كما كانت تتوقع، عادت أون كيونغ بالزمن. لكن هذه المرة لم تعد إلى يومٍ كامل، بل إلى نصف يوم فقط.
لم تستطع معرفة السبب من فم أحد، لكنها خمّنت أن هنري هاميلتون قد تدخّل بطريقةٍ ما.
وبفضل ذلك، كان عليها أن تلتقي بآرثر مجددًا فور عودتها.
ظلّ يعاملها ببرودٍ كما في السابق، غير أن ذلك لم يعد يؤلمها كما كان من قبل، لأنها كانت تعرف الآن ما الذي يخفيه خلف ذلك البرود.
أصغت أون كيونغ إلى كلماته في صمت، لا تبتسم، ولا تبالغ في التفاعل، بل تكتفي بالاستماع الهادئ، ثم تومئ إقرارًا وتنهي الحديث بهدوء. و لم تذكر كلمةً عن زيارتها لهنري هاميلتون.
لاحظ آرثر سكونها الغريب، وكأن في نفسه شكًّا ما، لكنه لم يسألها عمّا جرى.
فقط حين همّ بالمغادرة، توقّف قليلًا، ثم قال ببطء، وفي صوته نبرةٌ حذِرة تتسلّل منها العاطفة رغم جفافها الظاهر،
“……رجاءً، كوني حذرة.”
كانت كلماته عاديه، لكن دفء القلق الذي تسلّل بينها لم يمكن إخفاؤه مهما حاول.
حبست أون كيونغ أنفاسها، تخنق ارتعاش صوتها المتبلل بالعاطفة، ثم رفعت طرف شفتيها بابتسامة واهنة.
الآن لم يتبقَّ سوى موت هنري هاميلتون. و بحلول مساء الغد، ستتمكن أخيرًا من العودة إلى الواقع.
كانت قد فكّرت من قبل أن هذه النهاية قد لا تأتي أبدًا، وخشيت أن يطول العذاب إلى ما لا نهاية، أن تظل تموت وتعود إلى الوراء مرارًا إلى الأبد.
لكنها أخيرًا اجتازت كل تلك الدوامات، ولم يبقَ أمامها سوى المشهد الأخير.
وفي اليوم الذي سبق الثالث عشر من أكتوبر، اليوم الذي سيقتل فيه إدوارد هنري هاميلتون، قضت أون كيونغ يومها غارقةً في دوامةٍ من الأفكار، تترك الوقت ينزلق منها بصمت.
‘هذه المرة، حتى لو طُعنت بسيف إدوارد، فلن أعود بالزمن. لأن ذلك كان من الأحداث التي تقع في مسرحية <الكابوس>.’
إذاً، ألا توجد طريقةٌ لأن تُسدل الستارة في اللحظة الأخيرة دون أن تموت إليزابيث؟
ربما لو نسّقت التوقيت جيدًا بحيث تقتحم الشرطة المكان قبل لحظة الطعن، لكان الأمر على ما يرام. لكن، متى بالضبط يجب أن تتقدم أمام إدوارد؟
بعد تفكيرٍ طويل، قررت أون كيونغ أن تجرّب أولاً عدم زيارة قصر عائلة هاميلتون في اليوم التالي.
جلست بهدوء، و وضعت ورقةً على المكتب وكتبت عليها التاريخ، ثم انتظرت. وحين حلّ الظلام أدركت أن خطتها فشلت.
وحين أضاء المكان فجأةً كأن النور عاد من تلقاء نفسه، نظرت إلى الورقة فرأت التاريخ قد مُحي.
لقد عاد الزمن إلى الوراء. وهذا يعني أنه يجب أن تكون في المكان نفسه عندما يُلقي آرثر القبض على إدوارد.
قبضت أون كيونغ على الورقة بشدة، وكرمشتها ثم عضّت شفتها ورمتها جانبًا.
هذه المرة، قررت أن تذهب إلى القصر، لكنها ستبقى مختبئةً حتى لحظة مقتل هنري دون أن تُصدر أدنى صوت.
إدوارد، الذي كان شديد الحساسية تجاه أي ضوضاء، لم يلحظ وجودها هذه المرة، لكن سرعان ما أدركت من الفوضى التي علت في الخارج أن الشرطة قد اقتحمت المكان، وفجأة غمرها الظلام.
