عاد الزمن مرة أخرى ليوم واحد، وارتجفت المرأة أمامه كما من قبل، بينما ابتسم إدوارد خفية لمشاهدتها وهي ترتعب، لكنه هذه المرة لم يقتلها في أرض الصيد، ولم يضع السم في الشمبانيا خلال الحفل.
لم يكن هناك سببٌ لقتلها؛ فقد تحقق من كل ما أراد معرفته في الجولة السابقة.
كما اعتقد، بعد أن ماتت على يديه مرتين، ستتجنب الاقتراب منه لفترة من الوقت. لذا، على عكس المرة السابقة، اختار أن يبتعد عن القاعة ويختبئ في مكان منعزل. ولم يكن هذا يزعجه؛ فحتى لو اختفى، لن يبحث عنه أحد.
“…..إليزابيث.”
لكنه لم يتوقع أن تكون هي من تبحث عنه أولاً.
اقتربت منه ببطء رغم ملامح الخوف على وجهها. تأملها إدوارد صامتًا ثم ابتسم بخفّة.
“اقتربي أكثر، هنا.”
لماذا تأتي نحوه رغم أنها واجهت الموت على يديه عدة مرات؟
لماذا لا تهرب؟ لماذا تقترب منه بوجه يكاد يخفي خوفه بصعوبة ويبتسم رغم ذلك؟
شعر إدوارد بالقشعريرة تتسلق عموده الفقري. فكرة أن يكون ذلك مجرد تصرّف مبني على عاطفة سطحية جعلت معدته تنقبض، فنهض فجأة من موضعه المتكئ.
“أشياء متعلّقة بكِ.”
هل ستواصل الاقتراب منه رغم تهديده لها؟
تحوّل وجه المرأة إلى شاحب أزرق تقريبًا، وبدأت تتراجع مسرعة محاولةً الهرب، لكنها فقدت توازنها وسقطت أسفل الدرج.
وحلّت العتمة من حولهما.
***
عاد الزمن مرة أخرى. و اعتقد إدوارد هذه المرة أن المرأة لن تبحث عنه بعد الآن.
تجاوز محادثتهما السابقة في أرض الصيد، وغادر القاعة دون أن يراها في منزل أندرسون. و بعد انتهاء وجبة العشاء المرهقة، لم يتوقع أن يلتقي بها مجددًا لفترة.
لكن منذ اللحظة التي رآها فيها تتقدم نحوه بملامح مرتعبة، شعر بعدم ارتياحٍ غريب لا سبب له.
تذكّر وجهها الخائف في حدة النظر وجفاف الملامح، وكان حينها يستسلم لتعبه، مائلًا برأسه إلى الأسفل متأثرًا بالإرهاق المتراكم.
“…..إدوارد.”
ثم سمع صوت المرأة، فظنّ أنه مجرد وهم سمعي. فكيف لها أن تأتي إليه..…؟
لكن وقع خطواتها اقترب بشكلٍ لم يعد يمكن اعتباره مجرد هلوسة، وسرعان ما ظهرت هي أمامه.
وقف إدوارد للحظة، محتارًا في تعابير وجهه. و حاول تلقائيًا أن يبتسم، لكنه لم يتذكر كيف ربط زوايا فمه لتشكيل الابتسامة.
بينما ظل مترددًا ووجهه متجمدًا، اقتربت المرأة بضع خطواتٍ حتى أصبحت على مقربةٍ منه.
“إليزابيث.”
“…..ماذا تفعل هنا في مثل هذا المكان؟”
“كنت أفكر قليلًا.”
رأى وجهها فتراخت زوايا فمه قليلًا.
وقد وقفت على بعد خطوات، ثم أدركت قربها من الدرج فتراجعت خطوةً إلى الوراء.
كانت تصرفاتها البسيطة تكشف بشكلٍ مؤكد أنها ما زالت تتذكر الماضي، لكنه لم يفهم أبدًا لماذا لا تهرب ولماذا تستمر في البحث عنه بلا توقف.
تأملها بصمت، ثم أدرك فجأة أنه لم يعد يرغب في تهديدها.
وفي تلك اللحظة، همست المرأة بصوت مفاجئ،
“أنا…..لا أظن أنكَ في مكانٍ لا يليق بكَ.”
تجمد وجه إدوارد بردة فعل باردة.
بالطبع، كانت أذناها تسمعان ما يُقال عنه؛ لا بد أنها عرفت كل الشائعات المتداولة…..ومع ذلك، شعور الغرابة في صدره لم يزُل، رغم أنه اعتقد أنه على علم بكل شيء.
“لقد علّمتني أن لا قيود على الإنسان، ولم يعلمني ذلك أحدٌ سواك.”
