أدرك أنه ربما يقتله هذه المرة. فهبط قلبه سقوطًا لا نهاية له، وانهار جالسًا على الأرض، ثم بدأ يحرك ذراعيه المرتجفتين بيأس محاولًا الابتعاد عن توماس تيرنر.
“إلى أين تظن نفسكَ ذاهبًا؟”
لكن توماس، الذي أمسك بتلابيبه وسحبه نحوه بقوة، أفشل محاولته في الإفلات.
ثم اتجه طرف الخنجر الحاد نحو عنق إدوارد. و فكر في المقاومة، في أن يتلوى ليتفادى اللحظة التالية، لكنه عدل عن ذلك. فلم يكن يظن أن بوسعه الإفلات من قبضة توماس تيرنر الغليظة.
حتى في لحظة استسلامه، ظل توماس يلوّح بالخنجر في وجهه على سبيل السخرية، إلى أن سمع أن أحد رعاة الميتم قد وصل لزيارتهم، فعندها فقط خفف قبضته عن ياقة إدوارد. ثم رمى الخنجر بجانبه كما لو أنه يتخلص من قمامة، ومضى مبتعدًا بخطواتٍ باردة.
لم يكن لدى إدوارد ما يكفي من القوة للنهوض، فظل ممددًا يلهث بصعوبة، ثم مسح دموعه بعنف من أطراف عينيه وأجلس نفسه بصعوبة.
كان توماس تيرنر من أولئك الذين لا يسترجعون ما تخلّوا عنه، لذا بحلول المساء، سيكون قد نسي تمامًا أمر الخنجر. فلم لا يحتفظ به هو إذًا؟ فحتى توماس نفسه كان قد التقطه من مكانٍ لا يخصه.
حدّق إدوارد في الخنجر بوجهٍ خالٍ من التعابير، ثم نهض وهو ينفض التراب عن ثيابه، على يقينٍ بأن يومًا ما سيأتي حين يُستعمل هذا الخنجر.
**
وكما توقّع، لم يُظهر توماس تيرنر أي اهتمامٍ بالبحث عن الخنجر.
تعافى الجرح، وتحول أثره إلى ندبةٍ باهتة، وحتى حين غادر إدوارد الميتم بعد أن أصبح الابن بالتبنّي لهنري هاملتون، لم يذكر أحدٌ ذلك الخنجر.
و لم يكن لديه الكثير من الأمتعة ليحملها، لكنه جمع كل ما يملك من ملابس ليخفي بينها الخنجر.
كان قصر هنري هاملتون فخمًا وضخمًا إلى حدّ الإبهار. ولندن، تلك المدينة الصاخبة المزدحمة، جعلته يظن أنه ربما سيستطيع أن يعيش فيها بسعادة.
وربما سيأتي يومٌ ينسى فيه الخنجر الذي يحتفظ به…..لكن ذلك الأمل تبخّر سريعًا، كسراب.
رغم أنه أصبح له أب، ظلّ إدوارد وحيدًا. ومع ذلك، لم يكن يدرك أنه يعيش وحيدًا.
ومع أن الوحدة لم تكن تؤلمه، لم يكن يظنها شيئًا سيئًا. فما دام لا يطلب المودّة، فلن يشعر بالأسى لفقدانها، حتى تجاه والده بالتبنّي.
تعلّم إدوارد، حتى صار جسده أطول من جسد هنري هاملتون، كيف يعتاد على العنف المقنّع باسم التأديب، لكنه لم يعتبره يومًا أمرًا طبيعيًا.
كان الحقد دائمًا يعتمل في أعماق قلبه، كموجٍ خفيّ لا يهدأ. لكن مهما كانت مكنونات نفسه، لم يعصِ إدوارد يومًا أوامر هنري هاملتون، وحتى حين قدّم له ذات يوم فتاةً دون سابق إنذارٍ قائلًا: “هذه هي المرأة التي ستكون خطيبتكَ”، استقبلها بابتسامةٍ هادئة.
ربما لأن ابتسامته تركت فيها أثرًا. كان يراها تبتسم دون شائبة، تبدو مهذبة، كأنها نشأت في بيئة رقيقة.