وحين فتحت عينيها، كانت واقفةً في غرفة إليزابيث. و حتى بعد أن وصلت إلى قصر عائلة هاميلتون، عادت مجددًا بالزمن.
ظلت واقفةً تحدّق بالأرض بصمت، ثم أفلتت من بين شفتيها ابتسامةٌ باهتة.
أغمضت عينيها قليلًا لتدع دموعها القليلة تنساب، ثم اعترفت بهدوء أن لا مفر من موتها.
لن يتغير شيء مهما حاولت مجددًا. فالانتظار في القصر وحده لم يكن كافيًا.
إن لم تقف أمام نصل سيف إدوارد، فسيظل الزمن يعيد نفسه مرارًا، وستعيش يومًا أبديًا في واقعٍ ليس واقعها.
لذلك كان عليها أن تذهب.
فتحت أون كيونغ خزانتها وأخرجت منها فستانًا أبيض كان معلقًا وحيدًا فيها. ذلك الفستان الذي ارتدته إليزابيث في المشهد الأخير، وكفنها في آن واحد.
***
كانت ليلةً تتساقط فيها الأمطار بغزارة. و كان صوت تساقطت قطرات المطر الخفيفة يمزق الهواء كأنه شفرات حادة.
وقفت أون كيونغ أمام القصر تحدّق بصمتٍ في المبنى الغارق في الظلام، ثم دخلت إلى الداخل بخفة.
عبرت الممر الهادئ، وما إن وقفت أمام الباب الذي وقفت عنده من قبل حتى بدأ قلبها ينبض بسرعة لا إرادية. وقد كان الباب مفتوحًا قليلاً.
أغمضت عينيها بإحكام، و تمالكت أنفاسها للحظة، ثم التقطت فجأة صوت أنين غريب مكبوت، فالتفتت غريزيًا لتنظر إلى الداخل.
لم يكن المكتب مضاءً جيدًا، لكن لم يكن من الصعب رؤية ما بداخله.
وبينما كانت عيناها تتفحصان المكان، تجمّدت كتفاها فجأة. فهنري هاميلتون، الممسوك بقبضة إدوارد، كان يحدّق بها.
عيناه، الموجهتان نحوها كأنه يطلب منها ألّا تهرب، كانت تلمعان بريقًا حيًّا رغم موته. فعضّت أون كيونغ شفتها لتكتم صرخةً كادت تفلت منها.
كانت خائفةً حدّ الهلع، تمنت أن تهرب فورًا. فلحظة مواجهة الموت لن تكون يومًا أمرًا تعتاد عليه، ولن تكون شيئًا يمكن تقبّله بهدوءٍ مهما استعدّ له المرء.
رغبة الفرار من هذا المكان كانت تدفعها بإلحاح لا يهدأ. لكن رغم ذلك، لم تستطع أن تهرب.
دفعت الهواء المشبع برائحة الدم إلى أعماق رئتيها، ثم رفعت يدها بوجهٍ متصلب ودَفعت الباب ببطء. فالتفت إدوارد ببطءٍ نحوها بينما كان يُمسك ياقة والده المتبنّى المتدلية، ينظر إلى جثته بوجه بارد خالٍ من الحياة.
انعكست ظلال النار المنبعثة من المدفأة على وجهه، ترسم عليه مزيجًا غامقًا من الضوء والعتمة.
لم يكسر الصمت سوى صوت المطر المنهمر على النوافذ الكبيرة، ثم دوّى رعدٌ هائل كأنه يهزّ الأرض. و أضاء البرق الغرفة لحظة، وانعكست ومضته على عيني إدوارد اللامعتين كخيطٍ من نار.
ثم، بوجهٍ جامد يخلو من أي إحساس، أرخى قبضته. وسُمع صوت ارتطامٍ ثقيل كأن جذع شجرةٍ سقط أرضًا، فتهاوت جثة هنري عند قدميه.
لكن إدوارد لم يُلقِ لها بالًا، وركز بصره فقط على أون كيونغ التي كانت ترتجف وهي تتقدم نحوه ببطء.
“……لماذا جئتِ؟”
سألها إدوارد أخيرًا بصوتٍ خافت كأنه يتمتم، بعد أن لم يعد بينهما سوى بضع خطوات.
