في اليوم التالي للقاء آرثر مع هنري هاميلتون، قصد أون كيونغ أولاً لزيارتها. و لم تكن قد أنهت بعد ترتيب أفكارها أو تهدئة مشاعرها، لكنها لم تجد بُدًّا من لقائه.
مرّرت أون كيونغ أطراف أصابعها تحت عينيها المرهقتين من قلة النوم، ثم انحنت برأسها في تحيةٍ متوترة.
أما آرثر، الجالس في الجهة المقابلة، فبدا غير مهتمٍ بحالتها البادية على وجهها، ومع ذلك لم يستطع منع نفسه من ملاحظتها.
“سأدخل في صلب الموضوع دون مقدمات.”
وبينما كانت ما تزال مضطربة، أخرج آرثر بضع أوراق وقدّمها إليها.
نظرت إليها بنظرة متسائلة وهي تتصفحها بسرعة، فبدت وكأنها تحتوي على سجلّ حياة إدوارد هاميلتون، وأسماء ضحاياه، والعلاقة التي كانت تربطه بكل واحد منهم.
“الضحية الأولى، توماس تيرنر، كان يتيمًا من نفس دار الأيتام التي نشأ فيها إدوارد هاميلتون. الضحية الثانية، كاثرين ميلر، كانت معلمته. أما الثالثة، مارغريت غيلفورد، فكانت مديرة دار الأيتام التي قضى فيها طفولته.”
كان يتتبع الأسطر بإصبعه ببطء حتى توقّف عند الاسم المكتوب في نهاية الصفحة: هنري هاميلتون.
“ورغم أننا نتمنى ألا تقع جريمةٌ أخرى، إلا أن التحليل يشير إلى أنه إن أقدم على القتل مجددًا، فسيكون الهدف الأرجح هو والده بالتبنّي، هنري هاميلتون.”
لم تُضِف أون كيونغ شيئًا، واكتفت بالإنصات والتجاوب بتعابير بسيطة.
في الواقع، لم يكن فيما قاله خطأ. صحيحٌ أن مسألة إساءة هنري هاميلتون إلى ابنه بالتبنّي لم تُثبت بعد، لكن شبكة علاقات إدوارد كانت ضيقةً للغاية، لذا لم يكن من الصعب تحديد من قد يكونون الضحايا المحتملين.
“لا أدري إن كان ذلك حسن الحظ أم سوءَه، لكن تبيّن أن إدوارد هاميلتون لم يظهر في الأيام الأخيرة، كأنه غادر مكانه مؤقتًا. لذلك قررت الانتظار بالقرب من هناك حتى يعود.”
قال ذلك، ثم رفع عينيه نحوها بملامح غير راضية.
ولسببٍ لم تدركه، شعرت أون كيونغ بوخزةٍ في صدرها وخفضت ذقنها بخجل، ثم رفعت عينيها نحوه محاولةً ضبط ملامحها، كأنها تدعوه لمواصلة الحديث.
“ربما يكون الأمر خطرًا، لذا رجاءً، لا تقتربي من منزل إدوارد هاميلتون حتى نلقي القبض عليه.”
“نعم.”
أومأت أون كيونغ برأسها، ثم توقفت فجأة. ألم تكن قد قابلت هنري هاميلتون بالأمس فقط؟
ترددت وهي تهمّ بالرد، فتجمد وجهها على نحو غريب. و لاحظ آرثر ذلك وسرعان ما سألها بقلق،
“ما الأمر؟”
“ذلك، أمم……”
حرّكت أون كيونغ شفتيها مرارًا دون أن يخرج صوتٌ منها.
في الظروف العادية لم يكن من الصعب عليها الكلام، لكن ملامح آرثر القاسية جعلت الكلمات تخنقها في حلقها. ومع ذلك، لم يكن بإمكانها إخفاء الأمر للأبد.
انتظر بصمت حتى تجيب، إلا أن عينيه ظلّتا شاخصتين نحوها بإصرارٍ لا يلين.
كانت جملةً قصيرة مقارنةً بطول الانتظار، لكنها لم تلقَ أي رد.
انتظرت، بينما يعتصرها القلق كطفل يخشى أن يُوبَّخ، مترقبةً أن تسمع صوته، لكن الصمت طال أكثر مما تحتمل، فرفعت جفنيها ببطء. و كان أمامها وجه آرثر الشاحب، مجمّدًا كتمثال.
حتى حين التقت عيناه بعينيها، لم يستطع النطق بكلمة، بل فتح فمه بارتباك، قبل أن يقطب جبينه فجأة ويطلق أنينًا خافتًا.
قفز واقفًا دفعةً واحدة، ومدّ يده نحوها مترددًا، ثم سحبها ثانية، ليقبض عليها بقوة، بينما كانت عيناه تمسحان وجهها باضطراب.