تأملها بنظرة باردة، ثم علّق في نفسه بحسد. وربما شعر نحوها بشيءٍ من الشفقة، لعلمه بأنها ستُعرف يومًا ما بأنها “خطيبة قاتل”.
ومع ذلك، كان يواظب على زيارة إليزابيث ريدل. أحيانًا يحمل لها الزهور، وأحيانًا — ونادرًا — يكتب رسالةً بخط يده ويقدمها لها بنفسه.
كانت رسائل بسيطة لا تحمل شيئًا ذا بال، لكنها كانت تبتهج بها في كل مرة وتتسلمها بابتسامةٍ صافية.
وكان ذلك اليوم مشابهًا لسابقاته. زارها حاملًا باقة وردٍ صغيرة من الورود الوردية، وهو يتوقع أن تستقبله بابتسامةٍ كما اعتاد، لكن حين ظهرت أمامه بوجه مضطرب، سألته فجأة: “الممثل؟”
تفاجأ إدوارد هاملتون بلقبٍ لم يسمعه من قبل، ولم يفهم له مغزى. لكن المرأة لم تترك له فرصة للاستفهام، بل تقدمت نحوه بخطواتٍ متحمسة وقد اختلط في صوتها الحماس بالتوتر، وهي تتحدّث بسرعة،
“الممثل، ما الذي تفعله هنا؟ لا، بل الأهم…..ما الذي يحدث بالضبط.…؟”
وبينما كان يفكر بما يجب أن يجيبها، خيّم ظلامٌ دامس على الغرفة، ظلامٌ كثيف حتى أنه لم يعد يرى موضع قدميه. ثم، في لحظة خاطفة، عاد النور وانقشع كل شيءٍ كما لو لم يكن.
كان لا يزال واقفًا في غرفة استقبال منزل عائلة ريدل، لكنه أدرك بوضوحٍ أن هناك شيئًا تغيّر. فسرت قشعريرةٌ باردة في رأسه.
وقف بوجه متجمّد يحاول استيعاب ما جرى، حين بدأ يسمع وقع أقدامٍ مسرعة تقترب نحوه. وبعد لحظات، فُتح الباب، وظهرت أمامه إليزابيث ريدل نفسها.
ظل إدوارد صامتًا، يرمش بعينيه وهو ينظر إليها، ثم ناداها باسمها كما فعل قبل قليل، مبتسمًا ابتسامةً هادئة.
لكن ذهنه ظل مضطربًا. فقد كانت هي واقفة متوترة، ثم رفعت طرفي شفتيها بابتسامة متكلفة مرتجفة.
“……إدوارد.”
ابتسم ابتسامةً مشرقة، فيما خطر بباله سؤالٌ مباغت، من تكونين؟
هذه ليست خطيبته. وبمجرد أن ساوره هذا الشك، بدأ كل ما تفعله أمامه يثير ضيقه.
وميض عينيها، تصلّب شفتيها، وحتى حركاتها التي تحاول فيها تقليد الرشاقة والاتزان بدت له مصطنعةً على نحوٍ بائس.
في هذا الموقف الغريب، حيث كان الجميع يتعامل مع تلك المرأة وكأنها إليزابيث ريدل، بدا الأمر مضحكًا بعض الشيء أن يكون الوحيد الذي أدرك أنها ليست هي هو بالذات، الرجل الذي لم يكن يهتم بها أصلًا.
ومع ذلك، لم يُبدِ إدوارد أي دهشة، بل قابل حديثها بهدوء.
“يسرني أن أراكِ مجددًا. تبدين بصحةٍ جيدة، وهذا يطمئنني.”
ناولها باقة الورد التي كان قد أعدّها لخطيبته، فتلقّتها بطبيعية، دون تردد.
راح يتأملها باهتمام خافت وهي تمرر أصابعها بين أزهار الورود وتستنشق عبيرها، ثم حين رفعت رأسها نحوه، ابتسم ابتسامةً رقيقة ومدّ يده نحوها.
لكنها تفاجأت من حركته وتراجعت خطوةً إلى الخلف، و بدت ملامحها شاحبةً كأن الخوف تسلل إلى قلبها.
