انهمرت الظلال على وجه إدوارد من بين رموشه المبللة بالدموع.
و رفع يده المرتجفة بلطف، ومسح وجه أون كيونغ الغارق في الدموع، ثم أمال رأسه حتى لامس جبينها، وهمس بصوتٍ مبحوحٍ متهدّج، كأنه يودّعها للمرة الأخيرة.
“كنتِ……سعادتي في هذه الحياة.”
في تلك اللحظة، فُتح الباب فجأة. و نظرت أون كيونغ من خلف كتف إدوارد، فرأت آرثر يلهث من فرط الجري، يحدّق بهما بعيونٍ متسعة، وفي اللحظة نفسها اخترق نصلٌ باردٌ ظهرها بعمق.
و لم يكن الألم كما تخيلته.
توقف نفسها للحظة، ثم زفرت ببطء وهي ترمش بعينيها، تشعر بشيءٍ دافئ يتدفق بسرعة من موضع الطعنة، ومع ذلك لم يكن هناك ألم، فقط وعيها الذي أخذ يخفت شيئًا فشيئًا.
وجه آرثر الذي تجمّد مكانه، وهو يحدّق فيها، انقبض فجأة بانهيارٍ مؤلم. و اندفع نحوها بخطواتٍ ثقيلة، أمسك كتف إدوارد بعنف ودفعه جانبًا، ثم إلتقط جسدها المترنّح بين ذراعيه.
فشعر على الفور بحرارة الدم تبلل كفّيه، فشهق شهقةً قصيرة.
“أنتِ……لماذا……”
قال ذلك بصوتٍ متقطع وهو يضمها بذراعين مرتجفتين، يكاد لا يسيطر على نفسه من الذعر.
“لماذا جئتِ إلى هنا……لقد قلتُ لكِ……ألا تأتي……لقد حذّرتكِ……”
تساقطت دموعه بغزارة، وانحدرت على وجنتيها الملطختين بالدم.
أمسك مقبض السكين المغروس في ظهرها، ثم تراجع متردّدًا، كان يخشى أن يسحبها فيزيد حالتها سوءًا.
أطلق أنينًا كأنما الطعنة أصابته هو، ثم انحنى على رأسها هامسًا برجاءٍ متقطّع،
“أرجوكِ……فقط قليلاً بعد……أرجوكِ……”
اختفى صوته غير المكتمل تحت دويّ الرعد المزلزل.
راح يتمتم بكلماتٍ مضطربة، بين الغضب واليأس، قبل أن يصرخ في النهاية راجيًا إياها أن تفتح عينيها.
لكنه كان يعلم — حتى وهو يتوسل — أن الزمن لن يتوقف انتظارًا له، وأن كل ما تبقّى له من أنفاسٍ لن يكون كافيًا لإنقاذها.
وما إن انطفأت شعلة الحياة في عينيها، حتى لم يبقَ سوى رماد الحزن في قلبه.
جمعت أون كيونغ بصعوبة صوتَه المرتجف داخل صدرها، تحاول حفظه في آخر ما تبقّى من وعيها، وقطبت حاجبيها قليلًا من الألم.
كل ما في هذا المكان — حتى الاسم الذي تحمله — لم يكن لها، لكن الدموع التي أغرقت صدرها، والأنين الذي بلّل قلبها، كانا وحدهما ملكًا لها.
لهاثها صار متقطعًا، بينما رفعت يدها تحاول الإمساك بذراعه، لكن القوة كانت قد فارقتها.
لم تعد تشعر بذراعيها، ولا حتى برقبتها، وحده التنفس بقي يتحرك بخفة، كمعجزةٍ صغيرة قبل النهاية.
ثم رمشت ببطء، وحركت شفتيها. فقد كانت تريد أن تقول له: لا تبكِ.
لكن الصوت لم يخرج — بقي حبيس حلقها، فيما الموت كان يصعد في صدرها مثل ماءٍ غامر.
و شعرت أن نهايتها قد حانت. كأن موج البحر بدأ يبتلع جسدها من قدميها إلى أعلى، ومع ذلك، كان السلام الذي يغمرها يشبه الغرق في حلمٍ عميقٍ هادئ.
“هل ستستطيع نسياني بعد رحيلي؟ فأنا أتمنى……أن تنساني حقاً.”
كانت تلك الأمنية الأخيرة التي تمتمت بها قبل أن يذوب كل شيءٍ في سكونٍ مطبق.
وهكذا……أُسدلت الستارة أخيرًا.
***
ما إن فتحت عينيها حتى وقع بصرها على الثريّا العملاقة التي تعلّق في مسرحٍ رأته عشرات المرات من قبل.
رمشت أون كيونغ بعينيها بضع مرات، ثم خفَضت نظرها نحو الأسفل.
و داخل كيسٍ بلاستيكي يحمل شعار شركة الإنتاج، رأت كتيّب البرنامج الأسود وبعض الشارات وبضائع أخرى من منتجات العرض.
حدّقت فيها بذهولٍ لبرهة، ثم حوّلت نظرها إلى ذراعها. و كانت ترتدي قميصًا رقيقًا يغلّف بشرتها.
صحيح……كانت تمطر بغزارة، ولم يكن معها مظلة، وكانت ترتدي هذا القميص الرقيق فقط……وتذكّرت كيف كانت غاضبةً من ذلك قبل قليل.