ثم انهالت أسئلته في تتابع سريع،
“هل أنتِ بخير؟ لم تصادفي إدوارد هاميلتون، أليس كذلك؟ هل أُصبتِ بشيء؟ لقد شعرت منذ البداية أن ملامحكِ شاحبة، لكن لم أتصور أنكِ قابلتِ هنري هاميلتون……لماذا قابلتِه؟!”
كان يتحدث وحده دون انتظار جواب، متجهم الملامح كما لو أنه هو من أصيب بمكروه.
أما أون كيونغ، فقد جلست مذهولةً تحدّق به بصمت، لكن في خضم كلماته المتلاحقة، التقطت شيئًا واحدًا لم يفُتها أن تنتبه له.
‘قال أنه شعر منذ اللحظة التي التقاني فيها بأن ملامحي لم تكن على ما يرام.’
كنت أظن أنه لم يعد يهتم لحالي ولو قليلًا، بل بدا لي فعلًا كذلك. لكن الحقيقة أنه كان طوال الوقت منشغلًا بأمري.
ورغم تراكم القضايا المزعجة التي تثقل كاهله، غمر قلبي سعادةٌ مجنونة لا تفسير لها.
رمشت أون كيونغ في ذهول، تتساءل إن كانت قد سمعت خطأ، أو إن كان قد قال ما قاله دون أن يعنيه، لكنها حين أعادت النظر إلى وجه آرثر، بددت كل شكوكها.
كانت ملامحه تنطق بصدقِ قلقه، واضحةٌ لا لبس فيها، كأنه قد عاش لحظاتٍ من الخوف الحقيقي عليها. و لم تفهم في أي لحظة ألقى جانبًا ذلك البرود الذي كان يعاملها به قبل قليل وكأنها غريبة.
رؤيته على تلك الحال جعلت قلبها يضطرب على نحو غريب. لكنها حاولت تجاهل تلك الرجفة الناعمة التي دغدغت صدرها كنسمة خفيفة.
تصرفاته كانت مبالغًا فيها بلا شك. طريقته في الحديث والاهتمام بها كانت تشبه تعامل شخصٍ مع من يكنّ له مشاعر خاصة. ولم تستطع أون كيونغ التوقف عن التفكير في السبب الذي يجعله يتصرف هكذا معها.
ثم، وكأنها لم تستطع كبح نفسها أكثر، نطقت فجأة،
“لماذا تقلق عليّ إلى هذا الحد؟”
ما إن سمع سؤالها حتى بدا وكأنه استعاد رشده فجأة. و ارتسم على وجهه تعبيرٌ يدل على الذهول، كأنها قالت شيئًا لا يُصدق.
ومنذ أن عرفته، لم ترَ ملامحه شفافةً بهذا الشكل من قبل.
احمرّت أطراف أذنيها خجلًا، لكنها لم تطلب منه تجاهل السؤال، ولم تحاول استعجاله. بل جلست تنتظر جوابه بثباتٍ متوتر.
تلاقى نظرهما للحظة، ثم استعاد هو رباطة جأشه بسرعة، وأجاب بصوتٍ بارد جاف، يشبه نبرته القديمة قبل أن يلين معها،
“هل يوجد إنسانٌ عاقل لا يقلق حين يسمع أن شخصًا ما زار منزل قاتلٍ متسلسل؟”
قال ذلك بطريقةٍ توحي بأنه كان سيفعل الشيء نفسه مع أي شخص آخر غيرها. لكن……هذا ليس صحيحًا، أليس كذلك؟
‘لقد كان يقلق عليّ حتى قبل أن يعلم بأمر زيارتي له.’
حبست أون كيونغ الكلمات التي أوشكت أن تنفلت من لسانها، وأخذت نفسًا عميقًا.
لم يكن ما أرادت قوله عظيمًا، لكنها شعرت أن مجرد التحدث إليه في تلك اللحظة يحتاج إلى شجاعةٍ كبيرة.
عضّت شفتها برفق وهي تختار كلماتها، لكن كلما حاولت ترتيب أفكارها، تضاءلت ثقتها بنفسها أكثر فأكثر.
ثم أُصيبت أون كيونغ بنوبة قلقٍ خفيفة. هل من الصواب أصلًا أن أقول هذا في مثل هذا الموقف؟
ماذا سيتبقى إن فتحت هذا الباب؟ سواءً أصبحنا غريبين أكثر من الغرباء أو سارت علاقتنا في اتجاه آخر، فنهايتنا واحدة……سنفترق عاجلًا أم آجلًا.
أليس من الحماقة أن أفسد ما يمكن أن ينتهي بهدوءٍ بدافع فضولي الطائش، فقط لأعرف السبب الخفي وراء تصرفاته؟
ربما كان قلقه مجرد مجاملةٍ عابرة من رجل لطيف لا أكثر.
قبل لحظة كانت واثقةً من رغبتها في معرفة الجواب، أما الآن فبدأت الفكرة تتلاشى، وتغمرها قناعةٌ بأن الأفضل أن تدع الأمور تمضي فحسب.
