلتها بوجهٍ باسم، لعلها تبادلني بابتسامةٍ خفيفة.
لكن حين سار نحو منزل كاثرين ميلر، محمّلًا الهواء البارد الذي أخذ يتسلل حتى أعماق صدره، لم يمنحها حتى فرصة قول كلمةٍ أخيرة.
و تناثرت الدماء دفعةً واحدة. فمسح وجنته بظاهر يده، ثم وقف لوهلة في مكانه، يتنفس بعمقٍ وهو يشعر بفراغٍ غريب يسكن داخله، ثم أعاد ترتيب معطفه بعناية ليخفي القميص الملطّخ بالدماء.
لكنه كان يعلم أن الآثار لن تُمحى تمامًا، فأسرع عائدًا إلى النُزل قبل أن يبدأ الناس بالخروج إلى الشوارع.
حتى بعد أن نال انتقامه، لم يفهم سبب ذلك الثقل الغامض الذي يملأ صدره — لكنه قرر أن يفكر في ذلك لاحقًا.
ألقى نظرةً سريعة على جثة كاثرين ميلر الملقاة أرضًا، ثم غادر المنزل بخطواتٍ سريعة.
كان الهواء لا يزال باردًا، ولم يظهر أحدٌ في الشوارع بعد، فإن سار على الطريق الذي خطط له مسبقًا، فربما لن يراه أحد.
لكن في اللحظة التي أسرع فيها بخطواته، سمع صوتًا مألوفًا خلفه.
“أ…..أنتَ.…”
تراجعت المرأة متعثّرةً وهي تنطق كلماتها المتقطعة، ورغم أنها لم تُكمل عبارتها، أدرك إدوارد تمامًا ما كانت ستقوله، لأنه هو نفسه كان يردد تلك الجملة في رأسه.
كان وجهها يوحي بأنها بالكاد كبحت صرخةً كادت تنفلت منها، وربما كان وجهه هو الآخر لا يختلف عنها كثيرًا.
فكّر بذلك محاولًا استعادة هدوئه.
كان فضوله يشتعل لمعرفة سبب وجودها هنا، لكن ذلك لم يكن هو الأهم في تلك اللحظة.
قبض بقوةٍ على خنجره، وتقدم نحوها بخطواتٍ حازمة. أما هي، التي تجمّدت كأن شيئًا يقيدها، فقد بدأت أخيرًا بالركض للهرب.
‘منذ ساعاتٍ فقط كنتُ أفكر أي نوعٍ من الزهور سأهديكِ…..’
كانت تركض بكل ما أوتيت من قوة دون أن تفكر في طلب المساعدة، وحين لمحَت الناس من بعيد، صرخت طالبةً النجدة.
كان غريبًا ألا يستجيب أحد، لكن إدوارد لم يمنح نفسه وقتًا ليتساءل عن السبب.
وقد كانت المسافة بينه وبينها لا تزداد ضيقًا كما أراد، فلو وصلت إلى الحشد، سيصعب عليه إنهاء ما بدأه.
وفي اللحظة التي انشغل فيها فقط بالإسراع أكثر —
“إليزابيث!”
خرج رجلٌ مسرعًا من مبنى يشبه النُزل، وملامح الصدمة مرسومةٌ على وجهه، ينادي اسمها بصوتٍ يعرفه جيدًا.
فتقلصت عينا إدوارد بضيقٍ حاد.
يبدو أنه كان رفيقها، غير أن الطريقة التي ناداها بها لم تعجبه إطلاقًا. والأسوأ أن إليزابيث كانت تمد يدها نحوه بيأس، كأنها ترى فيه منقذها الوحيد.
فأطلق إدوارد زفيرًا باردًا، وأعاد قبضته على الخنجر بثبات.
في تلك اللحظة، حين التفتت إليزابيث غريزيًا إلى الوراء، انعكس بريق النصل الملطخ بالدماء في عينيها.
وفي آخر لحظة، وقبل أن يسود الظلام أمامها، تجمد وجهها على ملامح الذهول التام.
