هل ستأتي تلك المرأة إلى منزل توماس تيرنر هذه المرة أيضًا؟
رغم أنه تمنى ألا تفعل، إلا أنه كان واثقًا بأنها ستأتي مجددًا، كما كانت تفعل دائمًا حتى بعد أن لقيت الموت على يديه مراتٍ عدة دون أن تهرب.
تذكر إدوارد تلك المرأة التي لا يبدو أن جسدها يبلغ نصف حجم توماس تيرنر، بينما كان يشاهده وهو يتخبط محاولًا الهرب.
لو أنه فتح النافذة، لكانت هناك بلا شك، غير أنه لم يفعل رغم أنه لا يستغرق سوى بضع ثوانٍ ليعرف، فقط لأنه تمنى في قرارة نفسه ألا تقع عيناه عليها.
‘ليتها تهرب دون أن تُصدر أدنى صوت.’
إن أصدرتِ صوتًا، فلن أملك إلا أن أرفع السيف مجددًا.
ظل يحدق طويلاً في جثة توماس تيرنر الممددة أمامه، ولم يفتح باب الكوخ ليخرج إلا بعد أن تأكد أن المرأة إن كانت هناك، فقد نالت الوقت الكافي للفرار.
كان الهواء البارد يدور حوله في سكونٍ مخيف. و لحسن الحظ لم يصادف أحدًا بعد، لكنه لم يكن يعلم من قد يظهر ومتى.
تسلل إدوارد عبر الأزقة المعتمة عائدًا إلى القصر. و لم يتمكن في النهاية من لقائها، غير أن القلق ظل ينهش صدره. فقد أراد أن يرى وجهها في الحال.
هل تبكين مجددًا؟ لا شك في ذلك.
كان يمكنها ألا تأتي، لكنها رغم ذلك تزحف نحو الموت بقدميها ثم ترتجف طويلاً قبل أن ترحل.
لم يكن يملك ما يقوله إن سُئل بأي وجهٍ جاء ليراها، وهو نفسه من ساقها إلى هذا الحال، ومع ذلك اغتسل مرارًا ليزيل بقع الدم عن جسده، وارتدى ثيابه بعناية، ثم توجه إلى قصر عائلة ريدل.
كان يعلم أن المجيء دون موعدٍ مسبق يُعد تصرفًا بالغ الوقاحة، وكان واثقًا أن هذا الفعل سيظل لطخةً أخرى تُضاف إلى سمعته.
“إليزابيث.”
لكن إدوارد أراد بشدة أن يرى وجهها.
“هل أنتِ بخير؟”
حتى لو كانت تنظر إليه بوجهٍ شاحبٍ مرتجف.
“آه….نعم، أنا…..بخير.…”
أجابت المرأة بصوتٍ متردد وهي تلقي شالًا أبيض على كتفيها وتسدله على شعرها الممشط.
كان التعب العميق والصدمة مطبوعين على وجهها الجامد كالشمع. و لم يكن امتناعها عن النظر إليه غريبًا، فقد كانت دومًا تجد صعوبةً في مواجهته.
لكن تراجعها خطوةً إلى الوراء، وتشديد قبضتها على الشال الذي يلف كتفيها، والتفاتها المتكرر خلفها، كل ذلك فضح بوضوحٍ رغبتها في ألا تقف أمامه.
وعندما رأى ذلك، شعر إدوارد، على غير عادته، بشيءٍ من الغضب يتصاعد في صدره.
كم كان يهمس لها بحبٍ ملتهب، وها هو الآن لا يقوى حتى على الاقتراب.
أكان يظن أنها لن تجرؤ على صده؟ يا له من غرورٍ أعمى.
وفي اللحظة التي همّ فيها إدوارد بالكلام وقد تعكر مزاجه، تحدّثت المرأة بصوتٍ متوترٍ و مرتجف،
“أعتذر، إدوارد….لكنني…..لست على ما يرامٍ الآن.”
كانت تمسك بالشال بقوةٍ حتى ابيضت مفاصلها، و ارتجافها لم يمنعها من إتمام كلماتها بعزمٍ متكلف.
وحين رفعت نظرها إليه أخيرًا، كان في عينيها رفضٌ لا يمكن إخفاؤه. و في تلك اللحظة شعر بوهنٍ شديد يسري في جسده.
“أجل…..يبدو ذلك واضحًا.”