تردّد أن يرد بشدة، لكنه توقف. فلم يكن يريد سماع المزيد من كلماتها المنسابة الآن.
ربما كان الهروب أفضل. نعم، سيكون أفضل.
وقد كان هناك شعورٌ بالقلق المجهول بدأ يدق بقوة في قلبه.
اقتربت منه المرأة خطوةً أخرى، و أمسكت بيده برفق، وهمست مبتسمة،
“سأحبكَ دائمًا.”
فسقط قلبه كأن صاعقةً ضربته. هذا، بالضبط، ما لم يرغب في سماعه.
حبس أنفاسه للحظة، ثم نظر إلى الأسفل إلى المرأة التي لم تتمكن من مقابلة نظره، وشوّه وجهه بتعبيرٍ غاضب وممزق.
رغم أنها قُتلت على يديه مرارًا وتكرارًا، إلا أنها كانت تأتي إليه دومًا بثبات، مبتسمةً بوجه لم يفلح في إخفاء خوفه، وهمست له في النهاية بحبها، لكنه لم يستطع مطلقًا…..
“أتمنى لكَ السعادة والسكينة بكل ما فيّ.”
لم يستطع مطلقًا صدّها.
حتى لو كانت كلماتها مجرد مجاملة، فلا بأس، لأنها كانت أول من تمنى له السعادة حقًا.
المشاعر التي تماوجت في صدره كالأمواج العاتية تحركت من شفتيه المرتجفتين نحو أطراف أصابعه التي كانت تمسك بيدها.
وأدرك إدوارد هاملتون أخيرًا أنه لم يعد بوسعه إنكار حقيقة أنه قد حملها في قلبه.
***
إعجاب؟ لم يُمنح له من قبل، ولم يشعر به قط. لذا كان حال إدوارد الآن حائرًا ومربكًا إلى حدٍ لا يُحتمل.
لكن لا يمكنه البقاء أسيرًا لقلبه إلى الأبد، فقرر قطع أفكاره عند هذا الحد. فالإحساس بالإعجاب لن يُغيّر شيئًا. كل شيءٍ يمكن النظر إليه مجددًا بعد أن ينتهي انتقامه، ولن يكون الأوان قد فات.
عبس إدوارد وهو يسير بخطى واسعة في الشارع الذي غمره الشفق. و كان الناس يتجولون حوله كالأشباح، لكن أحدًا لم يُبدِ اهتمامًا بالربطة التي كان يحملها في يده.
لم تكن تُظهر شفرة الخنجر في داخلها، وكانت تبدو من الخارج عاديةً تمامًا، وربما لهذا لم يلتفت إليها أحد.
حتى تلك اللحظة، قبل أن يرى المرأة التي كانت تتظاهر بأنها خطيبته، كان يظن أنه سيعود إلى القصر دون أي مشكلة.
المرأة التي كانت جالسةً نهضت واستدارت نحوه، تحدق به بعينين متفاجئتين. فتفحصها إدوارد بدقة، وكأنه كان ينتظرها، ثم أدرك أن نظراتها اتجهت نحو الربطة في يده، فابتسم وهو يخفيها بطبيعية.
كان يشعر بأنها تعرف تمامًا ما بداخلها، وكان ذلك أمرًا مزعجًا. ربما لأنه يخفي الكثير، حتى بدا كالمذنب.
“لم أتوقع أن أراكِ في مكان كهذا.”
رفعت المرأة رأسها الذي كان متجهًا نحو يده، وانعكست خيوط الشفق على عينيها البنيتين حتى صبغت أطرافهما بلونٍ دافئ.
وبالرغم من أن هذا التغيير الطفيف لم يكن ذا شأن، إلا أنه شعر بانقباضٍ غريب في صدره من جديد.
“وأنا كذلك. منذ آخر صيد لم تُتح لنا فرصة اللقاء مجددًا..…”
خرج صوت المرأة مرتجفًا بخفة، وبرغم مظهرها الذي بدا كمن يرتعد خوفًا، إلا أنها تماسكت وبقيت في مكانها لتفتح الحديث، مما جعله يتساءل عمّا يدور في داخلها.
وبينما كان إدوارد يحدق بشرودٍ في خيوط الشمس المنسابة على خطوط وجهها الرقيقة، وفي البريق العالق بأطراف رموشها، أجاب وهو يتجنب نظراتها.
“كانت لدي بعض الأعمال…..ويبدو أنني سأظل مشغولًا لفترة.”
يا له من تصرفٍ غير طبيعي. ومع ذلك، لم يستطع أن يتصور أي ملامح أو حركات يمكن أن تكمّل كلماته.
وفي النهاية، عبس لا إراديًا ثم حاول إخفاء اضطرابه وهو يختم الحديث،
“سأوافيكِ بالأخبار في المرة القادمة، عليّ الذهاب الآن.”