الذكريات بدأت تعود ببطء، كما لو أنها تستيقظ من حلمٍ طويل.
وفجأة، اتسعت عيناها دهشةً، ونهضت من مقعدها فزعة.
على الرغم من أن كثيرًا من الناس كانوا قد غادروا، إلا أن المسرح الذي كان يعجّ بالحركة قبل لحظات غمره الآن سكونٌ غريب.
لم يكن الأمر مجرّد هدوءٍ بعد الضجيج — بل لم يبقَ أحد.
نظرت حولها بوجهٍ شاحبٍ كالورق، وقلبها ينبض بجنون، ثم اندفعت تنزل الدرج بسرعة. و عبرت الردهة حيث كانت شاشة العرض تكرّر بث مقطعٍ دعائي قصير مدته ثلاثون ثانية أعدّته شركة الإنتاج، وتوقفت عند الباب الدوّار.
هناك فقط لاحظت أن السماء كانت صافية تمامًا. فتجمّدت في مكانها من الدهشة.
كيف يعقل ذلك؟ قبل قليل كانت السماء تمطر بغزارة!
أخرجت هاتفها على عجل، فرأت أن الوقت لم يبتعد كثيرًا عن لحظة انتهاء العرض. لكنها شعرت وكأنها وقعت تحت تأثير شيءٍ خارق، لا تفسير له.
علّقت الكيس على ذراعها دون وعي، وأخذت تحدّق في شاشة الهاتف مطوّلًا، ثم تذكّرت فجأة أنها كانت قد استدعت سيارة أجرة قبل دخول المسرح.
سارعت إلى فتح سجلّ الطلبات — لكنه كان خاليًا تمامًا، كما لو أن الاتصال لم يحدث أصلًا.
وقفت بلا حراكٍ لوقتٍ بدا كالأبدية، ثم رمشت بعينين فارغتين قبل أن يتشنّج وجهها ألمًا.
‘هذا لا يمكن أن يكون حلمًا……لا يمكن.’
كان الخوف الذي اختبرته قبل لحظاتٍ واقعيًا إلى حدٍ يجعل استحالته حلمًا.
خرجت أون كيونغ مترنّحةً من الباب الدوّار. فضربها هواءٌ جافّ خالٍ من أي أثرٍ للرطوبة، تسلل إلى أعماق صدرها.
وكانت نسمات الخريف الباردة تلامس خدّيها وتنساب مبتعدة، كأنها تمرّ فوق أثرِ حياةٍ لم يعد لها وجود.
لم يكن الوقت متأخرًا جدًا، ومع ذلك لم تمرّ أي سيارة على الطريق.
فشعرت أون كيونغ وكأنها تحلم، أو ربما ما زالت غارقةً في كابوسٍ لم تستفق منه بعد. و بدأ الخوف يتسلّل من أطراف أصابعها صاعدًا ببطءٍ نحو جسدها.
تسارعت خطواتها شيئًا فشيئًا. بينما كان في رأسها صوتٌ واحد يصرخ: يجب أن أجد أحدًا……أيّ أحد.
لكن إلى أي اتجاهٍ عليها أن تذهب؟ نحو الطريق الكبير؟ أم إلى الجهة التي كانت مزدحمةً بالناس قبل قليل؟ إلى اليسار؟ أم يجب أن تنعطف بالعكس؟
“عذرًا.”
هبط صوتٌ هادئ في أذنها، فقطع أفكارها. و تجمّدت أون كيونغ في مكانها.
كان صوتاً مألوف. نعم، كانت قد سمعته قبل قليل……لكن لسببٍ ما، لم تجرؤ على الالتفات فورًا.
تردّدت لبرهةٍ طويلة، ثم استجمعت شجاعتها وأدارت رأسها ببطء. و هناك، وقف رجلٌ بملامح حادّة، يبدو كمن عاد لتوّه من المسرح، يحدّق بها بصمت.
لكن في عمق سواد عينيه، كان هناك بريقٌ لا تخطئه العين — بريقُ سعادةٍ خالصة. فقد تعرّف عليها.
ارتجفت شفتا أون كيونغ، كأنها على وشك البكاء، ثم تمتمت بارتباك،
“……ما الأمر؟”
“هناك شيءٌ أودّ قوله لكِ.”
قال ذلك وهو يقترب بخطواتٍ ثابتة، ثم خلع معطفه ووضعه على كتفيها برفق.
شدّ أطرافه جيدًا حتى لا ينزلق، وراح يُصلح ياقة الثوب بتوترٍ خفيف، كمن يبحث عن الكلمات المناسبة، ثم التقت عيناه بعينيها — فابتسم بتعبٍ واستسلام، مدليًا يديه ببطء.
أون كيونغ كانت تعرف ما الذي سيقوله بعد ذلك. فقد تبادلا هذا الحديث من قبل.
ويبدو أنه هو أيضًا تذكّر. فالكلمات التي كانت قد قالتها له في البداية، كان هو الآن من يعيدها إليها.
ورغم أنها لم تكن واثقةً من شيء — فالشخصان اللذان يعرفان بعضهما الآن ليسا تمامًا نفسيهما في ذلك العالم الآخر، والذكريات التي جمعتهما لا تنتمي إلا إلى وهمٍ عابر — إلا أن الرجل، متجاهلًا كل ذلك، اختار أن يقترب منها مجددًا.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 36"