أجاب بإيجاز وهو غارقٌ في شعورٍ لا يعرف كيف يصفه، ثم خطا نحوها خطوة، لكنه توقف حين رآها تنكمش بخوف، فتراجع في مكانه.
انعقدت ملامح وجهها في تعبيرٍ مرتبك يحمل الأسى والخوف. و شعر إدوارد بغرابةٍ برغبةٍ في الضحك فجأة.
لم يكن ضحكًا مبهجًا أبدًا، لكن كان هناك شيئٌ ما يغلي في داخله حتى اضطر إلى خلطه مع أنفاسه وبصقه خارجًا.
مع ذلك لم يضحك ولم يغضب، بل اقتصر على مد يده لالتقاط يد المرأة المتدلية بلا قوة وقبّلها بصمت. و عندما رفع بصره بهدوء، بدا وجهها مقطبًا وكأنها على وشك البكاء.
“أتمنى لكِ الشفاء.”
تلاشت الكلمات من شفتيه بلا دفء. لكن قلبه وحده سيظل كندبة سوداء في المكان الذي وُضعت عليه القبلة، يتعفن طويلاً.
ربما ترك شيئًا في بيت توماس تيرنر، لقد جاءت هذه الفكرة بعد نحو يومين من قتله له.
‘أوه، لقد فقدتُ صوابي….’
نقر إدوارد بلسانه وهو يسير بخطى متعجلة نحو بيت تيرنر.
كان الحي الفقير الذي تفوح منه رائحةٌ عفنة يحتضن ظلمةً كئيبة كما هي العادة اليوم أيضًا. و ربما لأن الحادث لم يمضِ عليه وقت طويل، بدا الهواء أكثر برودةً من المعتاد.
كانت فكرة القلق من احتمال ترك أدلةٍ وراءه أمرًا لم يتوقعه. فحتى اللحظة التي جرح فيها رقبة توماس تيرنر بالسيف، كان نصف ذهنه منصبًا على المرأة التي قد تكون خارج النافذة.
لم يذكر حتى كيف حرك جسده أثناء ذلك.
ملأ العبوس عبّس جبينه وهو يحاول إفراغ ذهنه حين لمح أمامه كوخًا متهالكًا يبدو كأن نصفه محطّم.
آن الأوان لأن يستجمع عقله حقًا؛ لا مجال للتشتت.
توقف لحظةً ليلتقط أنفاسه ثم فتح الباب بحذر. و أصدر الباب القديم صوتاً كأنه يدل على اقتحام، لكن لم يخرج أحدٌ ليرى.
قبض على الخنجر الذي جلبه وهو مستعدٌ لقتل شهود إضافيين إن لزم الأمر، ثم تسلل إلى الداخل كمن ينزلق.
توقع أن رائحة الدم والنتن لن تزول بسهولة، لكن بخلاف رائحة العفن المتراكمة القديمة، لم ينبعث منه أي رائكٍ أخرى كما كان يخشى.
كانت لا تزال هناك بقايا من الضوء تكفي لأن يرى داخل الكوخ شبه المعتم دون الحاجة إلى إشعال النار، لكن إن لم يتحرك بسرعة فسرعان ما سيبتلع الظلام المكان.
أدار إدوارد رأسه يتفحص الغرفة الصغيرة بنظرةٍ سريعة، ثم بدأ يفتشها بعناية في كل زاوية.
لقد كان من حسن حظه أن الحادثة وقع في حيٍ فقير، وأن الشرطة لم تبذل سوى جهدٍ شكلي في التحقيق، فربما لم تُكتشف أي آثارٍ على الإطلاق.
جال ببصره على الأرض، يتفقد كل شبر بعناية، ويقلب بين الأكوام المتناثرة من الأغراض، حتى وصل أخيرًا إلى أنه لم يترك خلفه أي دليلٍ أثناء قتله لتوماس تيرنر.
تحسّن مزاجه، وارتخت حركات يديه شيئًا فشيئًا.
وأثناء تفتيشه آخر ما تبقى فوق الطاولة، وبينما كان يبعثر كومة من الأوراق، وقعت عيناه على اسمٍ لم يكن يتوقع رؤيته هناك، فتجهم وجهه على الفور.
«إليزابيث ريدل» — كانت خطيبته.
هل كانت قد حدّدت موعدًا مسبقًا مع تيرنر؟
واصل القراءة بوجهٍ خالٍ من التعبير، ثم همّ بإعادة الورقة إلى مكانها.