وفي النهاية، أرخَت حاجبيها وهمست بصوتٍ خافت يملؤه الخجل والانكسار،
“آسفة……يبدو أنني سألت ما لا ينبغي سؤاله.”
خفضت رأسها قليلًا، تجمع بين شعورٍ بالحرج وشيءٍ من الحزن والارتباك، وحين بدأت ترفع نظرها لتواجهه من جديد، سمعَت صوتًا مترددًا خرج منه.
“لِماذا……”
كان صوته واهنًا كأنه سيتلاشى، لكنه لم يكن عسيرًا على أذنها أن تتعرف عليه.
كان مختلفًا عن نبرته قبل قليل—فيه غضبٌ خافت، وشجنٌ دفين.
رفعت رأسها فرأت وجهه مشوهًا بالحزن، كأن الألم يخنقه. ثم أطلق أنفاسًا مرتعشة مبللة بالحسرة، وبقيت هي صامتة تنتظر ما سيقول.
“ألم يكن بإمكانكِ……أن تتظاهري بعدم الفهم فحسب؟”
خرجت كلماته مرتجفة، مملوءةً بالعتب.
حين علم أن خطيبها قاتلٌ متسلسل، ثم سمعها تقول أنها لا تستطيع تسليمه رغم امتلاكها الدليل، اجتاحه الغيظ. أراد أن يسخر منها، أن يسألها بمرارة كم تحبه حتى تطلب شيئًا كهذا.
لكنه لم يستطع. فهو يعرف أنه مذنبٌ أيضًا—يعرف أنه يحب امرأةً مخطوبة، وأن مجرد الاعتراف بذلك جريمة.
دفن مشاعره في أعماقٍ لا يصل إليها أحد، آمِلًا أن يذبل هذا الحب ويموت بمرور الوقت. لكنه لم يمت.
“فلماذا، إذًا، تصرين على أن تجعليني مذنباً في حبكِ؟”
أطرق آرثر رأسه متجنبًا نظراتها، يعلم أن ردها سيأتي لا محالة— ربما ستنهض وتغادر، أو ربما تنظر إليه باحتقار.
لكن ما جاء بعد ذلك لم يكن أيًّا من ذلك.
“أنا أيضًا……أحبكَ.”
كلماتها كانت همسًا خافتًا، كأنها تخشى أن تكون حلمًا إن نطقتها بوضوح.
نظر أمامه مذهولًا، فرأى ابتسامة حزينة على شفتيها. كانت تبدو على وشك البكاء، ومع ذلك لم تسقط منها دمعةٰ واحدة.
ثم تابعت بصوتٍ رقيق،
“لولاكَ، لما استطعت أن أعيش كل هذا الوقت في مكان لا أعرف له اسمًا ولا نهاية.”
كانت تعلم أن الزمن سيعود إلى الوراء قريبًا.
لم تقلها صراحة، لكنها كانت تشير إلى أنها ليست من هذا العالم، وأن اعتراف “إليزابيث” لآرثر بالحب ليس سوى خلل في مجرى القصة.
ولذلك، كان واضحًا أنه لن يفهم كلماتها، ولن يتذكرها حين ينقلب الزمن.
أمسكت بيديها بإحكام، تخشى أنه إن لم تفعل، فستمدهما نحوه متوسلةً ألا يدعها تذهب.
“شكرًا……على كل شيء.”
رأت شفتيه تتحركان كأنه يحاول الرد، فابتسمت له بهدوء.
“أتمنى أن تكون سعيدًا……دائمًا.”
ثم سقط الظلام.
___________________________
الظلام……يعني رجعت بالزمن……وجع عالمسرحيه وابو إدوارد وادوارد نفسه
بس وناسه اعترفت 😭 يعني آرثر البطل 🤏🏻 اشقراني رايع
اذا هو بطل صدق يارب يتذكر اعترافها حتى لو رجعوا بالزمن 😔
باقي ✨فصلين✨
Dana
✨ انضم إلى المجتمع – منتديات الموقع
عالم الأنمي
عـام
منتدى يجمع عشاق الأنمي من كل مكان!
شاركنا انطباعاتك، ناقش الحلقات والمواسم الجديدة، تابع آخر الأخبار، وشارك اقتراحاتك لأفضل الأنميات التي تستحق المشاهدة.
سواء كنت من محبي الشونين، الرومانسية فهذا القسم هو موطنك!
منتدى يجمع عشّاق المانهوا في مكان واحد، من محبي القراءة إلى المترجمين والمهتمين بآخر التحديثات.
هنا نناقش الفصول، نتابع الأخبار ، نشارك التسريبات، ونوصي بأفضل الأعمال...
منتدى مخصص لمحبي الروايات ، سواء المؤلفة بأقلام عربية مبدعة أو المترجمة من مختلف اللغات.
هنا نشارك الروايات الأصلية، نناقش الفصول، نتابع التحديثات، ونتبادل التوصيات...
التعليقات لهذا الفصل " 34"