و أزعجه رفيقها أكثر من أي شيء آخر. لقد كان رجلاً ذا وجه لم يرَه من قبل.
كلما عاودته صورة تلك المرأة وهي تمد يدها إليه وكأنّه من يُؤتمن، ارتجف شيءٌ في صدره.
أغمض عينيه ليهذب أنفاسه، ثم أطلق زفرةً طويلة.
هل ذلك الرجل خرج من نُزُلِّهما؟ هل كانا بمفردهما، يقيمان في نفس المكان؟
ربما كان من الحماقة أن يخرج بدافع كبح غضبه.
و في عمق الليل، توجّه إلى النُزُل الذي تذكَّر أنه رآه من قبل، وحدق بالباب بوجهٍ يكسوه الشك.
لم يدر هو نفسه لماذا جاء إلى هنا.
لو فتح الباب الآن لالتقى بالمرأة دون تأخير. و قد لمح عبر نافذة الغرفة الوحيدة المضيئة ظلَّ ذلك الرجل الذي رآه من قبل، فبات شبه مؤكد أن من في الغرفة الملاصقة له هي خطيبته.
لكن ماذا لو قابلها؟ ما الذي سيقوله وهي تحدق في وجهه؟
هل يسألها: لماذا جئتِ إلى هنا؟ من معكِ؟
وإن سألها كيف علم أنها هنا، فبماذا سيجيب؟
‘أدركُ أن الزمن يعود للخلف. وأتذكّر أني قتلتكِ بيدي.’
قضى إدوارد وقتًا طويلاً واقفًا وهو يلتهم ذلك الشعور المُرّ، ثم حدّق في الباب الرفيع الفاصل بينه وبينها.
لم يَظهر أيُّ صوتٍ من داخل الغرفة. فأمسكَ يده ثم فتحها مرارًا وهو في حيرة، ثم استدار عن الباب أخيرًا.
أصدر السلم العتيق صريرًا كأنّه يئنُّ من ثقل الإنسان. و نزل ببطء، وتردّد قليلًا عند السلم، ثم ارتعد جسده حين سُمِع صوت الباب يصدح بفتحٍ مفاجئ، فالتصق بالحائط.
“مـ-معذرة، هل لي بالدخول لحظة؟”
تسللت كلمة المرأة المرتجفة إلى أذنه على وقع طرقها المتواصل على الباب.
طال الصمت كمن يفكّر، ثم أجاب صوت رجلٍ منخفض بالموافقة. و أُغلِق الباب بعد ذلك مباشرة.
لم يستطع إدوارد مغادرة ذلك الموضع لوقتٍ طويل.
لم يستطع أن يركّز في أي شيء آخر، إذ كانت فكرة ما قد يتبادلان من حديث تلتهمه من الداخل.
ما العلاقة بين خطيبته وذلك الرجل؟ وما السبب الذي جعلها تأتي إلى هذا المكان مع رجلٍ آخر، رغم علمها بوجوده هنا؟
حتى لو افترض أنها تفعل ذلك لأنها تظن أنه لا يذكر ما جرى قبل عودة الزمن، فالفكرة نفسها كانت تمزقه؛ إذ لم يكن قادرًا على أن يوجه إليها كلمة عتابٍ واحدة.
ظل ذلك الإحساس يلازمه حتى بعد أن عاد إلى النزل، وإلى حين توجهه في اليوم التالي إلى منزل كاثرين ميلر.
ذهب إدوارد إليها هذه المرة في وقتٍ أبكر من اليوم السابق، وقتلها. و لم يكن من الصعب السيطرة على جسدها الضئيل مقارنةً بتوماس تيرنر.
ألقى نظرةً عابرة على الحذاء الذي انزلق من قدمها وهي تحاول الفرار، وارتطم بالأرض، ثم زفر بهدوء.
تُرى، ماذا تفعل تلك المرأة في هذه اللحظة؟
مسح وجهه ويديه بصمتٍ بمنديله الذي أعده مسبقًا، ثم فتح الباب وخرج.