عندها، دوى صوت الباب وهو يُفتح صريرًا حادًا. و لم ينتبه إلى اقتراب شخصٍ منه إلى هذا الحد من قبل، وكان عليه الآن أن يختبئ بسرعة.
لم يكن يعرف كم من الوقت يمكنه كسبه داخل هذا الكوخ الضيق…..فشد قبضته على خنجره المخفي في معطفه، وأسند ظهره إلى الجدار وهو يرمق المدخل بحذر.
كانت خطوات المقترب تزداد وضوحًا شيئًا فشيئًا. وبينما خيّم صمتٌ قصير يفصل بينهما بزاوية الحائط،
سمع صوت احتكاك عود الثقاب — فقد كان الدخيل يحاول إشعال الضوء.
‘الآن فقط…..هذا هو الوقت المناسب.’
عليه أن يتحرك قبل أن يتمكن الدخيل من استخدام يديه الاثنتين.
و بدافع الغريزة، اندفع إدوارد بخنجره نحو عنق القادم،
لكن بعد لحظة واحدة فقط أدرك أن جسد هذا الشخص صغير القامة على نحوٍ غريب…..بل مألوفٌ جدًا.
تجمد في مكانه وهو يحدق في رأسها المرتجف أمامه، ثم همس بصوتٍ مرتجفٍ غارقٍ في الذهول واليأس،
“…..ما الذي تفعلينه هنا؟”
“أه..…”
ارتجف جسدها وخرج منها أنينٌ مكبوت، وما إن شعرت ببرودة حد السكين حتى غصّت بأنفاسها، لكنها لم تجب، ولم تتوسل إليه أن يتركها.
كأنها قد تعلمت بالفعل أن لا جدوى من ذلك.
اشتدت قبضة إدوارد على الخنجر — و كان يعلم ما هو المخرج الوحيد من هذا الموقف، لكن يده لم تستطع أن تتحرك.
أغمض عينيه بقوة، لكنه لم يجد وسيلةً أخرى. وقد كان كلٌّ منهما يدرك الحقيقة جيدًا.
وفي اللحظة التي شعر فيها بأن دموعها انحدرت على وجنتيها لتلامس ظاهر يده، حرّك ذراعه قليلًا، وكأن الزمن كان ينتظر تلك الإشارة بالذات — إذ بدأ الضوء يخبو، ودار الوقت إلى الوراء.
***
في هذه الجولة، لم يتجه إدوارد إلى كوخ توماس تيرنر. فقد تأكد قبل أن يعود الزمن إلى الوراء من أنه لم يترك أي أثرٍ خلفه، ولم يعد هناك داعٍ للذهاب.
ثم إن كان للمرأة سببٌ يجعلها تعود إلى هناك، فهو لا يريد أن يلتقي بها مجددًا.
إن التقيا مرة أخرى، فسيضطر إلى قتلها من جديد — لذلك لن يذهب هو إلى هناك فحسب، وبذلك يتفادى الحتمية.
لم تكن تلك حالةً لا يمكن الفرار منها، فلماذا يُفوّت فرصةَ تجنبها؟
بقي في القصر كالميت لعدة أيام، ثم خرج أخيرًا مرتديًا ثيابًا أنيقة، متوجهًا إلى وجهته — منزل خطيبته.
وكعادته، اشترى باقةً من الزهور في طريقه.
نظر إلى الورود الحمراء المتفتحة ساخرًا من نفسه. قالوا أنها رمز الحب…..تُرى، ما التعبير الذي سترسمه على وجهها لو أخبرها بمعناها؟
حين سمعت بقدومه، بدت المرأة أمامه بوجهٍ يختلط فيه الحذر بالخوف، كما توقع تمامًا.
و كان واضحًا من ملامحها أنها خرجت للقائه مُكرهة.
“لقد مرّ وقتٌ طويل منذ آخر لقاءٍ لنا.”
تصلبت أصابعها حتى نهاياتها وهي تراقب حركاته بتوجس، ثم شهقت خلسةً عندما سمعت صوته.
حرّكت شفتيها بتردد، ولم تُخرج الكلمات إلا متأخرة، خافتةً كمن يُخنق صوته.
“…..نعم. هل كنتَ بخيرٍ طوال هذه المدة؟”
“بفضل قلقكِ عليّ.”