كان صوته يحمل شيئًا من الحيرة، وشيئًا من الغضب، ولمسةً من الحزن أيضًا — أو ربما كانت تلك المشاعر كلها متشابكةً في آنٍ واحد.
‘حزين؟’
ترددت أون كيونغ للحظة أمام ذلك الإحساس الذي لم تكن تتوقع أن تراه في عينيه، ثم رتبت ملامحها وترددت على لسانها جملةً سمعتها عشرات المرات من قبل.
“إدوارد، أنا……أعلم كل ما قمتَ به حتى الآن.”
لم تتوسل إليه، ولم تُظهر شفقة، ولم تطلب الرحمة بدافع حبٍّ أو خوف. بل واصلت الحديث بصوتٍ مرتجف، تخنقه الدموع التي كانت تكتمها بعناد، وهي تقول ما كان عليها قوله فحسب.
“لا ترتكب مزيدًا من الذنوب، إد……عندما يأتي الصباح، تعال معي و—”
“لا.”
قطع إدوارد كلامها بلطفٍ حاسم، ثم جثا على ركبتيه أمامها كما لو كان يشاركها الضعف نفسه.
مدّ يده ليحتوي وجهها برفق، والتقت عيناه بعينيها. وذلك الدم الذي لطخ يديه تساقط على وجنتيها، ولطّخ عينيها بآثارٍ حمراء قاتمة.
أغمضت أون كيونغ عينيها للحظة من شدة رائحة الدم التي كادت تفقدها توازنها، فامتزجت دموعها بالدماء ورسمت خطًّا رفيعًا على خديها.
وحين فتحت عينيها بصعوبة، بدأت الرؤية تتضح، فرأت وجه إدوارد المتصلب أمامها.
“أنتِ تعلمين أنكِ لا تستطيعين منعي، أليس كذلك؟”
انحدرت دموعه على وجنتيه الرفيعتين لتتساقط على الأرض قطرةً بعد أخرى. و كان صوته هادئًا على نحوٍ موجع، حتى إن لم ترَ الدموع بعينيها، لما صدّقت أنه يبكي حقًا.
اتسعت عينا أون كيونغ دهشة، تحدّق به في صمتٍ مذهول.
ألَم يكن هذا هو الرجل الذي لم يُدرك حبّه إلا بعد أن قتل إليزابيث؟
ومع ذلك، لم يحاول مسح دموعه، بل ظلّ ينظر إليها بصمت، ثم أنزل يده ببطء عن وجهها. و تردد قليلًا، ثم مدّ ذراعيه ليطوّق ظهرها.
كانت حركته مترددة، بالكاد يمكن تسميتها عناقًا.
تسرّبت الرطوبة من الدماء إلى ظهرها في لحظة، بينما تقلّصت أصابعه بتوترٍ خفيف كأنما يخشى أن يؤلمها، ثم دفن وجهه في كتفها.
كان صوت بكائه المكبوت أعلى من صوت الرعد في الخارج.
حدقت أون كيونغ في الفراغ، عاجزةً عن رفع يديها لتعانقه، وتركت ذراعيها تتدليان بلا حول. بينما اهتزّ حلقها، وارتجف صوتها وهي تقطع الكلمات التي لم تستطع قولها.
“……آسف.”
همس إدوارد بالاعتذار وهو يبكي بصمت، صوته بالكاد يُسمع، لكنه ظلّ يهمس به قرب أذنها حتى لم تستطع إلا أن تسمعه بوضوح.
وظلّ محتفظًا بذراعيه حولها، يطلب الغفران مرةً بعد مرة، إلى أن بدأ ضجيجٌ يأتي من بعيد، فعندها فقط رفع رأسه ببطء، وانفصلا عن بعضهما بهدوء.
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة لغيرتها … لم تكن المشكلة اني دخلت القصة او ان روحي في جسد ايفا الشريرة بل المشكلة ان ايفا لديها أربعة وأربعون يوما فقط للعيش وبعدها سيتم قتلها من قبل...مواصلة القراءة →
استيقظت ووجدت روحي -في رواية كنت اقرأها- في جسد الأميرة ايفا ، الشريرة التي كانت تغار من البطلة لانها أقل شأنا منها وتضايقها بافعالها نتيجة...
التعليقات لهذا الفصل " 35"