اختفى عبير الدم من أنفه في لحظة، وتسللت إلى رئتيه نسمة هواءٍ باردةٍ ونقية. لكن ذهنه بقي مضطربًا، تملؤه دواماتٌ من الأفكار.
سواءً قبل أن يلتقي وجهها أو بعد أن يلتقيه، سيبقى عذابه قائمًا بلا نهاية، ومع ذلك عليه أن يخفي كل ما في صدره حتى آخر شظية.
زاد إدوارد من سرعة خطاه وهو يغرق في التفكير،
وبحلول الوقت الذي تعالت فيه صرخات الناس حين اكتشفوا وقوع جريمة القتل، كان قد استقل القطار عائدًا إلى لندن.
***
عرف أخيرًا من يكون ذلك الرجل.
بينما تخيل وجه المفتش لوزنديل الذي لمحَه سابقًا، قبض إدوارد على الورقة في يده حتى تجعّدت بين أصابعه.
إذًا كانت تمضي وقتها مع الشرطة طَوال هذه المدة…..
غامت ملامحه وهو يستعيد صورة خطيبته وهي تتكئ على ذلك الرجل وكأن الأمر طبيعي.
صحيحٌ أنهما مخطوبان، لكنهما لم يتبادلا يومًا مشاعر حقيقية، وبعد أن شهدت قتلًا بيده وكادت تفقد حياتها هي الأخرى، فليس غريبًا أن تلجأ إلى الشرطة.
لكن إن كان الأمر كذلك، فلماذا لم تخبر آرثر لوزنديل منذ البداية من هو القاتل؟
لقد قتل شخصين ومع ذلك ما زال يسير في الشوارع بكل جرأة.
لو أن أحدًا علم الحقيقة، لما كان حرًا الآن، بل عُلِّق على الفور. حتى إن لم تكن هناك أدلة دامغة، فغياب أي محاولةٍ لاعتقاله أمرٌ لا يصدق.
توقفت أصابع إدوارد عن النقر البطيء على الطاولة.
…..ماذا لو كانت هي السبب في عدم إلقاء القبض عليه؟
هي تخشاه حقًا، لا شك في ذلك، فبعد أن شهدت الجريمة لم تستطع حتى أن تُخفي اضطرابها.
لكن هناك أمورٌ كثيرة لا تُفسَّر إن كانت قد أبلغت عن القاتل فورًا، وكأنّ في الأمر شيئًا مريبًا.
أما احتمال أنها تساعده فعلًا، فليس واقعيًا تمامًا…..ومع ذلك—
خفض إدوارد عينيه في صمت.
إذاً عليه أن يتحقق بنفسه.
تناول القلم وكتب رسالةً إلى مارجريت غيلفورد يخبرها بعزمه على زيارتها. وبعد موت مارجريت، ستبقى الرسالة في دار الأيتام التي وُجِّهت إليها، فلن يذهب هو لأخذها.
إن لم تأتِ الشرطة بعد ذلك للقبض عليه، فسيكون مؤكدًا أن خطيبته هي من تساعده.
وخشيةً من أن تسير الأمور على نحوٍ غير متوقع، كتب التاريخ متأخرًا بيومٍ عن الموعد الأصلي الذي خطط له.
ثم أرسل الرسالة وارتسمت على شفتيه ابتسامةٌ خافتة. و امتلأ قلبه برضا غريب، مصدره احتمال أن يكون قد عثر، من حيث لا يدري، على حليفٍ لم يكن يتوقعه.
________________________
ادري صدق انه غصب يقىًتلها بس انه يغار عشانها مدت يدها لواحد ثاني؟؟؟😭😭😭😭
المهم المؤلفه مدري وش تبي ليتها تعلمنا من الي طلع لأون كيونغ ومن البطل بعدها تكمل من وجهة نظر ادوارد
وبعد اول مره اتعاطف من قاىًل🌝 يعني خل نقول انه بالغلط
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 41"