كل ما فعلته أنني مددتُ يدي فحسب، فلماذا تخافين مني؟
تأملها إدوارد بصمتٍ طويل، ثم مد يده ببطء ليمسح خصلةً من شعرها المتساقط على وجهها ويعيدها خلف أذنها.
كانت على وشك أن تخفض رأسها بخجل، لكن صوته قطع اللحظة بخفة، كأنه نطقها بدافعٍ غريزي.
“الجو مشمسٌ اليوم بعد فترة طويلة.”
و هذه المرة، حين مدّ يده مجددًا، لم ترتبك المرأة.
“هل نتنزّه قليلًا؟”
لم يخطر بباله يومًا أن يضيع وقته في شيء تافه مثل السير مع أحد. لكنه هو من اقترحه هذه المرة، مما جعله يبتسم لنفسه بسخرية خافتة وهو يسير بجانبها.
هزّت رأسها موافقة، وراحا يسيران بين صفوف الزهور المزدهرة.
و ربما كانت سعيدةً بعرضه الدعوة بهذه السهولة، فكر بذلك وهو يرمق وجهها بطرف عينيه، لكنه لاحظ أن ملامحها كانت جامدة على غير ما توقع. فعقد حاجبيه قليلًا.
“هل تشعرين بعدم الارتياح؟”
“لا، لا، أنا بخير. لستُ منزعجة.”
لكنها لم تبدُ صادقة، وكأنها تحاول إخفاء شيء.
وكأنها قرأت ما يدور في ذهنه، أضافت بسرعة بضع كلماتٍ مرتبكة،
“فقط كنت أفكر أن الحديقة مُعتنى بها بشكلٍ جميل.”
ويبدو أنها أدركت بنفسها أن تبريرها غريب، إذ عضّت شفتها السفلى وقطّبت حاجبيها بانزعاج.
تأملها إدوارد بهدوءٍ طويل، ثم لم يتمالك نفسه وأطلق ضحكةً خافتة، ناعمة كهمس. فاتسعت عيناها بدهشة حين سمعت ضحكته، ثم بدت على وجهها لمحة ارتياح قصيرة تبعتها ابتسامةٌ صغيرة خاطفة، قبل أن تتلاشى ثانيةً ويعود التوتر إلى ملامحها.
حين لمح ملامح التوتر على وجهها، شعر بشيءٍ يضطرب في صدره كأن شيئًا يلتف داخله ببطء. فضاق إدوارد يعينيه محدقًا فيها طويلًا، ثم ما لبث أن فقد اهتمامه وأدار وجهه عنها.
شعر أن استمراره في النظر إليها أكثر مما يجب سيبدد حتى ذلك القدر الضئيل من الارتياح الذي كان يشعر به قبل لحظات.
ربما يكفي أن يواصلا السير لبضع دقائق أخرى ثم يعودا.
كان يجيبها بفتورٍ، مسايرًا حديثها بلا مبالاة، إلى أن لاحظ فجأةً أنها لم تعد ترد.
كانت تتحدث بطلاقة قبل قليل…..فما الذي حدث؟
التفت لينظر إليها، لكن في اللحظة نفسها خبا الضوء من حوله وبدأ المشهد كله يغرق في عتمةٍ باهتة. وحين فتح عينيه مجددًا، وجد نفسه واقفًا في ذات غرفة الاستقبال، حاملًا باقة الورد بيده كما من قبل.
رمش بعينيه محاولًا استيعاب ما يحدث، ثم خطرت بباله فكرةٌ عبثية جعلته يضحك ساخرًا.
فكر بأنها فكرةٌ لا يُمكن تصديقها، لكنها الوحيدة التي تفسر ما يجري.
‘يبدو أن الزمن…..يعود إلى الوراء شيئًا فشيئًا.’
زمن يعود؟ أي هراءٍ هذا؟ لم يسمع يومًا عن مثل تلك الخرافة.
أطرق محدقًا في باقة الورد بعبوس، ثم أطلق تنهيدةً قصيرة.