رمشت بعينيها وهي تنظر إلى باقة الورد التي مدّها نحوها، ثم لامست بتردد أطراف الزهور بأنامل مرتجفة.
و انحنت قليلًا تستنشق عبيرها، ثم تمتمت ببطء،
“رائحتها.…”
خفّ صوتها حتى كاد يختفي، ثم بعد لحظة صمتٍ متوترة، أتمّت عبارتها بصوتٍ واهن،
“…..جميلةٌ حقًا.”
بينما كان إدوارد يصغي إلى كلماتها، خطر بباله فجأة حديثهما الأول — ذلك اليوم الذي بدأت فيه هذه الغريبة تتقمص دور خطيبته.
حتى لو استعاد تلك الذكريات الآن، فلن يتغير شيء.
خفض بصره، وقد تسلل إلى نفسه شعورٌ خفيف بالكآبة.
“شكرًا لكَ.”
“يسعدني أنكِ تبدين وكأنكِ تحبينها، هذا يطمئنني.”
خارج النافذة، خيّم الظلام. و تجمعت الغيوم الثقيلة ببطء، وكان واضحًا أن المطر سينهمر قريبًا.
رفع بصره نحو السماء، ثم حول نظره إلى المرأة التي كانت تلامس بتردد بتلات الزهور، كأنها لا تستطيع الوقوف أمامه إلا بانشغالٍ مصطنع.
“يبدو أن هناك ما يزعجكِ.”
توقفت فجأة، وكأنها أدركت أنه يراقبها.
فاقترب منها إدوارد، وأمسك برفق أطراف أصابعها التي كانت تحوم حول الورود، لكن ما إن لمسها حتى شعر ببرودةٍ تشبه برودة الجثث، وفي اللحظة التالية، سحبت يدها بعنفٍ من بين يديه.
اتسعت عيناها بدهشة، كما لو أنها لم تصدق ما فعلت، ثم تراجع جسدها خطوةً إلى الوراء ووجهها شاحبٌ مرتعد.
ارتفع الغضب في حلق إدوارد ككتلة حارقة. وبينما كانت ملامحه المتجمدة تزداد قسوة، لمع برقٌ خاطف فوق وجهه، ثم انهمر المطر الغزير كالسياط، لكن أحدًا منهما لم ينطق بحرف.
وبعد لحظات من الصمت المشحون، تمتمت المرأة أخيرًا بصوتٍ مرتجف وقد تدلت حاجباها،
“…..أنا آسفة.”
كانت في نبرتها نغمة استسلام.
لقد كانت تظن أنه سيقتلها — و تلك الفكرة خنقته كأنها صفعةٌ على صدره.
فرمقها إدوارد بعينين معقودتين، ثم أجبر وجهه على العودة إلى الهدوء ليردّ بصوتٍ رزين،
“يبدو أنكِ فُزعتِ كثيرًا، أعتذر.”
رفعت رأسها بسرعة، ونظرت إليه بذهولٍ تام، ثم هزت رأسها بسرعة كأنها تستفيق من حلم.
“لا، لا بأس، أنا بخير.”
و تسارعت كلماتها المرتبكة،
“لقد تفاجأت فقط، هذا كل ما في الأمر، أنا بخيرٍ حقًا.”
كانت ترجوه بصوتٍ يقطر خوفًا.
فظل إدوارد ينظر إلى رجائها، و إلى عينيها البنيتين اللتين يلمع فيهما الدمع، ثم أومأ برأسه في صمت، وكأنه يقرّ بأنه فهمها.
“أعتقد أنني سأرحل الآن.”
وحين رأى وجهها يضيء بارتياحٍ فور سماع تلك الجملة،
شعر بمرارةٍ لاذعة تملأ فمه.
ابتلع الألم بصعوبة وتابع بصوتٍ مبحوح،
“أكرر اعتذاري.”
لكنها لم تجب.
_________________________
تنتظرك تطلع😭😭😭😭😭😭😭😭
معليش بس ترا يضحك احبه بس منطقي انها تخاف منه ويحق لها بعد هو الي مايحق له يزعل😭😭
المهم احبه حتى لو سوا كذاته لأن الوضع كأنه مغصوب من المسرحيه انها ىٍقتلها😔 احسني بعد انا منب منطقيه
بعد الحلو انه حب اون كيونغ مب خطيبته اليزابيث
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 40"