هل أنهى المحادثة بسرعةٍ شديدة؟
أعاد إدوارد تكرار كلماته في ذهنه، ثم أزاحها بصعوبة، ومضى مسرعًا بخطواتٍ هاربة.
كان متأكدًا أن المرأة ستجده غريب الأطوار، لكنه شعر أن الفرار من الموقف هو الخيار الأفضل في تلك اللحظة.
***
ظلّ إدوارد قرابة عشر سنوات يتساءل عمّا يجب أن يقوله حين يلتقي توماس تيرنر مجددًا، لكنه لم يجد جوابًا قط.
في بعض الأيام، كان يرغب في أن يسبّه بأقسى العبارات، وفي أيامٍ أخرى أراد أن يسخر من حياته التي تهاوت إلى الهاوية، وأحيانًا كان يشعر أنه لا يريد حتى أن يتبادل معه كلمةً واحدة.
حدّق إدوارد بعينين باردتين في دماء توماس تيرنر التي كانت تنساب على معصمه، ثم لوّح بيده كأنه يريد أن ينفضها عنها. لكن بالطبع، لم يجعل ذلك يده أنقى.
الجسد الضخم للرجل تمايل بعنف بعد أن قُطع عنقه، ثم فقد قوته وانهار بلا حراك. فتردد إدوارد قليلًا متسائلًا إن كان عليه أن يقول شيئًا لجثته، لكنه سرعان ما فقد اهتمامه وأطبق شفتيه بصمت.
كان يظن أن لحظة الانتقام ستكون سعادةً خالصة، لكنها لم تكن كما تخيّل…..
وفيما كان يتأمل الذكريات بلا أثرٍ لأي شعور، التقطت أذناه صوتًا غريبًا. فاستدار إدوارد على الفور نحو مصدر الصوت.
كان واضحًا أن صوت أوراقٍ جافة تتكسر تحت الأقدام اختلط بنحيبٍ مكتوم. فحبس أنفاسه للحظة وهو يحدق في الأمام، ثم اندفع بخطواتٍ سريعة نحو النافذة المغلقة بإحكام.
توقف قلبه لحظة عندما أدرك أن الصوت الذي سمعه كان لصوتٍ يعرفه جيدًا.
و كان من المفترض أن يتأكد من هوية الشاهد ويتخلص منه على الفور، لكن لسببٍ ما، لم يرغب في رؤية وجهه.
ومع ذلك، لا يمكن الهروب للأبد.
تردد إدوارد قليلًا، ثم فتح النافذة بقوة. بينما تساقطت قطرات الدم على نصل الخنجر الذي كان يقبض عليه بيده.
كان يحدق بظهر المرأة التي كانت ترتجف بشدة، وقد بدأ لونها يتحول إلى الأحمر القاني، فقبض على أسنانه ورفع يده عاليًا.
لكن في النهاية، لم يستطع إنزالها. و ظل إدوارد متصلبًا في مكانه، وكأن أحدًا أمسك بمعصمه ليمنعه من الحركة، محدقًا بلا حراكٍ في ظهر المرأة، ثم أطلق أنفاسه المتقطعة بثقلٍ موجع.
وفي تلك اللحظة، كأنما يعاقب نفسه على لحظةٍ واحدة من التردد، جفّ عالمه فجأة وتحوّل إلى رمادٍ رماديٍّ باهت.
الهواء الجاف خنق أنفاسه، ومع كل شهيقٍ شعر كأن الرمل يملأ حنجرته. و لم يكتفِ الزمن بأن يعود للوراء، بل توقف تمامًا.
تشنج وجه إدوارد بين ابتسامةٍ وبكاءٍ، وانكمشت أصابعه بقوة حتى التصق مقبض الخنجر براحة يده كأنه جزءٌ منها.
لقد أدرك في تلك اللحظة كيف يفرّ من هذا الجمود. إن كان توقف الزمن عقابًا له على ما لم يفعل، فعليه إذًا أن يُتم ما بدأه.
ترنح النصل ثم هبط فوق فستانها، وترددت عبره رجفةٌ عنيفة رسمت شرخًا حادًا، وفجأة تحطم الجمود الذي كان يطوقها وتناثر الزمن إلى شظايا.
ولم يبقَ في عالمه سوى صوت بكاءٍ مكتومٍ ثقيلٍ انساب قبل أن يتبدل المشهد من حوله.
__________________________
احا الزمن يوقف اذا ماسوا المطلوب منه؟🤨 يعني حتى الزمن ضد علاقتهم
المهم مدري ارحمه ولا لا احسه مظلوم بنفس الوقت مجنون😭
أما اون كيونغ ياحرام خوفها هنا يوم لقاها يروع والحين حتى بكاها يوجع
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 39"