ستظهر المرأة التي تتظاهر بأنها خطيبته في أي لحظة، وكان عليه أن يهيئ ملامحه قبل أن يراها.
قرر أن يؤجل محاولة فهم ما يجري إلى وقتٍ لاحق، وحين ارتسمت على وجهه ابتسامةٌ مصطنعة بالكاد، سمع وقع الخطوات يقترب.
“إدوارد.”
نادت اسمه هذه المرة بوجهٍ أكثر ثباتًا وملامح أكثر طبيعية. فابتسم هو أيضًا ابتسامةً هادئة مرحّبًا بها.
وبدا واضحًا له أن مهارتها في التمثيل تتحسن مع كل مرة، كأنها تحتفظ بذكرياتها من المرات السابقة التي عاد فيها الزمن.
ومع تكرار اللقاءات، أصبحت حواراتهما أكثر سلاسة وطبيعية. فبعد أن كان قد اقترح عليها في المرة الأولى بشكلٍ عفوي أن يخرجا في نزهة، صار الآن يمدّ يده لها وكأن الأمر مقررٌ منذ البداية.
ردت بصوتٍ جافٍ لا مبالٍ، ثم بادرت بابتسامةٍ صغيرة مرتبكة حين لاحظت نظرته، كأنها تخشى أن يحدث ما لا يُحمد عقباه إن لم تفعل.
هل هي أيضًا جزءٌ من هذا الزمن الذي يعيد نفسه؟
تساءل بذلك في نفسه، ثم تحدّث بنبرة تنم عن القلق،
“يداكِ كانتا باردتين. لحسن الحظ أن الشمس مشرقةٌ اليوم، لكن الأيام الماضية كانت غائمة، وربما كان من السهل أن تصابي بالزكام.”
فأجابت بصوتٍ متردد،
“أنا بخير…..ربما فقط أشعر ببعض التوتر. فكرة لقائنا جعلتني أشعر بالارتباك…..أو الحماس.”
“حقًا؟ ولكن لم يمضِ وقتٌ طويل منذ لقائنا الأخير.”
“أسبوعان كافيان يا إدوارد.”
أجابت بنبرة عتابٍ خافتة، وقد ارتسم على وجهها تعبيرٌ حزين كأنه يحمل شيئًا من الدلال المصطنع.
لماذا قالت تلك الكذبة في نهاية الحديث، رغم أنه لا داعي لها؟
ربما لأنها أرادت أن تخفي شيئًا، أو لأن ملامحها الحزينة — التي لم يكن فيها أي صدق — أثارت في نفسه ضيقًا غريبًا.
مدّت يدها تلمس وجهه بنعومة مشفقة، و شعر إدوارد في تلك اللحظة بخزيٍ حاد يتغلغل في صدره، فأغمض عينيه للحظة كأنه يريد أن يهرب من ذاته.
ربما، الزمن لن يعود هذه المرة؟ أو ربما سيعود، لكن تلك المرأة ستظل تذكر كل ما دار بينهما، فلا معنى لذلك أصلًا.
ابتسم بسخرية مريرة، ثم أخذ يدها ورفعها برفق ليطبع على ظاهرها قبلةً وهمية. و كان منظرها وهي تتصلب حرجًا أمامه يرضيه بطريقةٍ يصعب تفسيرها.
كانت الشمس تميل نحو الغروب، وبدأ الشفق يبتلع شوارع المدينة. هذا اليوم الطويل الثقيل كان يوشك أن ينتهي أخيرًا.
ولم يعد الزمن إلى الوراء هذه المرة.
افترقا بهدوء، بتبادل مجاملاتٍ ودودة، ثم مضى كلٌّ في طريقه.
وجاء الليل.
_____________________
كنت متوقعه من البدايه ادوارد يدري عن رجعة الزمن ذي
المهم القصه الجانبيه ذي عن وجهة نظر إدوارد مب مطوله مره بس بيجيبون اشياء✨ ومشاعر ادوارد وكل شي ✨
وناسه الصدق بس على كذا معناه ادوارد هو البطل؟ مب أكيد😘
انا من كثر الحيره انتظر بس من الي طلع لها وافرح خلاص😂
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 37"